قدّم الناشط وطالب الدراسات العليا الفلسطيني محمود خليل دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مطالبًا بالكشف عن أي اتصالات جرت بينها وبين عدد من المنظمات الأميركية المناهضة للفلسطينيين، وذلك قبل اعتقاله في يوم 8 آذار 2025. وتأتي الدعوى بعد امتناع الإدارة عن الرد على طلب رسمي تقدّم به خليل بموجب "قانون حرية المعلومات" للحصول على الوثائق ذات الصلة.
ويطالب خليل، الحاصل على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة والمتزوج من مواطنة أميركية، بكشف كامل المراسلات بين وكالات حكومية—بينها وزارة الأمن الداخلي ووزارة الخارجية ووزارة العدل ووحدة الهجرة والجمارك—وبين جهات من بينها: كناري ميشون Mission Canary ، بيطار Betar، توثيق كراهية اليهود في الجامعة Documenting Jew Hatred on Campus، خريجو كولومبيا من أجل إسرائيل Columbia Alumni for Israel، ميدل إيست فورم Middle East Forum، موليكتف شيريون Shirion Collective، كابيتل ريسيرؤا سنتر Capital Research Center، و كاميرا CAMERA، وهي منظمات مرتبطة بأجهزة المخابرات الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر. ويقول محمود خليل إن "للجمهور الحق في معرفة حجم التعاون بين الحكومة وهذه المجموعات التي تستهدف كل صوت ينتقد الإبادة في غزة".
وتأتي هذه الدعوى في سياق أوسع يتجاوز الطابع القانوني المباشر، إذ تكشف عن بنية نفوذ متشعبة تربط بين إدارة ترمب وعدد من المنظمات التي تنشط في مراقبة واستهداف الأصوات المؤيدة للحقوق الفلسطينية داخل الولايات المتحدة، خصوصًا في الجامعات. حيث أن اعتقال خليل في 2025 لم يكن حدثًا معزولًا، بل جزءًا من حملة حكومية واسعة استندت إلى اتهامات بـ"معاداة السامية" طالت طلابًا وأكاديميين شاركوا في احتجاجات مناهضة لإسرائيل في جامعة كولومبيا وغيرها.
بعد اعتقال خليل، سارعت منظمات مثل كناري ميشون Canary Mission وبيطار Betar USA إلى إعلان دورها في العملية، في خطوة عكست حجم التأثير الذي تسعى هذه المجموعات لممارسته على أجهزة الدولة. وقد قالت "بيطار" صراحة إنها شاركت معلومات عن ناشطين ينتقدون إسرائيل مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في هذا العام، ما أثار تساؤلات إضافية حول إمكانية وجود قنوات اتصال رسمية غير معلنة.
الأدلة على هذا التنسيق برزت بشكل أوضح خلال المحاكمة التي انتهت بحكم قضائي أكد أن اعتقال خليل كان جزءًا من سياسة "ترحيل أيديولوجي" غير دستورية. ففي شهادة لافتة، قال بيتر هاتش، مساعد مدير الاستخبارات في وكالة التحقيقات الخاصة بالأمن الداخلي ضمن ICE، إن الوكالة شكّلت "فريق النمر"، وهو مجموعة من الضباط جرى استدعاؤهم من إدارات مختلفة لجمع تقارير استخباراتية حول الطلبة والأكاديميين والنشطاء المؤيدين لفلسطين. وكشف أيضًا أن الوكالة راجعت أكثر من 5,000 اسم زودتها بها كناري ميشون Canary Mission.
هذه المنصات، التي تقدّم نفسها على أنها "توثّق الكراهية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل واليهود"، تحوّلت عمليًا إلى قوائم سوداء تستهدف الأشخاص الذين ينتقدون سياسات إسرائيل، بما في ذلك أصوات يهودية معارضة. ويقول منتقدوها إن مهمتها الأساسية هي إسكات الخطاب الداعم لفلسطين عبر الخلط المتعمد بين انتقاد الحكومة الإسرائيلية ومعاداة السامية، وهي إستراتيجية تتزايد فعاليتها داخل المؤسسات الأكاديمية والسياسية الأميركية.
القضية لم تتوقف عند الاعتقال؛ إذ رُحّل خليل إلى مركز احتجاز في ولاية لويزيانا، بعيدًا عن زوجته الحامل ومحاميه، حيث قضى ثلاثة أشهر في ظروف قاسية قبل أن يأمر قاضٍ اتحادي بالإفراج عنه. وقد أصبح أبًا وهو في الاحتجاز، دون أن يُسمح له بحضور ولادة طفله. وبعد الإفراج عنه، واصلت إدارة ترمب محاولات ترحيله إلى سوريا أو الجزائر، بزعم وجود معلومات ناقصة في طلب حصوله على البطاقة الخضراء. لكن محكمة في نيوجيرسي أصدرت حكمًا يمنع ترحيله أو احتجازه إلى حين انتهاء قضيته، قبل أن تستأنف الحكومة القرار لاحقًا.
يشار إلى أن الدعوى الحالية بحسب الخبراء، ليست مجرد طلب للحصول على وثائق، بل محاولة لكشف طبيعة العلاقة بين مؤسسات الدولة ومجموعات ضغط خاصة لطالما اتُهمت بتأجيج الخطاب المناهض للحقوق الفلسطينية. وهي تسلط الضوء على مسار آخذ في الاتساع داخل الولايات المتحدة، يتمثل في استخدام الأدوات القانونية والأمنية لإعادة تعريف النشاط السياسي حول فلسطين باعتباره تهديدًا أمنيًا، لا ممارسة ديمقراطية مشروعة.
وبينما يسعى خليل للحصول على تعويض بقيمة 20 مليون دولار تقدّم به في شكوى إدارية خلال الصيف، تبرز قضيته كمثال صارخ على تقاطع السياسة والأمن والحقوق المدنية في سياق الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وكنافذة قد تفتح على مراجعة أوسع لدور المنظمات الخاصة في تشكيل السياسات الفدرالية الموجهة ضد الحركات المتضامنة مع فلسطين.
المصدر:
القدس