آخر الأخبار

كيف وصلت أجزاء من جدار برلين إلى مختلف أنحاء العالم؟

شارك
في 9 نوفمبر 1989 سقط جدار برلين الذي كان يقسم ألمانيا إلى شطرين والعالم إلى عالمين. صورة من: Norbert Michalke/imageBROKER/picture alliance

كان رمزا معروفا ومخيفا في جميع أنحاء العالم لانقسام ألمانيا: جدار برلين . لأكثر من 28 عاما فصل الجدار بين برلين الغربية التابعة لجمهورية ألمانيا الاتحادية وبرلين الشرقية التابعة آنذاك لجمهورية ألمانيا الديمقراطية. بدأ بناؤه في عام 1961 بأمر من القيادة الشيوعية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا: قبل ذلك كان حوالي ثلاثة ملايين شخص قد فروا إلى الغرب هربا من الوضع الاقتصادي والحرمان من الحرية والتجسس من قبل الدولة. لم ترغب سلطات الدولة الشرقية في خسارة المزيد من المواطنين، لذلك تم بناء نظام معقد من الحواجز والتحصينات على طول الحدود البالغ طولها 155 كيلومترا والذي كان من المفترض أن يكون منيعا (ومع ذلك نجح حوالي 5000 ألماني شرقي في الفرار على مر السنين).

فصل الجدار جميع طرق النقل والاتصالات بين برلين الشرقية والغربية تقريبا وكانت نقاط العبور الحدودية مثل نقظة شارلي "تشك بوينت تشارلي" هي من الاستثناءات القليلة.

أظهر الجدار كل قسوة نظام جمهورية ألمانيا الديمقراطية : بين عامي 1961 و1989 قُتل ما لا يقل عن 140 شخصا أثناء محاولتهم تجاوزه. إلى جانب حوالي 100 شخص من الراغبين في الهروب لقي جنود الحدود ومارة غير متورطين حتفهم أيضا.

نصب تذكاري بسيط وفعال: جزء من الجدار في صوفيا (بلغاريا)صورة من: Ulrich Mählert/Bundesstiftung Aufarbeitung

جدار برلين: مكروه في البداية، ثم مرغوب فيه

مع انهيار الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية سقط الجدار في 9 نوفمبر 1989. وتبع ذلك توحيد ألمانيا بعد أقل من عام. واليوم لا يمكن رؤية سوى أجزاء من الجدار في برلين: أطولها هو معرض إيست سايد غاليري الشهير الذي يبلغ طوله 1.3 كيلومتر من الخرسانة المطلية بالإضافة إلى ذلك هناك النصب التذكاري لجدار برلين. لكن في ذلك الوقت أراد سكان برلين التخلص من الجدار الخرساني المكروه في أسرع وقت ممكن وفي الوقت نفسه أراد الناس والحكومات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم الحصول على قطعة تذكارية من الجدار. خاصة في الولايات المتحدة حيث يوجد اليوم حسب تقديرات المؤسسة الفيدرالية المختصة بمعالجة ماضي ديكتاتورية حزب الوحدة الاشتراكية الألماني (الحزب الشيوعي الذي كان يحكم ألمانيا الشرقية) أجزاء من الجدار أكثر مما يوجد في برلين. سواء أمام مقر وكالة المخابرات المركزية في لانغلي أو في مرحاض للرجال في لاس فيغاس يمكن العثور على أجزاء من الجدار في كل مكان في الولايات المتحدة.

وتقول آنا كامينسكي، مديرة المؤسسة الفيدرالية المختصة بمعالجة ماضي ديكتاتورية حزب الوحدة الاشتراكية الألماني "بصفتها أحد أعضاء القوى المنتصرة كان للولايات المتحدة بالطبع دورا كبيرا في تقسيم ألمانيا . كان الجدار موضوعا أشار إليه جميع الرؤساء الأمريكيين تقريبا في سياستهم الخارجية. كان الجدار إذا جاز التعبير مسألة عاطفية بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة بالنسبة للجنود الأمريكيين المتمركزين في برلين".

افتتاح "رصيف إعادة التوحيد": الرئيس الألماني آنذاك غاوك في عام 2015 على الحدود مع كوريا الشماليةصورة من: Yonhap/EPA/dpa/picture alliance

لكن أجزاء الجدار ليست موزعة في الولايات المتحدة فحسب، بل في جميع أنحاء العالم من نيوزيلندا إلى أيسلندا ومن إندونيسيا إلى تشيلي. وقد حددت مؤسسة معالجة ماضي ديكتاتورية حزب الوحدة الاشتراكية الألماني ( Bundesstiftung zur Aufarbeitung der SED-Diktatur) على خريطتها 57 دولة (باستثناء ألمانيا) يوجد فيها قطعة واحدة على الأقل من الجدار. لكل منها قصتها الخاصة ويتم تفسير كل منها بطريقة مختلفة. في بعض الأحيان اشترى أفراد أو شركات هذه القطع وفي أحيان أخرى أهدتها الحكومة الفيدرالية أو مجلس برلين.

نصب تذكاري ونداء

في كوريا الجنوبية التي تشعر بارتباطها بالتاريخ الألماني بسبب انقسامها هي الأخرى، توجد قطع من الجدار في ستة مواقع مختلفة من بينها دوراسان أقصى نقطة شمالية لشبكة السكك الحديدية الكورية الجنوبية على الحدود مع كوريا الشمالية. في محطة القطار هناك افتتح الرئيس الألماني آنذاك يواكيم غاوك في عام 2015 بالاشتراك مع ممثلي الحكومة الكورية الجنوبية "رصيف إعادة التوحيد" وتم كشف النقاب عن جزء من الجدار بالإضافة إلى لوحة عليها نداء: "اصنعوا كوريا موحدة وساعدوا العالم على أن يصبح أكثر سلاما". كما تم تكريس اقتباس من غاوك هنا: "معا من أجل حياة في حرية".

جورجيا، تيفليس 2024 ، جدار برلين في ساحة أوروباصورة من: Nele Wieting/Bundesstiftung Aufarbeitung

يبدو أن هذه القطع لها قيمة خاصة في بعض دول الكتلة الشرقية السابقة حيث تُعتبر نصبا تذكاريا للديمقراطية التي تم تحقيقها هناك بصعوبة. كما هو الحال في بلغاريا حيث طلبت حكومة مدينة صوفيا في عام 2006 من مجلس مدينة برلين قطعة من الجدار. وهي تقف حاليا بجانب النصب التذكاري لضحايا الشيوعية في بلغاريا مزودة بلوحتين باللغتين البلغارية والألمانية: "في 13 أغسطس 1961 قسم جدار برلين ألمانيا وبالتالي أوروبا والعالم إلى نصفين. ظلت بلغاريا محاصرة شرق الجدار حتى 9 نوفمبر 1989 عندما أطاح به الشعب. هذا الجزء من جدار برلين هو هدية من سكان برلين إلى مواطني صوفيا كرمز لإعادة توحيد أوروبا ودليل على أن البلغار أصبحوا أحرارا الآن".

كوريا الجنوبية، أويجونغبو 2014 ، جدار برلين في حديقة السلامصورة من: Tobias Dollase/Bundesstiftung Aufarbeitung

الجزء الموجود في صوفيا يبدو كئيبا تماما كما كان الجدار . في المقابل تم طلاء أجزاء أخرى كثيرة بعد هدمها أو رشها بالكتابات غالبا بنية حسنة لتزيينها برموز السلام والصداقة. وبذلك تبدو اليوم وكأنها جزء من الثقافة الشعبية بدلا من عناصر سابقة لجدار حدودي مخيف.

قام الفنان الفرنسي المقيم في برلين تيري نوار برسم الجدار على الجانب الغربي من برلين قبل 9 نوفمبر 1989 بأشكاله النموذجية ولكنه استمر في ذلك بعد ذلك أيضا. وتحتفظ هيدي كلوم، مديرة برنامج "عارضـ/ـة ألمانيا القادمـ/ـة" (Germany's Next Topmodel) بقطعة من الجدار في حديقتها في كاليفورنيا وهي هدية من زوجها المولود في ألمانيا الشرقية.

بيع قطع من جدار برلين

بعد سقوط الجدار كلفت الحكومة الانتقالية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية شركة مملوكة للدولة ببيع بقايا الجدار لتحقيق أرباح. وتعاونت هذه الشركة بدورها مع وكالة في برلين الغربية. وقرر الطرفان معا طلاء أجزاء محددة من الجدار لزيادة جاذبيتها وبالتالي سعرها. "أثار ذلك احتجاجات كبيرة في ذلك الوقت: أن حكومة ألمانيا الشرقية وممثلي الحزب الذي بنى الجدار الذي تسبب في موت الكثير من الناس، يريدون الآن تحقيق أرباح من بيعه"، تقول آنا كامينسكي. على أي حال كان من المفترض أن تعود عائدات البيع على المؤسسات الخيرية. لكن الشركات الخاصة أيضا حققت أرباحا من الجدار .

النرويج تروندهايم | جدار برلين أمام متحف الفنون صورة من: Karoline Punke/Bundesstiftung Aufarbeitung

يمكن معاينة نقاش نقدي حول هذا الموضوع في تروندهايم النرويجية. هنا أنشأ الفنان لارس أو. رامبرغ بتكليف من المدينة منحوتة بعنوان "الواقعية الرأسمالية". وقد وضع على جزء الجدار عبارة (بيع). يُقتبس عنه على الموقع الإلكتروني للمؤسسة المختصة بمعالجة ماضي ديكتاتورية الحزب الحاكم في ألمانيا الشرقية، بأن جدار برلين أصبح رمزا للحرية المكتسبة ومثالا على قابلية شراء هذه القيمة الرمزية. ويُضاف أن شراء أجزاء من الجدار وإنشاء التمثال يجعله جزءًا من هذه المشكلة.

في السنوات العشر الأخيرة تراجعت الرغبة في الحصول على أجزاء من الجدار بشكل كبير. تقول آنا كامينسكي "تطور تاريخ العالم وتغيرت السياسة العالمية". وتضيف "لقد تضاءل المحتوى الرمزي للجدار على مر العقود. وبالتالي فإنه يتراجع أكثر فأكثر كرمز".

ومن وجهة نظر الكثيرين فإن هذا أمر إيجابي بالتأكيد لأنه بغض النظر عن ألوانه الزاهية وموقعه يظل الجدار رمزا للديكتاتورية.

أعده للعربية: م.أ.م (ع.ج.م)

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار