في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في قصة إنسانية تختصر معنى الإرادة والتحدي، كشفت الدكتورة أمل السيف ، الحاصلة على دكتوراه في علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي، والدة الشاب أنس التركي، في حديث مؤثر لـ"سبق"، تفاصيل رحلة ملهمة لشاب عشريني من ذوي الإعاقة، حوّل حادثًا أليمًا غيّر مجرى حياته إلى مسار استثنائي من الإنجاز، متسلحًا بالإيمان والعلم والتقنية، وبدعم أسري ومجتمعي واعٍ.
جاء ذلك خلال مشاركة أنس وأسرته في مؤتمر "أبشر 2025"، الذي اختتمت أعماله وفعالياته أمس الجمعة، حيث شارك أنس في عدد من الورش التدريبية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والخدمات الحكومية الرقمية، في تأكيد واضح على قدرته على التفاعل والمشاركة الفاعلة رغم إعاقته الجسدية.
كما حققت والدته، الدكتورة أمل السيف، إنجازًا لافتًا بحصولها مع فريقها على المركز الأول في تحدي أبشر الثاني، عن مشروع "خدمة عملاء ذكية للصم" على منصة أبشر، في نموذج عملي لتسخير التقنية لخدمة فئات المجتمع المختلفة.
قبل أكثر من 12 عامًا، تعرض أنس – وكان يبلغ من العمر آنذاك 12 عامًا – لحادث أقعده عن الحركة والكلام، وألزمه بالتنفس عبر فتحة تنفس، والتغذية عن طريق أنبوب، لتبدأ رحلة طويلة من التحديات الصحية اليومية. واليوم، وقد بلغ نحو 24 عامًا، لا يزال يواجه الظروف نفسها، لكنه قابلها بعزيمة نادرة وإصرار استثنائي.
توضح والدته أن أنس لا يستطيع الكلام، لكنه يتواصل مع العالم عبر حركة الوجه والابتسامة والعين، باستخدام تقنيات ذكية تمكّنه من التحكم الكامل بالهاتف والآيباد، وفتح التطبيقات، وحضور الاجتماعات، والتعلم عن بُعد، وحتى قراءة القرآن الكريم. وتقول: "أنس يفتح المصحف ويتابع حفظه عن طريق حركة الوجه فقط… بلا أي تدخل".
أتم أنس حفظ القرآن الكريم، ونال جائزة من أمير منطقة الرياض تقديرًا لإلهامه في تطبيقات القرآن. كما تخرج من الجامعة متخصصًا في تقنية المعلومات (IT)، ويعمل في مجال البرمجة، وهو حاليًا ملتحق بأكاديمية طويق ضمن معسكر تطوير الألعاب باستخدام Unity، معتمدًا بشكل كامل على تقنيات تتبع حركة الوجه والعين.
أكدت الدكتورة أمل السيف أن تجربة ابنها غيّرت مسار اهتماماتها العلمية والبحثية بالكامل، قائلة: "بعد حادث أنس، سخّرت كل طاقتي العلمية لخدمة ذوي الإعاقة… لم يعد الأمر بحثًا أكاديميًا فقط، بل رسالة حياة".
وانطلاقًا من التجربة، أسست الأسرة جمعية التواصل للتقنيات المساعدة لذوي الإعاقة، التي تضم اليوم أكثر من 300 جهاز وتقنية مساعدة تخدم فئات متعددة، من ذوي الإعاقة وكبار السن، ومرضى التوحد والزهايمر، والصم والمكفوفين.
كما جرى تأسيس مركز "تقدر" للتقنيات المساعدة في حي غرناطة بالرياض، لتشخيص الحالات، وتجربة الأجهزة، وتدريب المستفيدين عليها، وتقديم الخدمات لكافة مناطق المملكة.
تروي والدته تفاصيل يوم أنس، الذي يبدأ بتمارين يومية صباحًا ومساءً لمنع تيبّس العضلات، والانتقال من السرير إلى الكرسي بمساعدة، والعناية الطبية بفتحة التنفس، ثم الصلاة، والتدريب في أكاديمية طويق، قبل العودة للتمارين والعلاج.
وحتى أثناء وجوده على السرير، جرى تثبيت كاميرا ذكية موجهة لوجهه، تمكّنه من طلب المساعدة عبر ثلاث ابتسامات فقط.
داخل المنزل، تتواجد طابعة ثلاثية الأبعاد، وأجهزة استشعار، وتقنيات ذكاء اصطناعي، ونظارات ذكية لتتبع حركة العين، جرى تطويرها أو تكييفها خصيصًا لأنس، بهدف تعزيز استقلاليته وتقليل اعتماده على الآخرين.
وجهت والدة أنس رسالة مؤثرة للأسر التي لديها أبناء من ذوي الهمم، قائلة: "هذه نعمة من الله… نعرف قيمة النعم عندما نفقدها. الصبر، والتفهم، ومنح الوقت الكافي للتواصل، تصنع فارقًا هائلًا في حياة أبنائنا".
كما شددت على أهمية دور المجتمع والبيئة الداعمة في تمكين ذوي الإعاقة، انسجامًا مع رؤية المملكة 2030 التي تؤكد دمجهم بوصفهم طاقات منتجة ومؤثرة.
قصة أنس التركي ليست قصة إعاقة، بل قصة إرادة وعلم وتقنية وإيمان. شاب يتنفس عبر جهاز، لكنه يُلهم الآلاف، ويؤكد أن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في غياب الفرصة.
المصدر:
سبق