قال خبراء دوليون إن التدهور الأمني والاقتصادي الذي تعيشه مالي في الأسابيع الأخيرة يعكس محدودية النهج الروسي في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
وأوضحوا أن ذلك يأتي بعد فرض جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة حصارا فعليا على العاصمة باماكو منذ سبتمبر الماضي ما أدى إلى شلل اقتصادي وأزمة وقود خانقة تهدد بانهيار مؤسسات الدولة.
وتشير تقارير إعلامية متعددة إلى أن التطورات الأمنية دفعت سفارات غربية لحث رعاياها على مغادرة مالي فورا بينما أصدرت الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وأستراليا واليابان تحذيرات صارمة لمواطنيها من السفر إلى البلاد.
كما دعت الخارجية الأميركية مواطنيها الموجودين داخل مالي إلى المغادرة فورا عبر الرحلات التجارية، محذرة من وضع أمني غير قابل للتنبؤ.
وتأتي هذه التطورات و"التوسع الإرهابي" رغم وجود قوات الفيلق الروسي الداعمة للمجلس العسكري.
من فاغنر إلى الفيلق الأفريقي
وسجل الوجود الروسي في مالي عام 2021 عبر مجموعة (فاغنر) عقب انسحاب القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة بعدما استولى المجلس العسكري على السلطة.
وفي يونيو 2025 أعلن رسميا عن إنهاء مهام فاغنر في مالي واستبدالها بـ" الفيلق الأفريقي" التابع لوزارة الدفاع الروسية في خطوة اعتبرت محاولة لإضفاء طابع رسمي على الوجود العسكري الروسي.
بريق النموذج الروسي
وفي تقرير أصدرته منظمة (سينتري) الأميركية في أغسطس الماضي، اعتبر الوضع الحالي نتيجة مباشرة لفشل استراتيجية فاغنر في مالي مؤكدا أن موسكو لجأت إلى الفيلق الأفريقي بعد فشل ذراعها شبه العسكري وهو ما أدى – بحسب التقرير – إلى انتهاكات واسعة بحق المدنيين.
غير أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نفى خلال زيارة للجزائر في أكتوبر الماضي الاتهامات الغربية، مؤكدا أن "الفيلق الأفريقي" لا يرتكب أي تجاوزات بحق المدنيين أو المنشآت المدنية.
محللون: موسكو أدارت الأزمة بدلا من حلها
يقول المحلل السياسي الإيطالي دانييلي روفينيتي لموقع "سكاي نيوز عربية" إن ما يحدث في مالي يمثل "انتكاسة واضحة للنهج الروسي في غرب أفريقيا، موضحا أن المجلس العسكري راهن على الدعم الروسي بعد خروج القوى الغربية إلا أن موسكو فشلت في تأمين خطوط الإمداد أو تحقيق الاستقرار".
وأشار روفينيتي إلى أن روسيا "ركزت على السيطرة على موارد الذهب ومنح الأولوية للعوائد الاقتصادية والدعاية السياسية على حساب الأمن، معتبرا أن عزل باماكو وتآكل شرعية النظام نتيجة طبيعية لهذه المقاربة".
وأضاف أنه من المرجح أن تحاول موسكو "احتواء الضرر عبر تركيز جهودها على مناطق تملك فيها عمقا لوجستيا وحلفاء سياسيين مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وبوركينا فاسو مع الاعتماد على برامج التدريب وصفقات التعدين إلا أن خسارة مالي التي كانت رمزا للنموذج الروسي تقوض صورة موسكو كمورد أمني موثوق".
عزلة المجلس العسكري عمقت الفشل
من جانبه، اعتبر الخبير الفرنسي غوتييه باسكيه أن "عزلة المجلس العسكري في مالي عن المنظومة الإقليمية التقليدية فاقمت من التدهور الأمني، مشيرا إلى أن خطوط الإمداد الروسية تمر عبر دول ساحلية غير مستقرة أو متقلبة سياسيا، ما يجعل حماية المصالح الروسية أكثر تعقيدا".
وأضاف باسكيه أن "طريقة عمل القوات الروسية وفشلها في تحسين الأمن أسهما في تأجيج العنف". مشيرا إلى أن "تجنيد الروس لعدد من الماليين في صفوفها قابله ارتفاع في أعداد المنضمين إلى القاعدة في مؤشر على دورة عنف متصاعدة بدلا من احتوائها".
المصدر:
سكاي نيوز