تُجري القاهرة ترتيبات لاستضافة اجتماعات جديدة لعدد من الفصائل الفلسطينية، وفق مصدر مصري مطّلع تحدث إلى بي بي سي.
وأوضح المصدر أن الاجتماعات المرتقبة تأتي استكمالاً لسلسلة اللقاءات التي استضافتها مصر مؤخراً، ومن المقرر عقدها قبل مؤتمر إعادة الإعمار المقرر في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وقال قيادي في حركة فتح لبي بي سي إن "موعد الاجتماع لم يُحدد بدقة بعد، لكنه متوقع في نهاية الأسبوع الحالي أو مطلع الأسبوع المقبل"، وأضاف أن طبيعة القضايا المطروحة هي التي ستحدد مشاركة حركة فتح من عدمها، موضحاً أنه إذا كانت الاجتماعات استكمالاً لاجتماعات الفصائل الأخيرة، فستكون للفصائل فقط.
وأشار القيادي إلى أنه لا يملك معلومات مؤكدة حول أسماء الفصائل المشاركة حتى الآن، لكنه أكد انفتاح حركة فتح على المشاركة في أي لقاءات تُعقد لبحث مستقبل غزة أو مناقشة "اليوم التالي للحرب".
وستشارك حركة حماس في الاجتماعات التي ستبحث ملامح إدارة انتقالية لقطاع غزة، بحسب ما علمت بي بي سي من مصادر فلسطينية ومصرية.
وقالت المصادر إن الفصائل ستناقش تشكيل لجنة تكنوقراط تتولى إدارة القطاع في المرحلة المقبلة، بما في ذلك اختيار من يتولى رئاستها، وما إذا كانت ستعمل تحت مظلة السلطة الفلسطينية في حال استمرار وقف إطلاق النار الحالي.
من جهته، أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس والقيادي في حركة فتح الدكتور أيمن الرقب، في تصريحات لبي بي سي، إلى أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذا اللقاء، الذي يأتي بعد اجتماع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي خرج ببيان أكد الالتزام بخطة إعمار غزة والتمسك بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وأوضح الرقب أن البيان السابق للفصائل- الذي غابت عنه حركة فتح- أكد على أمرين أساسيين: أن منظمة التحرير هي المرجعية السياسية، وأن السلطة الفلسطينية هي مرجعية لجنة التكنوقراط الانتقالية، وهو ما كانت تطالب به السلطة منذ البداية.
وفي تعليق على الموقف السابق لحركة فتح، قال الرقب إن الحركة كانت قد تحفظت على مخرجات الاجتماع السابق، لكنها طالبت بأن تكون مرجعية لجنة الترتيبات الانتقالية بيد الحكومة الفلسطينية، مشيراً إلى أن حركة حماس أعلنت لاحقاً موافقتها على هذا المطلب، وهو ما يفتح المجال لتجاوز العقبات السابقة.
وأضاف: "موافقة حركة حماس على أن تكون القيادة للجنة الترتيبات الانتقالية بيد الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى أزالت واحدة من أهم العقبات، والمواقف التي صدرت عن الفصائل وعن الناطقين باسم حماس تؤكد ذلك، وهذا يشجع على أن يكون الاجتماع القادم ناجحاً".
وتابع: "على كل الأطراف أن تتنازل قليلاً للوصول إلى اتفاق، على الأقل للخروج من الدائرة المفرغة التي نعيشها جميعاً".
من جانبه، قال مستشار الرئيس الفلسطيني محمود الهباش في تصريحات سابقة لبي بي سي إن ما جرى في الاجتماعات الأخيرة "لم يكن اتفاقاً بل اجتماعاً بين أحزاب غابت عنه حركة فتح، وبالتالي فإن ما يصدر عنه لا يكون ملزماً للآخرين".
وأضاف أن "الولاية القانونية والسياسية على الأراضي الفلسطينية هي اختصاص حصري لمنظمة التحرير والسلطة الشرعية ممثلة بدولة فلسطين"، مؤكداً أن "القرار الوطني حق مشروع للقيادة الفلسطينية وليس للأحزاب أو الفصائل".
وأشار الهباش إلى أن السلطة الفلسطينية، باعتبارها الجهة الشرعية وصاحبة القرار السيادي، تنظر إلى الأمور وفق رؤيتها السياسية والتزاماتها الوطنية والقانونية، قائلاً: "لا يوجد شيء نقبله أو نرفضه، نحن نتعامل مع الشأن الفلسطيني كشأن واحد، وما يخص قطاع غزة هو ذاته ما يخص الضفة الغربية والقدس والدولة الفلسطينية، فكلها وحدة واحدة لا نقبل ولا نريد ولا نسلم بفصل أي جزء من الأرض الفلسطينية عن الأجزاء الأخرى".
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة الدكتور حسام الدجني أن انعقاد الاجتماع في أسرع وقت ممكن وبمشاركة جميع الفصائل "ضرورة وطنية ملحّة"، موضحاً أن المرحلة المقبلة "لا تخص فصيلاً بعينه، بل تخص المجموع الوطني الفلسطيني برمّته".
وأكد الدجني أن غياب حركة فتح أو تأخر مشاركتها سيؤثر سلباً على وحدة القرار الوطني، مشيراً إلى أن ذهاب غزة نحو إدارة مستقلة يعني "انفصالاً تدريجياً قد يصبح دائماً"، وهو ما يضر بالقضية الفلسطينية.
وشدد على أن المطلوب هو أن تُظهر حركة فتح وبقية الفصائل مرونة لتجاوز الخلافات والتوافق على لجنة تمثل الجميع لإدارة المرحلة الانتقالية.
ويرى الدجني أن التحديات التي تواجه الاجتماعات المرتقبة "ليست فنية بقدر ما هي سياسية"، موضحاً أن أهم العقبات فلسطينياً تتمثل في "تغليب الصالح الوطني العام على الحسابات الشخصية أو الفصائلية، والتحرر من الأجندات الإقليمية والدولية لأي طرف كان".
وأضاف أن "العقبة الكبرى تبقى خارجية، حيث إن إسرائيل وبعض القوى الدولية لا تريد لا للسلطة الفلسطينية ولا لحركة حماس أن تكون موجودة، وهذه هي المعضلة الأساسية أمام أي رؤية سياسية قادمة".
وأوضح الدجني أن الاجتماعات ستتناول ملفين رئيسيين، أولها الملف الأمني، مشيراً إلى وجود "توافق وطني على دور القوات الأممية التي يُفترض أن تنتشر في غزة لتكون قوة فاصلة وحامية للشعب الفلسطيني ومراقبة لأي خروقات للاتفاق".
أما الملف الثاني فيتعلق بالسلاح الفلسطيني، إذ يرى الدجني أن هذا الملف يجب أن يُدار في إطار وطني جامع، مؤكداً أن "السلاح الفلسطيني مشروع بموجب القانون الدولي، ويجب أن يكون جزءاً من استراتيجية وطنية موحدة".
وأضاف: "الاحتلال لم يلتزم حتى بالمرحلة الأولى، فكيف يمكن الوثوق به في أي ترتيبات لاحقة؟"
ورداً على سؤال حول مدى استعداد الفصائل للتخلي عن السلاح، قال الدجني إن هذا الأمر "ليس مستحيلاً إذا توافرت ضمانات سياسية كافية"، مضيفاً أنه "إذا كانت الرؤى وطنية وتحظى برعاية وضمانات من أطراف وازنة في المجتمعين الدولي والإقليمي، يمكن الوصول إلى تفاهمات تُبقي السلاح ضمن إطار وطني منظم".
وأشار إلى أن الحل الأمثل لملف السلاح قد يكون عبر "إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية ودمج حماس والجهاد فيها، ليكون السلاح ومقدرات المقاومة ضمن إطار الجيش الفلسطيني، وتحت مرجعية القيادة الجديدة للمنظمة".
وفي ما يتعلق بمخرجات الاجتماع المرتقب، رجّح الدجني أن تتجه نحو "توافق وطني عام"، متوقعاً أن يكون هناك إجماع على جعل مجلس الأمن مرجعية للقوات الدولية التي ستتولى الرقابة والفصل والحماية في غزة.
كما توقّع أن يتم "التوافق على تشكيل لجنة مرجعيتها السلطة الفلسطينية، وتُحدد شخصياتها بشكل جماعي لتكون مقبولة دولياً، بما يمهد لمرحلة أكثر استقراراً في إدارة قطاع غزة".
من جانبه، قال الرقب إن خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للسلام تجاوزت دور السلطة الفلسطينية وجعلتها في المرحلة الأخيرة من الترتيبات، لكن "مصر تبذل جهداً كبيراً لتكون السلطة في بداية المسار وليس في نهايته".
وأضاف: "نأمل أن يتم استغلال الأجواء الإيجابية لتشكيل لجنة تكنوقراط بتوافق فلسطيني كخطوة أولى، خاصة أن التحديات القادمة صعبة، وأبرزها من سيدير غزة أمنياً."
وأوضح أن "حركة حماس لن تستمر في السيطرة على غزة، وأن خروجها من المشهد يتطلب ترتيبات فلسطينية داخلية"، قائلاً: "كل الشعب الفلسطيني مسيّس، ولكل فصيل اتجاهاته السياسية، ولذلك يجب أن يتم الاتفاق بين الفصائل لتوحيد التعليمات لعناصرها وضبط الوضع الميداني."
واختتم الرقب حديثه لبي بي سي بالقول: "أتوقع أن الظروف الحالية تدفع الجميع للتواصل، وأعتقد أن عوامل الفشل غير موجودة هذه المرة، وبالتالي أتوقع أن يبدأ فعلياً الحديث عن تشكيل لجنة التكنوقراط التي ستدير غزة، والبدء في الترتيبات الأمنية لملء الفراغ الأمني من قبل قوات شرطية وأمنية فلسطينية موحدة."
كان الأسبوع الماضي قد شهد سلسلة لقاءات في القاهرة، شملت اجتماعاً بين وفد من حركة حماس برئاسة خليل الحية، ووفد من حركة فتح برئاسة حسين الشيخ نائب الرئيس الفلسطيني، وماجد فرج رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني، لبحث ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، وفق ما أفاد مصدر مصري مطّلع على مسار المفاوضات لبي بي سي.
وسبق ذلك اجتماع بين رئيس جهاز المخابرات المصري اللواء حسن رشاد ووفد حركة فتح برئاسة حسين الشيخ، بحسب المصدر ذاته.
وعقب تلك اللقاءات، اجتمعت فصائل فلسطينية في القاهرة بدعوة من مصر لبحث تطورات الحرب على غزة والمرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقفها، من دون مشاركة حركة فتح.
وأكدت الفصائل دعمها لجهود وقف إطلاق النار وبدء إعادة الإعمار، ودعت إلى انسحاب القوات الإسرائيلية ورفع الحصار وفتح جميع المعابر. كما اتفقت على تشكيل لجنة فلسطينية مؤقتة من المستقلين لإدارة القطاع بالتعاون مع الأطراف العربية والدولية، وإنشاء لجنة دولية للإشراف على الإعمار.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة