يعاني الشعب الفلسطيني منذ أكثر من قرن من الاحتلال والقتل والتهجير والاستيلاء على أراضيه وممتلكاته، بدءًا من الانتداب البريطاني، مرورًا بجلب وتوطين اليهود من جميع أنحاء العالم في فلسطين، وتشكيل العصابات الصهيونية التي ارتكبت جرائم إرهابية وإبادة جماعية في العديد من القرى والبلدات الفلسطينية، وصولًا إلى نكبة عام 1948 وما تبعها من مجازر بهدف إقامة "دولة إسرائيل".
يستمر الكيان في حملات القتل والتنكيل والتهجير بهدف تفريغ فلسطين من سكانها، بدعم كامل وصريح من الولايات المتحدة ودول غربية استعمارية أخرى، بالإضافة إلى الحركة الصهيونية العالمية بشقيها المسيحي واليهودي.
قامت بعض الدول العربية والإسلامية بمبادرات ومحاولات لدعم الشعب الفلسطيني ومساعدته في مواجهة المحن والكوارث، لكن هذه المبادرات ظلت ضعيفة ومترددة بسبب ضعف هذه الدول أو تبعيتها وخضوعها للدول الاستعمارية التي تحتضن الكيان الصهيوني.
تتعاطف الشعوب العربية والإسلامية مع الشعب الفلسطيني، وتبذل جهودًا للتعبير عن دعمها ومساندتها، لكنها تجد نفسها مقيدة ومقهورة ومكبوتة في تحركاتها.
على مدى العقود الأخيرة، انخرطت معظم الدول العربية في الاعتراف بدولة الاحتلال والعدوان، والدخول في اتفاقيات سلام، ثم في "اتفاقية أبراهام" للتطبيع والاستسلام، ومع ذلك، تظل الشعوب وفية لمقتضيات الأخوة الإسلامية ومبادئ الحق والعدل، وتتطلع إلى أي فرصة لتقديم الدعم والنصرة.
في هذا السياق، يأتي هذا البيان الشرعي لحكم التعامل مع دولة الاحتلال والعدوان وشركائها وداعميها، وهو مبني على مبادئ الشريعة ونصوصها القرآنية والنبوية، ومنها: أولاً، التعامل مع العدو على أساس عداوته، فمن ثبتت عداوته وكراهيته وكيده للإسلام والمسلمين، يجب التعامل معه على هذا الأساس، وهذا يتطلب اليقظة والحذر من الأعداء ومكائدهم.
يأتي اليهود في مقدمة من يكنون العداوة للإسلام والمسلمين، لكن هذه العداوة لا تمنعنا من إنصافهم والإحسان إليهم والتعايش معهم ما لم يعتدوا، أما من ظلمونا واعتدوا علينا، فلا بد من مواجهتهم ومعاقبتهم وردعهم، فالعداوة متى تحولت إلى عدوان، وجبت مواجهتها، ومتى كفوا عنا شرهم، عدنا إلى البر والقسط معهم، مع الحذر الدائم.
ثانيًا، لا تجوز مساعدة المعتدين بأي شكل من الأشكال، وهذا مبدأ قطعي في الشريعة، وهو صريح في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، فلا يجوز لمسلم أن يعين ظالمًا، وكل من أعان ظالمًا فهو شريك في الظلم، وقد نقل ابن الجوزي أن الإمام أحمد بن حنبل لما سجن، جاءه السجان فقال له: يا أبا عبد الله، الحديث الذي رُويَ في الظَّلَمة وأعوانهم صحيحٌ؟ قال: نعم. قال السجان: فهل أنا من أعوانِ الظَّلَمة؟ قال أحمد: أعوان الظَّلَمة من يأخذ شَعرك، ويغسل ثَوبك، ويُصلح طعامك، ويَبيع ويشترى منك، فأما أنتَ فمِن أنفُسِهم.
ثالثًا، المؤمنون إخوة وأمة واحدة، وهذا المعنى مقرر في القرآن والسنة، والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ولا يجوز للمسلمين أن يكونوا محايدين تجاه ما يصيب إخوانهم من ظلم واعتداء، بل يجب أن يقفوا مع الحق والمظلومين ضد الظالمين.
بالنظر إلى المبادئ والأدلة الشرعية، نستنتج الأحكام الآتية: كل معاملة مع المحتلين تفيدهم في تقوية مكانتهم وقدراتهم الاقتصادية والعسكرية وتثبيت احتلالهم هي مشاركة لهم في الإثم والعدوان، ويحرم على المسلمين القيام بها أو تسهيلها، والبضائع الإسرائيلية التي يتم إنتاجها على الأراضي الفلسطينية المغصوبة تعد مواد مسلوبة، ويحرم شراؤها أو المتاجرة بها، والشركات والمؤسسات المالية والمدنية المعروفة بدعمها للاحتلال حكمها حكم الكيان الصهيوني، والمنتجات والخدمات التي تحوم حولها شبهات دعم الاحتلال يجب تجنبها، وتستثنى من ذلك حالات الضرورة.
ختامًا، نوصي بالتنسيق والتعاون مع حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، والاستفادة من تجربتها في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي.
المصدر:
القدس