آخر الأخبار

شهادة حيّة من النكبة.. مريم عبد الحميد تروي تفاصيل تهجيرها من قرية الزيب الفلسطينية

شارك

تفاصيل كثيرة تُنشر عن النكبة الفلسطينية التي وقعت عام 1948، وغالبًا ما تأتي في صيغة سردٍ معلوماتيّ تُستعاد فيه الوقائع من كتب التاريخ والوثائق لإبراز ما جرى من أحداثٍ ومساراتٍ وانعطافات.

ولا خلاف على أن الكتابة التوثيقية، بكل أشكالها، هي حجر الأساس في ترسيخ الحقيقة وتثبيت الجذور وحماية الذاكرة من التزييف والنسيان. لكن النكبة، بوصفها جرحًا مفتوحًا منذ نحو ثمانية عقود، ليست حدثًا يُقرأ فقط؛ إنها تجربة عاشها بشرٌ بأجسادهم وأصواتهم وبيوتهم التي أُغلقت على عجل، ثم فُتحت على غيابٍ طويل.

تروي صفحات الكتب كثيرًا من التفاصيل، وتمنح القارئ صورةً واسعة عن تلك الحقبة المؤلمة. غير أن التاريخ لا يكتمل بالحبر وحده.

فماذا لو استعدنا النكبة عبر ذاكرةٍ حيّة، يرويها شهود عاشوا الخوف والفرار والفقدان، وواجهوا التفاصيل لحظةً بلحظة؟

عندها لا نقرأ الأحداث فحسب، بل نقترب من نبض المكان والناس، ونقف عند زوايا قد لا تظهر في السرديات العامة.

شهادة مريم عبد الحميد عن النكبة

في هذا السياق، التقى موقع السيدة الفلسطينية مريم عبد الحميد، البالغة من العمر 95 عامًا، وهي من الذين عايشوا النكبة وفرّوا من قريةٍ ساحلية في شمال فلسطين اسمها "الزيب".

في منزلها داخل مُخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، تعود عبد الحميد إلى الذاكرة كما لو أنها تفتح بابًا قديمًا لم يُغلق تمامًا.

تسترجع لحظاتٍ صعبة واجهها الفلسطينيون، وتروي ما تتذكره عن قريتها التي لم يبقَ منها سوى آثار متناثرة. فماذا تقول مريم لموقع؟ وماذا تكشف شهادتها عن النكبة بوصفها تجربةً يومية لا عنوانًا في كتاب؟

الزيب.. قرية من زمن "ما قبل الميلاد"

تبدأ الحكاية من قرية الزيب التي تنتمي إليها عبد الحميد؛ القرية التي أصابتها النكبة في صميمها، فهُجّر أهلها من بيوتهم وتحوّل المكان إلى ذاكرةٍ معلّقة.

تقع بلدة الزيب في قضاء عكا الفلسطيني، وتبعد عن مدينة عكا 13.5 كيلومترًا، فيما لا يتجاوز ارتفاعها عن سطح البحر 25 مترًا.

عام 1931، أي قبل النكبة بـ17 عامًا، بلغ عدد سكان الزيب 1059 نسمة، ثم ارتفع بين عامي 1944 و1945 إلى 1910 أشخاص.

يسترجع الفلسطينيون ذكريات قاسية من أيام النكبة والتهجير - غيتي

فماذا لو استعدنا النكبة عبر ذاكرةٍ حيّة، يرويها شهود عاشوا الخوف والفرار والفقدان، وواجهوا التفاصيل لحظةً بلحظة؟

الزيب قرية ضاربة في القدم، قائمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وتشير مصادر تاريخية إلى أنها أُنشئت في موقع بلدة كنعانية اسمها "أكزيب" ومعناها "المحتال"، وأنها سقطت في يد الآشوريين سنة 701 قبل الميلاد.

ومع ذلك، تُظهر الحفريات الأثرية أن المنطقة كانت مأهولة قبل ذلك بوقتٍ طويل، إذ يعود وجودها، وفق دلائل أثرية، إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد.

وتورد الوثائق التاريخية أن القرية شهدت تعاقب غزاة كثر، من أبرزهم الرومان والصليبيون، ما يعكس موقعها الحيوي على الساحل.

اقتصاديًا، اعتمدت الزيب على الزراعة بوصفها ركيزة أساسية، وكانت نقطة مهمة لإنتاج القمح والشعير، إلى جانب الفاكهة والقطن. كما ضمت خلايا للنحل وحظائر للماعز.

وفي عام 1882، كانت في الزيب مدرسة ابتدائية أسستها الدولة العثمانية، إضافة إلى مسجد ومستوصف، فيما عُرف أهلها أيضًا بمهارتهم في صيد الأسماك.

الزيب بين الاحتلال والتهجير

كانت الزيب واحدة من القرى الفلسطينية التي دخلتها العصابات الصهيونية عام 1948 لتهجير سكانها، واستهدفتها بصورة خاصة قوات لواء "كرملي" التابع لعصابات "الهاغاناة".

وتذكر الوثائق التاريخية أن الزيب كانت ضمن القرى المستهدفة في الهجوم المعروف بعملية "بن عامي"، وأن مسؤولًا عسكريًا صهيونيًا يُدعى موشيه كرمل أصدر أمرًا بتدمير القرية بالكامل لمنع سكانها من العودة إليها.

وخلال ديسمبر/ كانون الأول عام 1948، أعلن مدير دائرة الأراضي في الصندوق القومي اليهودي يوسف فايتس أن القرية "سُوّيت بالأرض"، معتبرًا أن الأفضل هو إسكان اليهود في منازلها ضمن ما أسماه "الثأر الأعظم".

مقدمات ما قبل النكبة.. مجزرة أثارت الخوف

في غرفةٍ بسيطة داخل المخيم، رُفعت فيها صورة القياديّ البارز في حركة "حماس" الشهيد يحيى السنوار، تجلس السيدة مريم عبد الحميد لتروي ما بقي في ذاكرتها عن الزيب، وما جرى قبل النكبة وبعدها. لا تتحدث بوصفها مؤرخة، بل بوصفها شاهدةً تتذكر الروائح والأصوات ومشاهد الطريق والبحر والحدود.

بذاكرةٍ متقدة، تعود عبد الحميد نحو 90 عامًا إلى الوراء، إلى ثورة عام 1936 في فلسطين. تقول إنها كانت في السادسة من عمرها حينها، وكانت تسمع من والدها أن الثوار الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني كانوا يتحصنون في الجبال، ومنهم الثائر محمود عبد الحفيظ من الزيب.

وتروي أن الشهداء من الثوار كانوا يُدفنون سرًا ليلًا، وأن القبور كانت تُغطى بقطع كبيرة من الحطب حتى لا تُكتشف، ولا يعرف موضعها إلا أهلها.وتوضح أنها في طفولتها كانت ترى الحدود اللبنانية-الفلسطينية من سطح منزلها، وتضيف:

"كنا نلاحظ النقطة الفرنسية-البريطانية عند الناقورة، وكنا نرى السيارات أيضًا التي تمر عبر تلك النقطة من وإلى فلسطين".

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا