تتمدّد مأساة الحرب في السودان على خط واحد من الفاشر إلى كوستي ثم تعبر الحدود إلى تشاد، حيث تتقاطع حكايات الناجين في مسار واحد تحكمه الهشاشة والخوف والجوع.
وعلى وقع انهيار متسارع للخدمات وعجز المخيمات عن استيعاب الفارّين، يروي النازحون فصول الهروب الطويل الذي لا ينتهي، بينما تصدح تحذيرات المنظمات الدولية من كارثة إنسانية تزداد قتامة كل يوم.
ومن مخيم طويلة شمالي دارفور ينقل الطاهر المرضي جانبا من المشهد القاتم، إذ تصل آلاف العائلات بعد رحلة شاقة جائعة ومنهكة، بلا مأوى ولا دواء.
وتختزل شهادات النساء عمق الفاجعة، إذ تحدثت جميلة إسماعيل عن بحثها عن ابنها بين الجثث بعد هجوم مفاجئ خلّف السوق غارقا في الدماء.
وتتحول مدينة طويلة الصغيرة إلى مركز طوارئ مكتظ بالوافدين الجدد، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن الفارين من قراهم تحت وقع العنف والهجمات.
وتروي إحدى النازحات كيف تعرّضت رفقة آخرين للضرب والانتهاكات قبل أن تنجو بعائلتها إلى المخيم بحثا عن الأمن والطعام.
الأزمة تتفاقم وعلى الرغم من تعزيز اللجنة الدولية للصليب الأحمر استجابتها الإنسانية وتقديم مساعدات لأكثر من 60 ألف نازح، فإن الأزمة تتجاوز قدرات المنظمات على المواكبة.
ويؤكد أحد مسؤولي الصليب الأحمر أن آلاف العائلات تصل يوميا في وضع صعب، منهكة وجائعة، وبعضها مصاب أو مريض أو فقد ذويه، بينما تعمل الفرق الميدانية بلا توقف في محاولة لتخفيف معاناتهم.
ويمتد خطّ النزوح من طويلة إلى كوستي في ولاية النيل الأبيض، حيث يعرض المرضي مشهدا آخر للاكتظاظ في "مخيم جوز السلام" الذي يضم أكثر من 10 آلاف نازح يعيشون في خيم متلاصقة تروي كل واحدة منها فصلا من الألم.
وتؤكد إحدى النازحات أنها تقيم مع أطفالها بلا مأوى يليق بالبشر، وتواجه الليل والمرض والسهر الطويل بدون قدرة على تغيير المصير.
ومن السماء تبدو المخيمات كمساحات مكتظة بلا نهاية، خيم ضيقة تتجاور فيها القصص، بعضها مرويّ والآخر ينتظر من يسجّله، هكذا يختتم الطاهر المرضي تقريره من كوستي.
غير أن رحلة العذاب لا تنتهي عند حدود السودان، إذ تنتقل الكاميرا إلى مخيم "تلم" شرقي تشاد، حيث يروي اللاجئون القادمون من الفاشر فصولا جديدة من المعاناة.
وتحكي فاطمة كيف غادرت مع أسرتها سيرا على الأقدام لأيام طويلة، تحمل أطفالها ووالدها المريض، بحثا عن أمان مفقود وماء نادر.
لكن الوصول إلى تشاد لم يعنِ نهاية الألم، إذ تشير المنظمات الإنسانية إلى وصول نحو 10 آلاف لاجئ منذ سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر.
وتتحول أزمة اللجوء إلى واقع يومي تتضاعف تحدياته مع نقص حاد في التمويل، ما يدفع المنظمات إلى العمل بأدنى الإمكانات، وعجز متزايد عن توفير الغذاء والمأوى والدواء.
ويؤكد أحد مسؤولي الإغاثة أن أكثر من 40 ألف لاجئ في المخيمات بلا مأوى ولا دعم طارئ، بينما لا يتجاوز ما يحصل عليه الفرد من المياه 4 لترات يوميا، وهو أقل بكثير من الحدّ الأدنى المطلوب للبقاء.
وفي مشهد يعكس عمق الأزمة، تصطف طوابير طويلة أمام نقاط توزيع المياه، حيث ينتظر اللاجئون ساعات للحصول على كمية تكفي بالكاد للاستخدام اليومي.
وهكذا تتقاطع حكايات النازحين داخل السودان مع اللاجئين خارجه في مشهد واحد، تشكّل فيه رحلة الهروب من الموت بداية لمعاناة جديدة، تتوزع بين جوع طويل وعطش لا يرحم، وبين مخيمات مكتظة وموارد شحيحة لا تكسر دائرة الألم الممتدة من دارفور إلى تشاد.
المصدر:
القدس