في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بدأ اقتصاد سوريا مرحلة جديدة تتسم بالانفتاح على اقتصادات العالم بعد 6 عقود من الاقتصاد الموجه، في ظل جهود لخلق بيئة استثمارية تستقطب رأس المال الأجنبي المباشر، وتُحرك النمو الاقتصادي ، وترفع مستوى المعيشة.
وهوى اقتصاد سوريا بأكثر من 50%، وخسر نحو 800 مليار دولار، خلال فترة الحرب وفق تقارير البنك الدولي و الإسكوا (ESCWA) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
وأعادت الحكومة السورية في الأشهر الثلاثة الماضية، هيكلة الإطار القانوني والمؤسسي لقطاع الاستثمار، بما ينسجم مع التحولات التي تشهدها البلاد، وما يوفره الاستثمار الأجنبي -تحديدا- من فرص بالغة الأهمية لسد الفجوة الاستثمارية، ورفع نسب النمو.
وترسم الهيكلة الجديدة -حسب الخبير الاقتصادي فراس السيد- أفقا جديدا، وحالة متقدمة، تؤكد حرص الحكومة على خلق بيئة جاذبة، تستند إلى قانون استثمار جديد وصناديق استثمارية، لتحقيق الأهداف التالية:
وتوقع السيد، في حديث للجزيرة نت، أن يمنح التحسن الذي شهدته بيئة القطاع، كتعديل بعض الأنظمة وتطوير هيكلية هيئة الاستثمار السورية وتأسيس مجلس أعلى للتنمية الاقتصادية، المستثمرين شعورا بالراحة والأمان، ويفتح المجال أمام استقطاب رأس مال خارجي عربي وأجنبي، ومشروعات حيوية ذات أهمية.
كان الرئيس السوري أحمد الشرع أعلن في جلسة حوارية في مدينة إدلب عن استقطاب بلاده استثمارات خارجية بلغت قيمتها 28.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، وتوقع وصولها إلى 100 مليار دولار قبل نهايته، معتبرا أن ذلك يشكل أساسا لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب خلال السنوات الماضية، وتوفير فرص عمل.
يُعرف الاستثمار الأجنبي المباشر، بأنه استثمار طويل الأجل في مشاريع حقيقية -مصانع، وشركات، وبنى تحتية- وتعد تدفقاته وفق بحث مشترك لكبير الاقتصاديين في مجموعة بحوث التنمية بالبنك الدولي آمات أداروف، والباحثة الاقتصادية هايلي بالان، مصدرا مهما لرأس المال الخاص، لا سيما للبلدان التي تعاني من ندرة الموارد المحلية، كما يعد بالغ الأهمية لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، لمساعدتها في سد الفجوات الاستثمارية.
وعلاوة على ذلك، يحفز الاستثمار الأجنبي المباشر، الآثار غير المباشرة للتكنولوجيا، ويسهم، حسب المصدر، في توفير وظائف جديدة، ويعزز مكاسب الإنتاجية، إضافة إلى مساعدته الاقتصادات المتلقية للاستثمارات على الاندماج في شبكات الإنتاج العالمية.
ويحتاج الاقتصاد السوري في ظل محدودية موارده، وتراجع مؤشرات أغلب القطاعات الإنتاجية، ودمار بعض أصولها نتيجة الحرب إلى تدفقات استثمارية أجنبية مستدامة تتراوح بين 15 و20 مليار دولار سنويا على مدى العقد المقبل، وفق ما يعتقد الباحث وأستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي بالعاصمة السعودية الرياض الدكتور عماد الدين المصبح.
ويرى المصبح في تدفقات رأس المال الخارجي ضرورة لإعادة بناء القطاعات الحيوية المتضررة، ومعالجة أزمة البطالة التي وصلت إلى معدلات مقلقة تبلغ نحو 25%.
ويوضح المصبح، في حديث للجزيرة نت، أن الاقتصاد السوري يعاني من فجوة استثمارية ضخمة، في وقت تُقدر احتياجات إعادة الإعمار بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار وفقا لتقديرات البنك الدولي، بينما يرفع المسؤولون السوريون هذا الرقم إلى ما يقارب تريليون دولار.
ويعكس هذا التباين، في رأيه، حجم الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري الذي انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 84% منذ عام 2010، متراجعا من 60 مليار دولار إلى 17.5 مليارا فقط في عام 2023.
يعد الاستثمار الأجنبي المباشر أحد الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي، واعتمدت عليه دول نامية وصاعدة مثل سنغافورة وتايوان لتحقيق قفزات نوعية في التنمية، غير أن نجاح هذه التجارب ارتكز على بيئة استثمارية متكاملة، جمعت بين الاستقرار المالي والنقدي، والوضوح القانوني، ما أتاح لهذه الدول الاستفادة من الخبرات التقنية والإدارية والإنتاجية القادمة من الخارج.
وفي غياب هذه البيئة، لم تشهد سوريا خلال سيطرة حزب البعث على السلطة في البلاد بين عامي 1963 و2024 تدفق استثمارات أجنبية مباشرة يمكن الحديث عنها، فقد نظر الحزب إلى الاستثمار الأجنبي المباشر على أنه تبعية للخارج، واعتبر الدولة هي الفاعل الأساسي في قيادة الاقتصاد، الذي خضع بدوره لتخطيط مركزي عبر خطط خمسية تحدد الإنتاج، والاستثمار، والتوزيع.
وسجلت بيانات البنك الدولي أرقاما متقلبة لصافي تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال الفترة بين عامي 1992 – 2024 تراوحت نسبتها من الناتج المحلي بين 0.4% في عام 1992، و1.2% في عام 2011، أما خلال فترة الحرب، وما بعدها، فتصفها البيانات بالضئيلة، نظرا لتأثيرات الصراع، وسريان مفعول العقوبات الغربية والأميركية على نظام الأسد.
ويربط الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي حجم تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة بعد سقوط نظام الأسد، بمدى الانفتاح السياسي والاقتصادي، وتحسن البيئة التشريعية والمؤسساتية، ويوضح أن التحديات لا تزال كبيرة، ومنها:
ويضيف قوشجي، في حديث للجزيرة نت، "لم نشهد حتى الآن تفعيلا فعليا للاتفاقيات الاستثمارية التي وُقّعت في دمشق ، بغض النظر عن تصنيفها، إذ تركز معظمها في قطاعات الخدمات الفندقية والموانئ والنقل، من دون أن تمتد إلى قطاعات إنتاجية أو إستراتيجية".
على الرغم من تحسن البيئة الاستثمارية خلال الأشهر الأخيرة، وفق تصريحات حكومية، فإن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الفعلي، وفق المصبح، لا يزال متواضعا للغاية، إذ تلقت سوريا تعهدات استثمارية بقيمة 50 مليار دولار، لكنه يتوقع أن ما سيتم تحقيقه فعليا لن يتجاوز 10% من هذا المبلغ.
ومن أبرز الاتفاقيات المعلنة، وفق الباحث، اتفاقية كبيرة في قطاع الطاقة بقيمة 7 مليارات دولار، تتضمن بناء محطات غازية لتوليد نحو 4 – 5 آلاف ميغاواط ومحطة توليد شمسية 1000 ميغاواط، ستنفذها مجموعة "يو سي سي" (UCC) القطرية القابضة بالشراكة مع شركات دولية. يضاف هذا إلى اتفاقيات أخرى مع السعودية تبلغ قيمتها 6.4 مليارات دولار.
ووقعت دمشق حزمة مذكرات تفاهم استثمارية، في أغسطس/آب الماضي، لـ12 مشروعا إستراتيجيا، بقيمة نحو 14 مليار دولار، من بينها:
يقول قوشجي إن العبرة في مجال الاستثمارات بالتنفيذ، وإن ثمة محاذير متعددة على هذا الصعيد، لا تزال موجودة، من أبرزها:
لكن في المقابل، ترى هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية في التشريعات القانونية الجديدة، المحدثة مؤخرا، صناعة مالية حديثة، تتلاءم مع المتغيرات والمستجدات الاقتصادية التي تشهدها سوريا الجديدة.
وذكرت الهيئة، في بيان تزامن مع نشرها التشريعات المحدثة للصناديق الاستثمارية، أن من ضمن الأهداف الإستراتيجية التي يمكن أن تلعبها هذه الصناديق في المرحلة المقبلة ما يلي:
وتوصل بحث مشترك نشره البنك الدولي -حول "مساعدة الاقتصادات النامية على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر واستند على تحليل البيانات الخاصة بنحو 74 اقتصادا ناميا- إلى أن زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 10% تؤدي إلى زيادة بنسبة 0.3% في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بعد 3 سنوات.
ويكون التأثير أكبر بنحو 3 أضعاف، أي 0.8% في البلدان التي تتمتع بمؤسسات أقوى، ورأس مال بشري أفضل، وانفتاح أكبر على التجارة، وتراجع الاقتصاد غير الرسمي (الموازي)، لذلك، يتعين على واضعي السياسات في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وفق البنك، اعتماد إستراتيجية ثلاثية المحاور، تهدف إلى:
وبالنظر إلى ظروف كل بلد على حدة، فإن الأولويات العامة لجميع اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، تشمل إصلاحات تهدف إلى: