في الشهر الثاني من الحرب على غزة، نجا ميسرة دانيال وعائلته بأعجوبة من تحت أنقاض منزلهم المدمر في مخيم جباليا، بعد قصف إسرائيلي استهدف منزلاً مجاوراً. فقد ميسرة العديد من أفراد أسرته، بالإضافة إلى فقدان أوراقه الثبوتية، بما في ذلك هويته الشخصية.
اضطر الشاب الثلاثيني إلى استخراج بطاقة تعريف مؤقتة من وزارة الداخلية في غزة، وذلك لتيسير بعض المعاملات الضرورية. يعكس وضع ميسرة معاناة آلاف الفلسطينيين الذين فقدوا هوياتهم وأوراقهم الرسمية خلال سنوات الحرب المتكررة على القطاع، والتي شهدت قصفاً عنيفاً وتدميراً واسعاً للمنازل.
تزيد إسرائيل من معاناة الغزيين عبر إغلاق معبر بيت حانون (إيرز) أمام إدخال بطاقات الهوية إلى غزة منذ بداية الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023. هذا الإجراء يضاف إلى سلسلة العراقيل التي تواجه مليوني فلسطيني يعانون من تبعات العدوان المستمر.
من جانب آخر، واجهت رشا سليمان صعوبات في فتح حساب بنكي جديد في خان يونس، حيث رفض البنك هويتها الشخصية بسبب مرور أكثر من 10 سنوات على إصدارها. ورغم أن بعض البنوك استأنفت عملها بعد وقف إطلاق النار لاستكمال المعاملات، إلا أنها ترفض التعامل مع البطاقات القديمة أو بطاقات التعريف المؤقتة.
تعبر رشا عن استيائها الشديد، حالها كحال العديد من سكان غزة، بسبب اشتراط تجديد الهوية لإنجاز المعاملات الرسمية، في حين أن ذلك متوقف على قرار الاحتلال الإسرائيلي الذي يمنع إدخال المواد اللازمة لإصدارها.
تتحكم إسرائيل في إصدار بطاقات الهوية للفلسطينيين في غزة منذ احتلال القطاع عام 1967. ومنذ ذلك الحين، تصدر الهويات عبر الإدارة المدنية الإسرائيلية، ولم تنقل هذه الصلاحية كاملة إلى السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1993، مما يجعلها أداة للتحكم في سجل السكان والمعابر والسيطرة الإدارية على الأراضي الفلسطينية.
تمر عملية إصدار أي بطاقة هوية عبر النظام الإسرائيلي، الذي يفرض كتابة البيانات باللغة العبرية إلى جانب العربية، على الرغم من أن البطاقة تطبع في مراكز الداخلية الفلسطينية، ولكن وفق النموذج والشكل والشفرة الإلكترونية التي يفرضها الاحتلال.
أكد إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن وزارة الداخلية غير قادرة حالياً على إصدار بدل فاقد أو تجديد بطاقات الهوية القديمة، على الرغم من الحاجة الماسة إليها لإنجاز معاملات المواطنين في البنوك والمؤسسات المختلفة. وأوضح أن هذا الملف معقد للغاية ويتعذر حله في الوقت الحالي للأسباب التالية:
عدم توفر الحبر الخاص المستخدم في طباعة بطاقات الهوية، والذي يتمتع بمواصفات تقنية عالية، حيث يمنع الاحتلال إدخاله إلى قطاع غزة بشكل كامل. بالإضافة إلى عدم توفر الورق المخصص لطباعة الهوية، والذي يتمتع بسماكة ومواصفات أمنية خاصة، ولا يمكن استبداله بأي ورق عادي، وهو أيضاً ضمن المواد التي يمنع الاحتلال دخولها إلى غزة، تماماً كما يحدث مع ورق جوازات السفر.
النماذج الأصلية المعتمدة لطباعة بطاقات الهوية غير متوفرة في الظرف الحالي، بسبب توقف خطوط الإمداد ومنع إدخالها، إضافة إلى عدم توفر غلاف الهوية الخارجي، والجلاتين الداخلي الشفاف الخاص ببطاقات الهوية. كما تعطلت المطابع المتخصصة التي كانت تتولى إنتاج هذه النماذج، بسبب قصفها خلال العدوان، ولم تعد قادرة على العمل.
عدم توفر الأرشيف الورقي الكامل للسجل المدني، والذي يحتوي على بيانات التدقيق وصور المواطنين ومرفقاتهم الضرورية، نظراً لتعرضه للضرر وعدم إمكانية الوصول إليه حالياً. ويرى مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي أن حرمان مئات الآلاف من المواطنين من بطاقات الهوية، واستمرار الاحتلال في منع دخول المواد الأساسية اللازمة لها، يعد ابتزازاً واضحاً ومعاقبة جماعية للمواطنين الفلسطينيين، تتطلب من المجتمع الدولي التدخل العاجل لوضع حد لهذا الانتهاك الذي يمس حقوق الناس الأساسية ويعيق حياتهم اليومية.
المصدر:
القدس