دخلت محاكمة الرئيس البرازيلي السابق، جايير بولسونارو، مرحلة الحسم، مع اقتراب صدور الأحكام في القضية التي يُحاكم فيها بتهمة قيادة مؤامرة لإلغاء نتائج انتخابات 2022، التي خسرها أمام الرئيس الحالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
ومن المنتظر أن يصدر قضاة المحكمة العليا الخمسة، المكلّفون بالنظر في القضية، أحكامهم بحق بولسونارو وسبعة متهمين آخرين بحلول 12 سبتمبر/أيلول الحالي.
فيما يلي، نلخص بعض الأساسيات التي تحتاج إلى معرفتها حول المحاكمة.
يُعد جايير بولسونارو، البالغ من العمر 70 عاماً، سياسياً برازيلياً حكم الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية من يناير/كانون الثاني 2019 إلى ديسمبر/كانون الأول 2022.
قبل دخوله عالم السياسة، كان بولسونارو جندياً مظلياً، وفي سنواته الأولى كعضو في الكونغرس، دافع بشدة عن مصالح القوات المسلحة.
خدم بولسونارو سبع فترات في الكونغرس - من عام 1991 إلى عام 2018 - لكنه لم يصبح معروفاً خارج حدود ولايته الأصلية ريو دي جانيرو حتى ترشح للرئاسة في عام 2018.
أعرب العديد من البرازيليين الغاضبين من ارتفاع مستويات الجريمة عن تأييدهم لنهجه المتشدد في فرض القانون والنظام.
لكن ما دفعه حقاً إلى إدراك أهمية ذلك كان الهجوم الذي تعرض له خلال تجمع انتخابي قبل شهر واحد فقط من الجولة الأولى من انتخابات عام 2018. حيث قام رجل - جرى الحكم عليه لاحقاً بأنه مريض عقلياً - بطعن بولسونارو في بطنه بينما كان مؤيدوه يحملونه على أكتافهم.
فقد بولسونارو 40 بالمئة من دمه خلال تلك الحادثة، ومنذ ذلك الحين يعاني من مضاعفات متكررة ناجمة عن الجروح المعوية التي أصيب بها.
تمكن بولسونارو من الفوز بسهولة على مرشح حزب العمال اليساري، فرناندو حداد، في الانتخابات الرئاسية عام 2018.
وجاء انتصاره في وقت كان يعاني فيه حزب العمال من فضائح فساد، ما دفع العديد من البرازيليين إلى الرغبة بالتغيير بعد أربع سنوات صعبة في السياسة البرازيلية.
وكانت الرئيسة المنتخبة السابقة، ديلما روسيف من حزب العمال، قد تعرضت للعزل في عام 2016 بتهمة التلاعب بالميزانية.
وأكمل نائبها ميشيل تامر الفترة المتبقية من ولايتها، لكنه لم يحظى بشعبية كبيرة.
ومُنع السياسي الأكثر شهرة في حزب العمال، الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (المعروف باسم لولا)، من الترشح لمنصب في ذلك الوقت لأنه كان قد أدين بالفساد.
وبسبب ذلك، أصبح حزب العمال في حالة من الفوضى بسبب منع مرشحه الرئيسي لولا، وانتهى به الأمر إلى الدفع بحداد غير المعروف في اللحظة الأخيرة، والذي خسر الانتخابات أمام بولسونارو.
وبعد سنوات، أُلغيت إدانات لولا بالفساد، وتمكّن من الفوز على بولسونارو في انتخابات عام 2022.
تميّزت رئاسته بأسلوب المواجهة، والذي أشاد به أنصاره ووصفوه بأنه "صريح" و"فريد"، لكن منتقديه سخروا منه ووصفوه بأنه "فظ".
وفي وقت اعتُبرت فيه البرازيل من أكثر الدول تضرراً من تفشي فيروس كورونا، سُلطت الأضواء على تعامل بولسونارو مع وباء كورونا.
وقد أثار وصفه للفيروس بأنه "إنفلونزا خفيفة" غضباً شديداً بين من فقدوا أفراداً من عائلاتهم بسبب كورونا.
وعلى الصعيد الدولي، تعرَّض لانتقادات بسبب خفضه ميزانية الوكالات المكلفة بحماية الشعوب الأصلية والبيئة، ما دفع البعض إلى وصفه بأنه "خطر على الأمازون".
وعلى الرغم من ذلك، حظي موقفه المحافظ بتأييد كبير بين أنصاره، وواصل العديد منهم دعمه طوال معاركه القانونية، وعقدوا اجتماعات صلاة ومظاهرات حاشدة لإظهار دعمهم المستمر له والمطالبة بتبرئته.
لقد غيّر بولسونارو انتماءه الحزبي عدة مرات خلال حياته السياسية.
بدأ كعضو في الحزب الديمقراطي المسيحي في عام 1988 عندما ترشح بنجاح لمنصب عضو مجلس المدينة في ريو دي جانيرو.
خلال فترة عضويته في الكونغرس، والذي دخله لأول مرة كعضو في حزب العمال البرازيلي، قام بتغيير حزبه أربع مرات.
ترشح للرئاسة في عام 2018 عن الحزب الليبرالي الاجتماعي، لكنه انسحب منه في عام 2019، ووعد بإطلاق حزب جديد.
وعندما فشل تحالفه "من أجل البرازيل" الذي أنشأه حديثاً في الحصول على الدعم اللازم ليصبح حزباً مسجلاً، انضم إلى الحزب الليبرالي في في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ولا يزال عضواً فيه.
يواجه بولسونارو اتهامات بالتخطيط لانقلاب عسكري.
ويقول الادعاء إنه تآمر مع سبعة من مساعديه المقربين - أربعة منهم من كبار أعضاء الجيش - للبقاء في السلطة بعد أن هزمه لولا في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وتضمنت المؤامرة المزعومة خططاً لاغتيال لولا ونائبه جيرالدو ألكمين، واعتقال وإعدام ألكسندر دي مورايس - قاضي المحكمة العليا الذي يشرف حالياً على محاكمة بولسونارو.
وقال المحققون إن المؤامرة المزعومة لم تنجح لأنها لم تحظَ على دعم قادة الجيش والقوات الجوية.
بدوره، أدى لولا اليمين الدستورية دون أي حوادث في الأول من يناير/كانون الثاني 2023.
لكن بعد أسبوع واحد فقط، في الثامن من يناير/كانون الثاني، اقتحم آلاف من أنصار بولسونارو المباني الحكومية في العاصمة برازيليا وقاموا بتخريبها. وتدخلت قوات الأمن وألقت القبض على نحو 1500 شخص.
ويزعم ممثلو الادعاء أن مثيري الشغب تم تحريضهم من قبل بولسونارو، الذي كانت خطته، هي أن يتدخل الجيش البرازيلي ويستعيد النظام ويعيده إلى السلطة.
ونفى بولسونارو بشدة جميع هذه الاتهامات، مشيراً إلى أنه كان في الولايات المتحدة حين وقوع الاقتحامات.
قال بولسونارو إنه ضحية "حملة شعواء".
ويُشير منذ فترة طويلة إلى أن الاتهامات الموجهة إليه "ذات دوافع سياسية"، وتهدف إلى منعه من الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية لعام 2026.
وفي حين أن بولسونارو ممنوع بالفعل من الترشح لمنصب عام حتى عام 2030 لادعائه كذباً بأن نظام التصويت في البرازيل عرضة للغش والاحتيال، فقد أعلن عن نيته محاربة هذا الحظر حتى يتمكن من الترشح لولاية ثانية في عام 2026.
كما شكّك هو ومحاموه في نزاهة لجنة المحكمة العليا المكلفة بمحاكمته والمتهمين معه.
وينظر بولسونارو منذ فترة طويلة إلى قاضي المحكمة العليا الذي يشرف على المحاكمة، ألكسندر دي مورايس، باعتباره عدوه اللدود ووصفه بأنه "ديكتاتور"، متهماً إياه بإساءة استخدام سلطته.
وأشار أيضاً إلى أن اثنين من القضاة الآخرين في اللجنة كانت لديهما علاقات وثيقة مع الرئيس لولا.
وكان أحد هؤلاء القضاة، كريستيانو زانين، محامي الدفاع عن لولا بين عامي 2013 و2023، والذي ساعد في إلغاء إدانة لولا بالفساد.
وكان آخرهم فلافيو دينو، الذي شغل منصب وزير العدل في عهد لولا من عام 2023 إلى عام 2024.
قارن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين ما يحدث لبولسونارو مع معاركه القانونية بعد رفضه قبول الهزيمة في الانتخابات الأمريكية عام 2020.
وكتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي في يوليو تموز الماضي: "هذا ليس أكثر أو أقل من هجوم على خصم سياسي - وهو أمر أعرفه جيداً! لقد حدث لي، أضعافاً مضاعفة".
لكن ترامب لم يكتفِ بكلمات الدعم وحسب، بل رفع الرسوم الجمركية على الواردات البرازيلية إلى 50 بالمئة، مُشيراً إلى معاملة البرازيل لبولسونارو كسببٍ لهذه الزيادة.
وكرر ترامب كلمات بولسونارو، واصفاً المحاكمة أيضاً بأنها "حملة شعواء".
وأكّد أن بولسونارو "ليس مذنباً بأي شيء، باستثناء القتال من أجل الشعب" وطلب من المدعين العامين "تركه وشأنه!".
كما أن الرجلين (ترامب وبولسونارو) تربطهما علاقات عائلية، إذ أن أبنائهما أصدقاء.
يتابع بولسونارو المحاكمة من منزله في برازيليا.
جرى وضعه تحت الإقامة الجبرية في بداية شهر أغسطس/آب بعد أن زعم تقرير للشرطة أنه وابنه إدواردو حاولا التدخل في المحاكمة.
وقالت الشرطة إنها عثرت على وثيقة على هاتف جايير المحمول - يعود تاريخها إلى فبراير/شباط 2024 - تُشير إلى أنه كان يخطط للتهرب من الإجراءات الجنائية من خلال طلب اللجوء إلى الأرجنتين.
واتهموا أيضاً إدواردو بالضغط على إدارة ترامب نيابة عن والده، ما جعلهم يمنعوا الأب والابن من التواصل مع بعضهما البعض.
في حالة إدانته، قد يُحكم على بولسونارو بالسجن لمدة تزيد على 40 عاماً.
ومع ذلك، فمن غير المُرجّح أن يتم نقله إلى السجن مباشرة بعد الإعلان عن حكم الإدانة المحتمل. ففي البداية، يتعيّن على هيئة قضاة المحكمة العليا نشر الحكم.
قد يحدث هذا في أقل من شهر، وفقاً مصدر قانوني استشارته بي بي سي نيوز برازيل، ولكن بما أن الأمر يعتمد على سرعة مراجعة كل وزير لتصويته للنشر، فمن الصعب التنبؤ بالمدة التي قد يستغرقها ذلك.
وقال أحد المحامين لبي بي سي البرازيل إنه بعد نشر الحكم، سيكون أمام محاميي المُتهمين خمسة أيام لطلب التوضيحات. ويمكن للمتهمين أيضاً الاستئناف ضد الحكم - ولكن فقط إذا لم يكن بالإجماع.
أي إذا صوت اثنان من أصل خمسة قضاة في هيئة المحكمة العليا بـ "غير مذنب"، يمكن للمتهم أن يطلب من المحكمة العليا بكامل هيئتها ـ أي جميع قضاة المحكمة الأحد عشر ـ مراجعة الحكم.