كشف مقال في صحيفة هآرتس للكاتب الإسرائيلي نيتانيل شلوموفيتز أن صورة إسرائيل في المجتمع الأميركي وصلت إلى أدنى مستوياتها التاريخية، إذ أصبح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الثقافة الشعبية الأميركية شخصية شريرة .
ويرى الكاتب أن هذا التحول الجذري في الرأي العام الأميركي يهدد مستقبل الدعم التقليدي لإسرائيل، بل وقد يؤثر مباشرة على مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، المعروف بعشقه لمشاهدة التلفزيون ومتابعته لاستطلاعات الرأي.
وقال شلوموفيتز إن ترامب يتمتع بحس متطور، يكاد يكون "حيوانيا" على حد وصفه، تجاه ما يريده أنصاره، وهو ما يفسر اعتماده الكبير على استطلاعات الرأي وردود فعل جمهوره.
وذكّر الكاتب بأنه عندما خاض ترامب انتخابات 2016، لم يكن يخطط لجعل "الجدار على الحدود المكسيكية" محور حملته، لكنّه التقط حماسة الجماهير للفكرة في أحد خطاباته وحوّلها إلى شعار مركزي. ومن هنا يوضح أن ترامب "يحب استطلاعات الرأي التي تُمكّنه من سبر أغوار الساحة"، وهو ما "خلق مشكلة لإسرائيل مؤخرا"، لأن الأرقام الجديدة لم تعد في صالحها.
وتعكس البيانات التي استعرضها شلوموفيتز تحولا تاريخيا. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته نيويورك تايمز وكلية سيينا أنه بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عبّر 47% من الأميركيين عن دعمهم لإسرائيل مقابل 20% للفلسطينيين. لكن عشية زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن ، انقلبت الصورة: انخفض دعم إسرائيل إلى 34% فقط، بينما ارتفع دعم الفلسطينيين إلى 35%، متجاوزا إسرائيل للمرة الأولى.
ووصف شلوموفيتز هذا التطور بأنه "تراجع تاريخي وغير مسبوق في مكانة إسرائيل لدى الرأي العام الأميركي"، لافتا إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في أن أغلبية الأميركيين -يسارا ويمينا- باتوا يعارضون تقديم المساعدات الأمنية لإسرائيل.
وأظهر الاستطلاع أن حوالي 60% من الأميركيين يرون أنه يجب إنهاء الحرب في غزة حتى لو لم تُفرج حركة حماس عن الأسرى، وحتى لو بقيت تسيطر على القطاع. كما يرى 40% أن إسرائيل "تتعمد قتل المدنيين الفلسطينيين"، وهي نسبة تضاعفت مقارنة باستطلاعات 2023.
كما أشار الكاتب إلى أن أحد أبرز معالم التحول هو الموقف داخل الحزب الديمقراطي . فقد أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة التايمز أن 54% من الديمقراطيين يؤيدون الفلسطينيين مقابل 13% فقط لإسرائيل. ويؤكد شلوموفيتز أن هذا يشكّل "التحول التدريجي الذي اكتمل في عهد نتنياهو"، بعدما كان الانقسام داخل الحزب قبل عامين متقاربا: 34% لإسرائيل مقابل 31% للفلسطينيين.
ولكن المفاجأة الكبرى كانت بين كبار السن، الذين لا تتغير مواقفهم بسهولة. فقبل عامين، كان معظم الديمقراطيين الذين تبلغ أعمارهم 45 عاما فأكثر مؤيدين لإسرائيل، أي ضعف عدد المؤيدين للفلسطينيين. أما الآن، فقد انقلبت الأرقام، إذ أعرب 45% من الديمقراطيين الأكبر سنا عن دعمهم للفلسطينيين، مقابل 17% فقط لإسرائيل.
ورغم أن أغلبية الجمهوريين ما زالوا يؤيدون إسرائيل، فإن الأرقام تُظهر تراجعا نسبيا، فقد تراجعت نسبة الجمهوريين المؤيدين للمساعدات لإسرائيل من 76% قبل عامين إلى 64% حاليا.
ويقول شلوموفيتز: "بهذا المعدل، سيطالب اليمين الأميركي أيضا بوقف هذه المساعدات خلال بضع سنوات".
كما رصد شلوموفيتز تحولا بين الشباب الجمهوريين، الذين أصبحت مواقفهم من إسرائيل أقرب إلى نظرائهم الديمقراطيين الشباب، نتيجة متابعتهم الكثيفة لوسائل التواصل الاجتماعي وما توفره من صور مباشرة لمعاناة غزة.
ويرى الكاتب أن هذا خلق جيلا جديدا من الناخبين الأميركيين الذين يعتبرون إسرائيل "قوة إقليمية ترتكب جرائم حرب في أحسن التقديرات، أو إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا في أسوأ التقديرات".
وبحسب أحد الاستطلاعات، أعرب حوالي 70% من الأميركيين تحت سن الـ30 عن رفضهم استمرار المساعدات الأميركية لإسرائيل. ويتضمن ذلك نصف مؤيدي ترامب الأصغر سنا، وهو تحول يراه الكاتب بالغ الخطورة: "في أقل من عامين، أخذت إسرائيل حسن نية حليفها الأكثر أهمية وألقته في سلة المهملات".
كما أضاف أن الكثير من الأميركيين يرون أن "إسرائيل استخدمت أسلحة صُنعت في بلادهم لتحويل غزة إلى هيروشيما جديدة"، ما يدفعهم للشعور بالمسؤولية عن المأساة.
وأشار الكاتب كذلك إلى استطلاعات معهد بيو وجامعة كوينيبياك التي أكدت الصورة القاتمة لإسرائيل في المجتمع الأميركي، إذ أظهر استطلاع بيو أن 53% من الأميركيين لديهم رأي سلبي تجاه نتنياهو، هو رقم غير معتاد عندما يتعلق الأمر برئيس حكومة أجنبي.
كما نشر موقع بوليتيكو تقريرا مطولا عن الجيل الأميركي الجديد "المعادي لإسرائيل والكاره لرئيس وزرائها"، تضمن شهادات لشباب قالوا إنهم يشاهدون مباشرة عبر وسائل التواصل "جرائم إسرائيل في غزة"، وإن ذلك غيّر جذريا من صورتهم عنها.
ويلفت شلوموفيتز إلى أن التغيير في أميركا لم يعد يقتصر على صورة إسرائيل كدولة، بل امتد إلى شخص نتنياهو، الذي أصبح "أيقونة ثقافية سلبية" في الولايات المتحدة.
وظهر نتنياهو في حلقة جديدة من مسلسل ساوث بارك، في حين انتشر وسم "ساتنياهو" (#Satanyahu) على منصة إكس ليصبح الأكثر تداولا في الولايات المتحدة. و"ساتنياهو" هو دمج ساخر بين كلمتي الشيطان (Satan بالإنجليزية)، ونتنياهو.
ويؤكد شلوموفيتز أن ترامب، الذي يقضي ساعات يوميا أمام التلفاز ويتابع عن كثب الثقافة الشعبية، يستوعب هذه التحولات، ويتساءل "متى سيتدفق النهر من الثقافة إلى السياسة؟".
ويتوقع شلوموفيتز أن تكون لهذه التحولات انعكاسات مباشرة في العام المقبل، مع انتهاء اتفاقية المساعدات الأمنية الموقعة عام 2016، والتي منحت إسرائيل 38 مليار دولار على مدار 10 سنوات.
وأشار إلى أن هذه القضية "ستكون محور جدل في الكونغرس، وتتزامن مع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي"، ما يجعل إسرائيل موضوعا رئيسيا في الحملات المستقبلية حتى لو توقفت الحرب.
ويضيف: "إذا كان نتنياهو لا يزال رئيسا للوزراء عندها، فلا شك أن المرشح الرئاسي الديمقراطي سيعد بمعاقبته ووقف المساعدات لإسرائيل".