آخر الأخبار

أغلق الهاتف واتجه للحديقة فورا.. عشر دقائق فقط قد تغير حياتك

شارك

بين زحام المدن والانغماس في الشاشات وضغوط العمل، يتسرب التركيز والانتباه قطرة وراء الأخرى، مما قد يمثل أكبر معوق للنجاح في الحياة عموما ناهيك عن مجالات مثل العمل والدراسة.

وفي عالم تزداد فيه عوامل الضغط العصبي والذهني، فإن الطبيعة تبرز كوسيلة إنقاذ وعامل شفاء، وفقا لدراسات عديدة أكدت أن التنزه وسط الطبيعة من شأنه أن يحسن المزاج ويشحذ القدرات الذهنية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 14 ألف شركة.. كيف نجح سوريون في تركيا؟
* list 2 of 2 “العافية الثقافية”.. هل يمكن علاج الالتهابات بزيارة المتاحف؟ end of list

ولأهمية الانتباه التي أوضحناها في موضوع سابق ، فإنه يبقى هدفا في ظل صخب الحياة، ولذلك فلا مناص من طرح السؤال الذي يقول:
كيف نعيد ضبط عقولنا من جديد وسط تلك المشتتات المتزايدة؟

الإجابة قصيرة وبسيطة، وهي أن 10 دقائق فقط وسط الطبيعة ربما تكفي لتحسين المزاج وشحذ التركيز، وإذا وصلت إلى 50 دقيقة فقد تتحسن الذاكرة العاملة بشكل كبير.

هذه النصائح ليست مجرد كلمات للتحفيز، بل خلاصة عملية وردت في كتاب جديد بعنوان "الطبيعة والعقل"، يشرح فيه الدكتور "مارك بيرمان" لماذا تُعد المساحات الخضراء أداة معرفية لا مجرد مشهد جميل، وكيف أن إدخال الطبيعة في نسيج المدن ضرورة صحية عامة، وليست مجرد أداة تجميلية.

بيرمان الذي يرأس قسم علم النفس بجامعة شيكاغو الأميركية، يرى أننا في زمن يقضي فيه الناس معظم الوقت في أماكن مغلقة، وأن العودة المنتظمة إلى الطبيعة ليست مجرد ترف، بل ضرورة للصحة النفسية والانتباه والإبداع.

وفي حوار حول الكتاب نشره موقع "سيكولوجي توداي" المتخصص في علم النفس والصحة النفسية وتأثيراتها على الحياة اليومية، يؤكد بيرمان أن بناء عادات قصيرة ومتكررة للتعرض للطبيعة يشبه الاستثمار المركب، حيث تتراكم مكاسب صغيرة يوميا لتدعم صفاء القرار والأداء على المدى الطويل.

الطبيعة ترمم الانتباه

يلفت أستاذ علم النفس إلى أن نظرية استعادة الانتباه تفسر الترميم الذي تحدثه للطبيعة للعقول، عبر إراحة الانتباه الموجّه، وتنشيط الانتباه اللاإرادي، بما يسميه "الافتتان اللطيف"، مشيرا إلى أن مشاهد مثل تمايل الأغصان أو حركة الغيوم تستدعي الانتباه بلا كلفة معرفية عالية، مما يقلل التعب الذهني ويعيد شحن التركيز.

إعلان

ويكمن سر راحة الطبيعة في شكلها، فالأشياء الطبيعية مثل تفرعات الشجر أو تموجات الماء، تحمل أنماطا جميلة ومريحة للعين تتكرر بأشكال مختلفة.

هذه الأنماط رغم تعقيدها الظاهري، فإنها -بحسب بيرمان- سهلة جدا على الدماغ لمعالجتها وفهمها، حيث يتجاهل الدماغ التفاصيل غير المهمة فيها تلقائيا، مما يجعل النظر إليها مريحا ولا يتطلب جهدا. ولهذا السبب، يمكن لمهندسي الديكور الآن محاكاة هذه الأشكال في ما يعرف بـ "التصميم الحيوي" داخل المباني لتخفيف الإرهاق الذهني.

الجرعة المفيدة

ويؤكد بيرمان أن المشي لنحو 50 دقيقة في بيئة طبيعية رفع الذاكرة العاملة بنحو ملحوظ، مقارنة بالمشي في شوارع مزدحمة، في حين تمنح مشاهدة الطبيعة أو الاستماع إلى أصواتها 10 دقائق فائدة أصغر ولكن ذات قيمة. ويشدد على أن الاستمتاع ليس شرطا، فالشعور بالسلامة والراحة الأساسية يكفي لتحقيق المكاسب الإدراكية حتى في طقس غير محبب.

ولكن ماذا عن الصور والنباتات الداخلية؟ يجيب الأكاديمي بأنها تقدم أثرا جزئيا مفيدا، لكن الطبيعة الحقيقية أوسع حسا حيث تجمع بين الرائحة والملمس والحرارة والرطوبة، مما يعمق الأثر الإيجابي. ولذلك فهو ينصح بتنوع التعرض للطبيعة بين حدائق مختلفة وفصول متعددة، للحفاظ على الجدة والتحفيز بشكل دائم.

أيضا يحذر الكاتب من استخدام الهاتف أثناء المشي في الطبيعة، موضحا أن استخدامه بأي شكل يعيد تشغيل الانتباه الموجّه الذي نحاول إراحته، وقد يمحو الفوائد النفسية تقريبا، مضيفا أن الوصفة بسيطة "ضع الهاتف جانبا ودع المشهد يستحوذ عليك".

علاج الاكتئاب

الأمر لا يتعلق بتحسين المزاج فقط، بل يصل إلى علاج الاكتئاب، حيث أوضح بيرمان أن بعض مرضى الاكتئاب حققوا تحسنا أكبر في الذاكرة والانتباه بعد نزهات طبيعية مقارنة بالأصحاء، مرجعا ذلك إلى أن الطبيعة تقلل التفكير المتمركز حول الذات وتفتح اتصالا أوسع بالعالم، مشيرا إلى تزايد نصائح الأطباء لما يسمى بالوصفات الخضراء مكملا للعلاج والدواء.

كما أكد أن الأطفال الذين يقضون وقتا أكبر في المساحات الخضراء، يظهرون انتباها أفضل ومعدلات أدنى من أعراض فرط الحركة وتشتت الانتباه، مع دلائل مبكرة على فائدة التعرض للطبيعة لدى من يعانون ضعفا إدراكيا أو ألزهايمر.

ولهذه الفوائد الجمة ولغيرها، دعا بيرمان إلى غرس مزيد من الأشجار وإنشاء الحدائق في المدن، وإدخال عناصر طبيعية في المدارس والمستشفيات وأماكن العمل، لتخفيف الكلفة الذهنية للحياة اليومية، مؤكدا أن المساحة الخضراء ليست ترفا، بل ضرورة تماثل النوم والرياضة والتغذية.

خطوة عملية

واختتم أستاذ علم النفس حواره مع الموقع بنصيحة مباشرة، مفادها: عندما تشعر بالإرهاق الذهني، قاوم إغراء الهاتف واتجه للمشي لبضع دقائق، انظر إلى شجرة، استمع إلى طائر، راقب غيمة، وإن تعذر فاستعن بمشهد أو صوت طبيعي.

ويؤكد بيرمان أن 10 دقائق واعية في الطبيعة قد تفعل لدماغك أكثر من ساعة تمرير على الشاشة، داعيا إلى اعتبار رؤية الطبيعة كأحد الأدوات الأساسية للعافية النفسية، وليس مجرد ترف اختياري.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا