أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن مطلع العام المقبل سيشهد الإعلان عن «مجلس السلام»، الذي أُنشئ بموجب الخطة التي تم طرحها لإيقاف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل. وبهذا الإعلان ستكون المرحلة الثانية من هذه الخطة قد بدأت. ويفترض أن تتضمن إضافة إلى «مجلس السلام» الذي يقوده ترامب، ويضم حوالي عشرة من قادة دول عربية وإسلامية وغربية، تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية تعمل تحت إشراف مجلس تنفيذي يضم نحو 15 شخصا، لا ينتمون إلى حركة حماس، أو أي فصيل فلسطيني آخر، بما فيها حركة فتح.
فهل تم فعلا تنفيذ كل استحقاقات المرحلة الأولى كي يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية؟ ليس خافيا على أحد أن الدول الوسيطة في اتفاق وقف إطلاق النار، قد تدخلت وضغطت بشكل كبير على حركة حماس للقبول بالاتفاق، وبموجب ذلك تم تسليم كل الرهائن الإسرائيليين الأحياء دفعة واحدة، وتم تسليم رفات من قضى منهم نحبه.
وبطبيعة الحال كان من المفترض أن تقرأ إسرائيل هذا الفعل باعتباره حسن نوايا من حركة حماس، يدفعها لاستكمال ما مطلوب منها من استحقاقات في المرحلة الأولى. لكن الحقيقة هي أن إسرائيل لم تُنفّذ أي بند من بنود هذه المرحلة، بل بالعكس، فقد فرضت منطقة خضراء ومنطقة صفراء وخطا أصفر، علما أن هذه التسميات لم تكن موجودة في الاتفاق. كما أنها استمرت في استهداف العناصر المدنية في خان يونس ووسط غزة وفي غيرها من المناطق، إضافة إلى فكرة الحصار التي نراها للمقاتلين في الأنفاق. وكل هذه الخروقات والاستفزازات المستمرة التي تفرضها إسرائيل على الواقع الميداني، إنما هي تستغلها لفرض شروط جديدة ووضع عراقيل أخرى.
إن ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم، هو الانتقال إلى المرحلة الثانية بمعايير إسرائيلية، وليس وفق تنفيذ الاستحقاقات الملقاة على عاتق كيانه. فهو يريد تحويل الخط الأصفر من خط أمني إلى خط جغرافي، ثم يضعه على طاولة المفاوضات لتعزيز فكرة تقسيم غزة.
كما أن فكرة أن تكون غزة بالكامل منزوعة السلاح، وبالأخص حركة حماس، في هذه النقطة بالذات هو يدرك جيدا أنها ليست بهذه السهولة، بل إنها مرتبطة بشكل أساسي بتنفيذ ما عليه في الاتفاق، وهو الانسحاب الكامل من كل جغرافية غزة، دخول المساعدات بشكل انسيابي، بدء خطة الإعمار، إيقاف إطلاق النار بشكل دائم، عدم استهداف قيادات حماس، وإعطاء الحركة ضمانات بعدم عودة القتال مرة أخرى، ثم التحرك في هذا المسار، والارتكاز على هذا الدور وصولا إلى مرحلة السلام الكامل. وهذا ما لا يريده نتنياهو، حيث يسعى إلى وجود عسكري دائم في القطاع في إطار مخطط التقسيم الذي يرمي إليه.
إن التوصيف الدقيق للوضع الحالي في قطاع غزة يشير إلى أننا أمام اتفاقية لم تكتمل، ومشروع لم يمضِ قُدما وفق الخطط الزمنية التي تم وضعها في شرم الشيخ، وكما نصت عليها الخطة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن هذه الخطة قد خلت من توقيتات زمنية محددة، لها علاقة بالانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، لكن كان هناك اتفاق بين الولايات المتحدة والوسطاء، بأن يكون الأمر بأسرع وتيرة مما تسير عليه الحالة حتى اللحظة، لذلك عبّر كل من وزير الخارجية القطري ونظيره المصري، عن قلقهم من التعقيدات الخاصة بالانسحاب الإسرائيلي، مؤكدين أن ذلك يُعقّد المشهد على نحو كبير. كما أن الولايات المتحدة ما زالت حتى اللحظة لم تستكمل إتمام الملف الخاص بتحديد القوة الدولية، التي يُفترض أن تكون مهمتها فرض وحفظ السلام، إضافة إلى أن هناك تعقيدات كبيرة في موضوع سلاح حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى. فهناك تناقض في الرؤى في أن هذه القوة سيوكل لها استلام سلاح حماس، الذي وُضع شرطا لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من كل مساحة قطاع غزة، وهذه نقطة تتباطأ فيها إسرائيل، بل ترفضها في بعض الجوانب، يضاف إلى ذلك موضوع المعابر التي يفترض أن تضمن القوة الدولية المكلفة بحفظ السلام، السيولة في التدفق في الاتجاهين بالنسبة إلى المعابر كافة، خاصة معبر رفح.
كل هذه تعقيدات ما زالت تُخيّم على المشهد، ويبدو واضحا أننا ندفع الآن ثمن كون ترامب في تقديمه لخطة وقف إطلاق النار، قد احتكر لنفسه ولدائرته المحيطة به من مبعوثين شخصيين ومساعدين، إدارة هذا المشروع الكبير والمُعقّد والمليء بالألغام وصاحب الميراث التاريخي الطويل، الذي يجعل كل الأطراف في مواقف مختلفة ومناورات كثيرة، وبذلك فإن إسرائيل تُراهن على هذه النقطة تحديدا، حيث لا يوجد حتى هذه اللحظة جانب مؤسسي لإدارة عملية الانتقال ما بين المرحلة الأولى إلى الثانية، ولا كيفية تنفيذ الاستحقاقات على الأرض، ولا توجد رقابة دولية حاسمة، فقط هناك ثلاثة وسطاء وهؤلاء مرتبطون بالرئيس ترامب.
وفي حال انشغال ترامب، أو فريق عمله في مشروعات أخرى للسلام، مثل مشروع إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، تتعطل الأمور وتأخذ إسرائيل فسحة من الوقت، تقوم بممارسة مزيد من الانتهاكات، ومزيد من المماطلة، ومزيد من التعطيل الممنهج، الذي تحاول من خلاله، أن تُفقد هذه الاتفاقية مضمونها، وبذلك هي تعيدنا إلى نقطة الصفر مرة أخرى، من دون أن تقدم الاستحقاقات الواجبة، كما أن المجتمع الدولي المُمثل في الأمم المتحدة، الذي أصدر القرار المتعلق بقوة الاستقرار، حتى اللحظة هو الآخر ينتظر الرئيس الأمريكي وفريقه، كي توضع آليات هذه القوة ومهامها وطبيعتها وجداولها الزمنية والدول المشاركة فيها. وبذلك تبدو هذه المدد الزمنية الطويلة هي مدد مصطنعة تراهن عليها إسرائيل.
إن مطالبة حماس بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية لن يحصل على الأرض. نعم لقد وقفت الحرب لكن العمليات الحربية ما زالت قائمة، بل حتى الاتفاق لن يوقف العمليات الحربية، فهنالك شرط بأن إسرائيل، كما في لبنان، ستقوم بالدفاع عن ما تراه خطرا على أمنها. وهذا سيبقى على ما هو عليه في المرحلة الأولى والثانية ولن يتم تعطيله أو الغاؤه.
إن الحديث عن الانطلاق نحو المرحلة الثانية، هدفه الوصول إلى اتفاق سلام شامل في المنطقة، وهذا السلام الشامل وفق رؤية ترامب كان وما زال هو إتمام ما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية، الذي يتوقف اليوم في عدة محطات، خاصة مع المملكة العربية السعودية، التي ربطت الوصول إلى هذا الجانب بحل القضية الفلسطينية وفق حل الدولتين.
المصدر:
القدس