السويداء- يدرك المسافرون من السويداء إلى العاصمة دمشق مدى تأثير "الحرس الوطني" على تحركاتهم العامة من خلال منع مغادرة عشرات من المواطنين وبشكل يومي، عن طريق حاجزين موجودين في قرية أم الزيتون، وهي آخر القرى التي ما تزال تسيطر عليها القوات التابعة لشيخ العقل حكمت الهجري على طريق دمشق السويداء.
ويوضح حسن فلحوط، وهو أحد المسافرين من السويداء إلى دمشق، للجزيرة نت، أن "حاجز الحرس الوطني يمنع مغادرة كثير من الدروز نحو عاصمة بلادهم، رغم حصولهم على ورقة تسمح لهم بالمغادرة من قبل اللجنة القانونية العليا"، في إشارة إلى اللجنة التي يستخدمها الهجري لإدارة شؤون السويداء، وقد حلت مكان المحافظ والمكتب التنفيذي للمحافظة.
ويوضح فلحوط، وهو موظف حكومي يعمل في دمشق ويعيش في السويداء، أنهم "يمنعون وصول الطلاب الجامعيين إلى جامعاتهم، فقط يسمحون بمرور من يحمل جواز سفر، وتذكرة طيران، أو من لديه عمل جراحي في أحد مستشفيات دمشق"، مضيفا "بتنا نشعر بأننا نغادر من دولة إلى دولة أخرى، ونحن نقف على حواجز الحرس الوطني".
يُعتبر الحرس الوطني القوة العسكرية الضاربة للهجري وأداته لبسط سيطرته على القرار العام داخل السويداء، وقد شكله في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي من مجموعة من الضباط المتقاعدين، وفلول النظام السابق، ومليشيات مسلحة كانت تمتهن أعمال الخطف والسلب والاتجار بالمخدرات.
ويقول مصدر مقرب من حركة رجال الكرامة ، التي كانت أكبر الفصائل المسلحة في السويداء، فضل عدم ذكر اسمه، للجزيرة نت إن "فكرة تشكيل الحرس الوطني جاءت قبل أشهر من أحداث يوليو/تموز، وكانت نواته الفصائل التابعة للشيخ الهجري، وضمت ضباطا من النظام البائد، بغية دمج كل الفصائل والمقاتلين في السويداء ضمن جسم عسكري واحد".
واعتبر المصدر أن "ما يسمى بالحرس الوطني ما هو إلا أداة بيد الشيخ الهجري تنفذ سياسته باستعداء المحيط السنّي، وسلب إرادة الدروز، مقابل إطلاق أيادي قادته في نهب قسم من المساعدات والمحروقات وجني الأموال منها".
ويؤكد الضابط الدرزي المتقاعد سليم وهب أن الحرس الوطني تشكل من القوات العسكرية التي كانت تخدم في الجيش السوري الذي انحلّ بعد سقوط النظام السابق، ولا يوجد به فصائل، لكنه يعمل في المرحلة الراهنة على مبدأ تنظيم التعاون مع المسلحين من المجتمع المحلي فقط.
ويقول للجزيرة نت إن "الشيخ الهجري له دور محوري في الحياة الاجتماعية والسياسية، ومن الطبيعي أن يكون له رأي في التشكيل المسلح وكل ما ينفع حماية الجبل وأمنه".
يرى الضابط المتقاعد سمير شرف الدين أن الفصائل المسلحة في السويداء عملت مع العسكريين على تشكيل جسم عسكري موحد يكون تحت تصرف الهيئة الروحية واللجنة القانونية العليا، وتم ربط الحرس الوطني مع الشيخ الهجري من خلال دمج غرفة العمليات التابعة للشيخ مع مفاصل ذلك الجسم العسكري.
ويضيف شرف الدين للجزيرة نت أن "هناك تحفظا على العديد من التجاوزات للبعض في غرفة العمليات التابعة للشيخ، مستغلين موقعهم القريب منه، أو من ابنه سلمان".
وكانت 34 مجموعة مسلحة صغيرة قد أعلنت اندماجها في الحرس الوطني يوم 23 أغسطس/آب الماضي، من بينها: قوات مكافحة الإرهاب، وقوات شيخ الكرامة، وقوات العليا، وفصيل القاهرون الذي ارتكب انتهاكات في حي المقوس، أحد الأحياء التي كانت تقطنه العشائر البدوية في مدينة السويداء.
كما أعلنت 9 فصائل درزية مسلحة انضواءها تحت مسمى الحرس الوطني في يوم 25 أغسطس/آب، من بينها حركة رجال الكرامة، أكبر الفصائل العسكرية في السويداء. وشهد يوم 31 أغسطس/آب الماضي اندماج آخر 6 مجموعات مسلحة في تشكيلة الحرس الوطني.
وبلغ عدد المجموعات المسلحة التي اندمجت بالحرس الوطني نحو 94 مجموعة مسلحة، معظمها تضم ما بين 10 إلى 15 مسلحا، بالإضافة إلى اندماج ضباط وعناصر اللواء 164 الذي كان يتبع للنظام السابق.
وبرأي المصدر المقرب من حركة رجال الكرامة، فإن كتلتين رئيسيتين تشكلان الحرس الوطني:
ويشرح المصدر المقرب من الحركة سابقا أن الخلاف الأخير الذي ظهر داخل قيادة الحرس الوطني أواخر الأسبوع الماضي يفضح مقدار التناقض وعدم الانسجام والتجانس بين مكوناته القيادية، إذ إن هذا التناقض تطور إلى خلاف، ومن ثم إلى إطلاق نار بين قيادات الحرس.
ويقول للجزيرة نت "وصل الأمر إلى التعدي بالضرب على قائد الحرس الوطني، العميد جهاد الغوطاني الذي ظن نفسه يملك صلاحية القائد، فقام بفصل قادة الكتلة الثانية، وأعلن ذلك في فيديو بثه بشكل مباشر، لكن الهجري أجبرهم على الصلح".
ويعاني الحرس الوطني في السويداء من غياب الرواتب الشهرية لعناصره، باستثناء فئة ضيقة من الضباط في قيادة الحرس تتلقى رواتبها من الشيخ الهجري، وهذا يُنبئ بدخول التنظيم المسلح أزمة تمويل، وأزمة ثقة بين مكوناته.
لكن الضابط المتقاعد سليم وهب المقرب من الشيخ الهجري يتكلم بغير ذلك، إذ يقول للجزيرة نت إن "الحرس الوطني معني بتكريس الأمن في السويداء لا بالسيطرة عليها، وهو لا يمنع أحد من مغادرة السويداء، لكنه يحذر من المغادرة لأسباب أمنية"، ويضيف أن "ما حدث مؤخرا لا يتعدى الخلاف البسيط وقد تمت معالجته، ولا يوجد داخل الحرس الوطني أي صراع على السلطة".
وبرأي الضابط المتقاعد شرف الدين، والمقرب من قيادة المجلس العسكري سابقا، فإن الحرس الوطني لا يسيطر على السويداء، ويوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن "هناك بعض الممارسات الخاطئة من قبل بعض الفصائل المنتسبة للحرس الوطني، والتي لا تزال تعمل بتوجيهات تنسجم مع ولاءاتها السابقة".
ويعتبر أن "هذه الظواهر الفردية لا يستقيم تعميمها، وقد لمسنا مؤخرا قرارات حاسمه من قيادة الحرس الوطني بمحاسبة بعض من قادة الفصائل، وإحالتهم إلى القضاء".
أما رئيس المكتب السياسي لدى المجلس العسكري في جنوب سوريا نجيب أبو فخر فيرى أن "مصير الحرس الوطني هو الانقسام إن لم يتم علاج الخلافات مع الشارع".
ويقول للجزيرة نت "أعتقد أن دخول الشتاء سوف يؤزّم الأمر، ويعجّل في الانقسام داخل الحرس، وبكل الأحوال فإن المرجح حاليا هو فقدان السيطرة على الحرس الوطني من قبل الشيخ، ومن قام بتعيينهم خلال أيام قليلة".
من جهته، يقول مصطفى البكور محافظ السويداء للجزيرة نت "نتوقع انفراجات قريبة في السويداء، وندعو الأهالي إلى التهدئة والثقة بالدولة، ونؤكد أن الحكومة تعمل على حل الملفات العالقة بشكل منظم".