"إحنا جيبنا جون – أحرزنا هدف - في موضوع الغاز ده يا مصريين" ، كان هذا هو نص كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحاضرين في إحدى الاحتفاليات في فبراير/شباط عام 2018 معلقًا على الانتقادات التي وجهت وقتها لحكومته خلال مفاوضات إبرام اتفاق لاستيراد الغاز الإسرائيلي، والذ يتم الإعلان عمه في العام 2019 .
ربما تحول هذا الهدفُ إلى هدفٍ عكسي، إذا ما صدقت بعضُ التسريبات التي نشرتها وسائل إعلام عبرية، والتي تشير إلى قرار من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم المُضي قدماً في تمديد الاتفاق مع الحكومة المصرية، ومراجعة بنوده، بسبب وقوف مصر أمام خُطط إسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة، وما ذكره نتنياهو من إخلال مصر ببنود اتفاقية السلام، عبر تعزيزات عسكرية في سيناء قرب الحدود مع إسرائيل.
كانت صحيفة "يسرائيل هيوم" قد نشرت 2 سبتمبر/أيلول الجاري أن نتنياهو أصدر توجيهات "بعدم المضي في اتفاق الغاز الضخم مع مصر من دون موافقته الشخصية، على أن يبحث مع وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين ما إذا كان ينبغي المضي في الاتفاق، وكيفية القيام بذلك" على ضوء ما نُقِلَ عن نتنياهو من عدم التزام مصر بتعهداتها بموجب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في واشنطن في العام 1979.
وفي أول رد فعل رسمي من جانب مصر إزاء تلك التسريبات، أجرى ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية لقاءًا مع إحدى الفضائيات المصرية، وصف خلاله تصريحات نتنياهو بشأن اتفاق الغاز مع مصر بأنها "استفزازية" وتحمل أهدافًا سياسية.
وأكد رشوان أن القاهرة قادرة على التعامل مع أي تداعيات اقتصادية أو سياسية محتملة جراء تجميد أو إلغاء اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي، مشيرا إلى أن مصر لا تعتمد على مصدر واحد للطاقة، ولديها خطط بديلة لمواجهة أي تحديات ناجمة عن إلغاء الاتفاقية، وأضاف أن الجانب الإسرائيلي سيكون "الخاسر الأكبر في حال تنفيذ التهديد".
وربط رشوان تصريحات نتنياهو بمزاعم إسرائيلية بشأن تهريب أسلحة ورهائن عبر أنفاق قطاع غزة إلى مصر، معتبراً أن هذه المزاعم تخدم أجندة "اليمين الإسرائيلي المتطرف" ومحاولات فرض سيطرة أكبر على ممر فيلادلفيا في سيناء، على حد تعبيره.
وأكد رشوان أن مصر تمثل "حائط الصد الأول" أمام مخططات التهجير والضم التي يروج لها بعض التيارات داخل إسرائيل، مشددًا على أن موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي الرافض للتهجير، والذي أعلن عنه في أكتوبر/تشرين الأول 2023، شكّل صدمة للحكومة الإسرائيلية.
ويقول أحمد قنديل رئيس وحدة دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات إن إسرائيل ستخسر كثيرا إذا ما صحت التسريبات الخاصة بتجميد اتفاق الغاز مع مصر، مشيرًا إلى أن ما كان مطروحًا وأُعلن عنه في شهر أغسطس/آب الماضي هو تمديد لاتفاق سابق جرى توقيعه عام 2019 .
وأوضح قنديل في حديثه لبي بي سي نيوز عربي أن مصر تعتبر نافذة جيدة بالنسبة لإسرائيل تستطيع من خلالها تصدير الغاز الخاص بها إلى الخارج، وتحديدا إلى الاتحاد الأوروبي في ظل أزمات الطاقة المستمرة منذ الحرب الروسية الأوكرانية قبل نحو 3 سنوات.
ويقول رئيس وحدة دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات إن الاتفاق بين مصر وإسرائيل هو اتفاق ثلاثي يشارك فيه بعض الشركات الأوروبية، لكنه بين كيانات خاصة وليست هيئات حكومية ومن ثم فهو لم يُعْرَض على البرلمان لمناقشته أو إقراره.
وأضاف أحمد قنديل إن بنود الاتفاق غير معلنة بشكل رسمي، ولكن وفقا للتسريبات التي نشرت عبر وسائل إعلام عبرية وعربية حول مضمون الاتفاق الأخير فإنه لا يتضمن أي بنود تتعلق بشروط جزائية في حال الاخلال به، كما أنه لا يتضمن اللجوء إلى التحكيم الدولي، وجرى خلاله فك الارتباط بين سعر النفط من خام برنت والمكافئ له بالوحدات الحرارية من الغاز، وبالتالي فإن السعر غير مرتبط بأسعار البترول التي تواصل الانخفاض أو تتذبذب عالميًا.
كما أن هذا الاتفاق – وفقا لهذه التسريبات – يتضمن بندا مهما حول توريد مصر سعر الغاز الذي يتم استيراده مقدما وحتى في حالة عدم استلامه إذا ما حالت الظروف دون ذلك، لكن من حق الشركات المصرية وأيضا الإسرائيلية الاتجاه إلى المحاكم التجارية الدولية لإثبات الضرر الواقع عليها بسبب أي خلل في تطبيق بنود هذا الاتفاق، كما يقول أحمد قنديل رئيس وحدة دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات.
وأعلنت شركة نيومد إنرجي، أحد الشركاء في حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز الطبيعي، في أغسطس/آب الماضي، عن توقيع أكبر اتفاقية تصدير مع مصر بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار.
وبموجب الاتفاق، ستزود إسرائيل مصر بـ130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، أو حتى يتم استيفاء جميع الكميات المتعاقد عليها.
وتعد هذه الصفقة تعديلاً لاتفاق أولي وقع في 2019، يقضي بتصدير 60 مليار متر مكعب بحلول عام 2030 .
وتستخدم القاهرة هذه الإمدادات لتغطية جزء من الطلب المحلي، كما تعيد تصدير كميات منها على شكل غاز مسال من خلال محطتي الإسالة في إدكو ودمياط إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد صرح في يونيو/حزيران الماضي أن بلاده استطاعت توفير البديل لتأمين احتياجات مصر من الغاز الطبيعي مع توقف إمدادات الغاز الإسرائيلية بسبب استمرار الحرب في غزة.
وأوضح مدبولي أنه تم توفير 3 سفن "تغييز" لاستقبال إمدادات الغاز عبر الناقلات العملاقة التي ترسو على الشواطئ المصرية وإعادة ضخه في الشبكة المحلية لأغراض توليد الطاقة في ظل ارتفاع معدلات الاستهلاك بسبب فصل الصيف.