تتشارك عائلة سليط المعاناة مع 40 ألف أسرة أخرى، بعد قطع مخصصات ابنيها الشهيدين والثالث الأسير، حيث لم يعد لها مصدر دخل تواجه به مصاعب الحياة تحت الاحتلال الذي أجبرها على النزوح قسرا من منزلها.
ففي بيوت فلسطينية أنهكها الغياب الطويل لأبنائها الذين غيّبهم الاحتلال بالقتل أو الاعتقال، أو الحرمان من رعاية أسرهم بسبب الإصابة، تتحول معاناة هذه العائلات إلى صراع يومي من أجل البقاء، وخصوصا بعد قرار السلطة الفلسطينية قطع مخصصات الأسرى.
وتعتبر عائلة سليط من مخيم طولكرم واحدة من العائلات التي عاد عليها قرار قطع المخصصات بالكثير من الآثار السلبية، فقد فقدت العائلة اثنين من أبنائها كشهداء، في حين يقبع الثالث خلف القضبان بانتظار حكمٍ بالسجن المؤبد.
كما فقدت منزلها بعد نزوحها قسرا جراء العملية العسكرية التي أطلقها الاحتلال في مخيمات نور شمس وطولكرم وجنين شمال الضفة الغربية نهاية يناير/كانون الثاني 2025، واليوم، تواجه واقعا اقتصاديا قاسيا بقطع مخصصات الأسرى والشهداء عنها، وهو ما يضيف عبئا جديدا إلى فصول الانتظار والألم.
وقالت الابنة تسنيم سليط إن والدها -وبعد كل هذه الأزمات- لم يعد قادرا على العمل، نتيجة تدهور وضعه الصحي والنفسي، فأصبحت مخصصات أبنائه مصدر دخلهم الوحيد، لكنها أوضحت أن مخصصات الأسير محمود مقطوعة منذ 10 أشهر، بينما كانت مخصصات الشهيدين تسد الحد الأدنى من الاحتياجات.
خسارة كبرى
وأكدت تسنيم أن والدها لا يزال يعيل -إلى جانب والدتها- 3 أطفال في أعمار صغيرة يحتاجون إلى متطلبات يومية لم يعد قادرا على تلبيتها، وأضافت أن الأسرة كانت تمتلك مطعما للأشقاء، لكنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة لم يعد يغطي سوى تكاليفه الأساسية، بينما كانوا يسددون إيجار المحل من المخصصات، ومع انقطاعها، اضطروا لإغلاقه.
ولفتت إلى أن العائلة لم تتمكن من إرسال محامٍ لزيارة ابنها الأسير منذ 6 أشهر للاطمئنان على وضعه النفسي ومكان احتجازه، بسبب الضائقة المالية وارتفاع تكاليف زيارات المحامين، لا سيما أنه لم يُفرج عنه ضمن الصفقة الأخيرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل.
وختمت أنهم وبرغم قسوة الظروف والخوف المشروع من المستقبل المجهول، فإن الأثر النفسي كان الأقسى. ووصفت إغلاق المطعم بأنه خسارة "لآخر ذكرى بقيت لهم، فهو وصية الشهداء".
بدوره، يروي عز الدين عمارنة، والد الأسير مجاهد عمارنة، تفاصيل مرض ابنه الذي يعاني من اضطراب نفسي خلّفه له الاعتقال وتسبب له بعجز تُقدَّر نسبته بـ60%، وكان من المفترض أن يتقاضى راتبا دائما قبل أن يُقطع عنه، رغم أنه لا يزال أسيرا ومريضا داخل سجون الاحتلال.
وقال عمارنة إن هذا العجز جعل حياة مجاهد تتوقف تماما، ليصبح غير قادر على العمل أو الدراسة، ويعتمد على راتب الأسير في علاجه ونفقاته الشخصية، قبل أن يعيد الاحتلال اعتقاله إداريا في العاشر من يونيو/حزيران الماضي.
ووفقا له، فإن القضية سياسية واجتماعية وأخلاقية بالدرجة الأولى، مؤكدا أن "رواتب الأسرى حق شرعي كفله القانون الفلسطيني وهي محل إجماع وطني"، واعتبر أن قطعها يمثل "تخليا عن نضال الأسرى وحقوقهم، ورميا لهم ولعائلاتهم في المجهول".
ووصف عمارنة الخطوة بأنها "خضوع للاحتلال والابتزازات الدولية، تهدف إلى تحويل الأسرى وأسرهم إلى متسولين وعبء على الشعب"، مضيفا "هذا القرار يُعد نكوصا فاضحا عن تعهدات الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية التي أكدت التزامها بحياة كريمة للأسرى حتى لو لم يبقَ سوى دينار واحد".
خلل دستوري
يرى وزير الأسرى السابق قدورة فارس أن القرار يتضمن خللا دستوريا واضحا من الناحية القانونية، مشيرا إلى أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص صراحة على وجوب أن يعيش الأسرى والشهداء والجرحى حياة كريمة، وقد تُرجم ذلك في قانون الأسرى، "لذلك، فإن الإجراء يمثّل مساسا بهذا القانون وإلغاء له، وتجاوزا دستوريا بامتياز".
وشدد، خلال حديثه، على أن الشعب الفلسطيني لا يزال في مرحلة "تحرر وطني، ولم ينجز بعد مهمة التحرير، وأن الحرية والاستقلال لا يتحققان إلا عبر النضال والكفاح".
وأضاف أن "إلغاء حقوق الذين ضحوا وناضلوا والذين لولاهم لما تحققت فكرة السلطة الوطنية، أو التنكر لهم، يعني ضمنيا إعلان وقف الكفاح والمقاومة في مواجهة الاحتلال".
وأشار فارس إلى أن كفالة اليتيم واجبة وملزمة دينيا، متسائلا "كيف يُترك أيتام قُتل آباؤهم برصاص الاحتلال دون رعاية؟"، ولفت إلى ما اعتبره تناقضا كبيرا في موقف القيادة السياسية التي "حرضت الناس على المقاومة".
وقال "لا يجوز دعوة الناس للكفاح ثم التنصل منهم عند الاستشهاد أو الإصابة أو الاعتقال، هذا السلوك لا يستقيم، والقرار يمثل خطأ جسيما يجب معالجته بأسرع وقت ممكن".
وطال الضرر -وفقا له- ما لا يقل عن 40 ألف عائلة فلسطينية من ذوي الأسرى والشهداء والجرحى، سواء داخل فلسطين أو في الشتات، ممن يتقاضون حقوقا بسبب الأضرار التي لحقت بهم من الاحتلال.
واعتبر فارس أن "الفصائل شريكة في المسؤولية بسبب صمتها، وأن صدور مواقف خجولة على استحياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يكفي".
وتساءل عن دور الجهات "التي تقرن أسماءها بمهمة التحرير، مثل منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، مؤكدا "إذا اكتفت الفصائل بإصدار بيانات تعبر عن عدم الموافقة، فهذا يعني أنها شريكة في المترتبات الكارثية للقرار".
أما بالنسبة للشعب الفلسطيني، فوصفه قدورة فارس بأنه مثقل بالهموم، ورأى أن "غياب دور الفصائل يفسر ضعف الحركة الشعبية حاليا"، لكنه استدرك مؤكدا أن "هذه الحركة ستتنامى ككرة الثلج، لأن الأزمة ليست محصورة في منطقة جغرافية محددة، بل موجودة في كل بيت وحي ومخيم ومدينة وقرية" حسب قوله.
من جهتهما، أبدى كل من رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين رائد أبو الحمص، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي، رفضهما القاطع لقرار قطع مخصصات ذوي الشهداء والأسرى والجرحى.
فقد أكد أبو الحمص أن القرار أضر بمئات الآلاف من الأسرى وعائلاتهم، واعتبر أن سياسات مؤسسة "تمكين" -التي أحيلت إليها ملفاتهم- مساس مباشر بحقوق المناضلين وتقويض لتضحياتهم، داعيا إلى توحيد كافة الجهود الفلسطينية لضمان حقوق الأسرى والشهداء وحماية كرامتهم.
يُشار إلى أن الرئيس محمود عباس كان قد أصدر أمس الأربعاء بيانا أوضح فيه حيثيات وقف مخصصات الأسرى، ودور مؤسسة "تمكين"، وربط ذلك ببرنامج الإصلاح الذي تتبناه القيادة الفلسطينية.
وأشار إلى أن القرار بقانون رقم (4) لسنة 2025 يأتي "ضمن رؤية إصلاحية شاملة بهدف توحيد وتنظيم منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية، وضمان العدالة والشفافية والاستدامة في تقديم المخصصات، وفق معايير موضوعية ومهنية معتمدة، وبما يحفظ كرامة المستفيدين ويصون حقوقهم".
المصدر:
القدس