يشكك عدد من الخبراء الاقتصاديين في مصداقية معلومات نشرتها إحدى وسائل الإعلام الرسمية بشأن نجاح تونس في تسديد 125% من ديونها الخارجية لعام 2025 قبل 3 أشهر من نهاية العام الجاري.
ويرى هؤلاء أن ما وقع تداوله يفتقر إلى الدقة والمصداقية، إذ لا تزال للدولة التزامات مالية حتى نهاية العام الحالي، كما أن طريقة تمويل عمليات التسديد اعتمدت بالأساس على مزيد من الاقتراض وسياسة التقشف.
وكانت وكالة الأنباء الرسمية قد نقلت أن تونس تمكنت من تسديد كامل ديونها الخارجية لسنة 2025 بنسبة 125%، قبل 3 أشهر من نهاية العام الجاري بفضل اتباع ما سمّته "سياسة التعويل على الذات".
وأثار الخبر جدلا واسعا بين من اعتبره دليلا على نجاعة السياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومة الرئيس قيس سعيد ، وبين من رأى فيه خبرا مضللا لا يعكس إنجازا حقيقيا بقدر ما يندرج في سياق تسويق سياسي.
ويقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي إن الحديث عن تسديد 125% من خدمة الدين خلال العام الجاري وقبل 3 أشهر من نهاية العام مجانب للحقيقة لأن هناك قرضين سيتم تسديدهما في الفترة المقبلة.
فخلال الشهر الجاري ستسدد تونس قرضا ممددا من صندوق النقد للفترة 2016-2019 بقيمة 256 مليون دينار، وآخر اقترضته من البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد بقيمة 258 مليون دينار، وفق الشكندالي. (الدولار يعادل 2.9 دينار)
ويرى أن الترويج لتسديد القروض في آجالها المحددة على أنه إنجاز يعطي انطباعا سلبيا بأن الحكومة لم تحقق إنجازات أخرى، في حين أن تونس معتادة منذ استقلالها في سنة 1956 على الإيفاء بالتزاماتها.
وستسدد تونس العام الجاري قروضا داخلية وخارجية (أصلا وفائدة) بقيمة تناهز 24.7 مليار دينار (8.4 مليارات دولار). وتبلغ قيمة تسديد الديون الخارجية هذا العام أصلا وفائدة 10.4 مليارات دينار (3.6 مليارات دولار).
ويوضح الشكندالي أن كاتب المقال الذي تحدث عن تسديد 125% من الديون الخارجية لهذا العام وقع في خطأ فادح هو خلطه بين تسديد ديون جميع الفاعلين الاقتصاديين (القطاع العام والخاص) وبين تسديد ديون الدولة فقط.
ويشير الشكندالي إلى أن الترويج لتسديد أقساط الديون الخارجية التي حان أجلها بفضل "سياسة التعويل على الذات" غير صحيح، لأن الحكومة تلجأ للاقتراض من الخارج ومن الداخل (سواء من البنوك أو البنك المركزي ) لتعبئة موارد بالعملة الصعبة لسداد القروض الخارجية.
وحذر من تبعات الاقتراض المفرط من الداخل من البنوك أو البنك المركزي نتيجة مزاحمة القطاع الخاص على الاقتراض لتمويل الاستثمار أو توريد المواد الأولية والرفع في مستويات التضخم بسبب ضخ السيولة دون إنتاج فعلي.
وبعد لجوئها للاقتراض من البنك المركزي العام الماضي بقيمة 7 مليارات دينار، تعتزم تونس الاقتراض من البنك المركزي التونسي مرة أخرى بنحو 4 مليارات دولار العام المقبل، في محاولة لتلبية احتياجاتها التمويلية المتزايدة.
وبحسب مشروع الميزانية التي اطلعت عليه الجزيرة نت، سيرتفع العجز إلى 11 مليار دينار (3.8 مليارات دولار) مقارنة بنحو 9.8 مليارات دينار في سنة 2025.
وتسعى الدولة التونسية لجمع نحو 6.8 مليارات دينار (2.33 مليار دولار) من القروض الخارجية، و19.1 مليار دينار من السوق المحلية، سيأتي جزء كبير منها من البنك المركزي التونسي.
من جانبه، قلّل الخبير المحاسب حاتم فتح الله من أهمية إعلان تسديد الديون الخارجية بوصفه إنجازا استثنائيا، مؤكدا أن تونس لم تتخلف منذ سنة 1956 عن سداد التزاماتها الخارجية في الآجال المحددة.
وأوضح للجزيرة نت أن الجدل الذي رافق هذا الملف يجد تفسيره في الخطاب السائد قبل 25 يوليو/تموز 2021، حين حذّر عدد من الخبراء من خطر الإفلاس ومن اختلال ميزان الدفوعات واتساع الموازنة العمومية مقارنة بحجم الاقتصاد الوطني.
ورغم وجاهة هذه المؤشرات، يقول الخبير المحاسب إن التنبؤ بعجز الدولة عن السداد لم يتحقق، بسبب اتباع سياسة تقشف صارمة في السنوات الأخيرة شملت خصوصا تقليص واردات المواد الأساسية.
ورغم أنه رجح أن تكون تونس عجلت سداد بعض القروض قبل آجالها للاستفادة من تراجع قيمة الدولار أمام الدينار، فإنه شكك في مصداقية الخبر المتداول بأن تونس سددت 125% من ديونها الخارجية العام الجاري.
كما أشار إلى تزايد حجم الدين العمومي بشكل مطرد من سنة إلى أخرى ليبلغ نحو 131 مليار دينار (40 مليار دولار) أي ما يعادل 80% من الناتج الداخلي الخام مع نهاية 2024.
وأضاف فتح الله أن الدولة تواصل سنويا الاقتراض ما بين 20 مليار دينار و25 مليار دينار من الداخل والخارج لتغطية عجز الموازنة، وهو ما يجعل الدين يدور في حلقة مفرغة، إذ إن ما يُسدّد في سنة يُعاد اقتراضه في أخرى.
ويرى مراقبون أن قدرة تونس على الوفاء بالديون قائمة بفضل مداخيل السياحة وتحويلات المغتربين ومردودية الفلاحة وانخفاض أسعار الطاقة عالميا، لكنها مرتبطة أيضا بغياب أي صدمات غير متوقعة كارتفاع أسعار البترول.