منذ ذاك الحين، فقدت عائلة محمّد الاتصال به، وسمعت روايات متناقضة عن مصيره: تمّ أسره، أُصيب بجروح، عانى من إنفلونزا. وحتى قُتل بضربة مسيّرة أوكرانية في الحرب المستمرة منذ فبراير 2022 والتي أوقعت مئات الآلاف من القتلى.
على غرار شبّان عراقيين آخرين يقاتلون حاليا في أوكرانيا بعدما أغرتهم وعود برواتب مرتفعة وجوازات سفر روسية، سافر محمّد (24 عاما) إلى روسيا من دون علم أسرته، للانضمام إلى جيشها والقتال في أوكرانيا، وفق ما تروي والدته زينب جبّار لوكالة "فرانس برس".
وتقول جبّار (54 عاما) بصوت مرتجف وعينين مغرورقتين بالدموع، "ذهب ولم يعد".
وتضيف من منزلها في مدينة المسيب الواقعة جنوب بغداد بينما تحمل صورة ابنها "نحن العراقيين شهدنا حروبا كثيرة (...) وتعبنا".
وتسأل بمرارة "ما علاقتنا بروسيا؟ ما علاقتنا بدولتَين تتحاربان".
توصّلت وكالة فرانس برس الى أن شبانا عديدين أغرتهم عروض سخية بالنسبة لهم مقابل القتال لصالح روسيا، يُروّج لها مؤثرون على شبكات التواصل الاجتماعي.
وتتضمّن العروض راتبا شهريا قدره 2800 دولار، أي ما يعادل نحو أربعة أضعاف ما يمكن أن يتقاضوه في صفوف الجيش العراقي، إضافة الى مكافأة عند توقيع العقد تصل قيمتها إلى 20 ألف دولار.
تجنيد عبر تيك توك
تواصلت "فرانس برس" مع أقارب 4 شبان من عائلات فقيرة سافروا للانضمام إلى الجيش الروسي، ثلاثة منهم في عداد المفقودين. أمّا الرابع فقد عاد إلى عائلته جثة.
كما تحدّثت الى شاب عراقي يعمل تحت راية الجيش الروسي، وينشر تجربته بتفاصيلها عبر الإنترنت ويقدّم مساعدة للراغبين بالانضمام إليه.
وكتب في أحد منشوراته "تحت شعار أعطني جنديا عراقيا وسلاحا روسيا وسوف نحرّر العالم من الاستعمار والاستكبار الغربي".
وتعجّ تطبيقات التواصل الاجتماعي في العراق، مثل تيك توك وتلغرام، بحسابات تعرض المساعدة على الشباب الراغبين بالانضمام إلى القوات الروسية.
وتسعى قنوات تلغرام التي تقدّم العروض اليوم الى استقطاب شريحة ديموغرافية شابة ومختلفة.
"أريد ابني"
لكن بين التعليقات الواردة على مقاطع الفيديو الترويجية، يمكن معاينة تساؤلات من عائلات تبحث عن أبنائها المفقودين.
وتعتقد عائلة محمّد أن الدعاية عبر شبكات التواصل الاجتماعي أغرت ابنها بالسفر إلى روسيا في وقت سابق من هذا العام.
على مدى أسابيع، ظهر محمّد في مقاطع فيديو نشرها على تيك توك من روسيا. وتمكنت فرانس برس من تحديد موقعه في أحد المقاطع المصورة في منطقة أوريول القريبة من الحدود مع أوكرانيا، ومنطقة كورسك حيث توغلت القوات الأوكرانية في روسيا لمدة ستة أشهر.
ونشر آخر فيديو له على تيك توك في 12 مايو.
وتروي والدته كيف اتصلت به متوسّلة لكي يعود إلى المنزل. كانت تظن في بادئ الأمر أنه يعمل في مخبز في محافظة البصرة في جنوب العراق، لكنه في الحقيقة "ذهب ليقاتل في حرب روسيا وأوكرانيا".
وتقضي فاتن، شقيقة محمّد، ساعات لا تحصى على شبكات التواصل الاجتماعي، في محاولة لاقتفاء أثر عراقيين يدّعون أنهم التحقوا بالجيش الروسي، علها تعلم شيئا عن مصيره.
وتشرح كيف سمعت روايات مختلفة عن مصير شقيقها من حسابات مختلفة، أكثرها قسوة كان من حساب تابع للشاب عبّاس حمدالله الذي يستخدم اسم عباس المناصر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعبّاس (27 عاما) في عداد شبان عراقيين يشاركون تجاربهم في الجيش الروسي على تطبيقي تيك توك وتلغرام. ويعرض المساعدة للراغبين بالالتحاق.
وحلّت معلومات عبّاس كالصاعقة على فاتن، بعدما أخبرها أن جثة أخيها موضوعة في مشرحة تابعة للجيش الروسي، بعد مقتله بضربة من مسيّرة أوكرانية قرب باخموت.
وبحسب عباس، فإن شقيقها أطلق النار على المسيّرة فيما كان مقاتلون آخرون برفقته يختبئون.
في مدينة الناصرية في جنوب العراق، يقول عبد الحسين مطلق (74 عاما) إن ابنه علاوي سافر برفقة محمّد الى روسيا، وبقي على تواصل مع عائلته، يرسل لهم صورا من التدريبات العسكرية إلى أن انقطع عنهم تماما في الخامس من مايو.
وفي أحد الفيديوهات التي أرسلها علاوي لعائلته، يظهر مع ثلاثة أشخاص آخرين بينهم محمّد وهو يتوجه بالشكر لعباس المناصر لمساعدتهم على الوصول الى روسيا.
ولم تردّ السفارة الروسية في بغداد على طلبات فرانس برس للتعليق.
المصدر:
سكاي نيوز