أطلقت وزارة الصحة برنامج الفحص قبل (الزواج/ الزواج الصحي، للحد من الأمراض الوراثية والمعدية، وبناء أسرٍ سليمة وتخفيف الأعباء الصحية والاجتماعية والاقتصادية طويلة الأمد.
أهم عوامل هشاشة الزواج
يركّز البرنامج حاليًا على اعتلالات الدم الوراثية (فقر الدم المنجلي والثلاسيميا) وبعض الأمراض المعدية مثل (التهاب الكبد B وC، وفيروس نقص المناعة المكتسب)، وهذا الإطار الوقائي أثبت جدواه، لكنه لا يغطي جوانب نعتقد بأهميتها وتأثيرها على نجاح الزواج واستمراريته، ويأتي في مقدمتها المحدّدات النفسية والسلوكية وإدمان المواد المخدرة بأنواعها، والتي باتت بحسب الأدلة من أهم عوامل هشاشة الزواج وتفكك الأسر.
فحصٍ وقائي لا عقابي
لكن لماذا يأتي الفحص النفسي قبل الزواج مهم الآن؟ تُشير بيانات المسح الوطني للصحة النفسية إلى أن انتشار أي اضطراب نفسي بين الشباب السعوديين يصل إلى نحو 40% في فترة ما من حياتهم، وهذا يعني أن كثيرًا من الحالات غير مُشخّصة عند الإقدام على الزواج والفحص المبكر يتيح تثقيفًا موجّهًا وتدخّلات نفسية موجزة أو إحالات متخصصة قبل تكوين الأسرة، بما يخفّض مخاطر النزاع والعنف الأسري والاكتئاب التالي للزواج والإنجاب، وسوف نجد تساؤلًا آخر يثار: لماذا نهتم بفحص المخدرات قبل الزواج؟.. إن هناك دلائل وبائية حديثة في السعودية أظهرت أن نسبة انتشار استخدام المواد المخدرة بلغت حوالي 4% في فترة ما من حياتهم، وهذا يعكس أثرًا مباشرًا على جودة الحياة الزوجية، وتصاعد ضبطيات المواد في المملكة تعكس قلقًا صحيًا واجتماعيًا، مما يجعل التحري المبكر (كفحصٍ وقائي لا عقابي) خطوة منطقية ومهمة، وهذه الإجراءات إن تمت فسوف تؤدي بإذن الله تعالى إلى خفض نفقات الرعاية طويلة الأمد المرتبطة باضطرابات نفسية غير مُشخّصة أو تعاطٍ غير مُكتشف، كما سوف تسهم بقوة في تقليل النزاعات والعنف الأسري وتحسين التناغم الزواجي عبر الكشف المبكر والتثقيف، وتؤدي بالتالي إلى الاستقرار الأسري وهو هدف وطني استراتيجي ينعكس على جودة التعليم والمشاركة الفعّالة في أوجه التنمية وزيادة الإنتاجية.. وإن بدا للبعض صعوبة تطبيق هذه الفحوصات ضمن قائمة فحوصات ما قبل الزواج، فأود التأكيد أن الأمر ليس بتلك الصعوبة وأي عراقيل أو صعوبة قد تبدو مستساغة ومقبولة في ظل الفوائد المتوقعة. ففي ماليزيا وسنغافورة لديهم فحوص إلزامية للمخدرات والأمراض المعدية مع برامج استشارات زوجية، وفي ألمانيا وكندا: يقدمون جلسات استشارية نفسية قبل الزواج، وفي المملكة المتحدة: تستخدم برامج فحص للصحة النفسية في برامج ما قبل الحمل والزواج.. وهنا أُقدم نموذجًا تطبيقيًا مُقترحًا لتفعيل تلك الفحوصات:
01 تحديد نطاق الفحوصات
• الاكتئاب والقلق وأمراض ثنائي القطب والفصام: عبر استخدام مقاييس عالمية مثل PHQ-9 وGAD-7، وكلاهما أدوات مسح (screening tools) وتأتي كـ استبانات مُعتمدة كجزء من بروتوكولات الطب النفسي وطب الأسرة لمتابعة الحالة وتقدير الحاجة للعلاج أو الإحالة، الاضطرابات الشخصية: فحص أولي مبسط باستخدام استبانة مسحية Personality Screening Questionnaires، أما الإدمان والمخدرات: فهناك استبانات وتقييم سريري انتقائي مع اختبارات مخبرية عند الحاجة مثل تحليل البول للمواد الشائعة مع إعادة اختبار تأكيدي.
ـــــــــــــــــ 02 تسليم النتائج لكل طرف بسرية مع جلسة تثقيفية.
ـــــــــــــ 03 الإحالة للعلاج النفسي/ الإدماني عند الحاجة..
ــــــــــــ 04 التكامل مع البرنامج القائم
عبر إضافة وحدة «الصحة النفسية والسلوكية» إلى منصة الزواج الصحي... كما أود هنا الإشارة إلى نقطة مهمة ومحورية وهي أن نتائج فحوصات ما قبل الزواج لدينا ليست شرط إلزامي لإتمام عقد الزواج بل تعد إجراء شكلي الهدف منه إعطاء النصح والمشورة، وهذا جاء في تعميم وزارة العدل رقم 13/ت/3394 بتاريخ 21-05-1429هـ، والذي ينص على أن جميع المحاكم تكتفي بتدوين رقم وتاريخ ومصدر شهادة الفحص الطبي في خانة التهميشات بوثيقة عقد النكاح ودفتر الضبط، دون الإشارة إلى نتيجة الفحص الطبي نفسها، والتأويل القانوني والشرعي بموجب هذا التعميم، فإن الفحص الطبي قبل الزواج يُعتبر شرطًا شكليًا (إحضار الشهادة) لكنه لا يُلزم بنتائج الفحص، بمعنى أن العقد لا يُمنع إذا أظهرت النتائج وجود مرض وراثي أو معدٍ، وتبقى النتيجة مجرد أداة استشارية للطرفين لاتخاذ القرار المناسب. ومن هنا تبرز الحاجة إلى أن يكون هذا الفحص إلزاميًا وشرطًا جوهريًا لإتمام عقد الزواج، لا مجرد ورقة تُرفق بالعقد.
الحد من انتشار الأمراض الوراثية والمعدية
إن تحويل الفحص إلى التزام فعلي وإجباري يسهم في حماية الصحة العامة والحد من انتشار الأمراض الوراثية والمعدية، وتخفيفًا للأعباء الصحية والاقتصادية على الدولة، وبناء أجيال أكثر صحة واستقرارًا.
وختامًا إن الفحص النفسي وفحص المخدرات وتضمينها في فحوصات ما قبل الزواج ليس توسعًا بيروقراطيًا، بل استثمار وقائي في رأس المال الاجتماعي والصحي والاقتصادي للأسرة السعودية، ونجاح برنامج الفحص الحالي في تقليل الأمراض الوراثية والمعدية دليل على أن توسيعه ليشمل الاضطرابات النفسية والسلوكية سيكون ذا أثر كبير على الاستقرار الأسري وجودة الحياة.
نتائج إيجابية لإدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج
- آلية وقائية تمنح أحد المتزوجين الحق قبل اتخاذ القرار.
- تعزيز الشفافية بين الأزواج قبل الدخول في القفص الذهبي.
- الحد من تداعيات الطلاق والخلافات الزوجية.
- تخفيف الأعباء على المؤسسات الحكومية من فشل الزواج.
- زيادة الوعي بين أفراد المجتمع لبناء أسر مستقرة.
- خفض الكثير من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية.
- عودة متعاطي المخدرات إلى العلاج بالتدرج.
- توفر قاعدة بيانات مهمة لبعض الجهات والدراسات.
* رؤية
الدكتور وليد أبو ملحه
استشاري - رئيس ومؤسس الجمعية السعودية للسمنة