آخر الأخبار

حبس المدين .. مطالب بتعديل التشريعات ومراعاة الظروف الاقتصادية

شارك

أمجد الشلة: إذا كان المدين موظفاً عاماً يتقاضى راتباً حكومياً فالمحكمة ملزمة قانوناً بالحجز على ربع راتبه دورياً بدلاً من إصدار أمر حبس
فضل سالم النجاجرة: إلغاء أو تقييد أوامر الحبس دون توفير بدائل واقعية سيؤدي لانهيار الثقة في البيع الآجل والإضرار بالعجلة الاقتصادية
نيفين أبو عبسة: الواقع في المحاكم يُظهر أن الموظف يُعامَل كأنه يتقاضى راتبه كاملاً وهذا تعجيز فما يتقاضاه لا يغطي احتياجاته الأساسية
د. مؤيد عفانة: حبس المدين خاصة الموظف إجراء "غير عملي وغير مُجدٍ اقتصادياً" وقد ينقل المشكلة إلى مستويات قانونية واجتماعية ونفسية
إياد الرياحي: الحكومة ملزمة بسداد التزامات الموظفين الملاحقين قانونياً من مستحقاتهم المتراكمة بدلاً من تركهم يواجهون البنوك وحدهم
أيهم أبو غوش: لا يُعقل أن تقبل الحكومة بحبس موظف بسبب ديونه في الوقت الذي لا توفي فيه بأهم حقوقه الأساسية المتمثل بصرف راتبه كاملاً


يثير استمرار تطبيق أوامر حبس المدين على موظفي القطاع العام، رغم تأخر صرف رواتبهم ومستحقاتهم المالية لدى الحكومة، جدلاً واسعاً، وسط إعادة النظر بالقوانين وإمكانية تجميدها بحقهم او إيجاد مخارج قانونية لهم.
قصصٌ عدة عن التعثر المالي والحبس الفردي لموظفين ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يواجه البعض أوامر حبس بقِيَمٍ بسيطة مقارنة بمستحقاتهم المتراكمة، ما يعكس فجوة كبيرة بين القانون والواقع الاقتصادي.
وبحسب حقوقيين في أحاديث منفصلة لـ"ے"، فإن الحجز على راتب الموظف العام يجب ألا يتجاوز ربع الدخل، وإن الحبس غير عادل إذا كان لدى الموظف مستحقات لدى الحكومة، لكن إجراءات الحبس للمدينين تضع الموظفين في مواقف محرجة ومهينة.
كذلك، يؤكد محللون اقتصاديون أن حبس الموظف المتعثر مالياً لا يحل الأزمة، بل يزيدها تعقيداً على المستويين الاجتماعي والنفسي، ويضر بالاقتصاد المحلي.
ويطالب خبراء اقتصاديون وقانونيون بتعديل التشريعات وإصدار إجراءات بديلة، مثل تفعيل المحكمين والوسطاء لحل النزاعات المالية، وربط التنفيذ بصرف المستحقات الحكومية، ووضع آليات واضحة للتفريق بين المتعثرين اقتصادياً والمستغلين للديون.

أوامر حبس للمدين..

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية، قصص تعثر موظفين بسبب الديون، وحبسهم بسبب ذلك، ما أثار جدلاً حول إمكانية إلغاء قرارات حبسهم أو إيجاد حل بديل عن حبسهم.
ومما تم رصده تعرض موظف حكومي لموقف مهين على أحد حواجز الشرطة حين أوقفته أثناء ركوبه سيارة عمومي، وأبلغه الشرطي بأمر حبس بقيمة 700 شيقل، رغم أن مستحقاته المتراكمة على الحكومة تجاوزت 70 ألف شيقل، وبقي الموظف محتجزاً لأربع ساعات مع سبعة آخرين، مُقيد اليدين، وهو يعيش لحظات قهر شديد، وتم اقتياده إلى السجن، وبقي حتى منتصف الليل، قبل أن يُسقط المحامي الحق عنه، ويخرج بعد توقيع إخوته على كفالة، برفقة ابنه الصغير، ثم تعرض لموقف محرج حين خروجه أمام عائلته وجيرانه وأصدقائه.
في حين، تساءل موظف آخر على مواقع التواصل الاجتماعي عن حلول لقضيته حيث أن لديه مستحقات تبلغ 30 ألف شيكل، ومتراكمة عليه شيكات راجعة، وأوامر حبس صدرت بحقه.
وتسببت واقعة حبس مدير مدرسة بسبب شيك معاد بقيمة 1500 شيقل، صادر لبلدية كثمن للكهرباء، في إثارة جدل واسع حول معاملة المعلمين وموظفي القطاع العام المتعثرين مالياً، وهم يعانون من أزمة الرواتب.


حجز ربع الراتب وأوامر الحبس

يشدد أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين والمستشار القانوني المحامي أمجد الشلة أن قضية الحجز وأوامر الحبس المتعلقة بالمدين الموظف العام تتطلب العودة إلى النصوص القانونية والواقع العملي معاً.
ويشير الشلة إلى أن إمكانية الحجز على أموال الموظف العام المدين، المتمثلة في مستحقاته ورواتبه المتأخرة لدى الحكومة أمر لا تزال قضيته غير محسومة بشكل قاطع، رغم أنّ قانون التنفيذ يشكّل المرجعية الأساسية لهذه النزاعات.
ويوضح الشلة أن قانون التنفيذ الفلسطيني رقم 23 لسنة 2005، والتعديل الأخير عليه بموجب القرار بقانون رقم 25 لسنة 2024، نظّم بدقة إجراءات التعامل مع الديون المالية بين الدائن والمدين.
وبحسب الشلة، فإنه وفق هذه التعديلات، فإن تبليغ المدين يجعله ملزماً بمراجعة دائرة التنفيذ لعرض تسوية مناسبة تتضمن دفع 15% من قيمة الدين خلال فترة محددة، وفي حال قبول الدائن للتسوية، يصبح المدين ملتزماً بالدفع وفقاً لما تعهّد به، أما عند الرفض فتجري جلسات اقتدار لبحث ملاءة المدين وقدرته على السداد.
ويشير إلى أن المادة (25/2-ب) من القانون تنص بوضوح على عدم جواز حبس المدين إذا ثبت امتلاكه أموالاً كافية للوفاء بالدين، كما تنص المادة 51 على عدم جواز الحجز على الأجور والرواتب ونهاية الخدمة إلا بما لا يتجاوز الربع، وبالتالي، وفي حال ثبوت أن المدين موظف عام يتقاضى راتباً حكومياً، فإن المحكمة ملزمة قانوناً بالحجز على ربع راتبه دورياً بدلاً من إصدار أمر حبس.
ويشير الشلة إلى المادة 41 من قانون التنفيذ، التي تنص على بدء الحجز من أموال المدين والنقود السائلة وحقوقه لدى الغير، وهو ما يعني أن مستحقات الموظف العام لدى الحكومة تُعدّ أموالاً قابلة للحجز، وبالتالي يُمنع إصدار أمر الحبس بحقه متى توافرت هذه الحقوق.
لكن الإشكالية تكمن وفق الشلة، في الظروف الراهنة، إذ إن الموظف العام لا يتقاضى راتبه كاملاً منذ سنوات، وهو ما جعل ربع الراتب المحجوز "فتاتاً" لا يحقق الحد الأدنى من العدالة للدائن، وفي المقابل يشكل عبئاً قاسياً على الموظف وعائلته.
وبحسب الشلة، فإن ما زاد الأمر تعقيداً صدور بعض أوامر الحبس رغم وجود حجز على ربع الراتب، بحجة أن وزارة المالية لم تحوّل المبالغ المحجوزة لدائرة التنفيذ لعدة شهور.
ويوضح أن المدين نفسه يرتكب أحياناً أخطاء تسهّل صدور أمر الحبس، مثل عدم مراجعة دائرة التنفيذ خلال المهلة القانونية أو عدم تقديم قسيمة راتبه التي تثبت أنه موظف عام، ما يحرم نفسه من الحماية القانونية.
ويرى الشلة أن الحل يكمن في الربط الإلكتروني بين مجلس القضاء ووزارة المالية والمالية العسكرية لضمان وصول المعلومات فوراً وتنفيذ الإجراءات دون معاناة للأطراف.
ويؤكد ضرورة تحقيق توازن حقيقي بين حق الدائن في تحصيل أمواله وصون كرامة المدين، مع الانتباه لوجود فئة محدودة تمارس النصب وتكرار الاستدانة دون نية السداد.
ويشدد الشلة على أهمية حماية النسيج الاجتماعي الفلسطيني في ظل الظروف القاسية، ومراعاة أوضاع جميع الأطراف المتأثرة.

إشكالية المديونية وآليات تحصيل الديون

يؤكد المستشار القانوني فضل سالم النجاجرة أن النقاش القائم حول إشكالية المديونية وآليات تحصيل الديون في فلسطين يتمحور حول جانب واحد من العلاقة، وهو مديونية الأفراد، دون التطرق إلى غياب أي أدوات حقيقية لحماية الدائنين.
ويوضح أن النظام الاقتصادي في فلسطين قائم أساساً على البيع الآجل والتقسيط، سواء في التجارة أو القروض، بينما لا يمتلك الدائن -سواء أكان تاجراً أم بنكاً أم بائعاً عادياً- أي وسيلة مضمونة لتحصيل حقه باستثناء أمر الحبس الصادر عن القضاء.
وبحسب النجاجرة، فإن الإشكالية تتعقد أكثر حين يكون المدين موظفاً حكومياً، إذ يعتقد البعض أن وجود مستحقات مالية للموظف لدى الحكومة يعني إمكانية التنفيذ عليها، وهو أمر لا يسمح به القانون على الإطلاق.
ويشير إلى أن النصوص القانونية تؤكد أنه لا تجوز مصادرة أموال الخزينة أو مستحقات الموظفين لدى وزارة المالية لصالح الدائنين، ولا يملك قاضي التنفيذ سلطة الحجز على هذه الأموال، وبالتالي، فإن مطالبة وزارة المالية بتحويل مستحقات موظف مدين لسداد ديونه أمر "غير وارد قانوناً".
ويوضح النجاجرة أن أقصى ما يمكن اتخاذه هو الحجز على ربع الراتب فقط، ووفق آليات وزارة المالية.
وفي عرضه لواقع التنفيذ، يقدّم النجاجرة مثالين من الملفات التي عالجها مؤخراً، يكشفان حجم التهرب المتعمد من قبل المدينين، ففي حالة أولى، يتعلق الدين بمبلغ 4,700 دينار أردني بحكم قضائي صدر عام 2006، ظل الملف مفتوحاً منذ 2010 دون تنفيذ فعلي لمدة 15 عاماً، ولم يتم إلقاء القبض على المدين إلا قبل أسبوعين "بمحض الصدفة"، ليحضر شقيقه شاب في العشرينيات بسيارة تبلغ قيمتها نحو 700 ألف شيكل لتسوية الدين فوراً.
وفي مثالٍ ثانٍ، يوضح النجاجرة أنه جرى تحصيل دين بقيمة 2,300 شيكل فقط بعد 12 عاماً من المماطلة، وبمجرد تنفيذ الشرطة أمر الحبس ظهرت الأموال وتم الدفع فوراً رغم استنفاد جميع إجراءات الحجز على البنوك والعقارات والمركبات سابقاً من دون جدوى.
ويشير إلى أن المدينين في 90% من الحالات يتخذون احتياطات مسبقة لتهريب أموالهم، وأن الحديث الدائر إعلامياً حول "المتعثرين" مبالغ فيه للغاية.
ويعتقد النجاجرة أن نسبة المتعثرين الحقيقيين الذين يعجزون عن السداد بعد تنفيذ أمر الحبس لا تتجاوز "نصف بالمائة"، فيما يسدد الباقون فور تنفيذ الشرطة للأمر.
ويؤكد النجاجرة أن نظام الائتمان القائم حالياً يفتقر تماماً إلى الضمانات، وأن إلغاء أو تقييد أوامر الحبس دون توفير بدائل واقعية سيؤدي إلى انهيار الثقة في البيع الآجل، والإضرار بالعجلة الاقتصادية، ودفع الدائنين إلى وسائل خارج إطار القانون لتحصيل حقوقهم.
ويدعو النجاجرة إلى فتح نقاش وطني مبني على دراسات إحصائية واقتصادية شاملة، لوضع تشريعات توازن بين حقوق الدائنين والمدينين، وتحافظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

لا تفريق بين الموظف العام وأي مدين آخر

توضح المحامية نيفين أبو عبسة أن آلية تطبيق قانون التنفيذ على الموظفين الحكوميين تتم تماماً كما بقية المواطنين المدينين، مؤكدة أن النظام القانوني الحالي لا يميّز بين الموظف العام الذي يتعرض لاقتطاعات كبيرة من راتبه أو لا يتقاضاه كاملاً، وبين أي مدين آخر، رغم اختلاف الظروف جذرياً.
وتشير أبو عبسة إلى أن "القانون لا يفرّق بين موظف حكومي ومدين عادي، والواقع العملي في المحاكم لا يراعي أن الموظف لا يحصل على راتبه كاملاً منذ سنوات، بل تُنفَّذ أوامر الحبس وكأن الرواتب تُصرف بشكل طبيعي".
وترى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الموظف الحكومي بات مديناً للحكومة نفسها بسبب عدم انتظام الرواتب، ثم يُطالَب في الوقت ذاته بالوفاء بالتزاماته تجاه الغير، في وقت لا يملك فيه دخلاً كافياً للسداد.
وتقول أبو عبسة: "الحكومة لا تقدّم للموظف راتبه، ثم يُحبس لأنه لم يسدد ديونه… هذا غير منطقي ولا عادل".
وتشير أبو عبسة إلى أنها، ومن خلال حديثها مع عدد من زملائها المحامين، تبيّن أن أوامر الحبس تُنفَّذ بحق الموظفين بشكل اعتيادي، دون أي مراعاة للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، ودون النظر إلى أن الدخل الذي يحصل عليه الموظف لا يكفي لتغطية احتياجاته الأساسية، فكيف يلتزم بسداد ديونه؟
وتؤكد أبو عبسة أن "الواقع في المحاكم يُظهر أن الموظف يُعامل كأنه يتقاضى راتبه كاملاً، وهذا تعجيز واضح".
وتدعو أبو عبسة إلى تدخل تشريعي فوري لمعالجة هذه الإشكالية، عبر إصدار قرار بقانون يستثني الموظفين الحكوميين من أوامر الحبس إلى حين انتظام صرف رواتبهم، أو إصدار تعميم قضائي يوجّه المحاكم بعدم التعامل مع هذه الفئة كما لو كانت تتلقى رواتب كاملة.
وتشير إلى أن "الحل بيد الحكومة أو الرئيس، من خلال قرار بقانون يوقف أوامر الحبس مؤقتاً عن الموظفين، أو يضع آلية تراعي الوضع المالي الاستثنائي".

إبقاء الوضع على ما هو عليه يسيء للعدالة

وتؤكد أبو عبسة أن عدم اتخاذ أي إجراء استثنائي ترك آلاف الموظفين تحت طائلة أوامر الحبس، في وقت هم فيه غير قادرين فعلياً على سداد ديونهم، معتبرة أن إبقاء الوضع على ما هو عليه "يسيء للعدالة ويزيد الضغط النفسي والاجتماعي على الموظفين وأسرهم".
وتشدد أبو عبسة على ضرورة إعادة النظر في التطبيق العملي لقانون التنفيذ بما ينسجم مع الواقع المالي والمعيشي، معتبرة أن استمرار الوضع الحالي "ليس سوى شكل من أشكال التعجيز للموظف الحكومي".

تداعيات متصاعدة للأزمة المالية العامة

يحذّر الخبير الاقتصادي د.مؤيد عفانة من التداعيات المتصاعدة للأزمة المالية العامة في فلسطين، وخاصة أزمة رواتب موظفي القطاع العام التي تدخل عامها الخامس، مؤكداً أنّ امتدادها الطويل أنتج سلسلة من الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، وخصوصاً ما يتعلق بالديون والشيكات المرتجعة.
وبحسب عفانة، فإنّ الموظفين الحكوميين حاولوا خلال السنوات الماضية التكيّف مع الأزمة عبر وسائل متعددة، مثل الاقتراض، وبيع الممتلكات، والعمل الإضافي، إلا أن مرونة تلك الحلول تقلّصت تدريجياً مع الوقت، ما أدى إلى وصول شريحة واسعة منهم إلى حالة تعثر مالي حقيقي.
ووفق عفانة، فإنه رغم أن البنوك أعادت جدولة القروض ومنحت قروضاً جديدة -وإن كانت بفوائد إضافية تزيد من عبء الموظف- فإن هذه المعالجات خفّفت فقط جانب القروض دون حل المشكلة الأساسية المرتبطة بالشيكات.
ويوضح عفانة أن الإشكالية الأكبر ظهرت في ملف الشيكات، نتيجة الخلط في السوق الفلسطيني بين كون الشيك أداة وفاء لا أداة دفع، فبحسب المفهوم المالي السليم، يُفترض أن الشيك وسيلة لتحويل أموال موجودة فعلياً في حساب المُصدّر عند الاستحقاق، لكن ما جرى هو اعتماد المواطنين، ومنهم الموظفون، على الشيكات كوسيلة دفع دون مراعاة لتوفر السيولة الفعلية، ما أدى إلى ارتفاع حالات الشيكات المرتجعة وتعثر مُصدريها، وتضرر الشركات والموردين ومتلقي الشيكات.
ويشير عفانة إلى أن الموظفين، بوصفهم ذوي دخل محدود وثابت، لجأوا لتصدير الشيكات لتسيير احتياجاتهم رغم الأزمة، واستطاعوا في بداياتها معالجة الشيكات الراجعة بمرونة نسبية، إلا أن استمرار الأزمة أفقدهم القدرة على السداد، ودفع الكثير من أصحاب الشيكات للتوجه نحو المحاكم.
ويحذّر عفانة من أن حبس المدين –خاصة الموظف الذي يملك مستحقات لدى الحكومة– إجراء "غير عملي وغير مجدٍ اقتصادياً"، وقد ينقل المشكلة من مستواها المالي إلى مستويات قانونية واجتماعية ونفسية، مؤكداً أن الموظف "لا يجوز أن يُعاقَب مرتين: الأولى بعدم استلام راتبه، والثانية بعدم قدرته على دفع الشيك".

تفعيل دور المحكّمين والوسطاء لحل النزاعات المالية

ويدعو عفانة إلى حلول بديلة تشمل تفعيل دور المحكّمين والوسطاء لحل النزاعات المالية بعيداً عن المحاكم، ومواءمة التشريعات لمنع حبس الموظف المتعثر الذي لم يتقاضَ حقوقه.
ويشدد على ضرورة أن تقوم سلطة النقد بتنظيم تصدير الشيكات، ووضع حدود لكمية وقيمة الشيكات بناءً على الوضع الائتماني لمصدرها، إضافة إلى تطوير أدوات قانونية وتقنية تحدّ من تظهير وتجيير الشيكات، لما يسببه هذا السلوك من تضخيم للمبالغ وخلق "رأس مال وهمي" يزيد من حجم التعثر.
ويؤكد أن "عدد الموظفين المحبوسين بسبب الشيكات ليس ظاهرة، فهو غير كبير"، لكن مجرد وجود حالات فردية تستدعي معالجة شاملة، لأن تعثر الموظف ناتج عن ظرف قهري خارج عن إرادته، ويجب التعامل معه بمنطق عادل يحفظ حقوق الدائنين ويصون الاستقرار الاجتماعي في آن واحد.

الموظفون الفئة الأكثر استهدافاً من البنوك

يحذّر الباحث في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية إياد الرياحي،من تفاقم الأزمة التي يعيشها الموظفون الحكوميون نتيجة السياسات المالية المتراكمة، والتي جعلتهم "الفئة الأكثر استهدافاً من البنوك"، خلال سنوات طويلة، بعدما اعتُبروا "الكفيل الذهبي" في سوق الإقراض.
ويوضح الرياحي أن المؤسسات المصرفية دفعت الموظفين إلى دائرة لا تنتهي من القروض الاستهلاكية، قبل أن تأتي الأزمة المالية الراهنة لتجعل الجمع بين الالتزامات تجاه البنوك والالتزامات غير المهمة بالنسبة لعدد كبير من العاملين في القطاع العام.
ويشير إلى أن تعامل الحكومة مع هذه الأزمة لم يحمِ الموظفين، بل ساهم في تعميقها، بعدما صدر قرار بقانون من الرئيس الفلسطيني يُلزم الموظفين المقترضين بالتوجه للبنوك للحصول على قرض جديد لسداد القروض القديمة المتأخرة.
ويوضح الرياحي أن هذا القرض لم يكن اختيارياً، بل وضع الموظف أمام مهلة عشرة أيام فقط لترتيب بديل لسداد الأقساط المتأخرة، وفي حال عجزه يُفعَّل القرض الجديد تلقائياً خلال أسبوعين، عبر إعادة جدولة القرض القائم أو إعادة هيكلته.
وبحسب الرياحي، فإن آلاف الموظفين اضطروا فعلياً إلى تحمل فوائد جديدة ليست من مسؤوليتهم، مؤكداً أن هذه الفوائد كان يفترض أن تتحملها الحكومة، خاصة أن التأخير في دفع الرواتب ليس نتاجاً لخيارات الموظفين، بل لسياسات مالية رسمية مستمرة منذ عام 2021. ويؤكد الرياحي أن الحكومة لم يكن بإمكانها شراء ديون الموظفين من البنوك، لكنها ملزمة ـ على الأقل ـ بأن تسدد التزامات الموظفين الذين يواجهون ملاحقات قانونية من مستحقاتهم المتراكمة، بدلاً من تركهم يواجهون البنوك وحدهم.
ويوضح الرياحي أن الموظف الحكومي بات ينشغل أولاً بسداد البنك خوفاً من الإجراءات القانونية، فيما تُؤجَّل التزاماته الأخرى تجاه الغير بصورة متكررة، على أمل أن تتحرك الحكومة لسداد المستحقات المتراكمة.
ويبيّن أن الوضع ازداد سوءاً بعد حل نقابة العاملين في الوظيفة العمومية واعتبارها جسماً غير قانوني، ما أدى إلى غياب الجهة التي تمثل الموظفين وتدافع عن حقوقهم، خاصة أولئك الذين أصبحوا عرضة للملاحقات في ظل انسداد الأفق المالي.
ويؤكد الرياحي أن ما يجري هو نتيجة مباشرة لسياسات حكومية متراكمة، وأن تجاهل آثارها الاجتماعية والاقتصادية يهدد بمفاقمة الأزمة وتوسيع دائرة المتعثرين في غياب أي حماية فعلية للموظف الحكومي.

قصور تشريعي يتطلب معالجة عاجلة

يؤكّد الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش أن استمرار العمل ببنود قانونية تتيح حبس المدين في فلسطين، رغم الظروف الاقتصادية الطارئة، يعكس قصوراً تشريعياً واضحاً يتطلب معالجة عاجلة.
ويرى أبو غوش أن هذه القوانين وُضعت في ظروف طبيعية، بينما تعيش البلاد اليوم واقعاً استثنائياً، من تعطّل آلاف العمّال، وعدم انتظام رواتب موظفي القطاع العام منذ أكثر من أربع سنوات، ما يجعل تطبيق هذه القوانين بشكلها الحالي أمراً غير عادل ولا منطقياً.
ويشير أبو غوش إلى أن الاتجاه الدولي العام واضح في هذا الملف، إذ تتجه الدول إلى منع "حبس الجسد مقابل المال"، واللجوء إلى إجراءات بديلة تمنح المدين فرصة لتنظيم ديونه وتسديدها بما يتناسب مع ظروفه.
ويلفت إلى أن فلسطين نفسها وقّعت على اتفاقيات دولية تمنع حبس الأشخاص بسبب الديون المالية، ما يستدعي إعادة مواءمة التشريعات المحلية مع تلك الالتزامات الدولية، ومع خصوصية الأزمة الاقتصادية الراهنة.
ويُميّز أبو غوش بين حالتين: الأولى تتعلق بمدين متعثر نتيجة ظروف اقتصادية قاهرة، والثانية مرتبطة باستغلال الدين لغايات النصب والاحتيال.
ويؤكّد أبو غوش أن القضاء قادر على التفريق بين الحالتين، لكن المشكلة تكمن في التشريع القائم الذي لا يراعي هذا التفريق بشكل واضح.
ويبرز أبو غوش مفارقة خطيرة تتمثل في أن ديون الموظفين على الحكومة تجاوزت 7 مليارات شيكل، وأن موظفين لم يتلقوا رواتبهم كاملة منذ سنوات، فيما يتم اعتقال بعضهم على ذمم شيكات بقيم تتراوح في بعض منها ما بين 500 و1000 شيكل.
ويوضح أن المنطق القانوني يفترض تجميد الحبس فوراً إذا أثبت الموظف امتلاكه مستحقات تفوق قيمة الدَّين، "إذ لا يُعقل أن تقبل الحكومة بأن موظفاً يحبس بسبب ديونه في الوقت الذي لا توفي له حقوقه الأساسية براتبه".

جهات مستفيدة من استمرار حبس المدين

ويرى أبو غوش أن هناك جهات مستفيدة من استمرار العمل بقانون حبس المدين، مشيراً إلى أن بعض المحامين يضغطون لعدم تعطيل العمل بالقانون، مستفيدين من قدراتهم على تحريك الجهاز التنفيذي.
ويقدم بعض الحلول العاجلة لمعالجة هذه الأزمة، أبرزها: إعلان حالة الطوارئ بشكل رسمي لإتاحة إطار قانوني لتعليق العمل ببعض النصوص القائمة، ووقف أو تجميد العمل بالقوانين الناظمة لحبس المدين إلى حين إجراء تعديلات تتناسب مع الواقع، ووضع معايير واضحة للتفريق بين المتعثرين اقتصادياً والمُحْتالين، ووقف تنفيذ أي قرار حبس بحق الموظفين ممن يثبت امتلاكهم مستحقات مالية لدى الحكومة.
ويؤكد أبو غوش أن المشكلة تجاوزت الجانب القانوني لتتحوّل إلى قضية تمس العدالة الاجتماعية وكرامة الموظفين، مشيراً إلى أن حوادث اعتقال معلمين وموظفين من بيوتهم أو أماكن عملهم "أمر لا يليق ولا يمكن القبول باستمراره".

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا