بعد رفض الالتماسات التي قُدمت أمامها، ثبّتت المحكمة العليا الإسرائيلية -أول أمس الاثنين- قراري محكمتي الصلح والمركزية في القدس والقاضيين بإخلاء 13 عقارا تعود لعائلة الرجبي في حي بطن الهوى ببلدة سلوان لصالح جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية، وبات تهجير نحو 100 مقدسي من هذه العقارات قاب قوسين أو أدنى، بمجرد اقتحام طواقم دائرة الإجراء والتنفيذ الإسرائيلية العقارات لإمهال سكانها ساعات أو أيام لإخلائها.
في المدارس يتحدث الأطفال الذين وُلدوا وترعرعوا في هذه العقارات ببراءة عن قرب إخلائهم منها غير مدركين قسوة ما سيمرون به بعد تهجيرهم، دون أن يدركوا أنهم سيقتلعون من مدارس بلدة سلوان عنوة بسبب عدم توفر منازل للإيجار في البلدة المكتظة، واضطرار ذويهم للرحيل عنها.
للمقدسي نضال حربي الرجبي مسكنان: أحدهما في حي بطن الهوى سكنه أحد أقاربه من بين المساكن التي رفضت المحكمة العليا الالتماس المقدم ضد إخلائها، وآخر في حي البستان يسكنه حاليا ومخطر أيضا بالهدم.
ينتظر نضال وأشقاؤه إياد وشريف وطارق وشقيقته روندة لحظة الإخلاء الوشيكة، في حين ينتظر والده إخلاءه من غرفة له في الحي ذاته أيضا.
تطل نوافذ منزل نضال في حي البستان -الذي أُخطرت معظم منازله أيضا- على منازل أشقائه المهددين بالإخلاء لصالح المستوطنين في حي بطن الهوى، وبمجرد سؤاله عن حالة الترقب التي يعيشونها، قال "كنتُ أستمتع عندما أفتح نوافذ المنزل المطلة على بطن الهوى كل صباح، والآن أتجنب هذا الروتين مع ازدياد عدد البؤر الاستيطانية في الحي.. أخشى أن أفتح النوافذ في الأيام المقبلة وأرى أن منازلنا تم الاستيلاء عليها.. لا يمكنني تحمل ذلك".
يحرص المستوطنون على نصب علم إسرائيلي ضخم يتدلى من أعلى إلى أسفل كل بناية يتم الاستيلاء عليها بقوة الاحتلال، ولا حيلة بيد سكان الحي الذين يُطرد معظمهم من منازلهم تحت جنح الظلام.
ولد نضال في حي بطن الهوى وترعرع ثم تزوج فيه وأنجب 4 من أبنائه، وأنجب 4 آخرين بعد انتقاله إلى منزله في حي البستان، ويقول إن "أحد المنازل مهدد بالهدم لإقامة حديقة توراتية مكانه، والآخر مهدد بالإخلاء لصالح المستوطنين بادعاء أن اليهود اليمنيين كانوا يملكون الأرض التي بُني المنزل عليها قبل عام 1948.. كيف يمكن أن أعيش خارج هذين الحيين اللذين لم آلف غيرهما؟".
وكانت جرافات بلدية الاحتلال هدمت سابقا منزلا ومحلا تجاريا لعائلة نضال في حي البستان، وتنتظر العائلة الممتدة إخلاء كافة منازلها في حي بطن الهوى الأيام المقبلة، وسيمثل أفرادها أمام المحكمة أيضا يوم 17 يناير/كانون الثاني المقبل من أجل البت النهائي في هدم منزل حربي (والد نضال) في حي البستان الذي شيده قبل عقدين، وينتظر منزل نضال المصير ذاته.
وخلال اجتماع أشقائه وشقيقاته في منزله بعد صدور القرار القضائي الأخير بإخلاء عقاراتهم، قال نضال "أتوا من أجل التفكير جماعيا في المصير المجهول بعد الإخلاء.. قلت لهم إنني غير قادر حتى على التفكير في الأمر.. اتركوها على تساهيل المولى".
كان صوت نضال حزينا ونبرته خافتة طوال فترة حديثنا معه، فحسب قوله لا بدائل تتوفر أمام أفراد عائلته بعد الإخلاء والهدم، لأن كل عقاراتهم ستكون بقبضة المستوطنين أو تحت الأنقاض، وأضاف "كنا نعرف أننا سنصل إلى هذا اليوم المشؤوم في ظل الحكومة الإسرائيلية العنصرية الحالية.. إذا كان القضاة أنفسهم يصطفون إلى جانب المستوطنين، فإلى من نلجأ؟ ليس لنا سوى الله".
وختم بالقول إنه يشعر بغصّة عميقة في قلبه، وإن أهالي بطن الهوى مواطنون عزّل لا يريدون شيئا سوى البقاء في منازلهم ليحرسوا ذكرياتهم.
من جهته، ينتظر كايد الرجبي وأشقاؤه وشقيقته ونجله المصير القاتم ذاته بعد رفض الالتماسات التي قُدمت للمحكمة العليا للحفاظ على عقاراتهم التي يعيش فيها 32 فردا، بينهم 17 طفلا.
وقال كايد إن دائرة الإجراء والتنفيذ أمهلت كلا من شقيقيه جبر ووائل وشقيقته تهاني ونجله محمد حتى السادس من يناير/كانون الثاني المقبل لإخلاء منازلهم، في حين ردّت المحكمة العليا الالتماس المقدم أمامها في قضية المنزل الذي يعيش فيه كايد وزوجته وأطفاله أول أمس الإثنين، وينتظر تحديد الموعد النهائي للإخلاء خلال الأيام المقبلة.
بألمٍ باح كايد عن المشاعر التي تنتابه على بعد أسابيع أو ربما أيام من إخلاء منزله، وقال إنه ولد قبل 50 عاما في حي بطن الهوى وترعرع به، ولا يمكنه تقبل فكرة الاقتلاع من المنزل الذي احتضن ضحكاته ونوبات حزنه وغضبه وبكائه، واختصر كل ذلك بعبارة "الوضع صعب والجرح كبير".
عُرض على كايد خلال جلسات المحاكمة مبالغ مالية كبيرة للتنازل عن المضي في الدفاع عن حقه في العقار عبر المسار القضائي، ويذكر أن أحد قضاة محكمة الصلح قال له "العقار سيكون للمستوطنين في نهاية المطاف، لماذا لا تتفاهم معهم؟".
وفي ذلك اليوم، أبرز محامي جمعية عطيرت كوهنيم ورئيسها شيكًا، وعرضوا عليّ كتابة المبلغ الذي أريد وبالعملة التي أريدها من أجل التنازل عن منزلي، وقلت لهم حينها إنني "لن أتنازل عن ذرة تراب منه، وإنني لن أسمح لهم بالعيش في منزلي بمحض إرادتي".
وأردف كايد "يكفي أن سطح منزلي يطلُّ على المسجد الأقصى، وكيف يمكن لشخص أن يتخلى عن هذه الإطلالة مقابل المال؟".
أما عند سؤاله عن البدائل المتاحة أمامه بعد الإخلاء القسري، فتغيرت نبرة صوته من حزن إلى غضب، وقال إن قيمة راتبه الشهري لا تتعدى 1700 دولار، وإنه يبحث عن منازل للإيجار منذ أشهر، ولم يجد منزلا تقل قيمة إيجاره الشهري عن 2200 دولار، أو 1880 في أفضل الأحوال، ومن ثم فإن الأبواب مغلقة أمامه، ولا ملامح واضحة لحياة أسرته بعد الإخلاء.
المصدر:
القدس