د. شاكر خليل: القرارات المتعلقة بالمعابر والضرائب جزء من الابتزاز السياسي والاقتصادي الذي يمارسه الاحتلال كونه الجهة المسيطرة
إياد الرياحي: إسرائيل تتعامل مع اتفاق باريس بصورة انتقائية وضريبة المغادرة مثال على الإجحاف المستمر بحق الفلسطينيين
د. يوسف داود: مجموع الإيرادات الإضافية بعد الزيادة في ٢٠٢٥ و٢٠٢٦ سيصل إلى نحو 7.5 مليون شيقل سنويّاً وتذهب مباشرة للخزينة الإسرائيلية
مسيف مسيف: عالمياً لا يُطلب من المسافر دفع ضريبة لمجرد مغادرته بلده إلا في الحالة الفلسطينية كإجراء استثنائي نابع من واقع الاحتلال
د. شادي حمد: تراجع قيمة الدولار مقابل قوة الشيقل كان يفترض أن تقود إلى خفض قيمة ضريبة المغادرة ما يؤكد أنّ الهدف هو الجباية فقط
تواصل إسرائيل رفع ضريبة المغادرة المفروضة على الفلسطينيين عبر معبر الكرامة، في سياسةٍ أحاديةٍ باتت تشكّل عبئاً اقتصادياً متزايداً على المواطنين، في ظل سيطرتها الكاملة على المعابر والحدود، حيث يعكس ذلك سياسة إسرائيلية ممنهجة بأهداف ذات أبعاد متعددة.
ويرى الخبراء والمختصون وأساتذة الجامعات أنه لا يُنظر إلى هذا الارتفاع باعتباره إجراءً مالياً عادياً، بل كجزء من نهج إسرائيلي قائم على الجباية والضغط الاقتصادي، إذ تُفرض الزيادات دون تنسيق أو التزام بالاتفاقيات الموقعة، وعلى رأسها بروتوكول باريس الاقتصادي، وفي الوقت نفسه، تحرم الخزينة الفلسطينية من حصتها المفترضة من هذه الإيرادات، التي تذهب بمعظمها إلى الخزينة الإسرائيلية.
سياسة ممنهجة من الضغوط
يعتبر الخبير الاقتصادي والأكاديمي د. شاكر خليل أن الارتفاع التدريجي في ضريبة المغادرة عبر معبر الكرامة، وصولًا إلى 182 شيقلًا، يندرج في إطار سياسة ممنهجة من الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
ويؤكد أن هذه الخطوة ليست إجراءً ماليًا معزولًا، بل جزء من "مسلسل متواصل من الابتزاز الاقتصادي والسياسي" المفروض على الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية على حد سواء.
ويوضح خليل أن الاحتلال يتخذ قراراته المتعلقة بالمعابر والضرائب بشكل أحادي ويفرضها كأمر واقع، مستفيدًا من كونه الجهة المسيطرة فعليًا على المعابر والموارد الاقتصادية الفلسطينية، في ظل غياب أي سيطرة فلسطينية حقيقية عليها.
ويشير خليل إلى أن الاحتلال لم يحوّل إيرادات المقاصة إلى السلطة الفلسطينية منذ فترة طويلة، لافتًا إلى أن هذه السياسة ليست جديدة، إذ حتى في الفترات السابقة التي كانت تُحوَّل فيها الإيرادات، لم تكن تشمل إيرادات المعابر بشكل منتظم.
ويؤكد خليل أنه في الحالات التي جرى فيها تحويل بعض الأموال، لم يكن هناك أي تدقيق أو شفافية، وكانت إسرائيل تخصم ما تشاء تحت ذرائع مختلفة، ما يشكّل "سرقة ممنهجة لمقدرات الشعب الفلسطيني".
ويرى أن رفع ضريبة المغادرة يمثل استمرارًا لنهج إسرائيلي اقتصادي يقوم على استنزاف الفلسطينيين وابتزازهم سياسيًا، في ظل تجاهل كامل للاتفاقيات الموقعة والقوانين الدولية، حيث يتصرف الاحتلال "وكأنه فوق القانون الدولي ولا يخضع لأي مساءلة".
وفيما يتعلق بما يمكن فعله لمواجهة هذه الإجراءات، يعبّر خليل عن تشاؤمه من التزام الاحتلال بأي اتفاقيات، لكنه يشدد في الوقت ذاته على ضرورة عدم الصمت، داعيًا إلى مواصلة رفع الصوت عاليًا عبر القنوات الدولية والعربية، وتكثيف الحملات الإعلامية والدبلوماسية لفضح هذه السياسات.
ويقترح خليل، في هذا السياق، تنظيم زيارات احتجاجية جماعية للسلك الدبلوماسي من سفراء وقناصل وممثلي المجتمع الدولي إلى معبر الكرامة، للتعبير بشكل عملي ومباشر عن رفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني.
إسرائيل تتعامل مع اتفاق باريس بصورة انتقائية
يرى الباحث في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية إياد الرياحي أنّ السلطة الفلسطينية لم تنجح منذ توقيع اتفاق باريس الاقتصادي في إدخال أي تعديلات جوهرية عليه، كما لم تتمكن من إلزام إسرائيل بتنفيذ جميع البنود والمواد الواردة فيه، الأمر الذي انعكس سلباً على الواقع الاقتصادي الفلسطيني، وفتح المجال أمام ممارسات إسرائيلية تعسفية متواصلة.
ويوضح أنّ إسرائيل تتعامل مع اتفاق باريس بصورة انتقائية، إذ تُلزم الفلسطينيين فقط بالمواد التي تخدم مصالحها، في حين تتجاهل البنود التي من شأنها حماية الحقوق الاقتصادية الفلسطينية.
ويعتبر الرياحي أنّ ضريبة المغادرة عبر المعابر تُعدّ أحد أبرز الأمثلة على هذا الإجحاف المستمر، في ظل واقع فلسطيني مثقل أصلاً بالأعباء والضرائب.
ويشير الرياحي إلى أنّ الرفع المتكرر لقيمة ضريبة المغادرة يتم دون أي اعتبار لمصلحة الفلسطينيين، ولا يحقق لهم أي فائدة أو عائدات إضافية، موضحاً أنّ الاتفاق لا ينص على نسبة محددة من الضريبة للسلطة، بل يحدد مبلغاً ثابتاً قدره 11 دولاراً فقط كحصة للجانب الفلسطيني، بغض النظر عن قيمة الضريبة أو أي ارتفاع يطرأ عليها.
ويبيّن أنّ هذه الصيغة تجعل إسرائيل المستفيد الأكبر من أي زيادة، إذ كلما ارتفعت ضريبة المغادرة جنت الخزينة الإسرائيلية عائدات أعلى، في حين تبقى عائدات السلطة الفلسطينية ثابتة لا تتغير.
ويؤكد الرياحي أنّ الزيادات تتم بصورة منتظمة وبنسب تحددها إسرائيل بشكل أحادي، فيما يتحمل الفلسطينيون وحدهم كلفة هذه الارتفاعات.
ويحذّر من أنّ استمرار هذا النهج سيؤدي إلى رفع كبير في تكلفة السفر، خاصة على العائلات الفلسطينية، ما يفاقم أعباء المعيشة ويرفع كلفة الحياة اليومية، مؤكداً أنّ إسرائيل بذلك تحقق هدفين متلازمين: زيادة عائداتها المالية، وفرض مزيد من الضغط الاقتصادي على الفلسطينيين.
وينتقد الرياحي غياب أي مؤشرات على قرار فلسطيني جاد لمواجهة هذه السياسات الاقتصادية التعسفية، معتبراً أنّ هذا الواقع يشبه الاستسلام ورفع الراية البيضاء، من شأنه أن يشجع حكومة الاحتلال على المضي في إجراءات إضافية، يدفع المواطن الفلسطيني ثمنها بشكل مباشر ومتزايد.
ارتفاع تراكمي كبير خلال عامين
يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة بير زيت د. يوسف داود أنّ الزيادة الأخيرة في ضريبة المغادرة المفروضة على المسافر الفلسطيني عبر معبر الكرامة تحمل أبعاداً اقتصادية أوسع من ظاهرها، مشيراً إلى أنّ الزيادة البالغة أربعة شواقل قد تبدو محدودة عند النظر إليها كنسبة مباشرة، إذ تعادل نحو 2.5% مقارنة بالقيمة السابقة البالغة 178 شيقلاً، لكنها في الواقع تمثل جزءاً من ارتفاع تراكمي كبير خلال عامين.
ويوضح أنّ مقارنة هذه الزيادة بالعام السابق تكشف صورة مختلفة، حيث أُضيفت خلال عام 2025 نحو ستة شواقل أخرى على ضريبة المغادرة، ما يجعل نسبة الارتفاع التراكمية تقارب 10% خلال فترة زمنية قصيرة، وهو ما ينعكس بإيرادات كبيرة تصبّ في خزينة الاقتصاد الإسرائيلي، في وقت ترفض فيه إسرائيل تحويل هذه الأموال إلى السلطة الوطنية الفلسطينية.
ويبيّن داود أنّ تقديرات أعداد المسافرين تشير إلى نحو 1.5 مليون مسافر سنوياً بالاتجاهين عبر معبر الكرامة، أي ما يقارب 750 ألف مسافر مغادر، وبناءً على ذلك، فإن إضافة ستة شواقل في عام 2025 وحده تعني إيرادات إضافية تقدر بنحو 4.5 مليون شيقل، فيما تدرّ الزيادة الجديدة البالغة أربعة شواقل مع مطلع العام الحالي نحو 3 ملايين شيقل أخرى، ليصل مجموع الإيرادات الإضافية منذ عام 2025 إلى نحو 7.5 مليون شيقل تذهب مباشرة إلى الخزينة الإسرائيلية، وهذه الأرقام مهولة، خاصة عند مقارنتها بتكاليف السفر في المنطقة.
ويلفت إلى أنّ المسافر عبر مطار عمّان الدولي يدفع ضريبة مغادرة تقدر بنحو 10 دنانير أردنية، أي نحو 50 شيقلاً، في حين يُجبر المسافر الفلسطيني على دفع 182 شيقلاً.
ويؤكد داود أنّ العبء يتضاعف عند الحديث عن عائلة فلسطينية مكوّنة من أربعة أفراد، إذ تتحول ضريبة المغادرة وحدها إلى مبلغ كبير، يضاف إلى تكاليف السفر الأخرى، ما يرهق المواطن الفلسطيني بشكل غير اعتيادي، ويؤكد سياسة إسرائيل القائمة على استنزاف الفلسطينيين مالياً بكل الوسائل الممكنة.
كما يؤكد أنّ هذه السياسة لا تؤثر فقط على المسافر الفردي، بل على مجمل تكاليف السفر وحركة الفلسطينيين، مشدداً على أنّ عائدات ضريبة المغادرة يجب أن تعود للخزينة الفلسطينية، كونها تُجبى من مواطنين فلسطينيين يغادرون أرضاً فلسطينية.
ويدعو داود إلى عدم الاستسلام وممارسة ضغوط سياسية وقانونية على إسرائيل لإلزامها بإعادة هذه الأموال إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وفقاً للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
فرض الأمر الواقع وتجاوز الاتفاقات الموقعة
يرى الخبير الاقتصادي د. مؤيد عفانة أنّ قرار الجانب الإسرائيلي رفع قيمة ضريبة المغادرة على المسافر الفلسطيني عبر معبر الكرامة، اعتباراً اليوم الأول من العام الجديد 2026، ليصل المبلغ إلى 182 شيقلاً، يأتي في سياق نهج إسرائيلي سنوي قائم على فرض الأمر الواقع وتجاوز الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني.
ويوضح عفانة أنّ هذا الرفع ليس إجراءً استثنائياً، بل يندرج ضمن سياسة سنوية تعتمدها سلطة المطارات والمعابر الإسرائيلية، إذ تقوم في نهاية كل عام بإقرار تسعيرة جديدة للمسافرين عبر المعابر البرية.
ويبيّن أنّ التسعيرة الجديدة لعام 2026 صدرت خلال الأسبوع الماضي، ونصّت على رفع رسوم المغادرة لحاملي جواز السفر الفلسطيني عبر جسر الكرامة من 178 شيقلاً إلى 182 شيقلاً.
ويشير عفانة إلى أنّ هذه الخطوة تعكس تعامل إسرائيل مع المسافر الفلسطيني بصيغة الإملاء، من خلال فرض القوانين والأنظمة والرسوم بعيداً عن الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، مؤكداً أنّ ضريبة المغادرة تُعدّ إيراداً سيادياً مهماً للخزينة الفلسطينية وأحد مصادر الإيرادات العامة.
ويبيّن أنّ ضريبة المغادرة نُظّمت بشكل واضح في بروتوكول باريس الاقتصادي الناظم للعلاقة المالية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، حيث نصّ البروتوكول على قيمة الضريبة وآلية تقاسم إيراداتها بين الجانبين.
واستناداً إلى البيانات المتاحة، يقدّر عفانة قيمة الإيرادات الفلسطينية المتراكمة وغير المحوّلة من ضريبة المغادرة بنحو 1.3 مليار شيقل، نتيجة عدم التزام إسرائيل بتحويل الحصة الكاملة المستحقة، رغم الارتفاعات المتتالية في قيمة الضريبة منذ توقيع اتفاقية أوسلو.
ويلفت عفانة إلى أنّ هذه القضية طُرحت خلال قمة العقبة مطلع عام 2023 ضمن الملفات المالية العالقة مع إسرائيل، إلا أنّها لم تشهد أي حل حتى اليوم، مؤكداً أنّها تندرج ضمن سياسة إسرائيلية أوسع تقوم على القرصنة الممنهجة للإيرادات الفلسطينية، والتي بلغت ذروتها بتصفير إيرادات المقاصة منذ شهر مايو /أيار 2025.
ويوضح أنّ الارتفاع التراكمي لضريبة المغادرة يعكس عبئاً متزايداً على المواطن الفلسطيني، إذ ارتفعت من 158 شيقلاً عام 2022 إلى 167 شيقلاً عام 2023، ثم إلى 172 شيقلاً عام 2024، و178 شيقلاً خلال عام 2025، وصولاً إلى 182 شيقلاً في 2026، أي بزيادة قدرها 24 شيقلاً خلال أربع سنوات فقط، ما يعادل نحو 14.3%.
ويؤكد عفانة أنّه لا توجد إجراءات عملية حالياً لمنع هذا الارتفاع، نظراً لسيطرة إسرائيل الكاملة على المعابر والحدود، واضطرار المسافر الفلسطيني لدفع الضريبة كشرط للسفر.
لكنه يشدّد في الوقت نفسه على أنّ ذلك لا يعني الاستسلام للأمر الواقع، خاصة في ظل توقعات برفع الضريبة مجدداً مع مطلع عام 2027.
ويدعو عفانة إلى تفعيل المسارات القانونية والسياسية عبر السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتعاون مع الوسطاء والدول الصديقة، لإلزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة، محذّراً من أنّ استمرار هذا النهج سيؤدي إلى تعميق الخنق الاقتصادي، وزيادة الأعباء على المواطنين، وتقويض الموارد العامة، وصولاً إلى انفجار اجتماعي داخلي يهدد الكيانية الفلسطينية.
سياسة أحادية تهدف إلى تعظيم الإيرادات
يؤكد الباحث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) مسيف مسيف أن الارتفاع المتواصل في ضريبة المغادرة المفروضة على الفلسطينيين عبر معبر الكرامة يعكس سياسة إسرائيلية أحادية تهدف إلى تعظيم الإيرادات وفرض مزيد من الضغط الاقتصادي على المواطنين الفلسطينيين، مؤكداً أن هذه الضريبة لا تستند إلى أي حق قانوني معمول به دولياً، ولا تطبق بهذا الشكل في معظم دول العالم.
ويوضح أن ضريبة المغادرة ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة بنحو أربعة شواكل، بعد سلسلة زيادات تراكمية على مدار السنوات الماضية بلغت قرابة 24 شيكلاً، لتصل حالياً إلى نحو 182 شيكلاً، حيث أن هذه الزيادات جاءت بشكل تدريجي ومنفرد من قبل سلطات الاحتلال، من دون أي تنسيق أو توافق، وبما يخالف ما نص عليه اتفاق باريس الاقتصادي الموقع عامي 1994 و1995، والذي أقر استمرار الضريبة دون زيادات.
ويشير مسيف إلى أن ضريبة المغادرة، من حيث المبدأ، ليست ممارسة شائعة عالمياً، إذ لا يُطلب من المسافر في معظم دول العالم دفع ضريبة لمجرد مغادرته بلده، مستشهداً بمطار تل أبيب الذي لا تُفرض فيه ضريبة مغادرة مماثلة، بل تقتصر الرسوم على بعض الإجراءات كالتأشيرات في حالات محددة.
ويعتبر أن فرض هذه الضريبة على الفلسطينيين هو إجراء استثنائي نابع من واقع الاحتلال، وليس من نظام ضريبي عادل أو متعارف عليه.
ويبيّن مسيف أن الهدف الأساسي من رفع ضريبة المغادرة هو تمويل النفقات الإدارية والعسكرية والأمنية التي تتحملها إسرائيل في سياق إدارتها للاحتلال، مشدداً على أن هذه الإيرادات تذهب بالكامل تقريباً إلى الخزينة الإسرائيلية، رغم أن اتفاق باريس ينص بوضوح على تحويل جزء كبير منها إلى خزينة السلطة الوطنية الفلسطينية.
ويشير مسيف إلى أنه وفق الاتفاق، يجب أن تحول نحو 50% من إيرادات الضريبة إلى السلطة الفلسطينية حتى سقف 600 ألف مسافر سنوياً، على أن ترتفع حصة السلطة إلى قرابة 70% بعد تجاوز هذا العدد، فيما تحصل إسرائيل على 30% فقط.
ويلفت إلى أن إسرائيل لم تلتزم بهذه التحويلات منذ نحو تسع سنوات، إذ تقوم بجباية الضريبة والتحكم بقيمتها واستخدامها كما تشاء، من دون تحويل المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية، ما يحرم الخزينة الفلسطينية من مورد مالي مهم ويعمّق الأزمة المالية القائمة.
ويؤكد أن إمكانية إلغاء هذه الزيادات أو وقفها شبه معدومة في ظل الواقع الحالي، كون القرار إسرائيلياً بحتاً وخارج نطاق التأثير الفلسطيني المباشر، سواء من قبل السلطة أو المجتمع المدني أو القطاع الخاص.
ويعتبر مسيف أن المسألة سياسية بالدرجة الأولى، ولا يمكن تغييرها إلا من خلال ضغط دولي جاد، ولا سيما أميركي، لإلزام إسرائيل بتطبيق التزاماتها الواردة في اتفاق باريس الاقتصادي.
وبشأن تبعات رفع الضريبة، يشدد مسيف على أنها تزيد من كلفة السفر على الفلسطينيين، الذين يعتمدون بشكل حصري تقريباً على معبر الكرامة كمنفذ وحيد إلى العالم الخارجي.
ويوضح أن غالبية الفلسطينيين يسافرون لأسباب ضرورية وأساسية، كالعلاج والتعليم والتجارة، إضافة إلى الروابط الاجتماعية والعائلية التاريخية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية والأردن، ما يجعل من السفر حاجة لا يمكن تقليصها أو الاستغناء عنها.
ويرى مسيف أن رفع ضريبة المغادرة يندرج ضمن نهج احتلالي أوسع يهدف إلى الضغط على الفلسطينيين اقتصادياً ومعيشياً، معتبراً أنه لا توجد دلالات أخرى لهذه السياسة سوى كونها أداة إضافية من أدوات السيطرة والضغط.
توجه تحصيلي واضح يكرّس سياسة الجباية
يحذّر مدير الأكاديمية المهنية للعلوم المالية والإدارية في فلسطين د. شادي حمد من خطورة الارتفاع المتواصل في ضريبة المغادرة التي يفرضها الجانب الإسرائيلي على المسافرين الفلسطينيين عبر معبر الكرامة، مؤكداً أنّ الزيادة الأخيرة البالغة أربعة شواقل خلال أشهر، و24 شيقلاً خلال سنوات قليلة، تعكس توجهاً تحصيلياً واضحاً يثقل كاهل المواطنين ويكرّس سياسة الجباية الإسرائيلية دون أي شراكة أو رقابة فلسطينية.
ويوضح أنّ دلالات هذا الارتفاع لا يمكن فصلها عن المسار التصاعدي المستمر الذي تشير إليه الإحصاءات، لافتاً إلى أنّ الزيادة لم تكن عابرة أو مرتبطة بعامل اقتصادي مؤقت، بل أصبحت نهجاً سنوياً متكرراً.
ويشير حمد إلى أنّ الأخطر في هذا السياق أنّ ضريبة المغادرة، وفق الترتيبات الأصلية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو، كانت محددة بقيمة ثابتة بالدولار الأميركي، مع وجود آلية واضحة لتوزيع الإيرادات بين الجانب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي.
ويبيّن حمد أنّ المتغيرات النقدية الحالية، والمتمثلة في تراجع قيمة الدولار مقابل قوة الشيقل، كان يفترض أن تقود إلى خفض قيمة ضريبة المغادرة لا إلى رفعها، ما يؤكد أنّ الهدف من الزيادة هو الجباية الضريبية فقط وليس تغطية كلفة خدمات أو تعديلات فنية.
ويشير حمد إلى أنّ إسرائيل، بحكم سيطرتها الكاملة على المعابر والحدود، تحتكر عملية التحصيل الضريبي، سواء في ملف المقاصة أو في الرسوم المفروضة على حركة السفر، الأمر الذي يجعل جميع المبالغ التي يدفعها المسافر الفلسطيني تذهب مباشرة إلى الخزينة الإسرائيلية دون تحويل أي حصة منها إلى الخزينة الفلسطينية.
ويحذّر من المخاطر المترتبة على المواطنين، متسائلاً عن حدود هذا الارتفاع في ظل غياب أي رد فعل رسمي أو شعبي فعّال.
وبحسب حمد، فإنّ المواطن لا يمتلك بديلاً فعلياً عن معبر الكرامة للسفر إلى الخارج، ما يجعله مضطراً لدفع الرسوم المفروضة مهما ارتفعت.
ويؤكد حمد أنّ استمرار حركة السفر بالمعدلات نفسها، دون اعتراض أو تدخل، يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: ما الذي يمنع رفع الضريبة إلى 200 أو 250 شيقلاً مستقبلاً؟
ويؤكد حمد أنّ هذا الواقع يستدعي تدخلاً رسمياً فلسطينياً عاجلاً، مشدداً على أنّه لا يجوز تغيير تسعيرة ضريبة المغادرة بشكل أحادي دون دور فلسطيني في تحديدها، ودون تحقيق أي استفادة للجانب الفلسطيني، ولو بالحد الأدنى، عبر تجميد القيمة الحالية ومنع استمرار الارتفاع، خاصة في ظل عدم تحويل الاحتلال لأي جزء من هذه الإيرادات.
ويدعو حمد إلى تحرك فلسطيني دولي منظم للضغط على إسرائيل وضبط هذا الملف وغيره من القضايا المالية المرتبطة بالمعابر، محذّراً من أنّ الصمت الحالي سيقود إلى ارتفاعات متلاحقة ومتوقعة، كما أنّ استمرار هذا النهج دون اعتراض أو ضغط حقيقي سيحوّل ضريبة المغادرة إلى عبء متنامٍ على الفلسطينيين، ويجعل الزيادات المستقبلية أمراً واقعاً لا يمكن وقفه.
المصدر:
القدس