د. عمار دويك: الهيئة تنظر إلى إعادة طرح القانون بإيجابية لكنها تخشى تكرار سيناريو التجميد في اللحظات الأخيرة كما حدث سابقاً
عصام حج حسين: الحكومة تعهدت بجعل القانون جزءاً من مسار الإصلاح وهو يشكّل شرطاً أساسياً لانضمام فلسطين لمبادرة الحكومة المنفتحة
ناصر أبو بكر: القانون من أهم التشريعات التي ترسي قواعد الشفافية ومحاربة الفساد وسيشكل ركيزة أساسية في عملية الإصلاح المؤسسي
شيرين الخطيب: أهمية بالغة للقانون لأنه يقوم على مبدأ "الإفصاح الأقصى عن المعلومات" كقاعدة تنظّم العلاقة بين المواطن والهيئات العامة
فادي عباس: القانون احتياج مجتمعي ووطني وإقراره يساهم في تعزيز الشفافية والرقابة العامة والحوكمة الرشيدة في إدارة الشأن العام
أمجد الشلة: إقرار القانون ضرورة دستورية ونقابة المحامين تلعب دوراً محورياً لتسريع إقراره كونه ينسجم مع تطلعات الشارع الفلسطيني
أشرف أبو حية: المسودة الحالية شهدت تحسينات لكنها لا تزال تتضمن نقاطاً حسّاسة أهمها "العمود الفقري للقانون" وهو باب الاستثناءات
يعود مشروع قانون حق الحصول على المعلومات ليتصدر النقاشات النقابية والقانونية والحقوقية في فلسطين، مع تجدد المساعي لإقراره بعد سنوات طويلة من التعطّل.
ويوضح مسؤولون ونقابيون وحقوقيون شاركوا في نقاشات حول مسودة القانون، في أحاديث منفصلة لـ"القدس"، أن هذه النقاشات تأتي في ظل قناعة واسعة بأن القانون يشكل إحدى الركائز الأساسية في مسار الإصلاح وبناء منظومة تقوم على الشفافية تُخضع الشأن العام للمساءلة.
وتؤكد الأطراف المشاركة في الحوارات القانونية أن القانون لا يشكّل مجرد خطوة إجرائية، بل أداة جوهرية تضمن للمواطن والصحفي والباحث إمكانية الوصول المنظم إلى المعلومات، ما يساهم في رفع جودة النقاش العام وتعزيز الرقابة على أداء المؤسسات، مشددين على أهمية ضبط الاستثناءات، وأن يكون القانون واضحاً في نصوصه.
تعثّر متكرر منذ أكثر من 17 عاماً
يؤكد مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" د.عمار دويك أن قانون حق الحصول على المعلومات لا يزال يواجه تعثّراً متكرراً منذ أكثر من 17 عاماً، رغم اعتباره مطلباً وطنياً إصلاحياً أساسياً، وركيزة لتعزيز الشفافية والحكم الرشيد في فلسطين.
ويوضح دويك أن النقاش حول القانون بدأ فعلياً منذ عام 2008، ومنذ ذلك الحين عملت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة على إعداد مسودات مختلفة.
لكن، وفق دويك، كانت عملية المصادقة تتوقف عند المراحل النهائية دون أسباب واضحة، ما أدى إلى تجميد جميع المحاولات السابقة.
ويشير إلى أنه في عام 2018 جرى التوصل إلى مسودة مشتركة لمشروع القانون بالتوافق بين الهيئة المستقلة والحكومة ونقابة الصحفيين، ورفعت تلك المسودة إلى مجلس الوزراء، لكنها جُمّدت أيضاً.
ويلفت دويك إلى أن حكومة د.محمد اشتية أعادت طرح مسودة جديدة عام 2023، لكنها كانت مختلفة عن تلك التي اتُّفِق عليها في 2018، وقدمت الهيئة المستقلة ملاحظات عليها، قبل أن يتوقف العمل بها مجدداً.
ويبيّن دويك أن الحكومة الحالية برئاسة د.محمد مصطفى نشرت مؤخراً مسودة جديدة "قريبة جداً من مسودة 2018"، معتبراً أنها بشكل عام مسودة جيدة لا تتطلب سوى تعديلات طفيفة قدّمتها الهيئة.
ويؤكد دويك أن الهيئة تنظر إلى إعادة طرح القانون بإيجابية، لكنها تخشى تكرار سيناريو التجميد في اللحظات الأخيرة كما حدث سابقاً.
ويشدد على أن قانون حق الحصول على المعلومات يُعد "متطلباً أساسياً لحرية الإعلام"، وضرورة لتعزيز الشفافية والمساءلة في العمل الحكومي والمؤسسات الرسمية.
ويؤكد دويك أن الهيئة المستقلة طالبت الحكومة الحالية منذ تشكيلها بالمضي قدماً في اعتماد القانون وإحالته للرئيس لإقراره ونشره والعمل به.
ويرى دويك أن الأمل ما زال قائماً بأن يتم استكمال الإجراءات هذه المرة، بما يسمح بوصول فلسطين إلى تشريع حديث يضمن حق المواطنين والصحفيين في معرفة المعلومات، ويعزز ثقة الجمهور بالمؤسسات الرسمية.
استحقاق إصلاحي متأخر
يؤكد المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" عصام حج حسين أن قانون الحق في الحصول على المعلومات يشكّل استحقاقاً إصلاحياً متأخراً تعمل عليه مؤسسات المجتمع المدني منذ عام 2006، لكنه ما زال يواجه عقبات تعرقل إقراره النهائي رغم مرور نحو عقدين على المطالبة به.
وبحسب حج حسين، فإن النسخة التي جرى التوافق عليها في عام 2018 بين مؤسسات المجتمع المدني وهيئة مكافحة الفساد والهيئة المستقلة وديوان الرقابة المالية والإدارية ومؤسسة الحكومة في حينه، تعطّلت بفعل ممانعات داخل الحكومة آنذاك، ما أدى إلى تجميد مسار إقرار القانون.
ويشير إلى أن نسخة أُخرى صيغت في زمن الحكومة السابقة، لكنها قوبلت بـ"رفض واسع" من مؤسسات المجتمع المدني لأنها "تتناقض مع الهدف الأساسي للقانون".
ومع تشكيل الحكومة التاسعة عشرة برئاسة د.محمد مصطفى، يوضح حج حسين أن الحكومة تعهدت بجعل القانون جزءاً من مسار الإصلاح، مؤكداً أن النسخة الحالية وُضعت على منصة وزارة العدل لاستقبال الملاحظات، ثم عُقد لقاء موسع دعت إليه وزارة العدل وهيئة مكافحة الفساد لمناقشة المسودة مع المؤسسات المختصة، وجرى خلاله التوافق على مجموعة من الملاحظات التي يجري رفعها رسمياً عبر المنصة.
ويبيّن حج حسين أن الحكومة تتجه إلى إنهاء المرحلة الأخيرة من النقاش "مع نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري أو مطلع كانون الأول/ ديسمبر المقبل"، لافتاً إلى أن المسودة ستُرفع بعد ذلك إلى الرئيس وفق الآلية المتّبعة في ظل غياب المجلس التشريعي، ومن ثم المصادقة عليه من قبل الرئيس.
ويشدد حج حسين على أهمية القانون بوصفه حقاً أساسياً للمواطن الفلسطيني، خصوصاً أن المعلومات المتعلقة بالشأن العام والمال العام والسجلات العامة ملكٌ للمواطن وحقه الطبيعي الاطلاع عليها.
ويشير إلى أن القانون ضروري لتفعيل منظومة المساءلة في ظل غياب المجلس التشريعي، إذ لا يمكن ممارسة الرقابة المجتمعية دون إتاحة المعلومات، فضلاً عن كونه حجر الزاوية في تعزيز الشفافية التي التزمت الحكومة بالنهوض بها.
ويوضح حج حسين أن إقرار القانون يشكّل شرطاً أساسياً لانضمام فلسطين إلى مبادرة الحكومة المنفتحة (Open Government)، وأن المطالب الدولية بالإضافة إلى حملات الضغط المحلية تجعل من إقراره خطوة إصلاحية لا يمكن تجاوزها.
وفيما يتعلق بالملاحظات الأساسية على المسودة الحالية، يلفت حج حسين إلى أربع نقاط مركزية: صياغة الاستثناءات حيث أن هناك اعتراض للمؤسسات على استخدام عبارة (بما يشمل) في نهاية قائمة الاستثناءات، لأنها توحي بأن القائمة مفتوحة وغير محصورة، وطالبت المؤسسات باستبدالها بعبارة "على سبيل التحديد" مع تحديد الاستثناءات بشكل صريح ومغلق.
وبحسب حج حسين، فإن هناك معارضة على المصطلحات الفضفاضة حيث تتضمّن المسودة عبارات واسعة مثل "الأمن الوطني" والاقتصاد القومي" و"المصلحة العامة" دون تعريف، ما يمنح الجهات الرسمية "سلطة تقديرية قد تُستخدم لتقييد المعلومات".
وهناك تعارض التشريعات، إذ إن إحدى مواد المسودة تمنح الأفضلية لقوانين المؤسسات على حساب قانون الحق في المعلومات عند حدوث تعارض، وهو ما وصفه حج حسين بأنه "مخالفة تشريعية"، مشيراً إلى أن الأصل هو أن يُعد قانون المعلومات مرجعية تُوائم جميع القوانين الأخرى معها.
ومن ضمن الاعتراضات، وفق حج حسين، غياب قانون الأرشيف الوطني، مشدداً على ضرورة وجود قانون للأرشيف يحدد السجلات والمعلومات بأنواعها، من وثائق وخرائط ومواد رقمية، لتسهيل تصنيفها بين مباح ومستثنى، معتبراً أن غياب هذا القانون يحد من فعالية تطبيق الحق في المعلومات.
ويشير حج حسين إلى أن القانون بمسودته الحالية خلا من عقوبات إدارية واكتفى بالعقوبات المالية في حال امتنع الموظف دون أسباب قانونية عن تقديم المعلومة وفقاً للقوانين المرعية.
ويؤكد أنه من أجل أن يكون القانون فاعلاً يجب أن تكون المعلومات: صحيحة ودقيقة، ومنشورة في الوقت المناسب، ومتاحة بطريقة يسهل على المواطن الوصول إليها، وصادرة عن الجهة المختصة والرسمية.
كما يؤكد حج حسين أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة، وأن مستقبل القانون رهن قرار الرئاسة بعد رفع المسودة إليها، مشدداً على أن إقراره يشكّل خطوة إصلاحية جوهرية تتوافق مع التزامات الحكومة وخططها الإصلاحية الممتدة حتى عام 2026.
بداية النقاش حول القانون قبل نحو ٢٠ عاماً
يؤكد نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر أن النقابة كانت من أوائل المؤسسات التي شاركت في صياغة المسودة الأولى لقانون حق الحصول على المعلومات، وفي الحوارات الواسعة التي جرت مع مؤسسات المجتمع المدني والحقوقية والإنسانية والصحفيين حول هذا المشروع.
ويشير أبو بكر إلى أن بداية النقاش حول القانون تعود إلى نحو عشرين عاماً، حين طُرح لأول مرة في المجلس التشريعي عام 2005، إلا أن الانقسام السياسي وما تلاه من تعقيدات حال دون حسم إقراره، ثم أُعيد طرحه بعد عام 2011 دون أن يصل إلى نتيجة نهائية حتى اليوم.
ويلفت إلى أن جهوداً جديدة تقودها هيئة مكافحة الفساد لإعادة تحريك الملف داخل الحكومة الحالية، موضحاً أن الهيئة شرعت بحوارات معمقة مع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات ذات العلاقة، وفي مقدمتها نقابة الصحفيين ونقابة المحامين.
وبحسب أبو بكر، فإن النقابة حضرت الاجتماع الأول الذي عقد مؤخراً مع هذه المؤسسات، وأن لديها رؤية واضحة حول القانون وأهميته.
وفي هذا السياق، يلفت أبو بكر إلى أن النقابة استعانت خلال السنوات الماضية بأهم خبير دولي في مجال تشريعات حق الحصول على المعلومات، وهو توبي ماندل، المعروف بمشاركته في صياغة غالبية قوانين حرية المعلومات في دول العالم، إضافة إلى عمله مع صندوق النقد الدولي.
ويوضح أن الخبير الدولي زار فلسطين في عهد رئيس الحكومة السابق د.رامي الحمد الله، واطّلع على مسودة القانون، كما التقى في حينه وزير العدل السابق د.علي أبو دياك الذي كان يتابع الملف.
ويشير أبو بكر إلى أن النقابة أرسلت النسخة الجديدة من المسودة لماندل، وأن اجتماعاً سيعقد معه يوم 27 من الشهر الجاري، بمشاركة الاتحاد الدولي للصحفيين، لتقديم رؤيته المكتوبة حول المسودة بما يتوافق مع الواقع الفلسطيني، تمهيداً لعرضها على لجنة الصياغة.
ويؤكد أن القانون بات اليوم غاية في الأهمية لتعزيز الشفافية وضمان الحق في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الرسمية، مشدداً على أن تأخر فلسطين في إقراره أدى إلى فجوة كبيرة، إلا أن إنجازه في هذا التوقيت يُعد خطوة ضرورية.
ويوضح أبو بكر أن وجود القانون يسهم في الحدّ من الشائعات، ويضمن الحصول على المعلومة من مصدرها، ويلزم جميع مؤسسات الدولة بإتاحة المعلومات للمواطنين والصحفيين على حد سواء، مشيراً إلى أنه دعا خلال الاجتماعات الرسمية إلى ضرورة الإسراع في حسم القانون وعدم إضاعة المزيد من الوقت، لافتاً إلى وجود مؤشرات جدية لدى الحكومة نحو إقراره.
ويبيّن أبو بكر أن القانون سيخضع للقراءات الثلاث داخل الحكومة، قبل رفعه إلى رئيس دولة فلسطين لإصداره بقرار بقانون، معتبراً أن مشروع القانون يتواءم مع خطة الإصلاح الشاملة، ويعد من أهم التشريعات التي ترسي قواعد الشفافية ومحاربة الفساد، مؤكداً أن إقراره سيشكل ركيزة أساسية في عملية الإصلاح المؤسسي الجارية في فلسطين.
"الإفصاح الأقصى عن المعلومات"
تؤكد القائم بأعمال مدير عام مركز "مدى" للحريات الإعلامية شيرين الخطيب أن إقرار قانون حق الحصول على المعلومات في فلسطين بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، في ظل الظروف السياسية والإدارية الراهنة، وضغوط الإصلاح ومطالب تعزيز الشفافية.
وتوضح أن جوهر هذا القانون يقوم على مبدأ "الإفصاح الأقصى عن المعلومات"، باعتباره القاعدة التي تنظّم العلاقة بين المواطن والهيئات العامة، بحيث تصبح هذه الهيئات مُلزَمة بالكشف عن المعلومات لكل فرد دون إعاقة.
وبحسب الخطيب، فإن إلزامية النشر الاستباقي للمعلومات تُعدّ أحد أعمدة القانون الأساسية، إذ لا يقتصر الحق على تلبية طلبات الأفراد، بل يتطلب أن تقوم المؤسسات العامة بنشر المعلومات التي تهم الجمهور وتمس مصالحه من تلقاء نفسها.
وترى الخطيب أن هذا التوجه يساهم في تعزيز سياسة الانفتاح الحكومي، ويحد من ثقافة السرية التي ما زالت متجذرة داخل العديد من المؤسسات.
وتشدد الخطيب على أن وجود قانون واضح من شأنه أن يساهم في تضييق نطاق الاستثناءات، بحيث تكون محددة وموضوعية، وخاضعة لاختبارات الضرر والمصلحة العامة، بما يضمن تلبية كل طلب للحصول على المعلومات ما لم يقع ضمن تلك الاستثناءات المحددة.
وتؤكد الخطيب أهمية تسهيل وصول المواطنين للمعلومات عبر تحديد سقف زمني واضح للرد، وإتاحة مراجعة مستقلة في حال الرفض، مع الالتزام بتقديم أسباب الرفض خطياً، وضمان أن تكون تكاليف الحصول على المعلومات بسيطة وغير معيقة.
وتطرقت الخطيب إلى أهمية أن يتضمن القانون نصاً يُلزم بفتح الاجتماعات العامة للجمهور، لضمان معرفة المواطنين ما يُتخذ من قراراتٍ نيابة عنهم، مع السماح بإغلاقها فقط لوجود أسباب كافية.
وحول توقيت طرح القانون، توضح الخطيب أن فلسطين تمر بمرحلة حساسة من الإصلاح السياسي والإداري، تحت ضغط محلي ودولي لتعزيز المساءلة وبناء الثقة، مشيرة إلى أن إقرار القانون يعدّ أحد أبرز استحقاقات الإصلاح، خاصة بعد التزامات السلطة الوطنية ضمن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وتؤكد أن وجود القانون مهم أيضاً في ظل الأزمات الراهنة، سواء الحرب أو الأزمات الاقتصادية، إذ تحتاج المؤسسات والإعلام إلى الوصول للمعلومات بسرعة وموثوقية.
وتشير الخطيب إلى أن المؤسسات الإعلامية والحقوقية شاركت في سنوات سابقة في صياغة مسودة موحدة للقانون، لكن نسخة أُخرى كانت في طريقها للإقرار لم تتطابق مع ما تم التوافق عليه، ما دفع هذه المؤسسات لإيقافها، قبل أن تتعطل الجهود بسبب الحرب على غزة، لكن نسخة جديدة رُفعت مؤخراً على منصة وزارة العدل وُفتح المجال لتقديم الملاحظات عليها حتى الثالث والعشرين من الشهر الجاري، وسوف تقدم المؤسسات جميعها ملاحظاتها عليها، وبعد ذلك من أجل العمل على إقرارها.
مطلب مجتمعي وحقوقي قديم ومتجدد
يؤكد نقيب المحامين الفلسطينيين فادي عباس أن قانون الحق في الحصول على المعلومات يُعد مطلباً مجتمعياً وحقوقيا قديماً ومتجدداً، يرتبط بشكل أساسي بتعزيز منظومة الشفافية والرقابة والحوكمة الرشيدة في إدارة الشأن العام، وبناء علاقة ثقة بين المواطن والمؤسسات العامة والمشتغلة في الشأن العام.
ويقول عباس: "إن قانون الحق في الوصول إلى المعلومات احتياج مجتمعي ووطني، وإقراره يساهم في تعزيز الشفافية والرقابة العامة والحوكمة الرشيدة في إدارة الشأن العام، ونريد أن يكون مخرج هذا القانون وأصله العام الحق في الوصول إلى المعلومات، والاستثناء تقييده".
ويوضح أن أهمية هذا القانون تنبع من دوره في ضمان انفتاح المؤسسات على المجتمع، وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات التي تشكل قاعدة أساسية للمساءلة وتعزيز الثقة العامة.
ويشير عباس إلى أن توقيت طرح مسودة القانون في المرحلة الحالية يراعي ما أعلنت عنه الحكومة ضمن برامجها لتعزيز الشفافية لكن من المهم التأكد أنه يستجيب للممارسات الفضلى ذات العلاقة.
ويبيّن أن القانون المطروح حالياً للنقاش يشكل امتداداً لمطلب مجتمعي قديم، لكنه يتجدد بفعل الحاجة المتزايدة لضمان الحق الدستوري في الوصول إلى المعلومات في ظل التحديات الراهنة.
ويشير نقيب المحامين إلى أن نقابة المحامين شاركت في جلسة نقاش مخصصة لمراجعة مسودة القانون، حيث إن النقابة تعمل حالياً على إعداد ملاحظاتها المكتوبة حول مسودة مشروع القانون بهدف تقديم رؤية حقوقية تسهم في تطويره وضمان ملاءمته للمعايير الدستورية والممارسات الفضلى في هذا الشأن.
ويشدد عباس على أن إقرار القانون بات ضرورة ملحة، خصوصاً في السياق الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال، ما يجعل من الحق في المعلومات جزءاً أصيلاً من منظومة الحقوق الدستورية المرتبطة بحرية الرأي والتعبير.
ويوضح أن إقرار هذا القانون يمثل التزاماً مجتمعياً ووطنياً بالدرجة الأولى، ويرفع منسوب المشاركة المجتمعية في المسائل التي بطبيعتها مرتبطة في الشأن العام.
ويؤكد عباس أن الأصل في هذا التشريع هو الوصول إلى المعلومة، وأن الاستثناء هو تقييد هذا الحق وفق ضوابط محددة وواضحة ومعقولة، مشيراً إلى أن هذا المبدأ يجب أن يكون حجر الأساس في أي صياغة نهائية للقانون.
ويشدد نقيب المحامين على أن إقرار قانون حق الحصول على المعلومات من شأنه رفع مستوى الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة، ويعزز ثقة الجمهور بها، إلى جانب تمكين الصحفيين والباحثين والمهتمين من الوصول إلى المعلومات من مصادرها، بما يساعد في مواجهة تحديات المرحلة، ويدعم بناء منظومة قانونية أكثر انفتاحاً وعدالة في المجتمع الفلسطيني.
ضرورة دستورية ترتبط بحقوق أساسية
يؤكد أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين المحامي أمجد الشلّة أنّ العمل على إقرار قانون حق الحصول على المعلومات لم يعد مجرد مطلب قانوني، بل ضرورة دستورية ترتبط بحقوق أساسية كفلتها مواد القانون الأساسي الفلسطيني، وعلى رأسها المواد (10 و19 و26)، التي أرست مبدأ حرية الرأي والتعبير، وحق المواطن في الوصول إلى المعلومات العامة، وممارسة نشاطه السياسي دون قيود.
ويوضح الشلّة أن هذه المواد الدستورية رسمت بوضوح حقوقاً جوهرية لا يمكن لأي نظام ديمقراطي الاستغناء عنها، مؤكداً أن الشفافية السياسية والإدارية تتطلب تمكين المواطن من الوصول إلى المعلومة الدقيقة والصحيحة، باعتبارها الركيزة الأولى لبناء رأي واعٍ ومستنير، يسهم في تعزيز المشاركة العامة وصناعة القرار على أسس علمية وواضحة.
ويشير إلى أنّ القواعد الدستورية الوطنية تتكامل مع الالتزامات الدولية التي انضمت إليها فلسطين، وبشكل خاص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن حق الإنسان في التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها، وهو ما يجعل تشريع هذا القانون استحقاقاً قانونياً لا يقبل التأجيل.
ويشدد الشلّة على أن غياب قانون ينظم تداول المعلومات يسهم في اتساع مساحة الشائعات والمناكفات، سواء على مستوى الأفراد أو في ساحات الإعلام والصحافة، ما يؤدي إلى خلط الحقائق وتضليل الرأي العام.
ويشير إلى أن توفير المعلومات من مصادرها الرسمية بشكل مُعلن وواضح سيجعل كل فرد مسؤولاً عن أقواله ومواقفه أمام المجتمع والقانون، ويغلق الباب أمام التأويلات غير الدقيقة.
ويبيّن الشلة أن نقابة المحامين الفلسطينيين تلعب دوراً محورياً في الضغط على صناع القرار من أجل تسريع إقرار هذا القانون، باعتباره جزءاً من مسار إصلاحي شامل ينسجم مع تطلعات الشارع الفلسطيني ومبادئ سيادة القانون.
ويلفت الشلة إلى أن مشروع القانون مطروح منذ عام 2008، لكن إجراءات إقراره تأخرت بشكل كبير، رغم كونه مطلباً شعبياً وقانونياً ملحّاً.
ويشير إلى أن نقابة المحامين شاركت بعدد من اللقاءات والندوات والنقاشات حول هذا القاتون، خلال السنوات الماضية، وتدعم بكل جهودها من أجل إقرار القانون بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني.
ويؤكد الشلّة أن إقرار قانون حق الحصول على المعلومات يمثل خطوة أساسية لترسيخ الديمقراطية والشفافية، ويعزز ثقة المواطنين بالمؤسسات الرسمية، ويمهد لبناء بيئة سياسية وإدارية أكثر انفتاحاً ورقابة ومساءلة.
افتقار المشهد التشريعي لاستراتيجية واضحة
يوضح المستشار القانوني لمؤسسة "الحق" أشرف أبو حية أن النقاش الذي يجري حالياً حول قانون الحق بالحصول على المعلومات ليس جديداً، إذ تعود بداياته إلى عام 2013 حين طُرحت مسودات عدة تعثّر معظمها بفعل تغيّرات سياسية وأولويات حكومية متبدلة، ما أدى إلى توقف الجهود خلال السنوات الماضية.
ويشير أبو حية إلى أن إعادة طرح مشروع القانون تزامنت مع تشكيل حكومة د.محمد مصطفى، التي وضعت ضمن أجندتها "سلة من القوانين والتشريعات" المرتبطة بملف الإصلاح، من بينها قانون الجرائم الإلكترونية، وحماية البيانات، والتبليغ الإلكتروني، والمعاملات والتوقيع الإلكتروني، وقانون الحصول على المعلومات.
غير أنّ المشكلة الجوهرية، بحسب أبو حية، تكمن في افتقار المشهد التشريعي لاستراتيجية واضحة، في ظل غياب المجلس التشريعي المكلّف أصلاً بصياغة وإقرار التشريعات.
ويشير أبو حية إلى أن المادة 43 من القانون الأساسي، التي تتيح للرئيس إصدار قرارات بقانون في غياب المجلس التشريعي، تحوّلت من استثناء مؤقت إلى قاعدة مستمرة بفعل غياب الانتخابات، ما أوجد حالة من "الازدواجية والفوضى التشريعية".
ويبيّن أبو حية أن بعض القوانين تصدر من الحكومة وتُرفع للرئاسة، فيما تصدر قوانين أُخرى مباشرة من الرئاسة دون علم الحكومة أو المجتمع المدني، وتُكتشف فور نشرها في وسائل الإعلام.
ويلفت إلى وجود قوانين تُناقَش مع المؤسسات المدنية دون الأخذ بأي من ملاحظاتها، فيما توصف أخرى بالسرية فلا يعرف أحد عنها إلا عند صدورها.
وفيما يتعلق بالمسودة الحالية لقانون الحق في الحصول على المعلومات، يؤكد أبو حية أنها شهدت تحسينات مقارنة بمسودة عام 2023، إلا أنها لا تزال تتضمن "نقاطاً حسّاسة" تتعلق بالتعريفات وصلاحيات الجهات المختصة والمفوضية، إضافة إلى ما وصفه بـ "العمود الفقري للقانون": باب الاستثناءات.
ويرى أن الإشكالية تكمن في المعايير الضبابية المتعلقة بالمعلومات المحجوبة، رغم أن المبدأ العالمي يقوم على الإتاحة العامة والاستثناء المحدود للمعلومات ذات الطابع الأمني الحساس أو المتعلق بالنظام العام والخصوصية.
ويؤكد أن المؤسسات الحقوقية عقدت اجتماعاً موحداً لإعداد ملاحظات مكتوبة ستقدم لرئاسة الوزراء ووزارة العدل، لضمان عدم إقرار القانون بصيغته الحالية التي قد تُبقي على مساحات واسعة لحجب المعلومات دون مبرر، الأمر الذي يحدّ من قدرة الصحفيين والباحثين والجمهور على الوصول إلى المعلومات الدقيقة من مصادرها.
ويشير أبو حية إلى وجود إرادة حكومية لإقرار القانون، لكنه يشدد على ضرورة إدخال تعديلات جوهرية تطالب بها مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والمؤسسات ذات الصلة، بحيث تضمن وضوح المعايير والحد من الاستثناءات، حتى لا يتحول القانون إلى أداة شكلية تعيد إنتاج الأزمة بدل حلّها.
المصدر:
القدس