د. حسن أيوب: ما يُطرح ليس خطة إعادة إعمار بقدر ما هو استثمار مباشر للإبادة والتدمير وتحويلهما إلى فرصة لجني المليارات
أكرم عطا الله: الفلسطينيون لم يعودوا طرفاً مؤثراً في أي قرار يتعلق بمستقبل قطاع غزة ما يجعل تنفيذ الخطة محفوفاً بالمخاطر
د. قصي حامد: الخطة تتعامل مع غزة على أنها "أرض بلا شعب" بما يعكس منطق "غنيمة الحرب" وهو ما يشبه تجربة نشأة أمريكا
د. رائد الدبعي: الخطة تمثل "صفعة لكل مبادئ القانون الدولي" وتستبدل الخطابين الحقوقي والسياسي بخطاب استثماري وتجاري
محمد هواش: أخطر عناصر الخطة "تعويم الملكية" وتحويل الملكية الفردية للفلسطينيين إلى سلعة ما سيحول الغزيين عملياً إلى إجراء لدى الشركات المنفذة
على وقع الألم والإبادة والحديث عن أبواب المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يتم الترويج لخطة "شروق الشمس" الأمريكية لإعادة إعمار القطاع، والتي تأتي لا كمقترح إنساني لمعالجة آثار الدمار، بل كمشروع متكامل لإعادة رسم ملامح القطاع سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً، تحت عنوان التنمية والاستثمار، لكن الحقيقة أنه مشروع للاستعمار.
ويحذر الكتاب والمحللين والمختصين وأساتذة الجامعات من أن تعيد الخطة تعريف السكان من أصحاب أرض إلى مقيمين أو مستأجرين، في نموذج اقتصادي يقوم على الجباية والعمل المأجور، لا على الملكية والاستقرار والسيادة.
دور متصاعد لمركز التنسيق الأمريكي الإسرائيلي
يرى أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الأمريكي، د. حسن أيوب، أن ما يجري تداوله حول خطة "شروق الشمس" الأمريكية لا يمكن فصله عن الدور المتصاعد لمركز التنسيق المدني‑ العسكري الأمريكي الإسرائيلي الذي أُقيم في "كريات غات" عقب توقيع اتفاق وقف الحرب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ويوضح أن المركز، التابع للقيادة المركزية للقوات الأمريكية (سنتكوم)، يعمل على إنشاء بنية تحتية رقمية متقدمة لما يُسوّق له باعتباره "غزة الجديدة"، تقوم على احتساب السكان وإدارة حياتهم اليومية عبر أنظمة رقمية وبرامج ذكاء اصطناعي، بما يشمل التحكم بالتنقل، والحياة الاجتماعية، وتحديد من يُسمح له بالسكن أو الدخول إلى هذه المناطق.
ويصف أيوب ذلك بأنه من أعمق عمليات الهندسة الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المنطقة، مشيراً إلى أن هذا التخطيط ينسجم تماماً مع ما كُشف عن خطة "شروق الشمس"، حيث لا تزال الفكرة المركزية التي توجه تصورات شخصيات أمريكية بارزة، مثل ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير، تقوم على تحويل قطاع غزة إلى حيز للتطوير العقاري، مع تغريب الغزيين عن نمط عيشهم، وفصل القطاع عن عمقه الفلسطيني.
ويلفت إلى أن شركات أمريكية وغيرها بدأت فعلياً بالتسابق للحصول على فرص استثمارية في هذه المشاريع، بمعزل كامل عن أصحاب الأرض الأصليين أهالي قطاع غزة.
ويربط أيوب ذلك بفكرة "ريفييرا غزة" التي روّج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، معتبراً أنها ريفيرا للمستثمرين والسياح، في مقابل "ثقب أسود" يُبتلع في مركزه مجتمع كامل، ويُدفع إلى هامش الحياة بلا حقوق سياسية أو كيان معنوي.
وعن المواقف العربية والفلسطينية، يوضح أيوب أنه حتى الآن لم تُسجل ردود فعل رسمية واضحة، مشيراً إلى أن التركيز الراهن ينصب على ملفات "مجلس السلام" و"قوة الاستقرار الدولية" ومهامها، وسط تصاعد الشكوك بشأن التزام إسرائيل بالانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترمب.
ويعتبر أيوب أن هذه القضايا باتت مرتبطة بانتظار اجتماع مرتقب بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترمب قبل نهاية الشهر الجاري.
ويشير أيوب إلى أن اجتماع ميامي الأخير سعى إلى انتزاع موقف أمريكي أكثر تشدداً إزاء تعطيل حكومة نتنياهو لوقف الحرب ووضعها عراقيل أمام تشكيل قوة الاستقرار، مؤكداً أن هامش التأثير العربي والفلسطيني بات ضيقاً للغاية في مواجهة مخطط تقسيم غزة إلى شطرين، يكون أحدهما حقل تجارب للآخر، تمهيداً لانتزاع القطاع برمته من يد الفلسطينيين.
دلالات سياسية واقتصادية عميقة
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله أن خطة "شروق الشمس" الأمريكية لإعادة إعمار قطاع غزة تحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، تتوافق مع رؤية الرئيس دونالد ترمب الذي يرى أن الاقتصاد والعقار يمكن أن ينتجا نتائج سياسية.
ويوضح أن الخطة تسعى إلى تحويل غزة إلى مدينة تكنولوجية فائقة الحداثة، في محاولة للقضاء على ما تُصنفه الإدارة الأمريكية كـ"إرهاب"، أي المقاومة الفلسطينية للاحتلال، بالشراكة مع إسرائيل.
ويشير عطا الله إلى أن مآلات الخطة وإمكانية تنفيذها لا تزال غامضة، معتبراً أن الأمر أكثر تعقيداً مما يقدمه الرئيس الأمريكي بصورة سطحية.
ويرى عطا الله أن الموقف العربي من الخطة يبدو متساهلاً، إذ بارك العديد من الدول العربية المقترح الأمريكي، حتى على حساب خططها الخاصة لإعمار غزة التي لم تحظ بالاهتمام من الإدارة الأمريكية.
ويوضح عطا الله أن الفلسطينيين لم يعودوا طرفاً مؤثراً في أي قرار يتعلق بمستقبل قطاع غزة، فهم خارج أي حسابات ومشاورات، ولا يُستشارون بشأن المشروع، ما يجعل تنفيذ الخطة محفوفاً بالمخاطر.
ويشير إلى هشاشة الوضع الفلسطيني، مؤكداً أن المشروع قد يُفرض رغم معارضة الفلسطينيين أصحاب القضية، لكنه لا يضمن النجاح دون موافقة فلسطينية، خاصة في ظل التحديات الأمنية والمعيشية.
ويلفت عطا الله إلى أن المشروع الأمريكي يرتبط بفصل غزة عن الضفة الغربية، ويشكل جزءاً من تفتيت الحالة الوطنية الفلسطينية.
ويوضح أن استقرار قطاع غزة شرط أساسي لأي مشروع بهذا الحجم، متسائلاً عن جدوى الخطة في حال بقاء مجموعات مسلحة في غزة بعد الحرب، أو في حال لم يتم تجريد حركة حماس من سلاحها، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تنفيذ المشروع.
ويؤكد عطا الله أن مشروع "شروق الشمس" ليس مجرد خطة إعمار، بل يحمل بعداً سياسياً واقتصادياً واسعاً، ويواجه تحديات أمنية ومجتمعية معقدة، تجعل نجاحه دون مشاركة حقيقية للفلسطينيين محل شك، مع وجود احتمال أن يؤدي المشروع إلى تفكيك العلاقة بين غزة والضفة، وهو ما يؤكد فشل المشروع.
مشروع استعماري استيطاني بواجهة اقتصادية
يحذر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة د.قصي حامد من المخاطر الجسيمة لخطة "شروق الشمس" الأمريكية، التي وضعها كوشنر وويتكوف، إضافةً إلى مشاريع مشابهة مثل مشروع "ريفييرا غزة"، واصفًا إياها بأنها مشروع استعماري استيطاني بواجهة إنسانية واقتصادية، يهدف في جوهره إلى إعادة هندسة قطاع غزة جغرافياً وديموغرافياً.
ويشير حامد إلى أن الجانب الجغرافي من الخطة يقتطع قطاع غزة من كينونته الفلسطينية، ليحوَّل إلى كيان مستقل عن فلسطين، بينما الجانب الديموغرافي قد يتضمن الإحلال مكان السكان الأصليين، معتبراً أن هذه الخطة لا تسعى لإعادة بناء ما دمره الاحتلال، بل لإعادة صياغة قطاع غزة ككيان مستعمَر تُدار سياساته من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما يُطلق عليه اسم جديد يعكس هذه السيطرة.
ويوضح حامد أن الخطة تتعامل مع غزة على أنها "أرض بلا شعب"، وتنكر ملكية سكانها للأرض وتاريخهم، بما يعكس منطق "غنيمة الحرب"، وهو ما يشبه تجربة الولايات المتحدة في نشأتها على حساب السكان الأصليين من الهنود الحمر.
ويؤكد حامد أن الهدف ليس الإغاثة الإنسانية الفورية، بل صياغة كيان جديد بعيد المدى، يفرض على السكان أصلاً ظرفياً مؤقتاً، ويجعلهم يعتمدون على إدارة خارجية، بعيداً عن حقوقهم وملكية أراضيهم.
ويحذّر من أن فترة تنفيذ المشروع التي تمتد لعشرين سنة، تُجبر سكان غزة على العيش في ظروف معيشية صعبة أو في إيواء مؤقت، ما يزيد من احتمالات الهجرة القسرية، ويحوّل السكان من أصليين إلى "مقيمين مؤقتين"، بينما تكون حقوق الأرض والخدمات تحت إدارة أمريكية إسرائيلية.
ويشير حامد إلى أن الخطة تتغاضى عن الدور الفعلي للسلطة الفلسطينية والفلسطينيين في إعادة الإعمار، مما يعكس منطق الوصاية الدولية على سكان القطاع، ويكرس واقعًا جديدًا سياسيًا وجغرافيًا وديموغرافيًا.
ويلفت حامد إلى أن المشروع لا يقدم حلولاً عاجلة للمعاناة الإنسانية في غزة، إذ يضع الشروط الأمريكية بعيدة المدى بدل معالجة الاحتياجات اليومية للسكان، ويحول إعادة الإعمار إلى أداة سياسية للاستثمار والسيطرة الإسرائيلية، بعيدًا عن مساءلة الاحتلال عن تدمير القطاع.
ويوضح حامد أن مشروع الخطة يعيد إنتاج السياق الاستيطاني الاستعماري من خلال أدوات حديثة، ويعمل على نزع الملكية الفردية والجماعية عن المواطنين وتحويلهم إلى مستفيدين من خدمات محدودة فقط، وليس كأصحاب حقوق وسيادة.
ويشدد على أن خطة "شروق الشمس" ليست مجرد برنامج إعمار اقتصادي أو إنساني، بل مشروع سياسي طويل الأمد يعيد إنتاج منطق الاستعمار القديم، ويحوّل قطاع غزة إلى كيان مُدار من قبل قوى خارجية، وسلخ غزة عن الكيان الفلسطيني، وتحويلها إلى مقاطعة أمريكية إسرائيلية.
ويؤكد حامد أن الموقف الفلسطيني والعربي من خطة "شروق الشمس" يجب أن يرفض أي تساوق معها، بل مواجهتها، معتبرين أنها تهدف إلى سلخ قطاع غزة عن الكيان الفلسطيني ونزع ملكية سكانه.
حلول اقتصادية بديلة عن الحلول السياسية
يؤكد الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن خطة "شروق الشمس" الأمريكية لإعادة إعمار قطاع غزة، التي يُسوَّق لها بوصفها خطة إنسانية وتنموية، ليست في حقيقتها سوى إعادة تدوير لخطة "ريفييرا غزة" التي أعلنها دونالد ترمب قبل نحو عام، مع تغيير الاسم وتوسيع التفاصيل الفنية والتنفيذية، دون أي اختلاف جوهري في الفكرة.
ويوضح خريشة أن الخطة يقود تنفيذها صهر ترمب، جاريد كوشنير، ومستشاره للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وهما الاسمان اللذان ارتبطا سابقاً بمحاولات طرح حلول اقتصادية بديلة عن الحلول السياسية للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
ويشير إلى أن الفكرة الجوهرية للخطة تقوم على تجاوز جوهر القضية الفلسطينية واستبدالها بمشاريع استثمارية وسياحية وبنى تحتية، على أمل أن يخلق "الازدهار" نوعاً من الاستقرار القسري، بعيداً عن أي حل سياسي أو احترام للحقوق الفلسطينية.
ويلفت خريشة إلى أن اختيار مدينة رفح جنوب قطاع غزة كنموذج تجريبي لإطلاق الخطة، تمهيداً لتعميمها على خان يونس ومدينة غزة وربما شمال القطاع، ليس أمراً عابراً، بل يحمل أبعاداً سياسية وأمنية واضحة، إذ يسعى إلى إعادة تشكيل الحيز السكاني والاقتصادي وربطه بممرات إقليمية، بعيداً عن أي تصور للسيادة الفلسطينية أو وحدة الأرض.
وتنص الخطة، بحسب خريشة، على بناء وحدات سكنية تُسكن الفلسطينيين فيها بوصفهم مستأجرين وليسوا مالكين، وهو بند تقني يحمل في جوهره مساساً بحقوق الناس في الأرض والملكية والاستقرار طويل الأمد، ويحول السكان الأصليين إلى قوة عمل مقيمة في مشاريع لا يملكون فيها قراراً ولا مستقبلاً. وبحسب خريشة، يتعزز هذا التوجه من خلال استغلال الأيدي العاملة الفلسطينية الرخيصة في المرافق السياحية والخدمية، بما يشبه إعادة إنتاج نموذج اقتصادي تابع، لا اقتصاداً وطنياً مستقلاً.
ويحذر خريشة من أن "شروق الشمس" تتعامل مع غزة بوصفها مشكلة اقتصادية بحتة، وتتجاهل المسؤولية الإسرائيلية عن الدمار الذي ألحقته بالقطاع، ولا تقدم أي آليات للمساءلة أو الضمانات القانونية، كما لا تحمي ما يُبنى من احتمال تعرضه للهدم في جولات عدوان مستقبلية.
ويؤكد أن أي خطة اقتصادية أو استثمارية وحدها لن تصنع سلاماً، وأن التنمية والإعمار بلا حرية وسيادة ليست حلولاً، بل وصفات لتكريس الأزمة.
ويوضح خريشة أن السبيل الوحيد لتسوية عادلة ومستدامة يظل تمكين الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم.
التعامل مع فلسطين بمنطق السوق
يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، د. رائد الدبعي، أن خطة "شروق الشمس" الأمريكية لإعادة إعمار قطاع غزة تمثل تعبيرًا صارخًا عن الذهنية الأمريكية الإسرائيلية التي تتعامل مع فلسطين بمنطق السوق، وتحوّل الحقوق الوطنية الفلسطينية إلى مجرد "صفقة قابلة للتفاوض"، معتبرة أن حقوق الشعب الفلسطيني "متغير ثانوي" أمام الحسابات الاقتصادية.
ويوضح أن الخطة تمثل "صفعة لكل مبادئ القانون الدولي"، مشددًا على أن الخطة تستبدل الخطابين الحقوقي والسياسي بخطاب استثماري وتجاري يعتمد على الضمانات المالية والاستقرار الاقتصادي المتخيل، وهو ما يصفه بأنه غير ممكن على أرض الواقع، لأن حقوق الشعب الفلسطيني تُعامل كـ"تفصيلة هامشية" في حين أنها تشكل جوهر الرواية الفلسطينية.
ويؤكد أن المشروع يحوّل دور الضحية الفلسطيني إلى "حقل لإثبات الأهلية" بدل حقهم في العدالة والإنصاف، حيث أن الخطة صاغها رجال أعمال وتجار عقارات وليسوا خبراء سياسة أو قانون دولي، حيث ينظرون إلى البشر كأرقام وإلى الحاضر كعبء يمكن تجاوزه بمشاريع التنمية والحداثة، متجاهلين القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين.
ويشير الدبعي إلى أن الخطة تقوم على استثمار يزيد عن 112 مليار دولار خلال عشر سنوات، بما يشمل إزالة الركام، وإعادة التخطيط العمراني، والاستيلاء على 70% من ساحل غزة، وبناء "مدينة ذكية" في رفح و"ريفيرا براقة" في مدينة غزة، في خطوة يصفها بأنها "خيال عمراني استعماري" يحوّل الأزمة الفلسطينية من احتلال وإبادة جماعية إلى مجرد مشاكل بنية تحتية وفقر وسوء إدارة.
ويشير الدبعي إلى أن الخطة تُمحى معها الأسئلة الجوهرية: من ارتكب الإبادة؟ من دمر غزة؟ ما دور المجتمع الدولي في المساءلة؟ من سيدفع التعويضات؟ ومتى سيحظى الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير المصير؟ بدلاً من ذلك، يطغى سؤال واحد: هل هذا المكان جاذب للاستثمار أم لا؟
ويؤكد الدبعي أن مشروع الخطة يضع شروطاً صعبة مثل نزع سلاح المقاومة وتفكيك الأنفاق، وهو ما يجعل نجاح الخطة محدودًا نظرًا لرفض حركة "حماس" تسليم سلاحها، وغياب الالتزام السياسي بإنهاء الاحتلال ورفع الحصار.
ويلفت إلى أن خطة "شروق الشمس" تتبع نفس المنطق الاستعماري لمشاريع سابقة مثل "تانو لاند" لهرتزل، ومشروع شمعون بيرس للشرق الأوسط الجديد، و"صفقة القرن" لترمب، حيث تتحول الأرض إلى مشروع استثماري والسكان إلى ملف إداري، واللغة الجذابة كالمدن الذكية والتنمية لكن كل هذه المشاريع لا تغيّر الجوهر هو الهدف الاستعماري الاقتصادي.
ويؤكد الدبعي أن الموقف الفلسطيني هو الأساس لمواجهة المشروع، مشيرًا إلى أن موقف فلسطيني واضح وصريح يمكن أن يستقطب الرأي العام العربي والعالمي ضد هذه الخطة، بينما أي موافقة أو موقف ضبابي سيكون ضارًا بمصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
محاولة إعادة هندسة الوضع الديموغرافي
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن خطة "شروق الشمس" الأمريكية لإعادة إعمار قطاع غزة، التي تم تداولها مؤخراً، تأتي بعد أشهر من إعلان خطة ترمب السابقة، تشكل جزءاً من محاولة إعادة هندسة الوضع الديموغرافي في القطاع بطريقة تمنع غزة من أن تشكل تهديداً أمنياً لإسرائيل، وفي الوقت نفسه فتح المجال أمام الشركات الدولية والأمريكية للاستثمار، بعيداً عن حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير وملكية أراضيهم.
ويوضح أن أخطر عناصر الخطة يتمثل في ما وصفه بـ"تعويم الملكية"، أي تحويل الملكية الفردية للفلسطينيين إلى سلعة قابلة لإعادة الهيكلة بما يخدم مشاريع الإعمار والاستثمار، وهو ما سيحول الغزيين عملياً إلى إجراء لدى الشركات المنفذة، دون أن يكون لهم أي قرار أو ضمانات على بيوتهم أو ممتلكاتهم.
ويوضح هواش أن الخطة تتجاهل القضايا السياسية الجوهرية، مثل إقامة الدولة الفلسطينية ووقف الحروب المتكررة، مؤكداً أن إعادة الإعمار وحدها لا تضمن الاستقرار إذا لم يتم الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ويشير إلى أن منطقة رفح اختيرت لتكون مركزاً لإطلاق الخطة كنموذج تجريبي، حيث سيُسكن الفلسطينيون في بيوت مستأجرة ويدفعون ضرائب ورسوم إيجار، في خطوة تشكل نزعاً للملكية التقليدية وتغييباً لحقوق السكان الأصليين، ما يضيف بُعداً سياسياً خطيراً للعملية.
ويحذر هواش من أن غياب الهدف السياسي الواضح وراء الخطة يعقد تطبيقها، ويجعل مشاركة الدول والقوى الدولية في "قوة الاستقرار" المقترحة أمراً غير مضمون، خاصة مع تراجع بعض الدول عن المشاركة بسبب عدم وضوح الهدف وخطر الاشتباك مع حركة حماس على الأرض.
ويؤكد أن الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية لخطة ترمب، بما يشمل تأسيس "مجلس السلام" وإدارة مؤقتة للقطاع، لن يكون سهلاً في ظل العراقيل الإسرائيلية المستمرة، بما في ذلك عمليات القصف والتوغل في مناطق فلسطينية تحت سيطرة جزئية من الجيش الإسرائيلي، والذي يسيطر على أكثر من 53% من مساحة غزة.
ويرى أن تنفيذ خطة "شروق الشمس" دون ضمان حقوق الفلسطينيين السياسية والملكية الفردية لن يؤدي إلى استقرار حقيقي في القطاع، بل سيزيد من التعقيدات.
ويؤكد هواش أن الحل الوحيد المستدام يرتبط بالاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، وليس بإعادة إعمار اقتصادية معزولة عن الواقع السياسي.
المصدر:
القدس