آخر الأخبار

زئيف أفني.. جاسوس سوفياتي تسلل إلى الموساد

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

عميل مزدوج ولد عام 1921 وتوفي عام 2007. عُرف في البداية باسم "وولف غولدشتاين" في لاتفيا، وهو من أصول يهودية، عاش سنوات حياته الأولى في سويسرا بعدما انتقلت عائلته للعيش هناك. التحق بعدها بصفوف الجيش السويسري إبان الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945)، في تلك الفترة لفت انتباه الاستخبارات العسكرية الروسية بفضل إجادته لغات أوروبية عدة، فقررت تجنيده.

وبعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948 أرسله الاتحاد السوفياتي للعمل جاسوسا في مؤسساتها الحكومية، إلى أن تسلل إلى جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية ( الموساد ).

تدرج في المناصب الدبلوماسية، وعمل منذ 1952 ملحقا تجاريا في سفارات إسرائيل في كل من بلغراد وأثينا وبروكسل .

وبعدما كشفت السلطات الإسرائيلية أمره عام 1956 اعتقلته وحكم عليه بالسجن 14 عاما، وبعدها أفرج عنه بعفو رئاسي بعد 10 سنوات.

عقب ذلك، قرر خدمة إسرائيل، وكان من رواد تأسيس منظومة الصحة في الجيش الإسرائيلي ، بعدما درس علم النفس في فترة سجنه.

المولد والنشأة

ولد زئيف أفني، واسمه الحقيقي وولف غولدشتاين، عام 1921 في مدينة ريغا بلاتفيا التابعة للإمبراطورية الروسية آنذاك، لعائلة يهودية ذات ميول اشتراكية.

هاجر والده من روسيا للعمل في ألمانيا ثم انتقل إلى سويسرا عام 1933، وهناك نشأ زئيف في بيئة مثقفة، ساعدته على اكتساب مهارات لغوية هائلة.

وفي حين انجذب كثير من يهود تلك الحقبة إلى الحركة الصهيونية ، فإن أفني سلك منذ سن الـ15 طريقا مغايرا وتبنى الفكر الشيوعي ، ولم يكن يؤمن بالقومية ولا الرأسمالية .

كما تأثر بشقيقه الأكبر أليكس، الذي كان ناشطا شيوعيا معروفا في سويسرا آنذاك.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس ألمانيا، ثم أكمل تعليمه الثانوي بإحدى المدارس السويسرية الثانوية وتخرج فيها عام 1940.

التجنيد

في أثناء الحرب العالمية الثانية وبين عامي 1940 و1945، خدم جنديا ضمن فوج زيوريخ للمشاة في الجيش السويسري.

وفي تلك الفترة كان ضابط الاستخبارات الروسية غروغليكوف يقود خلية سويسرية، فقرر تجنيد أفني للعمل ضمنها، لأنه كان يجيد لغات أوروبية عدة بمختلف لهجاتها.

كما لفت أنظار الجهاز الاستخباراتي الخاص بالجيش الأحمر السوفياتي "جي آر يو"، فاستدعاه لتلقي تدريب مكثف داخل وحداته.

وهناك تعلم أفني مهارات العمل الاستخباراتي، مثل جمع المعلومات والتواصل المشفر واستخدام الهويات الوهمية.

إعلان

ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت الأنظار تتجه إلى الشرق الأوسط ، الذي اعتبر ساحة جديدة للصراع والنفوذ، خاصة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الـ20.

مصدر الصورة زئيف أفني عرف في البداية باسم "وولف غولدشتاين" في لاتفيا (الصحافة الروسية)

جاسوس مزدوج

بعدما تأسست إسرائيل عام 1948، اختارت موسكو تكليفه بمهمة جريئة وطويلة الأمد، وهي أن يكون عميلا للاتحاد السوفياتي داخل إسرائيل.

وكانت الخطة أن يعيش حياة طبيعية ظاهريا، ويتسلق السلم الوظيفي داخل المؤسسات الإسرائيلية، حتى يتمكن من الوصول إلى ملفاتها السرية ويسربها للاتحاد السوفياتي في الوقت المناسب.

وفعلا سافر غولدشتاين إلى إسرائيل وأخذ معه زوجته وابنه الصغير، ومن أجل تنفيذ الخطة بإحكام غير هويته واختار اسما عبريا وهو زئيف أفني، وزئيف بالعبرية تعني الذئب. استقر مع عائلته في كيبوتس هزوريعا في تل أبيب ، واندمج شيئا فشيئا في الحياة العامة، وتقلد وظائف حكومية وبنى حياة مستقرة في إسرائيل.

كانت الحياة هناك قائمة على مبدأ المشاركة، إذ كان السكان يعيشون معا ويتقاسمون الدخل والممتلكات ويتعاونون على تربية الأطفال معا.

رأى أفني أن تلك البيئة مناسبة لإخفاء نشاطه السري، وكان يملك طموحا أكبر ممن حوله، فانضم إلى حزب مابام اليساري الذي كانت تربطه علاقة قوية ومباشرة مع الاتحاد السوفياتي.

وفي عام 1952، انضم إلى وزارة الخارجية وعين ملحقا تجاريا لدى السفارة الإسرائيلية في العاصمة البلجيكية بروكسل، كما أصبح مسؤولا عن الأمن هناك.

وقد منحته هذه المناصب فرصة الوصول إلى وثائق شديدة السرية، مثل صفقات الأسلحة وشفرات الاتصال، وسربها لاحقا للاتحاد السوفياتي.

التحاقه بالموساد

ولم يكتف بذلك، بل وصل وتسلل إلى جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد). وبحلول عام 1953، نُقل إلى بلغراد عاصمة صربيا ، وعُين ملحقا تجاريا بسفارة إسرائيل لدى يوغوسلافيا واليونان.

ساعد في كشف عملاء "الموساد" في دول أوروبية عدة، مثل اليونان وفرنسا وإيطاليا وسويسرا، كما سلم نماذج من شفرات الاتصال الخاصة بالموساد، مما ألحق ضررا بالغا بإسرائيل.

وفي منتصف خمسينيات القرن الـ20، خططت إسرائيل لاختطاف واغتيال العلماء الألمان الذين عملوا لصالح الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، في محاولة لإحباط برنامج التسلح وتطوير صواريخ باليستية .

وقد دعا الموساد أفني للمشاركة في تنسيق العملية في أوروبا، لكن ولاءه للسوفيات كان أكبر، وبما أن مصر كانت حليفة لهم، وكانت العملية تمس مصلحة موسكو في المنطقة، أحبط أفني العملية وأخرها أشهرا عدة.

الاعتقال والسجن

سقوط العميل المزدوج لم يأت عبر تجسس مضاد أو بلاغات خارجية، بل من "حدس استثنائي"، ففي عام 1956 وبعد عودته من بروكسل إلى إسرائيل في زيارة بدت عادية، اجتمع مع رئيس الموساد آنذاك إيسر هارئيل.

وعندما سأله عن سبب الزيارة، قال أفنى إنه اشتاق لابنته، وجاء لكي يراها، لكن رئيس الموساد لم يقتنع بجوابه، وشعر أن هنالك شيئا ما وراء تلك الزيارة، وأن إجابته كانت محاولة لتبرير وجوده هناك.

فبدأت تراوده الشكوك وقرر اختبار أفني، فدعاه إلى لقاء غير رسمي، ثم عصب عينيه واقتاده إلى منطقة نائية خارج تل أبيب وأخذ معه مجموعة من رجال الأمن، وفقا لما ذكرته تقارير إعلامية إسرائيلية.

إعلان

في تلك اللحظات لجأ هارئيل إلى خدعة نفسية، فقد أوهم أفني بأن الموساد الإسرائيلي كشف تعاونه مع الاستخبارات السوفياتية، وأنه على علم بأسماء الضباط الذين تعاون معهم، وبالرسائل التي بعث بها وحتى مواعيد اجتماعاته السرية.

فأوقع بأفني واعترف بأن الاستخبارات السوفياتية ( كي جي بي ) جندته منذ سنوات لتنفيذ مهمة تجسس طويلة الأمد. وفي أبريل/نيسان 1956، اعتقلته السلطات الإسرائيلية وفرضت تعتيما على قضيته.

وبعد محاكمة سرية أدين بتهمة التجسس المزدوج والعمل لصالح الاتحاد السوفياتي، وحكم عليه بالسجن 14 عاما، ورغم ذلك رفض التعاون مع الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية أو تقديم أي معلومات عن شبكات التجسس السوفياتية التي كان يعمل لديها.

وتمسك بأفكاره الشيوعية وبموقفه الأيديولوجي الرافض للخيانة المزدوجة، واعتبر أن ولاءه السابق للاتحاد السوفياتي نابع من قناعته الشخصية لا من مصالح آنية.

التحول الفكري

ظل أفني وفيا لمعتقداته الشيوعية التي آمن بها منذ شبابه إلى أن ألقى نيكيتا خروتشوف خطابه الشهير في 25 فبراير/شباط 1956، وعندها تعرض أفني لصدمة فكرية هائلة، وترك الخطاب أثرا بالغا في نفسه. فقد كشف خروتشوف -عقب توليه السلطة بعد وفاة جوزيف ستالين عام 1953- الفظائع التي حصلت في أثناء حكم هذا الأخير من قمع سياسي وجرائم قتل الشيوعيين، وقال إن نظامه انحرف عن المبادئ الاشتراكية.

ومع مرور الوقت واطلاع أفني على وقائع سياسية أخرى، خاصة في مرحلة "الانفراج السياسي" في عهد خروتشوف، أعاد تقييم ولائه الأيديولوجي للاتحاد السوفياتي.

تأسيس المنظومة الصحية

في أثناء وجوده في السجن، درس أفني علمي النفس والاجتماع، وحصل على شهادة جامعية، ثم قضى نحو 10 سنوات قبل أن يفرج عنه بعفو رئاسي بين عامي 1965 و 1966.

شارك بعد خروجه من السجن في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 وتطوع للعمل في الخطوط الأمامية في سيناء كونه اختصاصيا نفسيا، وعالج الجنود الإسرائيليين الذين عانوا من صدمات نفسية.

وأسهم لاحقا في تأسيس قسم الصحة النفسية في صفوف الجيش، كما طور آليات الدعم النفسي للجنود، في وقت كان الجيش الإسرائيلي يفتقر فيه إلى منظومة صحية حقيقية تجيد التعامل مع مثل تلك الحالات.

وقال في مقابلات صحفية إن عمله كان "تكفيرا عن ذنبه" -في إشارة إلى ماضيه مع التجسس- وأضاف " كنت أرغب في رد الجميل لبلد منحني كل شيء رغم أنني خنته"، وفق تعبيره.

المؤلفات والإصدارات

في 1993 سمح له بنشر مذكراته بعنوان "علم زائف: القصة الداخلية للجاسوس الذي عمل لموسكو وإسرائيل"، وقد شاركه في كتابتها محققه يهودا براغ.

وكشفت المذكرات عن عقلية الجاسوس الأيديولوجي الذي تحول لاحقا إلى وطني.

الوفاة

عاش أفني حياة هادئة في إسرائيل حتى وفاته في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2007 عن عمر ناهز 86 عاما.

وقد بقي إرثه موضع جدل، فالبعض يراه خائنا ولا تمكن مسامحته، في حين يرى آخرون أنه رجل خضع لتحول فكري عميق وقدم للبلد أكثر مما سلب منه.

ورغم أن تفاصيل تجسسه بقيت سرية جزئيا، فقد اعتبرت قصته الأكثر تعقيدا في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا