د. تمارا حداد: الهدف النهائي تجميع الفلسطينيين في بقع سكانية صغيرة ومعزولة بما ينهي عملياً إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة
نبهان خريشة: غياب أي كلفة حقيقية يشجع إسرائيل على الاستمرار بما تقوم به بالضفة في ظل اقتصار المواقف الدولية على الإدانة
د. رائد أبو بدوية: الاكتفاء الغربي ببيانات الإدانة رغم التصعيد غير المسبوق في الضفة يعكس خضوعًا عمليًا للرؤية الأمريكية الراهنة
د. سهيل دياب: خطة سموتريتش تقوم على إزاحة الفلسطينيين خصوصاً من مخيمات الشمال مقابل قضم نحو 80% من مساحة الضفة
سليمان بشارات: أخطر ما يسعى إليه الاحتلال إلغاء صفة "اللاجئ" كمقدمة لإسقاط البعدين القانوني والسياسي لقضية اللاجئين
د. عقل صلاح: ما يجري بالمخيمات يؤدي إلى شطب حق العودة وتوطين اللاجئين داخل الضفة دون تحمل إسرائيل مسؤولياتها القانونية والتاريخية
تتواصل عمليات هدم وتدمير مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونور شمس شمال الضفة الغربية، في مشهد يتجاوز كونه إجراءات عسكرية محدودة، ليعكس سياسة ممنهجة تستهدف تفكيك المخيمات الفلسطينية وتحويلها من فضاءات سكنية مكتظة تحمل بعدًا وطنيًا وتاريخيًا، إلى مناطق مدمَّرة قابلة لإعادة السيطرة والضبط الأمني، وإعادة هندستها بما يتلاءم مع خطط الإسرائيلية، فيما يتم ذلك في ظل صمت دولي كبير.
ويشير كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث مع "ے"، إلى أن استهداف المخيمات يأتي متزامنًا مع تكثيف غير مسبوق لعمليات الاستيطان في الضفة الغربية، حيث يجري فرض وقائع جديدة على الأرض من خلال توسيع المستوطنات وإقامة بؤر استيطانية جديدة وربطها بشبكات الطرق والبنية التحتية الإسرائيلية، بما يعمّق تفتيت الجغرافيا الفلسطينية ويغلق عمليًا أي أفق لقيام دولة مستقلة متصلة جغرافيًا.
ويؤكدون أنه في مقابل هذا التصعيد، يبرز الصمت الدولي بوصفه عاملًا حاسمًا في استمرار السياسات الإسرائيلية، إذ تكتفي العواصم الغربية ببيانات إدانة لفظية لا تترجم إلى إجراءات رادعة، ما يمنح الاحتلال غطاءً سياسيًا لمواصلة هدم المخيمات وتشريد سكانها وتوسيع الاستيطان، وتحويل الانتهاكات اليومية إلى واقع دائم مفروض بالقوة.
استراتيجية تهدف لإعادة هندسة المخيمات
توضح الكاتبة والباحثة السياسية د. تمارا حداد أن عمليات الهدم التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية لا تندرج ضمن إجراءات أمنية مؤقتة، بل تأتي في سياق مسار استراتيجي متكامل يهدف إلى إعادة هندسة المخيمات جغرافياً وديموغرافياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً، بما يخدم مشروع السيطرة الإسرائيلية طويلة الأمد ويقوض إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وتشير إلى أن إعادة الهندسة الجغرافية للمخيمات، كما جرى في مخيم جنين ومخيم نور شمس ومخيم طولكرم، تقوم على هدم البيوت المتلاصقة وشق شوارع واسعة لخلق فراغات عمرانية جديدة، بما يسهّل على الجيش الإسرائيلي استخدام المدرعات والمركبات العسكرية والدخول إلى عمق المخيمات، في محاولة لإلغاء ما تصفه إسرائيل بـ"الأزقة الضيقة" التي تعيق السيطرة الأمنية.
وتبيّن حداد أن هذه الهندسة المكانية تمثل المدخل الأساسي لتحقيق هندسة أمنية أشمل، كما أن الهدف لا يقتصر على إعادة تشكيل المكان، بل يمتد إلى تفكيك البنية المجتمعية للمخيم وضرب طبيعته كحيز جماعي متماسك، يحمل رمزية سياسية وتاريخية مرتبطة بقضية اللاجئين.
وتعتبر حداد أن الاحتلال يسعى بـ"الهندسة السياسية" إلى إفراغ المخيمات من رمزية اللجوء وحق العودة، وإضعاف الهوية الجمعية التي تجمع سكانها على أساس كونهم لاجئين.
وتشير حداد إلى أن هذه السياسات تترافق مع هندسة ديموغرافية تقوم على "التهجير الصامت"، من خلال جعل الحياة داخل المخيمات شبه مستحيلة بفعل الهدم والدمار الواسع، ولا سيما في ظل استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بما يدفع السكان إلى النزوح التدريجي خارج المخيمات، غالباً نحو المناطق المصنفة (أ). وتلفت حداد إلى أن الهدف النهائي هو تجميع الفلسطينيين في بقع سكانية صغيرة ومعزولة، بما ينهي عملياً إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وتؤكد أن الاحتلال ينظر إلى المخيمات بوصفها حاضنة محتملة للمقاومة، ويسعى إلى إنهاك سكانها نفسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتحويل المخيم من مساحة تماسك سياسي واجتماعي إلى عبء معيشي وأمني.
وتعتبر حداد أن هذه السياسات تتقاطع مع ثوابت الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، القائمة على رفض عودة اللاجئين، ورفض إقامة الدولة الفلسطينية، ورفض أي سيادة فلسطينية على الأرض.
وفيما يتعلق بالمواقف الدولية الخجولة، ترى حداد أن الاكتفاء الغربي ببيانات الإدانة لا يعكس عجزاً بقدر ما يمثل خياراً سياسياً واعياً، تحكمه ازدواجية المعايير والمصالح الجيوسياسية، لا سيما اعتبار إسرائيل حليفاً استراتيجياً للغرب والولايات المتحدة.
وتشير إلى أن الدول الأوروبية تكتفي بالخطاب لامتصاص غضب الشارع الداخلي، في ظل ضغوط اللوبيات المؤثرة والخشية من فتح مسارات قانونية دولية.
وتؤكد حداد أن هذا الصمت العملي يشجع استمرار الاستيطان ويفرض واقعاً يجعل الاعتداءات اليومية على الفلسطينيين أمراً "طبيعياً" لا يتجاوز حدود الإدانة اللفظية.
استهداف جوهر القضية الفلسطينية
يؤكد الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن موجة الهدم الواسعة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية، ولا سيما في جنين وطولكرم، تتجاوز الذرائع الإسرائيلية حول ما تدعيه "محاربة الإرهاب والبعد الأمني"، حيث إن الوقائع الميدانية تكشف عن سياسة تتجاوز البعد الأمني لتستهدف جوهر القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها قضية اللاجئين وحق العودة.
ويوضح أن الهدم المنهجي للمنازل وتشريد آلاف العائلات يشكل أداة سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والاجتماعي الفلسطيني، وضرب أحد أكثر الرموز حساسية في الوعي الوطني، والمتمثل في مخيمات اللجوء باعتبارها شاهداً حياً على النكبة واستمراريتها.
ويشير خريشة إلى أن استهداف المخيمات لا يطول البنية المادية فقط، بل يسعى إلى تفكيك رمزيتها السياسية والتاريخية.
ويلفت خريشة إلى أن ما يجري في مخيمات شمال الضفة يرتبط بشكل مباشر بقرار إسرائيل حظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وإخراجها عن القانون، معتبراً أن المخيمات و"الأونروا" تمثلان معاً ركيزتين أساسيتين في الرواية الفلسطينية؛ فالمخيم يجسد اللجوء كواقع يومي مستمر، فيما تمثل "الأونروا" الاعتراف الدولي بهذا اللجوء وبحق العودة.
ويعتبر خريشة أن استهداف الجهتين يندرج ضمن مسعى واضح لتقويض البنية المادية والرمزية لقضية اللاجئين، وتحويلها من قضية سياسية وحقوقية إلى ملف إنساني قابل للتصفية.
ويلفت إلى أن عمليات الهدم تأتي أيضاً في سياق محاولة إسرائيل استعادة ما تسميه "قوة الردع" التي تآكلت بعد هجوم السابع من أكتوبر، موضحاً أن الاحتلال، بدلاً من مراجعة سياساته القائمة على الاحتلال والقمع، يلجأ إلى تصعيد العقاب الجماعي ضد المدنيين الفلسطينيين باعتباره الطريق الأسرع لإظهار القوة.
ويوضح خريشة أن هذا "الردع" لا يُمارس ضد مجموعات مسلحة بقدر ما يُفرض على مجتمع كامل عبر التدمير والتشريد وبث شعور دائم بعدم الأمان.
ويبيّن أن سياسة الهدم تهدف كذلك إلى ممارسة ضغط معيشي ونفسي هائل، خصوصاً على فئة الشباب، من خلال تدمير البيوت وفقدان مصادر الرزق وإغلاق آفاق المستقبل، ما يدفع نحو اليأس ويجعل الهجرة، داخلياً أو خارجياً، خياراً مطروحاً بقوة.
ويؤكد أن إسرائيل تراهن على إنهاك المجتمع الفلسطيني اقتصادياً واجتماعياً لتحقيق أهداف عجزت عن فرضها بالقوة العسكرية وحدها.
ويحذّر من أن ما يحدث في مخيمات شمال الضفة لا يبدو إجراءً مؤقتاً، بل نموذجاً قابلاً للتعميم، قد يمتد لاحقاً إلى أحياء في المدن وقرى بأكملها بذريعة أمنية فضفاضة، في إطار إعادة هندسة الجغرافيا الفلسطينية بما يخدم مشروع السيطرة والاستيطان.
ويؤكد خريشة أن غياب أي كلفة حقيقية يشجع إسرائيل على الاستمرار بما تقوم به في الضفة الغربية، في ظل اقتصار المواقف الدولية على بيانات الإدانة، رغم أن القانون الدولي يتيح أدوات أكثر فاعلية، مثل فرض العقوبات أو تعليق الامتيازات، محذراً من أن الاكتفاء بالإدانة اللفظية يمنح الاحتلال ضوءاً أخضر لمواصلة الهدم والتشريد.
إعادة هندسة المخيمات
يؤكد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية، د.رائد أبو بدوية، أن ما يجري في مخيمات شمال الضفة الغربية من عمليات هدم وتجريف واقتحامات متكررة لا يمكن قراءته بوصفه إجراءات أمنية مؤقتة أو ردود فعل ظرفية، بل يندرج ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف إعادة هندسة المخيمات الفلسطينية أمنيًا وسياسيًا وديموغرافيًا، بما يخدم مشروعًا طويل الأمد لإعادة تشكيل الواقع في الضفة الغربية.
ويوضح أبو بدوية أن مخيمات شمال الضفة تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مناطق عصيّة نسبيًا على السيطرة الإسرائيلية المباشرة، وشكّلت حاضنة للمقاومة المسلحة، الأمر الذي وضعها في صدارة الأهداف العسكرية الإسرائيلية.
ويشير أبو بدوية إلى أن الهدم الواسع للبنية العمرانية، وتجريف الشوارع والبنية التحتية، واستهداف المرافق والبنية الاجتماعية للمخيمات، يهدف بالدرجة الأولى إلى تفكيك البيئة الحاضنة للمقاومة من خلال تدمير النسيج العمراني الكثيف الذي يوفر الحماية، وإضعاف الروابط الاجتماعية والتنظيمية داخل المخيمات.
ويبيّن أبو بدوية أن هذه السياسة تسعى أيضًا إلى فرض واقع أمني جديد يضمن سيطرة إسرائيلية طويلة الأمد على شمال الضفة الغربية، ويمنع إعادة تشكّل بؤر مقاومة مستقبلية، فضلًا عن دفع السكان إلى تهجير قسري داخلي، عبر النزوح نحو المدن والقرى المجاورة، بعيدًا عن المناطق المستهدفة استيطانيًا.
ويؤكد أبو بدوية أن البعد الأمني لا ينفصل عن هدف سياسي أعمق يتمثل في استهداف قضية اللاجئين وحق العودة، من خلال طمس رمزية المخيمات باعتبارها شاهدًا حيًا على النكبة واستمرار حالة اللجوء.
ويلفت أبو بدوية إلى أن استهداف المخيمات يتقاطع مع الحملة الإسرائيلية المتصاعدة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في محاولة لإضعاف ملف اللاجئين ودمجهم قسرًا في المجتمعات المحلية.
وفيما يتعلق بالمواقف الدولية، يشير أبو بدوية إلى أن الاكتفاء الغربي، لا سيما الأوروبي، ببيانات الإدانة، رغم التصعيد غير المسبوق في الاستيطان واعتداءات المستوطنين وكذلك ما يجري في المخيمات بشكل خاص والضفة الغربية عموماً، يعكس خضوعًا عمليًا للرؤية الأمريكية الراهنة.
ويوضح أن الضفة الغربية تشهد تسارعًا في سياسات "الضم الزاحف"، خاصة في مناطق (ج)، عبر توسيع المستوطنات وربطها بالبنية التحتية الإسرائيلية، بما يجعل أي حديث عن دولة فلسطينية مستقبلية فاقدًا للمعنى العملي.
ويشير أبو بدوية إلى أن هذا المسار ينسجم مع تصور أمريكي يقوم على الإبقاء على السيطرة الأمنية والسياسية الإسرائيلية الكاملة، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى كيان إداري–مدني لإدارة شؤون السكان، وهو ما يدفع إسرائيل إلى تسريع فرض الوقائع الميدانية والقضاء على أي مقاومة محتملة.
ويؤكد أبو بدوية أن استهداف مخيمات شمال الضفة، وتوسيع الاستيطان، وصمت المجتمع الدولي، تشكّل مجتمعة مشروعًا سياسيًا–أمنيًا واحدًا، يهدف إلى إعادة تشكيل الضفة الغربية ديموغرافيًا وأمنيًا، وتصفية قضية اللاجئين عمليًا، وفرض حل أحادي الجانب يقوم على إدارة السكان الفلسطينيين دون الاعتراف بحقوقهم الوطنية والسياسية.
مسار استراتيجي يهدف إلى حسم الصراع
يؤكد أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الإسرائيلي د.سهيل دياب أن استهداف المخيمات الفلسطينية، خاصة شمال الضفة، يأتي ضمن مسار استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى حسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية، وليس مجرد إجراءات أمنية ظرفية أو ضغوط تكتيكية مرتبطة بملفات آنية.
ويوضح دياب أن الضفة الغربية تمثل الساحة المركزية الحاسمة في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، إذ إن مصيرها سيحدد ما إذا كان الشعب الفلسطيني سيتجه نحو نيل حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، أم نحو تصفية قضيته بالكامل، مشدداً على أن أهمية الضفة تفوق باقي الساحات، بما فيها قطاع غزة والداخل الفلسطيني والشتات، من حيث تأثيرها المباشر على مستقبل الحل السياسي.
ويشير دياب إلى أن ما يجري حالياً في الضفة هو امتداد لسياسات سابقة، لكنه يحمل خصوصيات جديدة، أبرزها تضاعف حجم الاهتمام الإسرائيلي بالضفة بعد وقف إطلاق النار في غزة، حيث باتت تمثل "الورقة الأخيرة" التي يلعب بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأريحية أكبر، في ظل ضغوط دولية وأميركية أقل، لتحقيق هدفين مركزيين: السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض الفلسطينية، وتقليص الوجود الديموغرافي الفلسطيني.
ويبيّن دياب أن خطة يقودها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وجرى إقرارها حكومياً دون إعلان رسمي، تقوم على إزاحة الفلسطينيين، خصوصاً من مخيمات شمال الضفة مثل جنين وطولكرم ونابلس وأجزاء من طوباس، ودفعهم نحو مناطق ضيقة ومكتظة بالسكان، مقابل قضم نحو 80% من مساحة الضفة الغربية لتكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، مع الإبقاء على 10% فقط من الفلسطينيين فيها، في حين يُحشر نحو 90% من السكان الفلسطينيين داخل مدن مكتظة لا تتجاوز مساحتها 20% من الضفة.
ويؤكد أن هذه الخطة تُنفذ عملياً عبر شبكة الحواجز والبوابات والنقاط الاستيطانية وتغيير البنية التحتية، بهدف تحويل التجمعات الفلسطينية إلى "كانتونات" معزولة تمنع قيام دولة فلسطينية في أي وقت، مستغلين ما تعتبره إسرائيل فرصة سياسية قبل أي تغيير محتمل في تركيبة الحكومة مستقبلاً.
ويتطرق دياب إلى البعد الداخلي الإسرائيلي، موضحاً أن الضفة الغربية تحظى بشبه إجماع إسرائيلي على ضرورة ضمها، بخلاف قطاع غزة، حيث يطالب الجناح العلماني الصهيوني بأجزاء منها لأسباب أمنية واستراتيجية، بينما ينطلق التيار الديني التلمودي من اعتبارات أيديولوجية ولاهوتية، باعتبارها "يهودا والسامرة".
ويؤكد دياب أن إسرائيل تقف اليوم أمام نقاش داخلي متجدد حول طبيعة الدولة التي تريدها بين النهر والبحر، في ظل تقارب الأعداد بين الفلسطينيين واليهود، متسائلاً ما إذا كانت ستتجه نحو دولة متساوية الحقوق، أو نظام أبرتهايد وديكتاتورية إثنية، محذراً من أن ذلك يشكل وصفة مؤكدة لانفجارات عنف مستقبلية.
ويشير إلى تطور خطير بعد السابع من أكتوبر 2023، يتمثل في التوافق الوظيفي المتزايد بين جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، حيث تُسند للمستوطنين تنفيذ الاعتداءات والانتهاكات التي يصعب على الجيش القيام بها مباشرة، فيما يوفر لهم الغطاء والحماية، معتبراً أن هذا الالتئام يمثل تحولاً نوعياً يزيد من خطورة المشهد في الضفة الغربية.
من جانب آخر، يشير دياب إلى أن ما تشهده مخيمات شمال الضفة الغربية والضفة عموماً لن يحظى برضى المجتمع الدولي، مؤكداً أن الموقف الأمريكي المعلن حتى الآن يرفض ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، ولا يدعم خطوات من هذا النوع.
تفكيك المخيمات بنيوياً وسكانياً وإنسانياً وسياسياً
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن ما تتعرض له مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية لا يمكن فهمه بوصفه إجراءات أمنية عابرة، بل يأتي في إطار سياسة إسرائيلية شاملة تستهدف تفكيك المخيمات بنيوياً وسكانياً وإنسانياً وسياسياً، باعتبارها المرتكز الأساس الذي يحفظ قضية اللاجئين ويجسد حق العودة كأحد أعمدة الهوية الوطنية الفلسطينية.
ويوضح أن المخيمات أُنشئت تاريخياً للحفاظ على ذاكرة اللجوء والتذكير الدائم بحق العودة، وهو ما يجعلها، من وجهة نظر الاحتلال، بنية غير مرغوب باستمرارها.
ويشير بشارات إلى أن إسرائيل انتقلت من مرحلة السيطرة والهيمنة إلى مرحلة السعي لانتفاء الوجود الفلسطيني ذاته، عبر إزاحة الهوية الفلسطينية بكل مقوماتها، وفي مقدمتها قضية اللاجئين، التي تمثل الركن الأساس في هذه الهوية.
ويعتبر أن الادعاءات الإسرائيلية بأن العمليات الجارية ذات أهداف أمنية ليست سوى غطاء لتبرير سياسات أعمق، مشيراً إلى أن الاحتلال لو كان هدفه أمنياً بحتاً لاكتفى بعمليات محدودة، دون البقاء فترات طويلة داخل المخيمات، أو تنفيذ تدمير ممنهج للبنية التحتية والعمرانية.
ويؤكد بشارات أن تصوير المخيمات كبؤر توتر أمني هو مدخل استخدمته إسرائيل لخداع الرأي العام الدولي وتبرير تدخلاتها.
ويبيّن أن أحد أبعاد الاستهداف يتمثل في إعادة تشكيل البنية السكانية والحضارية للمخيمات، عبر شق طرق واسعة وإعادة تقسيمها إلى مربعات وتجمعات سكنية حديثة، بما يؤدي إلى طمس الطابع المعماري والحضاري الفلسطيني التقليدي، وإلغاء التمييز بين المخيمات والأحياء الحضرية الأخرى في المدن، في محاولة لتفريغ المخيم من رمزيته السياسية والتاريخية.
ويؤكد بشارات أن هذه السياسات تتقاطع مع هدف آخر يتمثل في دفع أكبر قدر ممكن من سكان المخيمات إلى النزوح الداخلي داخل مدن وبلدات الضفة الغربية، أو دفعهم إلى الهجرة خارج فلسطين، بما يفضي إلى تقليص الكتلة السكانية الفلسطينية وشرعنة التهجير كأمر واقع.
ويشدد على أن أخطر ما يسعى إليه الاحتلال هو إلغاء صفة "اللاجئ" عن الأجيال الفلسطينية، كمقدمة لإسقاط البعد القانوني والسياسي لقضية اللاجئين، مستحضراً مقولة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير بأن "الكبار يموتون والصغار ينسون"، معتبراً أن إسرائيل تحاول اليوم فرض هذا التصور بالقوة.
وفي سياق المواقف الدولية، يرى بشارات أن الاكتفاء الغربي بالإدانات إزاء ما يجري في المخيمات والاستيطان يعكس ضعفاً في الدور والتأثير السياسي العربي والإسلامي، وحتى الأوروبي، مؤكداً أن المواقف وحدها غير كافية، وأن المرحلة تتطلب تفعيل أدوات ضغط حقيقية وفعالة لردع السياسات الإسرائيلية ووقف استهداف الوجود الفلسطيني.
السعي لتصفية القضية الفلسطينية
يرى الكاتب والباحث السياسي وأستاذ النظم السياسية المقارنة د. عقل صلاح أن ما تنفذه إسرائيل في مخيمات شمال الضفة الغربية لا يندرج في إطار عمليات أمنية عابرة، بل يمثل نهجًا استراتيجيًا متكاملًا يستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والأمنية والديموغرافية بعيدة المدى، في سياق السعي لتصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها قضية اللاجئين.
ويوضح أن الهدف الأول يتمثل في استهداف قضية اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات، عبر تقويض دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، سواء من خلال وقف التمويل الأميركي لها خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أو عبر سنّ قوانين إسرائيلية تمنع التعامل معها وإغلاق مكاتبها وحرمانها من الخدمات الأساسية.
ويعتبر صلاح أن هذه السياسات تهدف إلى إنهاء مظاهر المخيمات ودمج اللاجئين قسرًا في التجمعات السكانية الفلسطينية، بما يؤدي عمليًا إلى شطب حق العودة وتوطين اللاجئين داخل الضفة الغربية دون تحمل إسرائيل مسؤولياتها القانونية والتاريخية.
ويشير صلاح إلى أن الهدف الثاني ذو طابع أمني، ويتمثل في القضاء على المقاومة الفلسطينية في المخيمات، التي تعد مركزًا رئيسيًا لها، تمهيدًا لإعادة الاستيطان في شمال الضفة الغربية، لا سيما في المستوطنات الأربع التي أُخليت عام 2005 ضمن خطة فك الارتباط.
ويلفت صلاح إلى أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية شرعت فعليًا في إعادة الاستيطان، بدءًا من مستوطنة "حومش"، وتعمل على تهيئة الظروف للعودة إلى "صانور" وغيرها، من خلال مصادرة الأراضي وشق الطرق التي تجري حالياً.
ويؤكد صلاح أن الهدف الثالث يرتبط مباشرة بمخططات ضم الضفة الغربية، إذ إن توسيع الاستيطان في شمالها يقوض أي إمكانية للوحدة الجغرافية الفلسطينية، ويعزز السيطرة الإسرائيلية من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب.
أما الهدف الرابع، وفق صلاح، فيتمثل في إحداث تغيير ديموغرافي وطوبوغرافي داخل المخيمات عبر إعادة هندسة بنيتها العمرانية، بشق طرق واسعة وتفكيك الكثافة السكنية، بما يسهل حركة الجيش الإسرائيلي ويفرغ المخيم من طابعه التاريخي.
ويبيّن أن الهدف الخامس يقوم على معاقبة السكان جماعيًا، عبر التدمير والتهجير، في محاولة لتأليب الأهالي ضد المقاومة ضمن سياسة "كيّ الوعي"، وصولًا إلى الهدف الأخير المتمثل في فرض سيطرة طويلة الأمد على المخيمات ودفع سكانها إلى الاستقرار خارجها.
وينتقد صلاح عجز المجتمع الدولي وصمته، معتبرًا أن غياب المساءلة والدعم الأميركي غير المحدود، واستخدام الفيتو، وتراجع الموقفين العربي والأوروبي، كلها عوامل منحت إسرائيل غطاءً لمواصلة الاستيطان وفرض وقائع الضم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، دون رادع حقيقي.
المصدر:
القدس