لم يكن إعلان مؤسسة "غزة الإنسانية" إنهاء مهامها في قطاع غزة مجرد خبر عابر، بل تحول خلال ساعات إلى واحدة من أكثر القضايا تفاعلا على منصات التواصل الاجتماعي، بعد ارتكاب هذه المؤسسة -خلال حرب الإبادة الإسرائيلية- انتهاكات إنسانية جسيمة بحق سكان القطاع الفلسطيني المنكوب.
وقالت هذه المؤسسة، الخاضعة لسيطرة أميركية وإسرائيلية، إنها أنهت "بنجاح" مهمتها الطارئة في غزة، مدعية أنها قدمت أكثر من 187 مليون وجبة مجانية للمدنيين، وإن عملياتها الإنسانية "ضمنت" وصول المساعدات الغذائية إلى العائلات الفلسطينية "بشكل آمن".
غير أن هذه الرواية تتعارض مع موجة واسعة من شهادات مدنيين ومنظمات حقوقية، اتهمت "غزة الإنسانية" بالضلوع في انتهاكات خطيرة تحت غطاء العمل الإنساني، شملت استدراج المدنيين وتجميعهم في أماكن مكشوفة تعرضوا خلالها للقنص أو الاعتقال، فضلا عن حالات إذلال وتعذيب وثقتها جهات حقوقية محلية ودولية.
وعلى المنصات الرقمية، لم يتعامل مع الإعلان بوصفه نهاية مهمة إنسانية، بل باعتباره فصلا أخيرا في ملف مثير للغضب والجدل، حيث تصدر وسم "مصيدة الموت" و"مؤسسة غزة الإنسانية" قوائم التداول، وسط مطالب شعبية وحقوقية بفتح تحقيق دولي وكشف طبيعة الدور الذي لعبته "غزة الإنسانية" خلال الحرب.
ورأى ناشطون أن هذه المؤسسة "دخلت غزة باسم الإغاثة، وغادرتها متهمة بأنها كانت أشد قسوة من القذائف" بعدما تركت خلفها -وفق تعبيرهم- "آلاف الشهداء وصورا لا تُمحى من الذاكرة" معتبرين أن ما حدث "ليس نهاية القصة، بل بداية مرحلة عنوانها المحاسبة وكشف الحقائق".
وأشار مدونون إلى أنه لم يسجل في تاريخ النزاعات وجود مؤسسة إغاثية تورطت في أعمال قتل واستدراج وتجويع، كما حدث في تجربة "غزة الإنسانية" واصفين إياها بأنها كانت "مصيدة موت وملفا مظلما في غسل الأموال والدعم غير المشروع".
وأضافوا أنها "ظهرت فجأة بلا تراخيص واضحة، ودون الإعلان عن مناقصات أو شراكات قانونية، وعملت بطريقة مريبة ومغلقة، مكرسةً حالة من الفوضى وارتفاع الأسعار وغياب الشفافية".
وكتب أحد النشطاء أن هذه المؤسسة "كانت أشد قسوة من القذائف، إذ استدرجت الجائعين إلى مناطق مكشوفة خدمة لأهداف عسكرية وأمنية، ثم رحلت تاركةً خلفها آلاف الضحايا، لتكشف أن شعار الإنسانية لم يكن سوى غطاء سياسي".
ورأى ناشط آخر أن المؤسسة "مثلت كارثة إنسانية وتاريخية، بعدما تحولت إلى مصائد موت يومية للمدنيين المُجوّعين الباحثين عن الغذاء، وتورطت في دماء آلاف الضحايا الذين قُتلوا بالرصاص الحي أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات".
كما وصف أحد المدونين "غزة الإنسانية" وعناصرها بأنها "تحولت إلى رمز للقسوة والانتهاك" مشيرًا إلى تورط أفرادها في قنص المدنيين وتعذيبهم وإذلالهم، وانتهاك كرامتهم وكرامة النساء والأطفال، في مشاهد اعتُبرت من أكثر صور الانحطاط والفظاعة التي شهدها العالم منذ عقود طويلة.
وبلغ إجمالي الشهداء الذين تم نقلهم إلى المستشفيات نتيجة القتل بسبب الحصول على الغذاء 2615 شهيدا، إلى جانب أكثر من 19182 إصابة، وفق الإعلام الحكومي بقطاع غزة.
ومن بين هؤلاء الضحايا، أكثر من 1213 مواطنا استشهدوا نتيجة إطلاق نار متعمد من قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ضمن ما يعرف بـ"مصائد الموت" والقتل الجماعي، في إطار جريمة ممنهجة من الاستدراج والتجويع والقتل.
وقد أُوكلت إلى "غزة الإنسانية" مهمة توزيع المساعدات الغذائية في مايو/أيار الماضي، عقب فرض إسرائيل قيودا على عمل الوكالات الدولية.
لكن خبراء أمميين ومنظمات إغاثة انتقدوا بشدة هذه الآلية، معتبرين أنها قاصرة وتُعرض المدنيين للخطر.
وكانت هذه المؤسسة تدير 4 مراكز توزيع في غزة، مقارنة بـ400 مركز تديرها منظومة مساعدات الأمم المتحدة، لكن تقارير عدة اتهمت "غزة الإنسانية" بالفشل في حماية المدنيين، إذ تحولت بعض مراكزها إلى "مصائد موت".
المصدر:
القدس