منذ نشأتها على أنقاض السكان الأصليين عام ثمانية وأربعين، فإن إسرائيل اتخذت من الإرهاب الذي مارسته عصابات "الهاغانا" و"الأرغون" و"ليحي" و"شتيرن" وسيلةً لتثبيت وجودها؛ بتهجير السكان من أرضهم، ومصادرة ممتلكاتهم، ما تسبّب في موجة نزوحٍ لمئات آلاف اللاجئين داخل فلسطين وإلى الدول المضيفة، بما وُصفت بالنكبة، وتأسست على إثرها "الأونروا" لرعايتهم وتوفير متطلبات بقائهم على قيد الحياة.
منذ ذلك الحين مرت إسرائيل بتحدياتٍ طرحت أمامها سؤال الوجود، كان السؤال الأول في السادس من أكتوبر عام ٧٣، عندما حطم الجيش المصري أسطورة "خط بارليف"، واقتربت غولدا مائير من استخدام سلاح يوم القيامة، وعاد السؤال مجددًا، وبحدةٍ أكبر، مع فارق قوتها وغطرستها في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، استخدمت إسرائيل خلاله سلاح الإبادة.
الرهاب الذي يرضع منه الإرهاب باقٍ ويتمدد، حتى بات عقيدةً تصوغ فكر وسلوك قادة الدولة المارقة، التي احتفلت قبل يومين بوصول الطائرة الألف من الجسر الجوي الأمريكي منذ السابع من أكتوبر، ونرى علامات تلك الحالة التي تستبد بها من خلال الانفلات والتفلت واستباحة الساحات في كلٍّ في غزة وسوريا ولبنان وصنعاء، في مروحةٍ تضيق وتتسع بالذرائع المتخلقة من حالة الرهاب التي لم تعد فقط حالةً نفسية، كما يقول المحللون، بل تعيد تشكيل عقيدة إسرائيل في التحدي والاستجابة، وفي الفعل ورد الفعل.
"الخطأ في عدم الضرب أخطر من الخطأ في الضرب"، تلكم هي العقيدة الجديدة المتولدة من الرهاب الذي تَعزّزَ بعد هجوم السابع من أكتوبر، وهو المرض الذي يُبقيها في حالة تعبئةٍ على مدار الساعة، تعيش على حد السيف وداخل الدبابة، وتنام بعينٍ نصف مغمضة.
لن تبرأ إسرائيل من رهابها، ولن يتوقف إرهابها، ولن تنام ملء جفونها، ما لم تغادر غرورها وغطرستها وفائض قوتها، وتجد من يردعها ويعاقبها ويكبح جماح جنونها الذي يُعمّق رهابها، ويضرها أكثر مما ينفعها.
المصدر:
القدس