أطلق الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في بداية هذا الشهر وثيقة الأمن القومي التي تضمنت رؤية جديدة للعالم، حيث اعتبر الشرق الأوسط منطقة استثمارية ذات أهمية.
على الرغم من عدم وجود أدلة قاطعة على ذلك، يصر ترامب على أنه أوقف إطلاق النار في غزة، ويؤكد على المضي قدمًا في المرحلة التالية من خطته قبل نهاية الشهر الحالي، والتي تتضمن إنشاء مجلس "للسلام" وقوة "استقرار" دولية، ويبدو أن ترامب يشعر بضيق الوقت قبل الانتخابات النصفية الأمريكية المقبلة، ويسعى للبقاء في السلطة لفترة رئاسية ثانية.
تتطلب خطة ترامب تحقيق انقلاب دستوري ومواجهة قضائية تسمح له بالترشح، بالإضافة إلى تطبيق وثيقة الأمن القومي الجديدة التي تهدف إلى وضع الشرق الأوسط على مسار الاستثمار الذي يريده.
يتطلب الوضع الحالي من ترامب تسريع ترتيب أوضاع شريكه بنيامين نتنياهو، الذي لا يفضله شخصيًا، ولكنه يعتبره الشخصية الوحيدة القادرة على التأثير على رجال الأعمال اليهود في إسرائيل وأمريكا، ودفعهم لدعم مشاريعه الاستثمارية في الشرق الأوسط. وهذا يعني ضرورة وقف الحرب والحفاظ على نتنياهو في السلطة، من خلال إقناعه باستكمال إجراءات الحصول على عفو رئاسي، بما في ذلك الاعتراف بالذنب والانسحاب من الحياة السياسية، وهو ما يرفضه نتنياهو.
على الرغم من هذا الرفض، يبدو أن ترامب وفريقه يقتربون من تقديم صيغة جديدة بدأ نتنياهو في دراستها.
تعتمد هذه الصيغة على دعوة نتنياهو لانتخابات عامة في إسرائيل، يتبعها قبول الأخير بشروط العفو المتبقية، ثم الترشح للانتخابات مرة أخرى، مع تغيير تحالفاته للتخلص من حلفائه المتشددين مثل بن غفير وسموتريتش، الذين يتعارضون مع توجهات ترامب الاستثمارية، ويرفض معظم دول الخليج التعامل معهم في حال بقائهم في السلطة، بينما تصر السعودية على عدم التطبيع دون قيام دولة فلسطينية.
يدعم هذا الموقف إصرار الدولتين على عدم المساهمة في إعادة إعمار غزة دون التأكد من عدم اندلاع حرب جديدة، مما يعني ضرورة تغيير الخريطة السياسية الإسرائيلية، وضمان سلام شامل في المنطقة يستبعد دعاة الحرب في إسرائيل، ووقف مشروع التهجير واستئناف السلطة الفلسطينية لدورها في غزة.
لكن نتنياهو لا يرى الأمور بهذه السهولة، ولا يشعر باستعجال ترامب، لأنه يعلم أن مغادرة الحياة السياسية ثم العودة عبر انتخابات مباشرة لن تقنع خصومه، الذين يعتبرون أنه سيخرج من الباب ليعود من النافذة، ويريدون التخلص منه نهائيًا حتى لا يشكل لهم تهديدًا. خصوم نتنياهو لن يضيعوا فرصة الإطاحة به، خاصة وأنهم يعتبرون انضمامه لأي ائتلاف معهم لم يعد يشكل إضافة نوعية. ومع ذلك، فإن توليفة متكاملة تضمن خروج المستوطنين من المشهد والإطاحة بسموتريتش، قد تجعل الأمر مقبولًا لدى بعض أركان المعارضة، خاصة إذا كانت مدعومة بضغط وتعهدات كبيرة من ترامب.
في المقابل، يعود نتنياهو للمناورة، خاصة مع إبدائه بعض المرونة، التي يبدو أن ترامب قد طلبها منه، عبر الإعلان عن نيته تفكيك 14 بؤرة استيطانية واعتقال 70 مستوطنًا، وحتى استعداده للوصول إلى سلام "ممكن" مع الفلسطينيين. هذه اللغة غير المعتادة من نتنياهو، جعلت الجميع يتساءل عن أسباب هذا "التغيير" في الموقف. وإذا وصلنا إلى السيناريو أعلاه، فهل يشهد المشهد السياسي الإسرائيلي هكذا تطورات؟ ننتظر ونرى.
المصدر:
القدس