كوالالمبور- اختتمت رابطة دول جنوب شرق آسيا ( آسيان ) قمتها الـ47، أمس الثلاثاء، في العاصمة الماليزية كوالالمبور ، وسلمت ماليزيا رئاسة الدورة المقبلة للفلبين، متخطية بذلك دور ميانمار.
وجاء هذا التخطي بسبب الإجراءات التي فرضتها الرابطة على نظام نايبيداو العسكري بعد انقلاب فبراير/شباط 2021، والتي تحول دون مشاركة قيادات الصف الأول السياسية والعسكرية في اجتماعات "آسيان"، إلى أن تسلم السلطة لحكومة منتخبة.
وتعهّد الرئيس الفلبيني بونغونغ ماركوس بالحفاظ على وحدة "آسيان" ومرونة علاقاتها مع التكتلات والقوى الدولية، والعمل على تعزيز الأمن والسلام الإقليميين، وهي نفس المبادئ التي دأب رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم على تكرارها منذ توليه رئاسة الدورة الحالية للرابطة والتي تستمر حتى نهاية العام.
يرى شمس الإسكندر محمد أكين، كبير المستشارين السياسيين في مكتب رئيس الوزراء الماليزي، أن قمة كوالالمبور جسدت شعار "الشمولية والاستمرارية" التي تبنتها "آسيان" في الدورة الحالية.
وقال أكين في حديث للجزيرة نت، إن القمة عززت مبادئ وحدة ومركزية المنظمة، والتي تعني ضمنيا رفض استقطاب الدول الكبرى مع مرونة الحوار مع الجميع.
وشارك في القمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، ورئيس الوزراء الصيني لي تشينغ، إلى جانب قادة عدد كبير من الدول المؤثرة مثل اليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب أفريقيا وأستراليا وكندا ونيوزيلاندا، وغيرها من الدول التي ترتبط مع "آسيان" باتفاقيات شراكة وحوار.
كما لخص وزير النقل الماليزي أنتوني لوك سي فوك، ما وصفها بإنجازات قمة آسيان من خلال:
وأضاف الوزير في تصريحات للجزيرة نت، أن أحد أبرز إنجازات دورة ماليزيا في رئاسة "آسيان" يكمن في انضمام جمهورية تيمور الشرقية للمنظمة، التي استقلت عن إندونيسيا باستفتاء شعبي عام 1999، لتكون العضو الـ11 في المجموعة، حيث يرى أن انضمامها -الذي طال انتظاره- أكمل شمولية المنظمة باعتبارها منطقة جغرافية واحدة.
كما أشاد الوزير بتوقيع اتفاق سلام بين كمبوديا وتايلاند برعاية أميركية ماليزية وشراكة صينية، حيث يجسد فك الاشتباك بين عضوين في "آسيان" حرص المنظمة على الحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها، بعيدا عن التدخلات الخارجية، حيث تضع الرابطة مسألة الأمن الإقليمي على رأس أولوياتها على الرغم من قيود ميثاق المنظمة الذي يحول دون التدخل في النزاعات البينية.
وفي مقابل النجاح الذي تحقق على صعيد حل الخلاف الحدودي بين كمبوديا وتايلاند، يعترف مسؤولو "آسيان" بإخفاقها في حل أزمة ميانمار ، ففي المؤتمر الصحفي الختامي للقمة، أشار رئيس الوزراء الماليزي إلى ملفات ورثها بينما لم يتم الانتهاء من تفكيكها، وذلك في سياق حديثه عن الوضع ميانمار.
وقال أنور إبراهيم إنه حقق تقدما في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ودعا ممثلي الأعراق والأحزاب في ميانمار إلى الحوار في كوالالمبور لبحث مسألة السلام والمصالحة، قبل الانتخابات التشريعية التي أعلنها النظام العسكري نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل.
واعتبر وزير النقل الماليزي في حديثه للجزيرة نت، أن التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار في ميانمار يعد خطوة مهمة باتجاه المصالحة، لكنه أردف بأن القضية تتطلب جهدا ووقتا كبيرين، وعلى "آسيان" أن تحافظ على الانخراط مع جميع أطراف الصراع.
وأشار إلى تمسك "آسيان" بموقفها باشتراط الدخول في حوار شامل برعايتها، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لجميع المناطق المتضررة، لفتح الباب أمام الحكومة للمشاركة في مؤسسات الرابطة على المستوى السياسي.
من جهته شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطوني غوتيريش في كلمته في القمة على ضرورة وقف كامل لسفك الدماء في ميانمار.
ويذكر أن "آسيان" لم تتخذ موقفا تجاه الانتخابات المزمعة في ميانمار بعد شهرين، وسط جدل بشأن إرسال مراقبين للعملية الانتخابية، لا سيما في ظل الهوة الكبيرة بين حكومة العسكر والأحزاب التي أطيح بها قبل الإعلان عن النتيجة النهائية لانتخابات عام 2021، وإعلان حكومة الوحدة الوطنية (حكومة المنفى) رفضها للعملية الانتخابية واعتبارها "مسرحية" و"غير نزيهة".
في الجانب الاقتصادي، وقعت الصين ومنظمة "آسيان" اتفاقية للتجارة الحرة، وهي تطوير لاتفاق سابق وقع عام 2010، وتهدف الاتفاقية الجديدة إلى خفض الرسوم الجمركية وتسهيل الإجراءات التجارية بين الصين ودول المجموعة.
من ناحيته أكد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم عدم انحياز كتلة "آسيان" في علاقاتها التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقال إن هذه القمة شهدت تعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة والصين على حد سواء، وأكد على التزام الرابطة بالتنوع في علاقاتها الاقتصادية والتجارية والابتعاد عن الاستقطاب.
وقارن الباحث السياسي كيث ليونغ، بين تعامل كل من الصين والولايات المتحدة مع رابطة "آسيان" في ضوء الاتفاقيات الموقعة على هامش القمة. وقال للجزيرة نت إن الصين تعاملت مع الرابطة باعتبارها كتلة واحدة، بينما أصرت الولايات المتحدة على الدخول في حوارات منفردة وعقد صفقات مع كل دولة.
وأضاف كيث في حديثه للجزيرة نت، أن اتفاق التجارة الحرة يظهر مرونة الصين، باعتبارها أكبر شريك تجاري مع "آسيان"، مقابل وضع الولايات المتحدة عراقيل تجارية مع الدول ذاتها.
ويرى أن تغير التكنولوجيا وتطورها، لا سيما صناعة السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي، أسهما في زيادة الحاجة إلى إعادة النظر في الاتفاق الموقع قبل 15 عاما.
حضرت القضية الفلسطينية في جميع فعاليات قمة "آسيان" بل وخارج أروقتها، حيث تحدت المظاهرات الإجراءات الأمنية المشددة للاحتجاج على زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لماليزيا والمشاركة في القمة.
وتتابعت بيانات الإدانة من قبل أحزاب ومنظمات مؤيدة للقضية الفلسطينية، اتهمت الرئيس الأميركي بالمشاركة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية في فلسطين و قطاع غزة خاصة.
وأثار رقص ترامب في مطار كوالالمبور غضب المحتجين على زيارته، وقال أحد قادة الاحتجاجات إنه "يرقص في بلادنا على أشلاء الأبرياء في غزة"، وانتقد ساسة معارضون للحكومة ما وصفوها بـ"المبالغة في الاحتفاء بترامب، بينما يستمر بدعم جرائم القتل في قطاع غزة".
لكن رئيس الوزراء أنور إبراهيم دافع عن دعوته للرئيس الأميركي لزيارة ماليزيا، وقال إنه أبلغ ترامب بموقف "آسيان" وماليزيا تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وضرورة أن يكون السلام شاملا وعادلا.
وأضاف إبراهيم أنه انتهز كل فرصة في اللقاءات الخاصة والعامة بين الولايات المتحدة وماليزيا و"آسيان" لكي يُسمع الرئيس ترامب موقف الرابطة وماليزيا مما يجري في فلسطين. وأضاف "لو أن الرئيس الأميركي لم يكن موجودا لفوتنا فرصة إبلاغه بموقفنا وإصرارنا على أن يكون الحل شامل وعادلا ودائما".
وأكد مسؤولون ماليزيون كبار للجزيرة نت أن ماليزيا أكدت للرئيس الأميركي رغبتها في الاضطلاع بدور في عملية الاستقرار وإعادة الإعمار في قطاع غزة، واستعداها للمشاركة بقوة عسكرية لذلك.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة