فيما ينتظر السودانيون أن تفضي التحركات الدبلوماسية المختلفة إلى تحقيق وقف للحرب ولو في شكل هدنة مؤقتة تعطي فرص للمفاوضات والتقاط الأنفاس، يتحرك الجيش السوداني عكس ذلك تماما من خلال فتح جبهات جديدة للحرب.
بورتسودان (السودان) – يسعى قائد الحيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان من وراء التصعيد العسكري، والهجوم على مدينة ود مدنى عاصمة ولاية الجزيرة، إلى إرباك مساعي الحل السياسية لأزمة السودان ككل بالرغم من توفر فرص للتفاوض وبدعم من جهات مختلفة كان آخرها دعم الإمارات للمبادرة التركية.
ويحذّر مراقبون للشأن السوداني من أن سياسة الهروب إلى الأمام لن تفضي إلى خلق واقع جديد، وعلى العكس ستجعل الجيش معزولا في محيطه الإقليمي خاصة برفض المشاركة في مختلف المنصات وعرقله المساعي الدولية للحل. ويدرك معسكر الجيش أن إضاعة الوقت في الصراع حول ماهية المنبر الذي يجب الاعتماد عليه للتفاوض، واستنزاف الجهود الدولية، تخدمه لكي يستمر في المعارك العسكرية.
واقتحم الجيش السوداني وقوات نظامية أخرى السبت مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام، وأكد تحقيق تقدم فيها. وفي بيان، “هنأ” الجيش الشعب السوداني “بدخول قواتنا مدينة ود مدني وهي تعمل الآن على (تطهير) جيوب المتمردين داخل المدينة”.
ويرى المراقبون أن قيادة الجيش السوداني تريد أن تستغل حالة التهدئة الميدانية، وانتظار مختلف الأطراف لمساعي الحل السياسي والوساطات المختلفة، من أجل خلق واقع جديد على الأرض تستطيع أن تتفاوض عليه من موقع قوة، لكنها تتناسى أن قوات الدعم السريع باستطاعتها الرد وتصعيد الموقف في ود مدني وفي مناطق أخرى، وأن التهدئة لا تعني أن الدعم السريع قد فقدت قوتها.
ومنذ أبريل 2023 تدور حرب بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو في السودان، وقد أدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص. وشارك الجيش مقطعا مصورا على وسائل التواصل الاجتماعي يقول إنه من داخل ود مدني على الجانب الغربي منها، بعد إعلان الجيش أنه “اقتحم المدخل الشرقي” للمدينة. ويبدو أنه تم تصوير المقطع على الجانب الغربي من جسر حنتوب، الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع منذ ديسمبر 2023.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة السودانية وزير الثقافة والإعلام خالد الإعيسر في بيان “تمكنت القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والمستنفرون من تحرير مدينة ود مدني”. وقال شاهد عيان من منزله في وسط ود مدني، طالبا عدم الكشف عن هويته حرصا على سلامته “انتشر الجيش والمقاتلون حولنا في كل شوارع المدينة”.
وتطال الانتقادات أداء قوات الدعم السريع في بعض العمليات الميدانية، لكن يتم التعامل معها في الخارج على أنها جهة مسؤولة من خلال التعبير عن استعدادها للمشاركة في أيّ منصة تحقق التوصل إلى الحرب بالرغم من أنها ما تزال في موقع قوي على المستوى الميداني.
◙ قيادة الجيش تريد أن تستغل حالة التهدئة الميدانية من أجل خلق واقع عسكري جديد على الأرض تستطيع أن تتفاوض عليه من موقع قوة
وشارك وفد من قوات الدعم في منصة جدة وأبدت استعدادها لإنجاح الوساطة السعودية الأميركية. كما شاركت في اجتماعات أفريقية مختلفة، وأعلن حميدتي موافقته على المشاركة في مباحثات لوقف الحرب استجابة لدعوة واشنطن، متهما في ذات الوقت الجيش والبرهان بإفشال كل مبادرات السلام والتفاوض، “بإيعاز من الحركة الإسلامية“.
وفي أول رد على مساعي تشكيل حكومة سودانية في المنفى تضم مختلف القوى السياسية المدنية والحركات المسلحة الداعمة للحل السياسي، ظهر الجيش ليطرح مبادرة من جانبه تهدف إلى تشكيل حكومة أخرى، ضمن مقاربة تقوم على إغراق الوضع بالمبادرات والمقترحات من دون تحقيق أيّ منها.
وقال مساعد قائد الجيش السوداني إبراهيم جابر إن “من أول يوم للحرب كنا نبحث عن تعيين رئيس وزراء لكن حدثت معاكسات (لم يحددها)، والآن المشاورات جارية لتعيين رئيس وزراء يستطيع أن يدير شؤون الدولة، وشرطنا الوحيد أن يكون من التكنوقراط (خبراء غير حزبيين).” وأضاف جابر أن “القوات المسلحة السودانية متقدمة حاليا في الميدان وقريبا سنرى النصر، وأن الشعب كله عازم على أن تنتهي الحرب وهو يدعم القوات النظامية من أجل تثبيت أركان الدولة.”
ويرى نشطاء سياسيون أن إعادة تشكيل الجيش لحكومة جديدة لن تحظى بأي مشروعية، طالما أن الأمر مجرد تغيير في الشخوص، وطالما أنه لم يجر إشراك القوى المدنية الرئيسية على غرار تنسيقية تقدم. لكن المشكلة أن مناورات البرهان والفريق المحيط به وشركاءه في الحركة الإسلامية لا يقيمون وزنا لنتائج إدامة الحرب التي أودت بحياة الآلاف من السودانيين، بدلا من أن يكون الجيش هو الأحرس على حياتهم.
وتسببت الحرب بأكبر أزمة نزوح في العالم وبأزمة إنسانية كبيرة وفق الأمم المتحدة التي تقدر بأن أكثر من 30 مليون سوداني، أكثر من نصفهم من الأطفال، في حاجة إلى المساعدة بعد 20 شهرا من الحرب. وفي بداية النزاع، فر أكثر من نصف مليون شخص إلى ولاية الجزيرة، قبل هجوم لقوات الدعم السريع في نهاية 2023 تسبب بنزوح ما يزيد عن 300 ألف شخص، وفقا للأمم المتحدة.
وأورد شهود عيان في المدن التي يسيطر عليها الجيش في أنحاء السودان أن العشرات نزلوا إلى الشوارع للاحتفال. ونقل شاهد عيان لوكالة فرانس برس، طالبا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن المتظاهرين هتفوا “جيش واحد، شعب واحد” في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش في أم درمان، وهي جزء من الخرطوم الكبرى على بعد 200 كيلومتر شمال ود مدني.
ورحبت لجنة المقاومة المحلية في ود مدني، وهي واحدة من مئات الجمعيات التطوعية بتقدم الجيش في وادي مدني، مؤكدة في منشور على موقع إكس “الآن تشرق شمس الحرية من جبروت الجنجويد”. وخرجت حشود في بورتسودان، السبت، ورددت هتافات “سنرجع” بعد إعلان الجيش. ولكن ما زالت قوات الدعم السريع تسيطر على سائر أنحاء الولاية الزراعية المهمة، فضلا عن كل منطقة دارفور غرب السودان تقريبا وأجزاء من جنوب البلاد. ويسيطر الجيش على الشمال والشرق، فضلا عن أجزاء من العاصمة الخرطوم.
العرب