ذكرنا في مقال سابق أن دول وسط آسيا التي يسميها الكثيرون بالدول الإسلامية، وهي طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأذربيجان، لكون المسلمين يشكلون الغالبية من سكانها، دساتيرها جميعا تشير لكونها دول علمانية، كما أنها على علاقة متنوعة المجالات بإسرائيل منذ استقلال هذه الدول بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كما ذكرنا أن الاستبداد يمثل القاسم المشترك فيما بينها.
فلم يحكم طاجيكستان منذ عام 1992 وحتى الآن سوى حاكم واحد، كما شهدت كل من أوزبكستان وأذربيجان وكازاخستان حاكمين فقط، وشهدت تركمنستان ثلاثة حكام؛ ثالثهما هو ابن الحاكم الثاني، أما قرغيزستان فبعد حكم 16 عاما لحاكم فقد تناوب عليها أربعة من الحكام بعد ذلك، لكن المهم هو التعرف على ملاح الاستبداد في تلك الدول وآثاره على شعوب تلك المنطقة.
ولنبدأ بتركمنستان وبالرئيس صابر مراد نيازوف الذي حكم منذ عام 1990 حتى وفاته عام 2006، رغم أنه جعل من نفسه عام 1999 رئيسا مدى الحياة بعد أن منح لنفسه لقب تركماني باشا أي زعيم التركمان، حيث ألف كتابا أسماه "روح نامة" أو الروحيات، كدليل سياسي روحي، وجعل قراءة الكتاب إلزامية في المدارس والجامعات والجهات الحكومية.
كما كانت نصوص الكتاب من مسوغات اختيار الموظفين الجدد في الحكومة، وخلال امتحان الراغبين في الانتساب للمدارس العسكرية، وكذلك خلال اجتياز اختبار الحصول على رخص قيادة السيارات، كما تم إرسال الكتاب للفضاء، وترجمته لأكثر من ثلاثين لغة، وأقام تمثالا للكتاب، يقوم هذا التمثال بإذاعة بعض نصوص الكتاب مساء ليسمعها المجاورون له.
ولأنه اعتبره ميثاقا أخلاقيا وثقافيا فقد كتب بعضا من نصوصه على جدران المساجد بجوار الآيات القرآنية، بعد أن صرح بأن الله قد أخبره أن من سيقرأ الكتاب سيدخل الجنة.
تماثيل ذهبية وتعطيل للمستشفيات الريفية وانتشرت تماثيل الرئيس صابر في أنحاء البلاد وبعضها مطلية بالذهب حتى سميت العاصمة بمدينة التماثيل، إلى جانب إقامة القصور، واشتهر بإقامة أكبر صورة معمارية في العالم وأطول سارية علم وأكبر نافورة في العالم.
وعلى الجانب الآخر، قام بإلغاء المستشفيات الريفية بمبرر أن يتم علاج السكان في العاصمة، توفيرا لنحو 15 ألف وظيفة في القطاع الصحي لتحقيق وفر في الموازنة.
ومما قام به الرئيس صابر تغيير أسماء شهور السنة وأيام الأسبوع، حيث أصبح اسم الشهر الأول من العام تركمانباشي على اسمه، وعندما طلب من البرلمان أن يكون الشهر الرابع من العام باسم الأم، رفض البرلمان الوفي للرئيس ذلك، مقررا أن يكون اسم الشهر الرابع شهر سلطانة على اسم والدة الرئيس!
كما منع الرئيس سير السيارات سوداء اللون في شوارع العاصمة، حيث أصبح اللون الأبيض للسيارات هو المطلوب.
كما أن كاميرات المراقبة موجودة في كل مكان، مع مراقبة الزوار الأجانب واشتراط وجود مرشد سياحي حكومي معهم، مع التشدد في منح تأشيرات الدخول، كما شملت المراقبة المساجد وأئمتها مع ممارسة الشعار الدينية بترخيص رسمي.
وكان الرئيس يفوز في استفتاءات رئاسية بنسب عالية، ولم تعرف البلاد انتخابات متعددة المرشحين إلا بعد وفاته.
وننتقل إلى أوزبكستان مع الرئيس إسلام كريموف الذي استمر حكمه 26 عاما، منذ 1990 وحتى وفاته عام 2016، حيث اتسم بالقسوة الشديدة تجاه معارضيه، كما أعلن الحرب على الجماعات الإسلامية ووصفها بأنها إرهابية، وحكم على قياداتها بالإعدام، كما قتل بعضهم.
ولم يسمح للعاملين في المنظمات الدينية بالترشح للبرلمان. وقمع تمردا في مدينة أنديجان في عام 2005 بإطلاق الرصاص على المحتجين مما أدى لوفاة 745 شخصا.
وكان عدد رجال الشرطة في عهده سبعمائة ألف شخص، أي أضعاف عدد الجيش، ووصل عدد المعتقلين السياسيين عام 2008 إلى ثمانية آلاف سجين سياسي، ومنح الرئيس لنفسه العديد من الأوسمة كما حصل على عدد من درجات الدكتوراة الفخرية من جامعات أجنبية.
وفي الانتخابات الرئاسية عام 2000 التي حصل فيها على 92 في المائة، صرح المنافس الوحيد له عبد الحافظ جلالوف أنه صوت لصالح كريموف، وفي انتخابات 2007 أعلن المنافسون المغمورون الثلاثة له في الانتخابات تأييدهم له.
وقد اشتهر الرئيس بتزوير الانتخابات والرقابة على الإعلام، والفساد المالي حيث بنى إمبراطورية تجارية ضمت أكبر شركة للهاتف المحمول ومصانع إسمنت وسلسلة نواد ليلية، وأدى وقوع ثلث السكان تحت خط الفقر في عهده إلى الهجرة للعمل في الخارج خاصة روسيا.
أما طاجيكستان فقد سماها البعض متحف الاستبداد لما فيها من تنوع لمظاهر الاستبداد، في ظل الرئيس إمام علي رحمن الذي يحكم منذ عام 1992 وحتى الآن، وجهز ابنه لوراثته.
ومن مظاهر الاستبداد تلقيب نفسه بقلب زعيم الأمة ورفع القيود على عدد مرات انتخابه، وقمعه للمعارضين السياسيين، وتفشى الفساد والمحسوبية من خلال شغل أفراد أسرته للمناصب، حيث شغل ابنه منصب رئيس البرلمان وعمدة العاصمة.
وما زال القطاع العام مسيطرا، كما أدى انتشار الفقر إلى وجود نحو مليون مهاجر من الرجال والنساء للعمل في روسيا، خاصة مع القيود التي تواجه الفتيات لإكمال التعليم بسبب الفقر.
كما تنوعت أشكال حملته على المظاهر الإسلامية من خلال حظر اللحى وحظر ارتياد المساجد للنساء والشباب الأقل من 18 عاما، وحظر أداء الحج للأفراد أقل من 40 عاما، وحظر استخدام مكبرات الصوت لبث الأذان، وحظر الحجاب في المدارس، وحظر الأسماء العربية عام 2016.
وحظر الدراسة في المدارس الإسلامية خارج البلاد، وحظر إنتاج أو استيراد أو تصدير الكتب الإسلامية دون إذن، وحظر الأحزاب السياسية الإسلامية، حيث حظر حزب النهضة الإسلامي واعتبره منظمة إرهابية عام 2015 بعد التضييق عليه منذ عام 2010، بما في ذلك اعتقال أعضائه وتوجيه اتهامات جنائية ضدهم وإجبار العديد منهم على الاستقالة.
وتسببت حملة القمع للحزب في إجبار العديد من أعضائه على مغادرة البلاد أو الاختباء.
وفي كازاخستان، قام الرئيس نور سلطان نزار باييف الذي حكم لمدة 27 عاما منذ 1991 وحتى 2019، بتعديل دستوري عام 2007 يسمح له بالترشح عدة مرات، وفي عام 2010 منحه البرلمان لقب زعيم الأمة.
وفي 2012 وضع قيودا صارمة على الممارسات الدينية، حتى أن عيدي الفطر والأضحى ليسا من الأعياد الرسمية التي يتم فيها منح إجازة للعاملين في الحكومة رغم تعدد الأعياد الرسمية إلى عشرة أعياد؛ من عيد رأس السنة الميلادية وعيد النيروز رأس السنة الفارسية وعيد يوم المرأة العالمي، وعيد النصر أي ذكرى انتصار الاتحاد السوفييتي على النازية، إلى يوم العاصمة ويوم الدستور ويوم الرئيس الأول ويوم وحدة الشعب الكازاخستاني ويوم الدفاع عن الوطن.
انتشر الفساد في عهده، حيث يملك أفراد من عائلته شركات، كما تولت ابنته درايجا زعامة حزب المعارضة الرئيس (كلنا معا)، كما رأس ابنه الأصغر حزب معارضة آخر.
وفي آذار/ مارس 2019 تم تغيير اسم العاصمة باسمه بعد وفاته، ورغم وجود سبعة أحزاب سياسية في البلاد فكلها من أحزاب الموالاة.
وهكذا ورغم وجود 40 حزبا سياسيا في البلدان الستة بوسط آسيا، منها عشرة في قرغيزستان، وثمانية في أذربيجان، وسبعة في كل من كازاخستان وطاجيكستان، وخمسة في أوزبكستان، وثلاثة في تركمنستان، فإنه لا يوجد من بينها حزب إسلامي واحد.
حتى عندما اشتبهتُ في وجود حزب اسمه نور الإيمان في قرغيزستان، تبين أن اسمه الحزب السياسي للعدالة والتنمية، حيث يترجم اسمه إلى شعاع الضمير أو شعاع الإيمان.
وعلى سبيل المثال فإن الأحزاب الثلاثة في تركمنستان وهي الزراعي والديمقراطي وحزب الصناعيين ورجال الأعمال، كلها تدعم الرئيس، حيث تخلو البلاد من المعارضة والموجودة فقط في تجمعات صغيرة خارج البلاد.
ومع الاستبداد هاجر الكثيرون للعمل في الخارج، كما تسبب الحرب الأهلية في طاجيكستان والتي امتدت لخمس سنوات من 1992 وحتى 1997 لهجرة الكفاءات، كما تراجعت معرفة الكثيرين من المسلمين بالشعائر الدينية، وزادت معدلات الفقر خاصة في طاجكستان وقرغيزستان.
وزادت معدلات انغماس الشباب بالملذات ورحلات البحث عن المتعة، حتى أن عدد السياح الذين ذهبوا من كازاخستان إلى تايلاند في العام الماضي بلغ 184 ألف شخص، وهي البلد المعروفة بالسياحة الجنسية، كما افتتحت البلاد توسعات بصناعة الخمور محليا في العام الماضي، بعد استيرادها كميات كبيرة منها خلال السنوات الماضية.
وتأخر سن الزواج في البلاد وزادت ظاهرة الأمهات من دون زواج.
ومن هنا كان تصريح مستشارة رئيس الوزراء الإسرائيلي كارولين جليك مؤخرا، من أنهم يودون في مشاركة جنود أذربيجان في القوات الدولية في غزة (باعتبارهم مسلمين معتدلين، كما أن بلادهم هي المزود الرئيس للنفط لإسرائيل)، وعدم قبولهم باشتراك قوات دولية يمكن أن تتعاطف مع حماس، بل مطلوب وجود قوات لديها رغبة في مواجهة حماس وتسعى بألا يقوم نظامها في المنطقة مرة أخرى، كمعيار للانضمام للقوات الدولية في غزة، وهو ما يرتبط بما ورد في صحيفة يديعوت أحرونوت على لسان ولي عهد السعودية بأنه لا يوجد جنود مسلمون سيحاربون حماس.
المصدر:
القدس