يأتي قصر الشيخ عبدالله عبدالوهاب الزاحم، مستشار الملك المؤسس وقاضي مدينة الرياض والمدينة المنورة، من ضمن الأجنحة المشاركة في مهرجان "موسم ملح القصب ٣"، وللقصر دور ثقافي زاخر في تزويد زوار المهرجان بالإرث التاريخي للدولة منذ لبناتها الأولى في مراحل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه.
"سبق" نفذت جولة ميدانية لتسليط الضوء على جانب من حياة الشيخ الزاحم، وقصره التاريخي بمدينة القصب والذي يفتح أبوابه للزوار والمهتمين بالتاريخ والتراث طيلة أيام السنة.
نشير إلى أن "سبق" قد سلطت الضوء السنة الماضية على سيرة الشيخ العلمية، وفي هذه السنة سنسلط الضوء على شيء مما لم يتم ذكره.
تولى الشيخ الزاحم رئاسة القضاء في عددٍ من مناطق المملكة، فقد عيّنه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قاضيًا في "الداهنة" -شمال شرق محافظة شقراء- عند أميرها عمر بن ربيعان، وبعد أن انتقل ابن ربيعان إلى نفي، انتقل معهم الشيخ إليها.
وفي عام ١٣٥٧هـ عينه الملك عبدالعزيز قاضياً للعلا فترةً وجيزة، ثم بعدها عيّنه الملك عبدالعزيز رئيسًا لقضاء الرياض في نهاية عام ١٣٥٧هـ حتى نهاية عام ١٣٦٣هـ، ثم عيّنه الملك عبدالعزيز رئيسًا للقضاء في المدينة المنورة من بداية عام ١٣٦٤هـ حتى وفاته في رجب عام ١٣٧٤هـ.
وكان قبل ذلك مستشارًا وأمينًا للملك المؤسس، حيث كان يستدعيه في قصره، ويأنس بمجالسته، ويستفتيه في أموره الدينية والدنيوية، وإذا انتقل إلى البر في وقت الربيع يأخذ معه الشيخ، ويأمر بأن توضع خيمة الشيخ قريبةً من خيمته الخاصة، وهذه بلا شك دلالة واضحة على المكانة الخاصة التي حُظي بها الشيخ لدى الملك عبدالعزيز.
ما يميّز الشيخ ابن زاحم -رحمه الله- أنه لم يكن قاضيًا ومعلمًا فحسب، بل كان شجاعًا مجاهدًا تحت راية الموحد الملك عبدالعزيز، حيث شارك معه في كثير من المعارك التي قام بها الملك، ومن ذلك: مشاركته معه في ضم حائل 1340هـ، ودخوله للحجاز 1343هـ، وحصاره لِجدة عام 1344هـ، وانتدابه مع الجيش جهة الساحل الغربي للمملكة ما بين بدر ورابغ، وكذلك جهة الليث جنوبًا، مرشدًا وموجهًا.
كما شارك في معركة "السبلة" عام 1347هـ، وفي "الدبدبة" بالمنطقة الشرقية عام 1348هـ، وشارك الشيخ أيضًا في "معركة جبلة" وسط نجد في عام 1348هـ، وغيرها من المشاركات الموثقة في كتب تاريخ توحيد المملكة.
بنى الشيخ القصر وأُسّس الروشن تقريباً سنة ١٣٢٢هـ، ويحتوي على قسمين، القسم الأول: للضيافة، وهو عبارة عن دور أرضي، وروشن، والقسم الثاني للعائلة، ويحتوي على غرف، وأعمدة وسماوة.
أُعيد ترميم القصر سنة ١٤٣٦هـ، ووضع فيه مجموعة من الوثائق، والصور التاريخية المتعلّقة بتأسيس المملكة، كما اشتمل على لوحات متنوعة تحكي إرثًا ثقافيًا عريقًا، وتاريخًا يوثق جانبًا مهمًا من لبنات توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.
قدّم قصر الشيخ عبدالله بن زاحم التاريخي لزوّار "موسم ملح القصب ٣" لهذه السنة ١٤٤٦هـ - ٢٠٢٥م عددًا من البرامج والفعاليّات، أهمها:
يعرض قصر الزاحم مكتبة نموذجية للمكتبات القديمة، إذ يتم تقديم كتب قديمة من تملّكات الشيخ عبدالله بن زاحم يعود تاريخها لأكثر من ١٠٠ سنة، ومنها مخطوطات بخط الشيخ رحمه الله.
وتأتي هذه المكتبة ليطلع الزائر على قدرة الأجداد على الكتابة والإبداع، على الرغم من شُح الإمكانات وشظف العيش.
خصصت إحدى الغرف الصغيرة لعرض نموذج للمطبخ القديم، واشتمل على بعض التحف والمنتجات القديمة، كما خصصت غرفة أخرى لنموذج لغرفة النوم القديمة والتي تسمى بـ"الصُفّة" لمن يهتم بالتراث أكثر من التاريخ.
ترجم القائمون على قصر الشيخ الزاحم الوثائق التاريخية باللغة الإنجليزية تيسيرًا لإيصال المعلومة لغير الناطقين باللغة العربية، كما قام المنظمون بوضع ترحيب صوتي لزوار القصر باللغتين العربية والإنجليزية.
كما قاموا بتقسيم الوثائق وتوزيعها، بين الغرف والأجنحة، حيث قاموا بوضع الوثائق العلمية في جناح، والوثائق المتعلقة بتوحيد المملكة في جناح آخر مع وضع الصور القديمة والنادرة لجيش الملك عبدالعزيز، كما تمّ وضع ركن لعرض الأسلحة القديمة التي كانت تستخدم في ظل انعدام الأمن قبل توحيد المملكة على يد مؤسسها ليطّلع عليها هذا الجيل، ويحمد الله على نعمة الأمن والاستقرار والرخاء.
قام المشرفون على القصر باستضافة كوفي من أشهر الكافيهات لتقديم المشروبات الساخنة؛ مما أضفى لمسة من الضيافة والراحة لزوار "موسم الملح"، حيث استمتعوا بأجواء تراثية مميزة.