صوت الأذان يزعجه، ينصبُ في أذنه كصيحات حربيّة لجيش يريد أن يغير على قبيلته. كان القسُّ يتقلبُ بحركة ملؤها الضجر والإعياء على فراشه في ليلة صيفية ساخنة بعد أن رفعت إحدى المآذن القريبة أذان العشاء في حي سوكورا المسلم بمدينة بواكي في ساحل العاج. لم يدخل جوفه شيء، منذ 4 أيام، الجفاف بدأ ينال منه، والصيام المقدّس بلغ به أقصى درجات الإنهاك، تحامل القس على آلامه وضجره وراح يستأنف صلواته ويدعو الرب أن يعينه في مهمته التبشيريّة التي تهدف إلى إسكات صوت الأذان في أحياء بواكي، ورفع أجراس الكنائس بترانيم تمجيد يسوع.
بدأ جسده يتداعى، لم يدرِ هل يقترب من النوم أو الإغماء.. الضوء ينحسر في عينيه، ويتمدد ظلام الغرفة الرطبة الضيقة، شفتاه اللاهجتان بالصلاة أن يغير الرب به مصير المسلمين الضالين، بدأتا في الفتور، ثم الجمود.. استسلم للنوم. سيفتح عينيه بعد ساعات ويبدأ رحلته مع الإسلام بعد أن رأى رؤية مفزعة.
هذه قصة القس ديفيد كونا رجلٌ علّمه الألمان تبشير المسلمين، فتحوّل إلى داعية إلى الإسلام.
يسلك الزائر لمسجد "عرفات" بمنطقة يوبوغون -بأبيدجان العاصمة الاقتصادية لكوت ديفوار (ساحل العاج)- في رحلته طرقا جيدة التعبيد، لكن الــ200 متر الأخيرة من رحلته تبدو وعرة جدا، ولا يضاهيها في وعورتها إلا طريق القس السابق إبراهيم كونا وهو يتلمس سبيل الهدى إلى الإسلام.
يقع مسجد "عرفات" في حي "ماروك" (أي "المغرب")، ويأخذ القادم إليه -من جهة "مقبرة يوبوغون"- يمينه ليظهر أمامه التناقض الصارخ بين الطريق الجيد الذي كان يسلكه وبين الطريق الفرعي الموصل إلى "عرفات"، إذ ينزل عبر منحدر تتناثر فيه قطع صخرية بركانية ذات مظهر رملي طيني تمتزج بالإسفلت المتآكل والحفر العميقة والنفايات.
لكن ما إن يضع الزائر قدمه عند مدخل المسجد حتى يختلف كل شيء، صحيح أن المكان غير فسيح نسبيا لكنه غاية في النظافة والترتيب وتفوح منه رائحة زكية، تحتل فيه صفوف الرجال المقدمة وخلفها -دون فاصل- يأتي عدد من صفوف النساء.
"عرفات" في الحقيقة ليس مجرد مسجد؛ بل هو منارة للمهتدين الجدد الذين سنحكي بعض قصصهم في ثنايا هذا التقرير.
في يوم الجمعة قصدت المسجد مصليًا وزائرًا للشيخ الذي كان يقف على المنبر خطيبا؛ لم يفقد المبشِّر السابق مهاراته الخطابية، ولم يغيّر جمهوره كثيرًا، ما تغيّر هو مضمون كلامه، حيث صار يبشّر بالقرآن بعد أن كان يهاجمه ويحذِّر منه، قرأ الإمام الآية: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُون" إلى آخر سورة "المنافقون".
ثم راح كونا يطير بجناحين في معاني الآيات بين الفرنسية والعربية، ويسرد من كلام النبوّة ما يؤيدها، وقبل نهاية الخطبة الثانية نقل للمصلين تحيات إحدى أخواتهم من المدينة المنورة اتصلت به وهي في رحلة للعمرة، قبل أن يختم بالدعاء ويأمر المؤذن بإقامة الصلاة.
استويت في الصفّ وقبل أن أكبّر كنت أسأل نفسي عما ينتظرني من قصة هداية الإمام الذي سأصلي وراءه بعد قليل.
أنا الآن المرشد الروحي ومؤسس منظمة "ميفاكوسي" غير الحكومية، هكذا يبدأ كونا تقديم نفسه بثقة وهدوء "وهي التي تعنى بشؤون معتنقي الإسلام الجدد في كوت ديفوار، وخاصة رجال الدين الكبار الذين تركوا مناصبهم الكنسية ليعتنقوا الإسلام".
في شبابه، درس كونا القانون في الجامعة لعامين، ثم وقف عند مفترق طرق حاسم في حياته: امتحانان تنافسيان، واحد للالتحاق بسلك الدرك (الشرطة العسكرية) وآخر للالتحاق بمعهد القساوسة. اجتاز الاثنين بنجاح، لكن قلبه -ذلك الجهاز الغامض في جوف الإنسان الذي يتخذ قرارات يصعب التنبؤ بها- كان يميل لطريق مختلف عن رغبة والده.
"أراد والدي أن أصبح ضابط درك"، يقول كونا بابتسامة بعدما عبرت في ذهنه ذكرى قديمة، "لكن قلبي كان منحازًا إلى الكنيسة، فقررت أن أكون قساً. لم يكن والدي سعيداً في البداية، لكنه تقبل ذلك لاحقاً".
التحق كونا بمعهد اللاهوت الرعوي، حيث قضى 7 سنوات من الدراسة المكثفة، "درست الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا.. القصة الكاملة"، كما يقول، ولم يدرِ أن الأيام كانت تنشد له "عرفتَ شيئًا وغابت عنكَ أشياءُ".
هناك قضى 7 سنوات جمع فيها بين الدراسة النظرية والعملية في آن واحد، قبل أن يحصل على الشهادة المطلوبة ويصبح قساً معتمداً، جاهزاً لخدمة الكنيسة والمجتمع المسيحي.
"عُينت في كنيسة كبيرة في بواكي، لكني مررت قبل ذلك بالعديد من الكنائس، ثم كانت محطتي الأخيرة في بواكي".
تقع بواكي في وسط ساحل العاج وهي ثانية المدن الكبرى من حيث عدد السكان، وتبعد 379 كيلومترا عن أبيدجان، وغالبية سكانها من المسلمين، وبها ما لا يقل عن 900 مسجد والعديد من محطات الإذاعة الدينية، هذه المدينة المكتنزة بالإسلام، أسالت لعاب الكنيسة للقيام بمشاريع تبشيرية فعيّنت القس كونا على رأس المشروع.
لكن -وكما يقال- تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؛ فهناك -يقول كونا- "أراد الله لقلبي أن يتغير.. كان عمري 32 سنة. لم يكن اعتناقي للإسلام من خلال أحد من المسلمين فلم يدعني سانوغو، ولا كوليبالي، ولا بامبا، ولا ديولا، ولا مالينكي (ألقاب عائلية وعرقية معروفة بين المسلمين هناك)؛ بل إن أيا من هؤلاء لم يكن ليقنعني أصلا".
"ما حصل كان تدبيرًا إلهيًا" يضيف كونا واصفا قصة تحوله الإيماني "لولا ذلك التدبير السماوي لما أصبحت مسلمًا، فقد كنت أتقاضى راتبًا جيدًا من الكنيسة وكانت وضعيتي المادية مريحة. حسنًا. كنت قسًا، وكنت أيضًا مُبشرًا. والمُبشر هو من يسعى لجعل الناس ينضمون للكنيسة".
تخصص صاحبنا في التبشير وسط المسلمين. المنطق كان بسيطًا -وربما مأساويًا بعض الشيء- إذ قيل لهم: "إن المسلمين جميعًا يتجهون مباشرة إلى الجحيم"، وبالتالي فإن إنقاذهم واجب مسيحي ملحّ. كانت مهمته إنقاذ الأرواح من الخلود في النار.
وكأي عمل مؤسسي، يسبق فيه التدريب العملَ، شدَّ الرجل رحاله إلى مدارس التبشير في ألمانيا، حيث خضع مع رفاقه القساوسة لتدريب عملي في طرق التبشير. كيف تغيّر مسلمًا نشأ على الإسلام إلى إنجيليّ يؤمن بيسوع والكتاب المقدس؟ كانت الدروس تطوف حول الإجابة عن هذا السؤال.
بعد أن فرغوا من حفظ النظريات التبشيرية، أخذتهم الكنيسة للتطبيق. وكانت الوجهة جمهورية توغو، سيعرف كونا أن أول ما يبدأ به المبشر الحاذق ليجذب اهتمام الناس، ليس المواعظ، وإنما أكياس الدقيق والسكر.
بعد أن فرغوا من التطبيق بشقّيه النظري والعملي، أعيدوا إلى بلادهم كمبشرين مختصين في دعوة المسلمين، الذين يمثلون 42.9% من سكان كوت ديفوار البالغ عددهم حوالي 32.8 مليون بينما تقدر نسبة المسيحيين بحوالي 32%، وبقية السكان وثنيون.
"كنت أتولى تنظيم ندوات ومحاضرات عامة. كنتُ أفعل ذلك كل 3 أيام تقريبا". يقول الإمام كونا، "كنت أقف في ساحات عامة أمام الناس، في الأحياء المسلمة وكنتُ أبشر".
لم يكن كونا مبشرًا عاديًا، بل ذا همة عالية، لم يكتفِ بالبرنامج المطلوب منه، بل تاقت نفسه أن يمدّ دائرة الصليب لتضم أحياء مكتظة بالمسلمين "قطعت عهدا على نفسي أن أذهب للتبشير في منطقة تعرف بمابواكي، وتسمى أيضا حي سوكورا ويوجد بها الكثير من المسلمين. مخصصًا 5 أيام على الأقل لمحاولة جذب المسلمين إلى المسيحية"، يقول كونا مخبرًا عن قراره، ثم بدأ يستعدُ روحيًا لهذه المهمة الصعبة " لكن كان عليّ أن أصوم كي يستجاب دعائي".
لم يكتفِ كونا بالحماسة الدينية، بل وضع لنفسه شرطًا روحيًا صارمًا تحضيرًا لهذه المهمة، سيدخل في صيام شاق، سيمتنع عن تناول الطعام والماء ويتفرغ للصلاة. سيعطي الربَّ 5 أيام من العبادة الشاقة، وينتظر منه التوفيق في الأيام الخمسة التالية بأن يلين له قلوب الناس، ويسخرها له.
"بدأتُ الصيام فمر اليوم الأول، والثاني، والثالث، والرابع، دون أكل ولا حتى شرب ماء، وهو ما يسمى عند المسيحيين: "الصيام الجاف". لا ماء، لا طعام. لا شيء. لا شيء على الإطلاق.. لا شيء على الإطلاق فقط الصلاة، ومناجاة الرب"، قال لي كونا بحماسة.
في الليلة الفاصلة بين اليوم الرابع والخامس، حين ضعف جسده من الصيام، يبدو أن روحه قد استيقظت، رأى كونا رؤيا غريبة. بدا الأمر في البداية وكأنه مجرد زيارة غير مرحب بها من الشيطان شخصيًا. كان يقف في قاعة واسعة يلقي موعظة بليغة، أليسَ طريفًا أن يظل المرء يعظ حتى في المنام، وهو يحمل الكتاب المقدس. كان منغمسًا في الوعظ، وكان الشيطان يشق الصفوف في اتجاهه..
"تابعتُ عظتي دون اكتراث" يقول كونا وقد استسلمتُ لحديثه بعد أن أخذني بأسلوبه الروائي في حكاية قصته "ولكن عندما اقترب مني، رأيتُ وجهه يشرق بشدة لدرجة أنني لم أستطع النظر إليه مباشرة، خفضتُ رأسي ولم أوقف عظتي، لكن رأسي ظلّ مطأطأ، جاء ذلك الشخص إليّ ووقف أمامي وجهًا لوجه، كان يحدق في مباشرة".
يتابع "عندما رفعتُ رأسي، أشرق وجهه بشدة لدرجة أنني لم أستطع النظر إليه. لم يُكلّمني، وإنما أمسك بالكتاب المقدس الذي كان بين يدي، اختطفه.. انتزعه مني وأعطاني كتابًا آخر عليه خط عربي. كنت متأكدا أن ما أراه هو القرآن، وقال لي: "هذا" قال ذلك بعدما سلمني إياه".
ثم أردف يقول: "هذه هي الحقيقة التي تبحث عنها. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تُبشر بها من الآن فصاعدًا". ثم استدار.
وبعد أن غادر استيقظت، ولا أدري لماذا استيقظت.
ولكن عندما استيقظت، قمت من سريري، جثوتُ على ركبتي. نزلتُ إلى الطابق السفلي، جثوتُ على ركبتي من جديد.
قلتُ: "يا رب، خلصني من الشيطان". كيف يأخذون مني الكتاب المقدس، كتابي المقدس، ويضعون بين يدي كتابًا نقول إنه ليس كتابًا جيدًا، بل هو كتاب يقود الناس إلى الجحيم؟ يا رب، ساعدني.
يا رب، نجّني. يا رب، أنقذني، بِت أدعو حتى الصباح.
وفي اليوم التالي، دعوت مجددًا. وفي اليوم الثالث دعوت كذلك. وحينها، قلت لزوجتي: "لا أشعر أنني على ما يرام".
كان الأمر معقدًا بالنسبة لي. أصلي، لكن تلك الحادثة لا تفارقني، وأخبرت زوجتي أن هذا هو حلمي.
قالت لا تستعجل، عليك أن تنتظر 5 أيام أو أسبوعًا، سترى؛ ربما هناك أشياء معينة ستراها أولًا، لا ينبغي أن تتخذ قرارا الآن.. تذكرت أن لديّ كتابا في مكتبتي، ذلك الكتاب وصل إلى هناك لأنني أدخلت شابًا مسلمًا في المسيحية.
في عرفنا أن أي مسلم يعتنق المسيحية نطالبه بإحضار ما لديه من كتب إسلامية فنحرقها، لكني لاحظت أن نسخة المصحف التي أرسلها ذلك الشاب كانت بالعربية والفرنسية، نظرت إلى الجانب الفرنسي. فقلت في نفسي: حسنًا، هذا يناسبني. سأحتفظ به في المنزل. بعد ذلك، سأدرس من خلاله كيفية مهاجمة المسلمين بشكل أفضل.
نسخة من ترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية (شترستوك)وفي ذلك الصباح، تذكرت ذلك المصحف وذهبت لأحضره، جلستُ ووضعتُ الكتاب جانبًا. لكنني سألتُ الله، يا رب، إن كان حلمي صحيحًا، فأريد -إذا فتحت المصحف مصادفةً- أن أجد ما يطمئن إليه قلبي، وإن لم يكن صحيحًا، فلْتُرِني منه ما يثبط عزيمتي.
وعندما انتهيتُ من الدعاء، أخذتُ المصحف وفتحته. قلت في نفسي: من أي مكان فتحت هذا المصحف فإن الله هو الذي اختار لي ذلك، استقبلتني الآية 15 من سورة آل عمران، لم أتوقف عن قراءة تلك السورة، قرأتها ذلك الصباح حتى النهاية، قرأت حياة مريم ابنة عمران وحياة عيسى عليهما السلام.
قرأت ثم قرأت ثم قرأت ثم قرأت ثم قرأت، إنها مفصلة للغاية.. هذا رائع بشكل لا يتصور.. كنت أبحث عن شيء ما.. إنه ممتع يلامس الروح يستقر في القلب.
رأيتُ من هو عيسى حقا ومن هي أمه، كل هذا كان يلامس قلبي. قلت: هذا جيد. حسنًا. على أي حال، قرأتها، لكن ذلك لم يكن كافيا لإقناعي بأن أصبح مسلمًا.
أخذتُ الكتاب المقدس من جديد.. فالقس مطالب كل صباح بقراءة الكتاب المقدس أولًا، ثم عليه أن يتلو صلواته قبل أن ينصرف. أخذتُ الكتاب المقدس وفتحته.
للاستماع لبعض الآيات التي أقنعت كونا بالإسلام:
/wp-content/uploads/2025/09/09-07-at-11.18.10-AM.wav
فتحته من حيث كان من المفترض أن أفتحه، بدأتُ القراءة، لكن عندما قرأتُ، لاحظت أن الطريقة التي فهمتُ بها الكتاب المقدس، الطريقة التي درستُه بها، الطريقة التي فهمتُ بها الحساب والتفسير، كل ذلك اختلط في ذهني، لا بد أن الله اختار -دون واسطة من أحد- أن يجعلني أشك فيما تربيت عليه.
لقد بدأتُ أفهم القرآن، ولم أعد أفهم الكتاب المقدس، أقرأه ولا أفهمه، لقد كنت أتدبر التفسير التأويلي واللاهوتي والروحي لهذا الكتاب، لكنني الآن لم أعد أفهمه.
كأن الله جعل الأمور تختلط في رأسي، بقيتُ هناك يومين آخرين، خلال هذين اليومين قلتُ لنفسي إنني لن أعتنق الإسلام.
لكني عندما قلتُ ذلك، خفق قلبي بشدة. خفق قلبي بشدة. أنتَ من علية القوم.
نعم، أنا من علية القوم، لكن عندما أكون في المقدمة، لماذا الله يهز قلبي؟ نعم أنا أتبع مريم عليها السلام أتبع يسوع عليه السلام، كل ذلك صحيح لا غبار عليه، لكن ربما كنت مخطئا بشأن المسلمين.. ربما لن يدخلوا النار.
كان هناك عنصران حاسمان: القرآن الكريم الذي بدأتُ أفهمه، والإنجيل الذي لم أعد أفهمه، ثم قلبي الذي يخفق عندما أقول إنني لن أسلم، وقلبي الذي يطمئن عندما يلامسه عكس ذلك.
وكلما اختلج في صدري أنني سأعتنق الإسلام، أحسست بالطمأنينة.. كان هناك عنصران حاسمان: القرآن الكريم الذي بدأتُ أفهمه، والإنجيل الذي لم أعد أفهمه، ثم قلبي الذي يخفق عندما أقول إنني لن أسلم، وقلبي الذي يطمئن عندما يلامسه عكس ذلك.
كل هذه الأمور وضعتني في موقف صعب، وعندما أتيت، قالت زوجتي: "اسمع، إن أردت أن تسلم، فافعل، إن أسلمت، فسأتبعك".
عندما قالت ذلك، قلت: "الحمد لله". علينا أن نُجهّز بعض الأشياء، سنغادر.
ولأننا نعيش ضمن نطاق الكنيسة، كان بيتنا هناك مع الكنيسة في نفس قطعة الأرض، لذا سنغادر.
قلت لها: "هيا بنا نذهب إلى إمام -في أي مكان- نستوضح منه بعض الأمور أولا".
وبعد ذلك، يمكننا الدخول في الإسلام. هكذا انطلقنا. ذهبنا إلى حي سكورا نفسه. ذهبنا إلى بواكي، إلى المسجد السنغالي في ذلك الحي.
وصلنا صباحًا الساعة الثامنة. عندما وصلنا، وجدنا بعض الناس، وقلنا: "حسنًا، جئنا لنعتنق الإسلام". كان من بين الحاضرين من يعرفونني، يعرفون أنني قادم من أجل سكورا، وأنني قس.
وهناك آخرون يقولون: لا لا، لقد جاء ليتجسس علينا. لا، إنه ليس شخصا جيدًا. بدؤوا يتحدثون فيما بينهم.
وصلت الساعة الثامنة صباحًا، وبقيت حتى الساعة الواحدة ظهرًا، ثم دخل المساء لم يأت أحد.
لا أحد يأتي ليقول لي: "تفضل، لقد أسلمت". بقيت هناك حتى الواحدة ظهرًا، الواحدة و10 دقائق. ثم جاء الإمام فقال: "أنا الإمام، جئت لأُسلّم عليك، ثم لأرى، قيل لي إنك أسلمت". قلت: "نعم، أسلمت". قال: "حسنًا".
هذا أمر جيد. حسنًا، انتظر، نحن قادمون. الثانية ظهرًا، الثالثة عصرًا، الرابعة عصرًا.
قبل صلاة العصر في الساعة الرابعة، أتى الإمام ومعه شخصان، بالإضافة إلى امرأة. قال: "حسنًا، لقد صبرت. لقد اختبرناك لنرى مدى تحملك". قلتُ في نفسي: اختبارهم لكونا الذي تعلّم عند الألمان، بالتأخر في المواعيد، اختبار قاسٍ لكنها فكرة عبقرية. خفت صوتي في رأسي وعاد صوتُ كونا وهو يكمل حكايته.
الشيخ إبراهيم كونا داخل مسجد عرفات (الجزيرة)"قالو لي: لقد صبرتَ، والآن جئنا"، سنريك كيف تغتسل، وعلى زوجتك أن تذهب مع هذه المرأة لتريها كيف تغتسل، ثم ستنطقان كلمتيْ الشهادة.
اغتسلنا، ثم عدنا، أدخلونا المسجد، نطقنا الشهادتين، واختار لي الإمام اسم: إبراهيم كان ذلك فاتح ديسمبر/كانون الأول عام 1991، لن أنسى ذلك التاريخ أبدا.
عندها قلت له: "حسنًا، لقد اعتنقتُ الإسلام. الآن، هل يمكنك أن تجد لي إستوديو هنا؟ أمكث فيه أسبوعين أريد أن أستأجره، قال لي: "لا، لا داعي للاستئجار فهذه غرفة يمكنك أن تبقى فيها".
قلت له: "حسنًا، إليك بعض المال، أريد أن تبعث شخصا يشتري لنا بعض الكتب الإسلامية كي نبدأ دراسة التعاليم الدينية".
اشتروا لي بعض الكتب، وبقيت هناك مع زوجتي أسبوعين. لم تكن الكنيسة تعلم بذلك، إذ كانوا يعلمون فقط أني سافرتُ مع زوجتي، وكان نائبي موجودا هناك.
وهكذا -خلال هذين الأسبوعين- بذلتُ قصارى جهدي لتعلم الفاتحة، تمكنتُ من تعلم بعض قصار السور، وبعض الأحكام الضرورية التي ينبغي تعلمها، وخاصةً ما يتعلق بالصلاة وما يقال فيها، تمكنتُ من تعلم ذلك في أسبوعين.
كانت الأحداث تمر بسرعة، بعد نهاية الأسبوعين، قلتُ للإمام: سأعود إلى المنزل.
لم يكن الإمام سعيدًا. قال: إلى أين أنت ذاهب؟ الأمر ليس سهلًا. قلتُ: نعم، إذا أحسست بأي تضييق فسأعود إليك.
غادرتُ، عدتُ إلى المنزل مع زوجتي، وصلنا إلى هناك، كان يوم جمعة، انتظرنا في منزل الإمام إلى يوم الأحد، ثم ودّعنا إخواننا. قاموا بالدعاء لنا. ويوم الأحد دخلنا الكنيسة، جلستُ حيث أجلس عادة.
وقلتُ لنائبي إن عليه أن يتولى العظة، وبينما كان يخطب، والناس يغنون ويرقصون ويفعلون كل شيء، كنتُ أمعن النظر فيهم، كانوا بالنسبة لي كالمجانين، كأنني أشاهد مجانين، كنت أقول في نفسي ليس هؤلاء من سيرثون الجنة غدًا، إنهم أناس ضالون.
حسبتُ كل شيء في رأسي، وعندما انتهى ذلك الجمع، غادرتُ وعدتُ إلى المنزل.
أخذتُ ورقة وكتبتُ رسالة استقالةٍ لرئيسنا.
أخبرته في رسالة الاستقالة أنني لا أستقيل لأني أعتقد أنكم جميعًا تائهون. لا، لقد استقلتُ بروحٍ أخوية.
عليك أن تفهمني. لأن ما رأيتُه في حلمي يتجاوز قدرتي على المضي قُدُما في التبشير بالإنجيل. لم أعد أستطيع أن أكون قسًا، فلتعذروني، عليّ أن أترككم، سأصبح مسلما. سأعتنق الإسلام.
أرسلتُ إليه الرسالة، فاتصل بي ليخبرني أنه تسلمها. لكن هناك المكتب، المجلس الوطني للقساوسة، الذي سيعقد اجتماعه؛ سيقدم له الرسالة. وبقيتُ في الكنيسة، في المنزل الذي أعطوني إياه، لكنني لم أعد أقدم أية مواعظ.
بعد ذلك، أرسلوا إليّ السكرتير ليسألني: هل أنت متأكد مما تريد فعله؟ قلتُ: نعم، أنا متأكد ولو كنتَ مكاني لفعلتَ الشيء ذاته، إنها تجربة مررتُ بها مع الله، لذا لا يمكنني الالتفاف عليها.
غادر السكرتير، ثم دعوا إلى اجتماع؛ كان لدينا اجتماع كبير جدًا في كنيسة تابو، ودُعيتُ هناك لتقديم إعلان استقالتي، فقدمتُها.
استمرت تلك الإجراءات حتى 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، عندما وصلتُ لتقديم استقالتي، قال لي الرئيس: سنبدأ برسالة أرسلها إليك أحد زملائك القساوسة.
قرؤوا الرسالة، ثم قال زملائي إنني ربما مررت بتجربة صعبة وربما أغيّر رأيي، وقالو: نترك لك الكلمة.
تحدثتُ أمامهم، فقلتُ إنني أقدم اعتذاري، فالذي حدث لي شأن رباني، فأنا الذي درست، وأنا الذي قررت أن أكون قسًا.
ثم علق الإمام كونا على ذلك قائلا: "ربما كانت تجربةً أراد الله لي أن أمرّ بها لأصبح مسلمًا، بل إمامًا".
كونا: لم يكن إعلاني عن إسلامي أمرا سهلًا إطلاقًا، بل كان صعبًا للغاية، بعض زملائي لم يتمالكوا أنفسهم فبكوا
وأضاف في معرض حديثه عما قال للقساوسة المجتمعين: "إذن، التجربة التي أراني إياها الرب تسمح لي اليوم بأن أكون مسلمًا، ولا أواصل عملي كقسيس. لذا، بدءًا من اليوم، اعتبروني مستقيلا، وقراري نهائي، سأترك الكنيسة من أجل الإسلام".
لم يكن الأمر سهلًا إطلاقًا. كان صعبًا جدًا، بعض زملائي لم يتمالكوا أنفسهم فبكوا.
"لقد انتهى كل شيء"، كان ذلك هو إعلان القطيعة رسميا مع الكنيسة، عندها قال الرئيس: "حسنًا، ما دمت قررت المغادرة، فليكن ذلك. لذا، إذا وصلت إلى البعثة فلديك أسبوعان لإخلاء الطرف، وفي نهاية الشهر سنعطيك أموالك، والسيارة التي لديك أعدها للبعثة، وعليك مغادرة المنزل كذلك، لم يعد هناك أي رابط بيننا".
قلتُ: "الحمد لله". كنتُ سعيدًا جدًا في داخلي، غادرتُ الاجتماع، اتصلتُ بزوجتي لأقول: "حسنًا، لقد تم الأمر كما أردنا".
ومن هناك قررنا مغادرة بواكي إلى ياموسوكرو لأنني من ياموسوكرو، سنذهب إلى مسجد ياموسوكرو فوالداي هناك.
على الأقل؛ الأمور هناك يمكن أن تسير بشكل أفضل، غادرتُ مع نهاية الشهر بعد أن سلمت كل ما لدي من عهدة للكنيسة.
وقعتُ جميع الوثائق المطلوبة، كل شيء، ثم غادرتُ إلى ياموسوكرو، ذهبتُ إلى رئيس المجمع الإسلامي فاستقبلني بحفاوة بالغة، كان سعيدًا جدًا في المسجد الكبير، في مسجد ياموسوكرو الكبير.
مسجد ياموسوكرو الكبير (الجزيرة)
وجاء أهل بواكي، قساوسة بواكي، لزيارة والديّ في ياموسوكرو، وزاروا شيخ قريتنا الذي هو صهري كذلك، ليخبروه أنني تركتُ خدمتي الرعوية لأُسلم، لأقتل عائلتي، لأُصبح ثريًا، وهذا -في تقاليدنا- هو ما يعتقده الناس.
ولذا، بذل رئيس القرية قصارى جهده لصدي عن الإسلام، وإعادتي إلى الكنيسة، اتصل بي، عندما وصلتُ، سألني: "أين أنت؟" فقلتُ: "أنا في ياموسوكرو".
قال: "لكنك كنت في بواكي، صحيح؟" قلت: "نعم، كنت في بواكي"، فقال "هل كنت قسًا في بواكي؟" قلت: "نعم"، فقال "لكن ماذا تفعل في ياموسوكرو؟" قلت: "أسلمت".
قال: "اذهب واستأنف نشاطك هناك بسرعة، عد إلى بواكي لتظل قسًا"، لم أرد عليه فقال: "فهمت"؟ ثم غادرت ولم أجادله، ذهبت مباشرة إلى الجامع الكبير.
إبراهيم كونا بلباس عربي (الجزيرة)لم أُعِرْ اهتمامًا لما قاله لي رئيس القرية، بقيت في كوت ديفوار حتى عام 1995، حينها سخر الله لي أول رحلة إلى الحج، وبعد عودتي ارتديت زيا عربيا.
ثم ذهبت إلى منزل رئيس القرية ضمن وفد من الزوار، لم يتعرف عليّ الرئيس، رحب بالوفد بشكل عام.
ثم في اليوم التالي، قالوا له: "هذا أحد أبنائكم، ديفيد، جئنا لنُعرّفكم به". فأعطاني الكلمة، تحدثتُ باللهجة الباولية وشكرته.
ثم قلت له: هل تدري لماذا عندما طلبت مني ترك الإسلام والعودة إلى المسيحية رفضت طلبك؟ ما في الإسلام -يا سيدي- إذا رأيته أنت بنفسك ستصبح مسلمًا، ثم قلت: أنا ابنك، فهل ترى ما أنا عليه؟
اندهش، لم يكن يعرف أن من كان يكلمه هو أنا، ولكن عندما علم ذلك، وقف وعانقني، ثم قال: "أنا حقيقة أقبل ما قررتَ فعله، فلا تنسني من دعائك وصلاتك".
كانت هذه بداية نهاية الصعوبات مع العائلة، فقد تحدث الرئيس إليهم فتقبلوا ذلك، وهكذا أصبحت مقبولا لدى الجميع.
جولة دعوية للشيخ إبراهيم كونا ونائبه للقاء بعض المهتدين الجدد (الجزيرة)رحلة جديدة لكونا، بدأها بتصفية حسابه القديم، كان ضميره يؤرقه بسبب أولئك المسلمين الذين أخرجهم من الإسلام حين كان يمارس التبشير بالمسيحية، فقرر أن يبدأ بهم.
تلك الإستراتيجية التي اتخذها الإمام كان سبقه إليها الصحابي الجليل عمير بن وهب الجمحي، حين قال بعد إسلامه "والله لا أترك مكانا دخلت فيه بالكفر إلا ودخلت فيه بالإيمان"، ويروى نص مشابه عن الخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
عاد كونا يقرع أبواب زبائنه السابقين، ليقول لهم: لم أكن على حق حين أقنعتكم بالمسيحية. ويطلب منهم العودة إلى الإسلام، فعاد كثيرون وأبى آخرون.
"تواصلت مع امرأة كنت قد أقنعتها يومًا بترك الإسلام واعتناق المسيحية. كان اسمها "فاتو" (فاطمة) من عائلة مسلمة كبيرة" يقول كونا.
يضيف: "أتذكر جيدًا أن والديها بكيا بحرقة يوم ارتدت، بكيا كما يبكي الوالدان على فقد فلذة كبدهما.
ذهبت إليها أخيرًا، وقلت لها بلهجة ملؤها الرجاء: "يا فاتو، عودي إلى الإسلام، وقومي للصلاة. هذه آخر مرة أحاول معك. لا تكوني من أصحاب الجحيم. هذا الطريق الذي تسلكينه يقودك لا محالة إلى الضلال".
وفي تلك اللحظة، ولحسن الحظ، أشرق نور في قلبها، عادت إلى الإسلام، وكانت عودتها بردًا وسلامًا على والديها، وعلى قلبي أنا أيضًا".
مصدر قوة كونا في الدعوة هو معرفته الجيدة للعادات والتقاليد وتحدثه للغات محلية عدة (الجزيرة)
طلبت من الله 3 أمور فأعطاني اثنتين ومنعني الثالثة، طلبته أن أصبح -بعد أن كنت قسيسا إنجيليا- إماما مسلما موثوقًا من الناس، كي يراني زملائي القساوسة إمامًا يقود الناس، وهو ما تم بالفعل.
وطلبته أن يعينني على تأسيس منظمة تدعو الناس إلى الإسلام وتعلمهم وترعاهم، وهذه هي منظمة "ميفاكوسي" غير الحكومية المعترف بها رسميا التي تنشط في الدعوة والوعظ ورعاية المهتدين الجدد، وثالثا طلبته أن أموت في عمر 63 كما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يُرِدْه الله لي، فأنا من مواليد 1960.
أما قصتي مع الإمامة فبدأت مع أول يوم دخلت فيه الإسلام، فقد كان لدي طموح من أول لحظة ألا أكون في الإسلام أقل شأنا مما كنت عليه في المسيحية.
ورغم قلة معرفتي بدأت أجتهد كي أكون قادرا على إيصال رسالة إلى جميع الرعاة المسيحيين مفادها أنني لم أكن هنا لأجلس مكتوف الأيدي، بل سأكون إماما لمسجد كما كنت راعيا لكنيسة.
فالمسجد بالنسبة لي عنوان يمكّنني من التواصل مع عدد كبير من الناس الذين يأتون للاستفسار عن الدين، والذين يرغبون أيضا في الاستماع إلى دروسي الدينية، وغيرها من الأمور ذات الصلة.
واجهة مسجد عرفات (الجزيرة)لذلك استأجرت قطعة أرض خالية وضعت فيها مصلى من خشب سميته مسجد "عرفات"، فقد ذكرتني "وقفة عرفة" خلال حجي عام 1995 بيوم الحشر، تَملَّكني ذلك اليوم خوف شديد من الله، انتابتني قشعريرة لا تُتصور، راعني هذا المشهد وغياب الفوارق بين الناس، فقيرهم وغنيهم، أبيضهم وأسودهم، قلت في نفسي: ها أنا أكتشف الإسلام على حقيقته، فهذا المكان يجسد موقع التلاقي الروحي والإيماني للمسلمين أجمعين.
وبدأ الناس يفدون إلى "عرفات" المسجد، ورأيت -في مرحلة ما- أن العدد مناسب لإقامة صلاة الجمعة، عندها طلبت من المسؤولين الدينيين آنذاك مساعدتي في تحقيق ذلك فلم يتوانوا جزاهم الله خيرا، وحضروا معي الجمعة الموالية، كان ذلك في بداية عام 2000.
مكثت هناك 7 سنين، ثم عرضت على صاحب قطعة الأرض بيعها لي لكنه رفض، فأعلنت ذلك خلال خطبة الجمعة، فعرض عليّ أحد المصلين المحسنين جزءا من قطعة أرض لديه، بل تبرع ببناء مسجد هناك وتسليمي إياه، وهو الذي أنا فيه حاليا، ويمثل جزءا من الطابق السفلي لبناية شيدها ذلك المحسن.
مسجد عرفات من الداخل (الجزيرة)حولت هذا المسجد إلى قبلة للحيارى والمهتدين الجدد، أصبحت أقيم فيه الندوات، بل جعلته عنوانا لهؤلاء. غير أن هذا المسجد ضيق نسبيا ولا يفي بما أفكر في إنجازه ما دمت قادرا على ذلك.
الواقع أنني -منذ أن دخلت الإسلام- لم تفارقني فكرة تشييد جامع في ياموسوكرو يكون مضاهيا لكنيسة "البازليكا" فيها، وهي أكبر بازيليكا في العالم، ولها قصة لست في وارد الحديث عنها حاليا.
غير أنه من المعروف أن مؤسس كوت ديفوار ورئيسها الأول فليكس هوفييت بوانييه وعد بابا الفاتيكان ببناء بازليكا في هذه المدينة بالذات لأنها هي قلب كوت ديفوار، لتحويل سكان هذا البلد إلى مسيحيين، ولتكون إشعاعا للمسيحية في منطقة غرب أفريقيا.
كونا: أجابه هذا المشروع التنصيري بكل ما أوتيت من قوة، وأرى -والحمد لله- أننا حققنا نتائج ملموسة وجيدة لما أسعى إليه أنا والمجتمع الذي أصبحت أمثله، وهذا ما يتجلى في قصص بعض المهتدين الجدد
أطمح لأن أتمكن من تشييد مسجد هنا تكون به قاعات للمحاضرات والورشات العلمية، كي يساعد في جهود وقف تمدد مشروع البازليكا، فياموسوكرو -بحكم موقعها- تتيح لي فرصة جيدة للتجول في أنحاء البلاد بطريقة أفضل، ومتابعة أمور الدعوة عن كثب.
لكن هذا لا يعني أنني -ومنذ اليوم الأول- لا أجابه هذا المشروع التنصيري بكل ما أوتيت من قوة، وأرى -والحمد لله- أننا حققنا نتائج ملموسة وجيدة لما أسعى إليه أنا والمجتمع الذي أصبحت أمثله، وهذا ما يتجلى في قصص بعض المهتدين الجدد.
لم تكن قصة كونا فريدة بطبيعتها في تلك البلاد، فقد تعرفت على مثيلاتها في رحلتي الصحفية، فجماعة مسجد عرفات تضم 3 قساوسة سابقين اعتنقوا الإسلام.
منهم تراوري سي نوتيموتي الأب الإنجيلي المكون للقساوسة، الذي قال لي: "كنت قسًّا مسيحيًا وتمكنت من الوصول إلى رتبة "الأب"، كان دوري في الكنيسة الكبيرة هو تدريب القساوسة لتبشير من لم تصل إليهم الرسالة المسيحية، بما في ذلك المسلمون".
تراوري سي نوتيموتي الأب الإنجيلي السابق الذي كان يكوّن القساوسة (الجزيرة)درس نوتيموتي في الولايات المتحدة وفي ألمانيا، ودرب كثيرًا من الشباب لإرسالهم لمواجهة انتشار الإسلام في أفريقيا "لقد لاحظنا أن الإسلام بدأ يكتسب زخمًا فانصب اهتمامنا على المجتمعات الإسلامية وبالذات مجتمع عرقية "المالينكي" قال لي نوتيموتي.
أسست الكنيسة التي يعمل فيها نوتيموتي مركزًا للخارجين عن الإسلام، حيث تستقبلهم بعد أن تنبذهم مجتمعاتهم وتدربهم على مهنة لكسب العيش، حيث يحتوي المركز قاعات لتعليم الخياطة، وتصفيف الشعر، وإصلاح الأحذية، والرسم، والتدريب على الحاسوب. كما يوفر للخارجين عن الإسلام -ذكورًا وإناثًا- أماكن مناسبة للسكن ويؤمن لهم جميع احتياجاتهم.
"وفقتني متابعة العظات والدروس الدعوية للإمام إبراهيم كونا فاقتنعت بما يقوله ولامس قلبي فقررت أن أسلم، خسرت كل شيء من أمور الدنيا التي كانت الكنيسة توفرها لي، كما تركتني زوجتي التي رفضت أن تسلم. وأصبحت منظمة "ميفاكوسي" هي ملجئي فصرت أقيم في مقرها، وبدأت أساعد الإمام في الجهود الدعوية، بل أنا الآن سكرتيره الخاص".
شعار الهيئة التي يرأسها كونا التي تعنى بالمهتدين الجدد ممن يتركون المسيحية (الجزيرة)خلال زيارتي لمسجد عرفات التقيت أيضا بالحاج بمبا باكاري الرئيس الوطني لميفاكوسي، الذي طافت به الحيرة العقلية بين الأديان، فقد فارق الإسلام واعتنق غيره، ثم عاد إليه بعد تعمق في دراسته ".
في مرحلة معينة من الشباب بدأت أسئلة الشك تغزوني، فكنت أطرحها على والديَّ المسلمين وحين لم أجد عندهما إجابات مقنعة، قررت الارتداد عن الإسلام واعتنقت المسيحية، كان وقع ذلك على عائلتي المسلمة هائلا، لكن ذلك لم يثنني عن قراري" قال لي باكاري.
بمبا باكاري مسلم تنصر ثم عاد للإسلام (الجزيرة)"مكثت في المسيحية 15 عاما تجولت خلالها بين الكنائس، لكنني لم أجد ضالتي فعدت إلى الإسلام أدرسه، ثم اقتنعت بالعودة إليه في عام 2008، وقد كان لتوجيهات المرشد الروحي للمهتدين الجدد الشيخ إبراهيم كونا دور بارز في ذلك".
يبلغ اليوم عدد معتنقي الإسلام الجدد كوت ديفوار حوالي مليون شخص، وهم يحتاجون لمن ينورهم بشؤون دينهم ويعلمهم أساسياته، ويحتضنهم من الناحية الاجتماعية والمادية، وفقا لباكاري.
حكى لي القس نيانغ ألفونس، الذي خدم الكنيسة 30 عامًا، في جميع أنحاء غرب أفريقيا، قصته مع الإسلام: "عُيّنتُ في شمال كوت ديفوار في مهمة تحويل مسلمي الشمال إلى مسيحيين، وتمكنتُ من جلب أكثر من 100 شخص تحولوا إلى المسيحية.
ألفونس نيانغ كان قسا ثم أسلم (الجزيرة)
في عام 2008، تغير كل شيء عندما دفعني الفضول إلى قراءة سورة يس مرات عدة، بعدها رأيتُ 3 رؤى متكررة، وقد فسّرها لي أحد الأئمة فربطها باعتناق الإسلام، درست الأمر وتدبرته ثم قررت أن أدخل في الإسلام.
ضربت موعدا مع أعضاء كنيستي لشرح قراري باعتناق الإسلام فشق ذلك عليهم، وكانت ردة فعلهم عنيفة فأخذوا مني كل شيء، حتى إنهم سطوا على حسابي في البنك".
هجره جميع أفراد عائلته لكن زوجته المقعدة قبلت بالبقاء معه، بعد فقده لكل مصادر دخله السابق، يتلقى ألفونس بعض المساعدات من بعض المحسنين، في غياب عمل مؤسسي إسلامي يسد حاجة العاملين للدين.