تشير التطورات الميدانية في قطاع غزة إلى أن إسرائيل تعيد إنتاج نمط عملياتي مألوف تحت ذرائع أمنية، في محاولة -كما يرى محللون- لإعادة تعريف اتفاق وقف إطلاق النار بما ينسجم مع أهدافها العسكرية والسياسية.
وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني أن السلوك الإسرائيلي بات مفهوما، إذ يتركز "بنك الأهداف" على العائلات المشردة في الخيام، في ظل رفض الاحتلال السماح لهم بالعودة إلى منازلهم.
ووفق حديث الطناني، فإن تل أبيب تحاول تحويل اتفاق وقف إطلاق النار إلى "اتفاق استسلام" يتيح لها مواصلة العدوان بدون ثمن ميداني أو كلفة دولية.
وميدانيا، أفاد مستشفى الكويت التخصصي (جنوبي قطاع غزة) باستشهاد 5 أشخاص، بينهم طفلان في قصف من مسيّرات إسرائيلية مساء الأربعاء على خيام نازحين في مواصي خان يونس.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الغارات على خان يونس تأتي في أعقاب حادثة رفح، التي أصيب فيها 4 جنود من لواء غولاني وفرقة غزة، جروح أحدهم خطيرة، في اشتباكات مع مقاومين في رفح جنوب قطاع غزة.
أما بشأن أهداف هذا التصعيد، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوظف الدم الفلسطيني في دعايته الانتخابية -حسب الطناني- ويسعى للانتقال للمرحلة الثانية فقط "إذا ضمنت نزع سلاح المقاومة وتفكيك بنيتها الوطنية".
لكن المقاومة الفلسطينية والوسطاء يدركون هذه الإستراتيجية، ويضغطون على الإدارة الأميركية لضمان وقف الانتهاكات اليومية والالتزام بالمسار المتفق عليه، بما يحول الاتفاق إلى وقف إطلاق نار حقيقي لا غطاء لعدوان جديد.
من جانبه، يربط أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الفلسطينية رائد نعيرات التصعيد بالحسابات الشخصية لنتنياهو، لافتا إلى أن مكالمة الأخير مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملت "مقايضة واضحة": نتنياهو يريد ضغطا أميركيا لانتزاع عفو من الرئيس الإسرائيلي، في حين يصر ترامب على تثبيت وقف إطلاق النار.
ويرى نعيرات أن رهانات نتنياهو على "صورة استسلام" مقاتلي رفح انقلبت ضده، كما عكست ذلك مقالات وتحليلات إسرائيلية اتهمته بأخذ أمن إسرائيل رهينة لصراعاته الداخلية.
وبشأن المقاربة الأميركية، يقول نعيرات إن واشنطن تريد اتفاقا صامدا، لكنها تفتقر للإرادة الكافية للضغط على نتنياهو لكبح تهديداته، على الرغم من التنسيق الظاهر بشأن ما وصفته تل أبيب بـ"حادثة رفح".
ويحذر من رهن مستقبل الاتفاق ودماء الفلسطينيين بالأزمات الداخلية الإسرائيلية، من محاكمة نتنياهو إلى معركة تجنيد اليهود المتشددين (الحريديم).
أما الطناني، فيؤكد التزام المقاومة "الكامل" ببنود الاتفاق، من تسليم الأسرى الأحياء إلى إنجاز ملف جثث القتلى المعقد على الرغم من عرقلة الاحتلال.
ويشير إلى أن المقاومة تعمل على مسارين متوازيين: ضبط النفس لعدم منح إسرائيل ذريعة للعودة إلى حرب الإبادة، والضغط عبر الوسطاء لتنفيذ المرحلة الثانية، وخاصة فتح معبر رفح وتسليم إدارة القطاع إلى لجنة فلسطينية مستقلة.
ويرى أن هذه الخطوات من شأنها نزع الورقة التي تلوّح بها تل أبيب وحرمانها من تحويل المرحلة المقبلة إلى عدوان جديد تحت غطاء قوة دولية "معتدية"، مؤكدا أن الحفاظ على الاتفاق يمثل مصلحة فلسطينية عليا ومنع فرض وقائع إستراتيجية خطيرة على غزة.
وميدانيا، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر أمنية قولها إن الجيش الإسرائيلي يهاجم مخازن أسلحة ومراكز قيادة وورش تصنيع تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في أنحاء مختلفة من غزة.
وفي سياق متصل، نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي أن حادثة رفح تشكل "انتهاكا خطيرا"، مضيفا أن تل أبيب تنسق مع الإدارة الأميركية بشأن كيفية التعامل مع الحادث، وقد نقلت لها صورة "خطورة الوضع".
المصدر:
القدس