اختيار التخصص الدراسي من أصعب القرارات التي يواجهها الشباب عند بدء مسيرتهم الجامعية، إذ يشكل نقطة انطلاق حاسمة نحو مستقبلهم المهني. وتزيد أهمية هذا الخيار في ظل تفاقم معدلات البطالة بين خريجي الجامعات في العالم العربي، الأمر الذي يجعل من حسن اختيار التخصص الدراسي ضرورة لا رفاهية.
تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه تحديات كبيرة في تشغيل الشباب، إذ بلغ معدل بطالة الشباب فيها 24.4% عام 2023، وهو ضعف المتوسط العالمي.
ويواجه الشباب الحاصلون على الشهادات الجامعية في العديد من دول المنطقة معدلات بطالة مرتفعة، تعكس تحديات واضحة في مواءمة التعليم مع متطلبات سوق العمل.
وقال الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية عمرو عزت سلامة إن نسبة البطالة بين خريجي الجامعات العربية تبلغ نحو 28%.
ونقلت عنه وكالة الأنباء الأردنية (بترا) قوله إن عدد الوظائف التي تحتاج الدول العربية لاستحداثها في العقود الثلاثة المقبلة يتجاوز 60 مليون وظيفة.
وتبرز هذه الأرقام حجم التحديات التي تواجه الشباب العربي في مرحلة الانتقال من التعليم إلى سوق العمل، كما تُسلط الضوء على الأهمية البالغة لاختيار التخصص الجامعي المناسب.
يُسلط هذا التقرير الضوء على آفاق سوق العمل في المستقبل، ويستعرض أبرز التخصصات والمهن الجديدة التي يُتوقع أن يكون لها دور محوري في السنوات المقبلة.
من المتوقع أن يُسهم التغيير التكنولوجي وغياب الاستقرار الاقتصادي والتحولات الديمغرافية في إعادة تشكيل سوق العمل عبر العالم بحلول عام 2030، وفقا لما ورد في "تقرير مستقبل الوظائف 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
واستند التقرير إلى آراء أكثر من ألف من المشغلين حول العالم، يعمل لديهم أكثر من 14 مليون عامل في 22 قطاعا صناعيا و55 اقتصادا مختلفا.
وفيما يلي أبرز النتائج التي خلص إليها التقرير:
من المتوقع أن يشهد سوق العمل العالمي في الفترة من 2025 إلى 2030 فقدان نحو 92 مليون وظيفة (تمثل 8% من إجمالي الوظائف الحالية)، في مقابل خلق حوالي 170 مليون وظيفة جديدة (تعادل 14% من الوظائف الحالية).
ويرجع ذلك إلى التحول الهيكلي العميق الذي تشهده أسواق العمل عالميا، وبذلك يُسجل سوق العمل نموا صافيا في التوظيف بنسبة 7% من إجمالي الوظائف، أي ما يعادل 78 مليون وظيفة جديدة.
تشير التوقعات المستقبلية إلى أن سوق العمل العالمي سيشهد تحولات هيكلية كبرى بحلول عام 2030، بسبب الثورة الحاصلة في مجال التواصل الرقمي.
ويُتوقع أن يُحدث هذا التحول تأثيرا واسع النطاق على نماذج الأعمال والوظائف نتيجة للتطورات في مجالات عدة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات ومعالجة البيانات والطاقات المتجددة والأمن السيبراني.
وللتغيرات المناخية أيضا دور بارز في رسم الملامح المستقبلية لسوق العمل، إذ يُتوقع أن يؤدي التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه إلى تحفيز نمو وظائف جديدة في مجالات: الطاقة المتجددة والهندسة البيئية والمركبات الكهربائية وذاتية القيادة، كما سيزيد الطلب على مهارات الإدارة البيئية لتواكب هذا التحول.
تسهم التحولات الديمغرافية في إعادة تشكيل خريطة التوظيف عالميا، إذ يُتوقع أن تؤدي شيخوخة السكان في الدول ذات الدخل المرتفع إلى نمو كبير في وظائف الرعاية الصحية، فيما يدفع التوسع السكاني في الدول النامية نحو تعزيز وظائف التعليم والتدريب.
من بين 78 مليون وظيفة جديدة متوقعة حتى عام 2030، تُعد الوظائف المرتبطة بالتكنولوجيا الأسرع نموا من حيث النسبة المئوية، وتشمل مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتطوير البرمجيات والتكنولوجيا المالية، مما يعكس التحول الرقمي المتسارع في مختلف القطاعات.
يُتوقع أن تتراجع وظائف السكرتارية والإداريين وموظفي البريد وأمناء الصناديق، بسبب الأتمتة والرقمنة.
وتُشير التقديرات إلى أن نحو 39% من المهارات الحالية للعاملين قد تصبح غير ذات قيمة في السنوات المقبلة، مما يجعل رفع الكفاءة والتدريب المستمر ضرورة حتمية.
فيما يلي قائمة بأبرز 10 تخصصات يتوقع أن يكون لها دور كبير في المستقبل وفقا لعدد من المنصات مثل "جامعة سيتي" الأميركية، ومنصة "غلوبال أدميشن" و"جامعة نورث إيسترن" الأميركية وغيرها. علما أن الأرقام الخاصة بالرواتب تعكس واقع سوق العمل في الدول المتقدمة، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية.
المدير الإنسا-آلي أو "مدير فريق البشر والآلات" (HMTM) هو مسؤول عن تنسيق العمل بين البشر والتقنيات الذكية مثل الروبوتات والأنظمة المؤتمتة، بما يضمن تكاملا فعالا وتعاونا سلسا بين القدرات البشرية والآلية، وتعزيز كفاءة الأداء في بيئة العمل.
ويُشترط في مدير هذا الفريق امتلاك مزيج من الخبرة القيادية والمعرفة الأساسية بالتقنيات المتقدمة والأنظمة الروبوتية والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وفقا لمنصة أمازون ومنصة "كت أوفر".
الراتب: حوالي 140 ألف دولار في السنة.
يعمل مهندس البيانات الضخمة على تحويل كميات هائلة من المعلومات إلى رؤى تساعد المؤسسات على اتخاذ القرارات.
ويتوسع دور هذا النوع من المهندسين ليشمل جمع البيانات من مصادر متعددة وتحليلها وتفسيرها وإعداد التقارير عنها.
كما يتحملون مسؤولية إنشاء وصيانة البنية التحتية التقنية للشركة، بما في ذلك الأنظمة والأدوات التي تُمكّن المستخدمين من التعامل بكفاءة مع هذه البيانات.
الراتب السنوي: 151 ألف دولار في السنة.
تخصص مستجد وله مستقبل مزدهر، خاصة في ظل نمو سوق الألعاب الإلكترونية التي بلغت قيمتها نحو 299 مليار دولار عام 2024. كما تشير تقديرات إلى أن عدد لاعبي هذه الألعاب بلغ ما لا يقل عن 3.32 مليارات لاعب حول العالم عام 2025، وهو ما يعزز الطلب على مدربي الألعاب الإلكترونية لتطوير مهارات اللاعبين وقيادة الفرق نحو المنافسة الاحترافية.
ومع تزايد شعبية الرياضات الإلكترونية، تزداد برامج التعليم الرسمي المخصصة لهذه الصناعة انتشارا. وتُعد درجة البكالوريوس في الرياضات الإلكترونية مثالا بارزا على كيفية تكيف الجامعات مع هذا المجال المزدهر، إذ توفر للطلاب تدريبا أكاديميا في نظرية الألعاب، وإدارة الرياضات الإلكترونية وإستراتيجية الأعمال كما هو في جامعة "نورث داكوتا" الأميركية.
الراتب السنوي: من 35.5 ألف دولار إلى أكثر من 100 ألف دولار.
مهندسو التكنولوجيا المالية في طليعة الثورة الرقمية في القطاع المالي، ويقودون عمليات التحول الرقمي من خلال تطوير حلول مبتكرة تشمل الخدمات المصرفية الرقمية، والمدفوعات الإلكترونية، ومنصات العملات المشفرة.
ويجمع هؤلاء المهندسون بين الخبرة المالية ومهارات البرمجة لبناء أنظمة آمنة وفعالة تُعالج المعاملات المعقدة، وتُحسّن تجربة المستخدم. ومع تزايد الاعتماد على التمويل الرقمي، تتنامى الحاجة إلى خبراء في هذا المجال الحيوي.
الراتب السنوي: 147 ألف دولار.
يساهم متخصصو الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة ذكية تتعلم وتتخذ قرارات بأقل تدخل بشري، مثل المساعدين الافتراضيين والسيارات ذاتية القيادة، ويصممون خوارزميات تُمكّن الآلات من تحليل البيانات وتحسين أدائها بمرور الوقت.
ومع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات كالرعاية الصحية والمالية والتكنولوجيا، يزداد الطلب على خبراتهم بشكل مستمر.
الراتب السنوي: يصل راتب هؤلاء الخبراء إلى نحو 111 ألف دولار سنويا، بينما يبلغ متوسط الراتب حوالي 70 ألف دولار سنويا.
يقود متخصصو المركبات الذاتية والكهربائية مستقبل النقل من خلال تطوير وتصميم وصيانة هذا النوع من المركبات. ويزيد الطلب عليهم مع التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة والتنقل الذكي.
يشمل عملهم دمج تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار وأنظمة البطاريات، لتطوير مركبات آمنة وفعالة وصديقة للبيئة تقلل من الحاجة للتدخل البشري.
الراتب السنوي: يختلف حسب الخبرة والشهادة ونوع التخصص الدقيق، فمثلا يتقاضى مهندس السيارات الكهربائية ما بين 90 إلى 140 ألف دولار في السنة، بينما يتقاضى الفنيون ما بين 50 إلى 85 ألف دولار في السنة حسب الخبرة والتخصص.
وهو من أهم التخصصات المستقبلية، إذ سيزيد اعتماد الناس على الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه.
في هذا التخصص، ستدرس جميع أشكال الطاقة المتجددة، وستصقل مهاراتك العملية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة للتعامل مع الطاقة النظيفة.
بدأ هذا التخصص بالظهور في الجامعات العربية ضمن تخصصات الهندسة والبيئة. لذا، يُعد خيارك الأمثل إذا كنت مهتمًا بقضايا البيئة والاستدامة.
الراتب السنوي: يبلغ متوسط راتب المديرين في هذا التخصص نحو 153 ألف دولار في السنة.
السيارات الذكية وذاتية القيادة مجال واعد بالوظائف مستقبلا (رويترز)أقرب ترجمة لها للعربية هي "هندسة التطوير والعمليات" إذ إن مصطلح (DevOp) هو اختصار لكلمتي (Development) "التطوير" و(Operations) "العمليات"، ويشير إلى المنهجية التي تجمع بين تطوير البرمجيات وتشغيلها وصيانتها لضمان تسليم أسرع وأكثر موثوقية للبرمجيات.
ومهندس الـ"ديفوبس" هو متخصص في تكنولوجيا المعلومات، ويجب أن يكون ذا معرفة واسعة بالتطوير والعمليات، بما في ذلك البرمجة وإدارة البنية التحتية وإدارة النظام وسلاسل أدوات "الديفوبس".
كما يشترط في هذا النوع من المهندسين مهارات التعامل مع الآخرين، إذ يعملون ضمن أقسام الشركة المختلفة لبناء بيئة عمل أكثر تعاونا.
الراتب السنوي: متوسطه 132 ألف دولار في الولايات المتحدة.
خبراء في تطوير وإدارة الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت، مما يسمح لها بالتواصل مع بعضها بعضا.
وتشمل الأجهزة الذكية كل شيء من الأجهزة المنزلية الذكية والتكنولوجيا القابلة للارتداء إلى أجهزة الاستشعار الصناعية والمركبات المتصلة.
ويركز عملهم على تصميم الأجهزة وتطوير البرمجيات وتأمين البيانات. ومع تزايد اعتماد القطاعات مثل الصحة والنقل والمدن الذكية على هذه التكنولوجيا، سيتنامى الطلب على خبراء إنترنت الأشياء.
الراتب السنوي: يتراوح ما بين 63 إلى 195 ألف دولار بناء على الخبرة والموقع والشركة والدور المنوط بهم.
مهنة ضاربة في القدم لكنها متجددة ولها مستقبل مزدهر. ووفقا لمكتب إحصاءات العمل الأميركي، من المتوقع أن ينمو توظيف الممرضات المسجلات بنسبة 6% بين عامي 2023 و2033، مع توقع توفر ما يقرب من 195 ألف وظيفة شاغرة سنويا.
ويعود هذا النمو إلى احتياجات الرعاية المزمنة، وتوسع خدمات الرعاية الصحية، لكن الأمر لا يقتصر على شغل الأدوار فحسب، فالتكنولوجيا والتواصل المجتمعي والرعاية القائمة على البيانات تُشكل مستقبل التمريض.
وأصبح دور الممرضات أساسيا في الصحة الرقمية والسياسات والتعليم والصحة العامة، وليس فقط في رعاية المرضى.
الراتب السنوي: متوسط الراتب يبلغ 98 ألف دولار في السنة.