في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، تبرز باكستان كإحدى الدول التي تخطو بثبات نحو بناء اقتصاد رقمي متكامل، مستندة إلى رؤية تقنية طموحة وإصلاحات تنظيمية واسعة. ومع تنامي دور قطاع التكنولوجيا والاتصالات في دفع عجلة التنمية، تعمل الحكومة الباكستانية على وضع أطر إستراتيجية واضحة للسنوات المقبلة، تستهدف مضاعفة القيمة الاقتصادية للقطاع وتهيئة بيئة رقمية أكثر تنافسية وابتكارا.
ولفهم ملامح هذه المرحلة، والتعرف على استعدادات باكستان لمستقبل الاقتصاد الرقمي، كان للجزيرة نت هذا الحوار مع وزيرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات شذى فاطمة خواجة، التي قدّمت رؤية شاملة عن واقع البيئة التقنية اليوم في باكستان، وخطط التحول الرقمي، وتنمية رأس المال البشري، إضافة إلى مشاركتها في مؤتمر "إم دبليو سي" 2025 الدوحة وما حمله من فرص وشراكات جديدة.
عندما نتحدث عن البيئة التقنية في باكستان، يمكن القول إننا نمرّ بمرحلة من الحراك والنمو المتسارع في مختلف قطاعات التكنولوجيا. خلال السنوات القليلة الماضية، بدأنا نضع أطرا واضحة وتوجيهات منظمة لهذا القطاع، ولدينا اليوم رؤية طموحة تتضمن أهدافا محددة لمدة 5 أعوام قادمة.
كما نعمل على بناء منظومة متكاملة للبيانات والبنى التحتية الرقمية، تشمل الصحة والحكومة الإلكترونية والقطاع المالي، ضمن تصور واضح لما ستبدو عليه هذه القطاعات في المستقبل القريب.
على مستوى السياسات، تم اعتماد حزمة من التشريعات وخطط التحوّل الرقمي، إضافة إلى هيئات ولجان وطنية متخصصة، بهدف دفع عملية التحوّل في الحكومة والاقتصاد.
كما حققنا تقدّما كبيرا في رقمنة الخدمات، إذ جرى رقمنة نسبة كبيرة من العمليات الحكومية، ونعمل على استكمال رقمنة ما تبقى، مع تحفيز المدفوعات الرقمية، وتشجيع التعاون مع الجامعات والجسم الأكاديمي وربطها بالمشروعات الوطنية بما يسهم في توسيع الاقتصاد الرسمي وتقليص حجم الاقتصاد غير المنظم.
في ما يتعلق برأس المال البشري، نعمل على بناء القدرات الرقمية لدى الشباب عبر برامج تدريبية واسعة في المهارات التقنية والبرمجة وعلوم البيانات. فكل عام يدخل مئات الآلاف من الشباب إلى سوق العمل، ونحاول أن نوفّر لهم المسارات اللازمة لاكتساب المهارات الرقمية منذ المراحل الأساسية.
وتدعم الحكومة مبادرات موجهة للفئات الشابة والرياديين، كما نعمل على تمكين المرأة والشباب من خلال مراكز ابتكار وحاضنات متخصصة، إلى جانب ربط الشركات الناشئة بمسرّعات دولية لتوسيع فرصهم في الوصول إلى الأسواق والاستثمار، بما يضمن ألا يكون النمو محصورا في النخب، بل متاحا لشريحة أوسع من المجتمع.
بالنسبة إلى مؤتمر "إم دبليو سي"، فقد أتاح لنا فرصة مميزة لعرض تطور قطاع الاتصالات في باكستان، فنحن نشهد توسعا كبيرا في البنية التحتية الدولية للكوابل البحرية، إذ ارتفع عدد كوابل الاتصالات البحرية المرتبطة بباكستان. ومع المشاريع الجاري تنفيذها، سنصل إلى 9 كوابل بحرية خلال العام المقبل، مما يعزز سعة الاتصال الدولي لدينا، ويزيد من تنوّع المسارات ويقلل المخاطر.
هذا التطور يضع باكستان في موقع إستراتيجي لتكون معبرا رئيسيا لبلدان آسيا الوسطى والصين، عبر توفير أقصر مسارات ربط لهذه الدول مع بقية العالم من خلال كوابل أرضية ودولية تمر عبر أفغانستان وطاجيكستان ودول أخرى في المنطقة.
وخلال المؤتمر، ركزنا كذلك على عرض خططنا لتحديث وتحسين الشبكات الوطنية في الفترات القادمة، بما في ذلك رفع كفاءة المنظومة، وتطوير خدمات الجيلين الرابع والخامس، وتحسين جودة الخدمة للمستخدمين.
كما شاركنا في عدد من حلقات النقاش والجلسات الوزارية، حيث ناقشنا قضايا البنية التحتية الرقمية، والاستثمارات، وحوكمة القطاع التقني.
أيضا تجربة المؤتمر في الدوحة نفسها كانت مميزة للغاية، فتنظيم المؤتمر كان على مستوى عالٍ من الاحترافية، والبيئة ممتازة لخلق شراكات جديدة. هذه هي زيارتي الأولى للمدينة، وقد لمسنا مستوى عاليا من الحفاوة وحسن الاستقبال، مما جعل المشاركة في مؤتمر "إم دبليو سي" تجربة ثرية وممتعة في آن واحد.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة