في جولة الصحف، نتابع كيف تناول الكُتاب في "بلومبرغ" الحرب الدائرة في السودان بوصفها ساحة تتقاطع فيها مصالح إقليمية ودولية في ظل تراجع القدرة على الوصول إلى تسوية، وكيف رصدوا في "الغارديان" انطباعات بعض القادمين من الصين عن التحولات في المناخ السياسي داخل الولايات المتحدة خلال الولاية الثانية لدونالد ترامب، فيما ناقشوا في "وول ستريت جورنال" التداعيات المتوقعة لتوسع استخدام الذكاء الاصطناعي على سوق العمل المكتبي، وما قد يرافق ذلك من تغيرات اجتماعية وسياسية أوسع.
نبدأ من بلومبرغ ومقال بعنوان "حرب السودان تُنذر بفوضى عالمية جديدة" للكاتب مارك شامبيون، الذي يلفت إلى أنه منذ اندلاع الحرب في السودان عام 2023 بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، تحولت البلاد إلى واحدة من أكبر ساحات النزاع المفتوحة في المنطقة، وسط انهيار مؤسسات الدولة وخروج أجزاء واسعة من المدن عن السيطرة.
وتلفت تقارير دولية إلى أن تداعيات الحرب تجاوزت الأبعاد العسكرية المباشرة لتشمل مستويات واسعة من النزوح والجوع وانهيار البنى الصحية والإدارية، ما جعل السودان من أكثر بؤر الأزمات الإنسانية حدة في العالم.
يشيرالكاتب إلى أن هذا الصراع لا يمكن فهمه بمعزل عن أدوار قوى إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها في القرن الأفريقي، وأنّ هذا التنافس يشبه في طبيعته ممارسات استعمارية جديدة، إذ تتنافس قوى إقليمية ودولية على النفوذ والموارد داخل السودان.
ويقول مارك شامبيون،أن الإمارات، رغم نفيها، تُعد الفاعل الأكثر تأثيراً في مسار النزاع، من خلال دعم وتمويل وتسليح قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، وفي الوقت نفسه شراء الذهب الرسمي الذي تبيعه الحكومة المعترف بها دولياً بقيادة البرهان.
وتشير بيانات البنك المركزي السوداني إلى أن نحو 97% من صادرات الذهب الرسمية لعام 2024 ذهبت إلى الإمارات، في حين ينتج السودان كميات إضافية غير مسجلة تقوم قوات الدعم السريع باستخراجها وبيعها، وغالباً ما ينتهي جزء كبير منها في السوق الإماراتية.
ويضيف الكاتب أن السعودية وقطر ومصر حاضرة أيضاً في المشهد بدرجات متفاوتة، مدفوعة بمصالح تتعلق بالأمن الإقليمي، والاستثمارات الزراعية، والسيطرة على موانئ البحر الأحمر. كما يذكر وجود دول أخرى في خلفية المشهد، من بينها الصين وروسيا وإيران وإريتريا وليبيا.
ويقول الكاتب إنّ محدودية الدور الأمريكي تعكس تراجع قدرات الوساطة التقليدية التي استندت إليها واشنطن في فترات سابقة لإدارة النزاعات الإقليمية.
ومع انشغال الولايات المتحدة بملفات أوكرانيا والشرق الأوسط، وارتباطها بشراكات استراتيجية حساسة مع دول خليجية لها مصالح مباشرة في مسار الحرب، بات احتمال التوصل إلى تسوية سياسية قريباً، ضعيفاً.
ويلفت الكاتب إلى تقديرات الأمم المتحدة بأن أكثر من 12 مليون شخص نزحوا داخل السودان وخارجه، فيما يواجه نحو 25 مليوناً مستويات متفاوتة من انعدام الأمن الغذائي بحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي.
ويرى شامبيون أن السودان يتجه، عملياً، نحو حالة من التقسيم غير المعلن، مع سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة في الغرب، وتمركز الجيش في الشرق والشمال. غير أن هذا التقسيم قد يكون هشاً، إذ تتحرك داخل كل منطقة مجموعات محلية ذات مصالح وأولويات مستقلة، ما يجعل احتمالات النزاعات الداخلية قائمة حتى في حال توقف القتال بين الطرفين الأساسيين.
تنشر "الغارديان" تقريراً لإيمي هاوكنز، مراسلة الشؤون الصينية، يسلط الضوء على كيفية قراءة بعض الصينيين، أو الذين عاشوا في الصين لسنوات طويلة، للتحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها الولايات المتحدة خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب. وتلفت هاوكنز إلى أن جزءاً من هؤلاء بات يلاحظ ملامح تبدو مألوفة لهم من تجارب سياسية سابقة في الصين، خاصة خلال سنوات ما يُعرف بالثورة الثقافية التي اتسمت بسياسات التعبئة الجماهيرية، والمطالبة بالولاء السياسي، والحد من مساحات النقد.
ويعرض التقرير حالة الكوميدية الصينية فيكي وانغ، التي انتقلت إلى نيويورك عام 2025 بعد أن أمضت نحو عقد في شنغهاي. تقول وانغ إنها كانت في البداية متحمسة لمساحة التعبير الواسعة التي وجدتها في الولايات المتحدة، لكنها تشير إلى أنها أصبحت أكثر حذراً عند التعبير عن آرائها السياسية علناً، خشية التعرض لهجمات أو حملات انتقاد على وسائل التواصل الاجتماعي. وترى أن هذا السلوك نابع من "حسّ مكتسب" عاشته سابقاً في الصين، إلا أنها تلاحظ أن خطوط الاختلاف السياسي في الولايات المتحدة أصبحت أقل وضوحاً، مقارنة بما اعتادت عليه في بيئات سياسية أخرى.
وتنقل "الغارديان" أيضاً شهادة دنغ هايين، وهو ضابط شرطة سابق تحول إلى ناقد للحزب الشيوعي الصيني قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة. ويقول دنغ إنه فوجئ بحجم الهجوم الذي تعرض له عبر الإنترنت بعد نشر تعليق انتقد فيه شارلي كيرك، الشخصية المؤيدة للرئيس ترامب والذي قتل منذ فترة، حيث اتُّهم هايين حينها بأنه "عميل صيني". ويشير دنغ إلى أن هذا النوع من الاستهداف لا يأتي من الدولة الأمريكية، بل من أفراد ومجموعات على الإنترنت، لكنه يرى أن أثره على حرية النقاش والتعبير يشبه في بعض جوانبه ممارسات الرقابة الاجتماعية التي عرفها في الصين.
ورغم هذه الانطباعات، يلفت التقرير إلى وجود اختلافات أساسية بين النظامين السياسيين في البلدين. ففي الولايات المتحدة، ما زالت المؤسسات القضائية والصحافة المستقلة قادرة على مراجعة السياسات أو التصدي لبعض الإجراءات التنفيذية، كما تظل الجامعات قادرة على الاعتراض أو مقاضاة قرارات تتعلق بحرية التعبير. وتنقل الصحيفة عن باحثين صينيين قولهم إن هذه القدرة المؤسسية تشكل فارقاً جوهرياً يحول دون تشبيه الوضع الأمريكي مباشرة بالتجربة الصينية.
في المقابل، يشير التقرير إلى أن الصورة التقليدية للولايات المتحدة كـ "منارة للنموذج الديمقراطي" تتعرض لإعادة تقييم لدى بعض المثقفين الصينيين الذين كانوا ينظرون إليها سابقاً بوصفها نموذجاً مستقراً. ويرى بعض هؤلاء أن الانقسامات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، إلى جانب توسع دور الدولة في بعض القطاعات الاقتصادية الحساسة، دفعا المقارنة إلى اتجاه آخر، حيث لم تعد الولايات المتحدة تبدو، بالنسبة لهم، على المسافة ذاتها من النموذج الليبرالي الذي طالما تبنته.
يحلل ويليام غالستون في وول ستريت جورنال الآثار السياسية والاجتماعية المتوقعة للتوسع السريع في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الشركات والمؤسسات الكبرى في الولايات المتحدة. ويشير إلى أن ما كان يُنظر إليه سابقاً كتطور تقني تدريجي أصبح اليوم عاملاً يعيد تشكيل بنية سوق العمل، خصوصاً في الوظائف المكتبية والإدارية التي شكّلت تاريخياً قاعدة الطبقة الوسطى.
ويوضح المقال أن أربعاً من كبريات شركات التكنولوجيا، وهم غوغل، ميتا، مايكروسوفت، وأمازون، أنفقت خلال العام الماضي نحو 360 مليار دولار على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وبناء مراكز بيانات جديدة، في استثمار يُتوقع أن يؤدي إلى إحلال واسع للمهام التي يقوم بها الموظفون، ولا سيما في مجالات الإدارة والبرمجة والدعم المكتبي.
ويشيرغالستون إلى أن شركات مثل أمازون وUPS ومايكروسوفت وسيلزفورس بدأت بالفعل في تقليص موظفيها المكتبيين، فيما أعلنت شركات أخرى نيتها تثبيت أعداد العاملين وعدم التوسع في التوظيف، اعتماداً على افتراض بأن الذكاء الاصطناعي قادر على تولي جزء كبير من المهام المتكررة.
ويورد الكاتب أمثلة مباشرة، من بينها شركة استشارات استبدلت نحو 80% من فريق تطوير البرمجيات ببرمجيات توليد الكود، وشركة تعليم رقمي خفضت 45% من موظفيها بعدما اعتمدت أنظمة قادرة على الإجابة عن أسئلة الطلبة تلقائياً. ويضيف أن هذا التحول ينعكس بوضوح على خريجي الجامعات الجدد، إذ تتراجع عروض العمل رغم زيادة أعداد المتقدمين، في وقت يزداد فيه الطلب على مهارات تقنية أو ميدانية أكثر من تكوين أكاديمي تقليدي.
ويربط غالستون هذا المشهد بفترة فقدان 5.7 مليون وظيفة صناعية بين عامي 2001 و2010، والتي ساهمت في صعود موجات غضب سياسي شعبوي انتهت بفوز دونالد ترامب في انتخابات 2016. ويرجّح أن الطبقة الوسطى المكتبية قد تواجه مساراً مشابهاً، ما قد يؤدي إلى ظهور حركات سياسية جديدة يقودها الإحباط من تراجع الفرص الاقتصادية، في ظل توقعات بزيادة الحراك السياسي بين الشباب.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة