د. صادق الخضور: عقد الامتحان الإلكتروني لأول مرة في تاريخ الوزارة كان محوراً أساسياً في إنقاذ عامين دراسيين
أ. محمد مسالمة: الوزارة عملت على تشكيل لجان فنية ومتخصصة لتذليل العقبات أمام الطلبة والنتائج فاقت التوقعات
أ. علي نعيرات: المدارس الافتراضية بدأت كفكرة تبدو "ضربًا من الخيال" في ظل الإبادة لكن بالإصرار صنعنا المستحيل
أ. جودت صيصان: تسجيل "الغياب" لطلبة قدّموا الامتحانات إخفاق خطير يطعن في عدالة التقييم ما قد يفقد جزءاً من تكافؤ الفرص
المعلمة خلود العموري: النتائج الإيجابية أكدت عدم ذهاب الجهد المبذول سدى وأن التعليم الافتراضي كان طوق نجاة لطلبة غزة
المعلم أحمد أبو عمرة: العمل مع طلبة يعيشون حربًا يومية كان تحديًا حقيقيًا لكن رؤية نجاحهم منحت التجربة معناها الكامل
المعلمة سمية فؤاد: رسالة إنسانية ووطنية قبل أن تكون مهمة تعليمية وهناك سعادة بأن تكون جزءًا من رحلة نجاح "طلبة تحدّوا المستحيل"
المعلم عماد زواهرة: الطلبة واجهوا ظروفهم القاسية بتحدٍّ وإصرارٍ لافتين وتكيّفوا مع التعليم عن بُعد بكفاءة عالية رغم كل العوائق
المعلم أنس بني عودة: مستوى الطلبة تجاوز التوقعات في ظل بيئة تعليمية مليئة بالتحديات أبرزها انقطاع الإنترنت وتعثر التواصل
في سابقةٍ هي الأولى من نوعها، استطاعت وزارة التربية والتعليم العالي انتشال عامين دراسيين كاملين لطلبة الثانوية العامة في قطاع غزة، عبر عقد امتحانٍ إلكترونيّ شكّل تحولًا مفصليّاً في حماية حقّ التعليم خلال الحرب، وإنقاذ جيل، وصناعة نجاح تحت النار.
ويؤكد مسؤولون ومعلمون وخبراء، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن هذه التجربة الاستثنائية عكست إصرارًا واضحًا على التعلّم، وقدرة لافتة على استثمار التعليم الافتراضي والمدارس الرقمية في ظل غياب التعليم الوجاهي.
وعكست مشاهد الفرح التي عمّت غزة لحظة إعلان النتائج حجم الإنجاز التربوي والإنساني الذي تحقق؛ نجاحات وُلدت من بين الركام، وشهادات حملت معها قصص صمود طلبة درسوا وسط النزوح والخيام وانقطاع الكهرباء والاتصال.
نموذج غير مسبوق في الإصرار على حماية حق التعليم
يؤكد الناطق باسم الوزارة والوكيل المساعد للشؤون الطلابية د. صادق الخضور أن عقد امتحانات الثانوية العامة لطلبة غزة من مواليد 2006 و2007، يمثّل نموذجًا غير مسبوق في الإصرار على حماية حق التعليم، وإنقاذ مستقبل عشرات الآلاف من الطلبة الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع غير مسبوق.
وبحسب الخضور، فإنّ الوزارة نجحت في "إنقاذ عامين دراسيين كاملين لطلبة الثانوية العامة في قطاع غزة"، حيث تقدّم 27 ألف طالب من مواليد 2006 وقرابة 30 ألفاً من مواليد 2007 للامتحانات، بعد حرمانهم من التقدّم للاختبارات بشكل اعتيادي خلال فترة الحرب.
ويوضح الخضور أنّ عقد الامتحان الإلكتروني لأول مرة في تاريخ الوزارة كان محوراً أساسياً في إنجاز امتحانات الثانوية العامة وإنقاذ عامين دراسيين كاملين، إذ جرى تطوير نظام برمجي خاص وبنك أسئلة متقدم، يضمن ظهور نماذج مختلفة داخل المادة ذاتها للطلبة، بحيث لا تتطابق الأسئلة حتى بين شقيقين يجلسان في المنزل نفسه.
ويبيّن أنّ هذه المنظومة اعتمدت على منصة "إي سكول" بالتعاون مع جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن، فيما استكمل 90% من الطلبة موادهم التعليمية عبر مدارس افتراضية كان يُدرّس فيها معلمون من الضفة الغربية في ساعات المساء وعطلات نهاية الأسبوع، رغم الظروف الصعبة وضغط الوقت. ويوجه الخضور التحية للمعلمين والمعلمات الذين شاركوا في هذا الجهد الاستثنائي، مؤكدًا أنهم أدوا دورًا تربويًا ونفسيًا إلى جانب الدور الأكاديمي.
ويوضح الخضور أن الامتحان الإلكتروني صُمّم للعمل "أونلاين" و"أوفلاين" في الوقت ذاته، بحيث يمكن للطالب مواصلة الإجابة حتى لو انقطع الإنترنت، ويجري الربط لاحقاً عند عودته. ورغم التحديات التقنية التي واجهت بعض الطلبة، يؤكد الخضور أنّ الوزارة استطاعت حل غالبية الإشكالات، بما فيها ربط بيانات أكثر من 800 طالب من دفعة 2006 ظهرت نتائجهم في دفعة 2007.
وبحسب الخضور، فقد اجتاز نحو 57 ألف طالب وطالبة الامتحانات في الدورتين، فيما تستعد الوزارة لعقد دورة استكمالية خلال الشهر المقبل، لمن لم يتمكنوا من التقدّم بسبب الظروف الراهنة، وفق إعلان وزير التربية والتعليم العالي د. أمجد برهم.
ويؤكد الخضور أن نسبة النجاح كانت "مُرضية جدًا"، وأن عدداً كبيراً من الطلبة حققوا معدلات مرتفعة تجاوز بعضها 90%، مشددًا على أن هذه النتائج جاءت ثمرة مثابرة الطلبة الذين عاشوا عامين من النزوح والخوف وفقدان المنازل، ومع ذلك حافظوا على الأمل وتمسّكوا بالتعليم كخيار مصيري.
ويشير إلى أن مشاهد الفرح التي عمّت غزة عند إعلان النتائج "كانت على أنقاض البيوت المدمرة"، لكنها عكست قدرة طلبة القطاع على تجاوز الألم وصناعة إنجاز رغم كل العوامل القاهرة.
ويعتبر الخضور أن عقد الامتحان في تلك الظروف هو بحد ذاته إنجاز وطني وأخلاقي قبل أن يكون مهمة وظيفية.
وعن أثر هذا الإنجاز، يؤكد الخضور أن آلاف الطلبة باتوا الآن مؤهلين للالتحاق بالجامعات في غزة، ما يسهم في إعادة الحياة إلى المؤسسات الأكاديمية التي تأثر حضورها بسبب الحرب.
ويشدد الخضور على أن التعليم الجامعي في غزة يعتمد بدرجة كبيرة على التعليم الإلكتروني، ورغم التحديات يبقى الالتحاق بالدراسة خيارًا أفضل من بقاء الطلبة دون تعليم.
ويؤكد أنّ الوزارة تواصل جهودها لتوفير منح دراسية خارجية لطلبة غزة متى أُتيح لهم الخروج عبر معبر رفح، مشيرًا إلى أن الوزارة خلال العامين الماضيين، خصصت نسبًا كبيرة من المنح للطلبة الغزيين في الخارج.
التجربة الإلكترونية.. أساس للتحوّل في نظام الثانوية العامة
ويتوقف الخضور عند التجربة الإلكترونية، مشيرًا إلى أنها قد تشكّل أساسًا للتحوّل المستقبلي في نظام الثانوية العامة، حيث يجري العمل على تطوير منظومة تقييم حديثة تعتمد على مصادر التعلّم المفتوح وتقليل مركزية الامتحان التقليدي، وخاصة مع اعتماد نظام التوجيهي الجديد.
ويوضح أن التجربة الاستثنائية في غزة ساعدت الوزارة على اختبار بنك الأسئلة وتنوّع النماذج وآليات الربط الإلكتروني، ما قد يسمح مستقبلًا بعقد امتحانات محوسبة داخل قاعات مجهزة بالحواسيب بدل الهواتف المحمولة.
ويلفت إلى أن الوزارة تأمل أن تسمح الظروف بتقديم امتحانات مواليد 2008 نهاية العام الدراسي الجاري، وجاهيًا وفق الآلية الطبيعية المتّبعة قبل الحرب.
ويشدد الخضور على أن الإصرار على استكمال امتحانات الثانوية العامة في غزة لم يكن مجرد خيار إداري، بل "قرار وطني لحماية مستقبل جيل كامل".
ويوجه الخضور التحية لذوي الطلبة الذين دعموا أبناءهم في ظل النزوح والظروف الإنسانية القاسية، وللمعلمين الذين تابعوا الطلبة يوميًا وقدموا لهم الدعم المعنوي، مؤكدًا أن هذه الروح الجماعية هي التي صنعت هذا الإنجاز التربوي الاستثنائي.
نجاح بكل المقاييس نظرًا للظروف غير المسبوقة
يؤكد مدير عام الامتحانات في وزارة التربية والتعليم، أ. محمد مسالمة، أن عقد امتحانات الثانوية العامة لطلبة قطاع غزة هذا العام يُعد "نجاحًا بكل المقاييس"، نظرًا للظروف غير المسبوقة التي يعيشها القطاع في ظل الحرب والإبادة الجماعية وتدهور الأوضاع المعيشية.
ووفق مسالمة، فإن مجرد التمكن من تنفيذ الامتحان في هذا السياق يعد إنجازًا للوزارة وللجان الامتحانات العامة، التي اتخذت قرارًا مبكرًا بإجراء الامتحانات رغم توقف التعليم لعامين كاملين.
ويوضح مسالمة أن الوزارة عملت منذ اللحظة الأولى على تشكيل لجان فنية ولجان متخصصة مهمتها الأساسية تذليل العقبات أمام الطلبة، سواء في الجوانب التقنية أو الأكاديمية أو التنظيمية، لضمان عقد الامتحان في مرحلتين؛ الأولى لطلبة 2006 والثانية لطلبة 2007.
ويعتبر مسالمة أن النتائج التي ظهرت كانت "مبشرة ورائعة وفاقت كل التوقعات"، وهو ما يعكس حجم الجهد الذي بُذل من جميع الأطراف.
ويبيّن مسالمة أن الصعوبات التي واجهت العملية التعليمية كانت كبيرة، وعلى رأسها النزوح المستمر للطلبة نتيجة القصف، وفقدان الاستقرار في أماكن الإقامة، إلى جانب انقطاع الإنترنت والكهرباء خلال فترات التسجيل والامتحانات، ما شكّل تحديًا حقيقيًا أمام الطلبة والوزارة على حد سواء.
وبحسب مسالمة، فإنه رغم ذلك، عملت الوزارة على تشكيل فريق دعم فني متخصص تولّى الاستجابة لكل المشكلات التي واجهت الطلبة، حيث كان الطالب أو الطالبة يتواصل مباشرة مع الفريق ليصار إلى حل مشكلته ومتابعة تقديم الامتحان دون تعطّل.
ويوضح أن تضافر الجهود بين الوزارة، واللجان المختصة، وطواقم الدعم الفني، مكّن من عقد الامتحانات للعامين معًا، مشيرًا إلى أن النتائج تؤكد نجاح التجربة رغم تعقيداتها.
ويقول مسالمة: "ما تحقق هذا العام ليس مجرد امتحان، بل شهادة على قدرة منظومتنا التعليمية على الصمود، وقدرة طلبتنا على تجاوز أخطر الظروف، والنتائج كانت خير دليل على ذلك".
حالة فريدة من الأمل وسط الركام
يؤكد منسّق التعليم لطلبة قطاع غزة، أ. علي نعيرات، أن الإنجاز التعليمي الذي تحقق لطلبة غزة خلال العامين الماضيين يمثّل "حالة فريدة من الأمل وسط الركام"، وشعور كبير لا يوصف من الفرحة بعد تمكّن نحو 60 ألف طالب وطالبة من استكمال مرحلة الثانوية العامة والتهيؤ للالتحاق بالجامعات، رغم الحرب وانقطاع الكهرباء والاتصال وتدمير البنية التحتية، فهذا الإنجاز والشعور بالنجاح في ضمان مستقبل هؤلاء الطلبة "لا يوصف".
ويقول نعيرات: "أنْ تزرع الأمل في قلوب أطفال مزّقتها الحرب وصوت القنابل، هو شعور لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، لقد رأينا بأعيننا كيف يتشبث الطلبة بحقهم في الحياة والتعليم، وكيف جعلوا من المستحيل ممكنًا".
ويشير نعيرات إلى أن الطلبة في غزة سطروا "أروع آيات التحدي والصمود"، بعد أن تمكنوا من تجاوز مرحلة تعدّ الأكثر حساسية في حياة الشباب الفلسطيني، مؤكدًا ثقته بأنهم سينجحون في استكمال تعليمهم الجامعي والتخصص في المجالات التي يحلمون بها.
ويتطرق نعيرات إلى تجربة المدارس الافتراضية، لافتاً إلى أنها بدأت كفكرة تبدو "ضربًا من الخيال"، في ظل حرب شاملة دمّرت السيرفرات وقواعد البيانات وقطعت الكهرباء والاتصال والإنترنت، إضافة إلى عدم وجود أي وسيلة لمعرفة مواقع الطلبة أو التواصل المنظم معهم، لكن بالإصرار صنعنا المستحيل ليصبح واقعاً.
ويقول نعيرات: "عندما بدأنا جمع البيانات، وملفات الطلبة، والتحقق من هوياتهم، كيانات كاملة كانت منهارة، وكثيرون قالوا إن التجربة لن تنجح، ولكن بإصرارنا وإصرار الطلبة نجحنا".
ويوضح أن ما تحقق في غزة يتجاوز تجارب دول عديدة عانت الحروب والانهيارات، مثل سوريا والسودان، رغم أن هذه الدول تمتلك مؤسسات تعليمية عريقة متجذرة، مؤكداً أن التجربة الفلسطينية أثبتت أن "شغف طلبة غزة بالعلم أقوى من القصف والدمار".
ويشير نعيرات إلى مشاهد مؤثرة رافقت العملية التعليمية، حيث كان الطلبة يتلقّون دروسهم في المدارس الافتراضية بينما كنا نسمع دوي القنابل وصوت الطائرات خاصة الزنانة في الأجواء، ومع ذلك ظل الطلبة مصرّين على إكمال دروسهم ومتابعة تعليمهم، معتبرًا أن ذلك "دليل قاطع على أن المستقبل يُصنع بالإرادة لا بالظروف".
قدرة الطلبة على الانتصار للإرادة التعليمية
يؤكد الخبير التربوي ومدير مركز "يوسمارت" للتدريب أ. جودت صيصان أن نتائج الثانوية العامة في قطاع غزة خلال عام 2025 تجاوزت كونها مؤشراً رقمياً معتاداً، لتتحول إلى شهادة حيّة على قدرة الطلبة على الانتصار للإرادة التعليمية في قلب الإبادة الشاملة التي يعيشها القطاع منذ عامين.
وبحسب صيصان، فإن التجربة برمتها "لم تكن امتحاناً دراسياً فقط، بل معركة وعي وإصرار خاضها عشرات الآلاف من الطلبة وسط الدمار، وباعتماد شبه كامل على المدارس الافتراضية والامتحانات الإلكترونية".
ويوضح أن نجاح الطلبة في هذا الظرف القاسي منح ملف التوجيهي بعداً وطنياً يتجاوز حدود العملية التعليمية، بعدما امتزجت دموع الفرح بنتائجهم بدموع الحزن على الأنقاض التي درس كثير منهم فوقها.
ويشدد صيصان على أن هذا الإنجاز الإنساني لا يمكن أن يحجب الحاجة المُلحّة لمراجعة معمقة لضمان موثوقية التقييم وعدالته المستقبلية.
ويشير صيصان إلى أن تقييم "توجيهي غزة" هذا العام ينقسم إلى بُعدين: إنساني وأكاديمي؛ففي البعد الإنساني، تمثل قصة الطالبة ليلى القدرة، الحاصلة على معدل 96% رغم النزوح المتكرر والدراسة في خيمة، نموذجاً مكثفاً لما وصفه بـ"المجد الإنساني".
ويعتبر صيصان أن هذه القصص تشكل في جوهرها وثائق صمود نفسي واجتماعي، مؤكداً أن "التحصيل في غزة لم يعد مجرد قياس للحفظ، بل فعل مقاومة حضارية في وجه محاولة تدمير مستقبل جيل كامل".
وفي البعد الأكاديمي، يحذر صيصان من التهديدات التي أفرزها الاعتماد الاضطراري على الامتحانات الإلكترونية في بيئة تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية.
ويصف صيصان مشكلة تسجيل "الغياب" لطلبة قدّموا الامتحانات فعلياً -وهي مشكلة أقرت بها الوزارة- بأنها "إخفاق خطير يطعن في عدالة التقييم".
ويشير صيصان إلى أن نتائج الطلبة باتت مرهونة بعوامل خارجة عن إرادتهم كاستقرار الكهرباء، أو قربهم من نقاط الإنترنت، ما قد يفقد الامتحانات جزءاً من تكافؤ الفرص بين جميع المتقدمين.
.. من مرحلة "الإنقاذ" إلى خطة تعافٍ هيكلية
ولضمان استدامة الشهادة الفلسطينية واعترافها عالمياً، يدعو صيصان إلى الانتقال من مرحلة "الإنقاذ" إلى خطة تعافٍ هيكلية ترتكز على محورين: الأول هو الحصانة التقنية والإجرائية، ويتضمن اعتماد برامج امتحان إلكتروني بميزة الحفظ التلقائي، وفصل عملية الإجابة عن الإرسال، إضافة إلى إنشاء ملف توثيق إنجاز مشفر يوقعه الطالب رقمياً كدليل قانوني في حال تعطل النظام. ويدعو صيصان إلى آلية سريعة للتحقيق الفني في الشكاوى ومنح المتضررين حق إعادة الامتحان فوراً أو اعتماد إجاباتهم المحلية.
أما المحور الثاني بحسب صيصان، فيركز على البنية التعليمية، عبر دمج التقييم التكويني بالأبحاث والمشاريع ضمن منظومة الثانوية العامة (التوجيهي)، وإنشاء مراكز امتحان آمنة ومجهزة بالطاقة والإنترنت المستقر، إلى جانب منح جامعية وبرامج قبول مرنة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي مرّ بها الطلبة.
ويشدد صيصان على أن طلبة غزة أثبتوا أنهم "جيل لا يُقهر بالجهل"، لكن مسؤولية حماية هذا الإنجاز تقع على صانعي القرار لضمان نظام تقييم عادل يفتح أمامهم طريقاً آمناً نحو مستقبلهم الأكاديمي.
مستوى الطلبة كان ممتازًا رغم التحديات القاسية
توضح المعلمة خلود العموري، إحدى المدرسات في المدارس الافتراضية لطلبة غزة، أن تجربة التعليم الإلكتروني لطلبة الثانوية العامة من قطاع غزة كانت تجربة فريدة، مؤكدة أن مستوى الطلبة كان ممتازًا رغم التحديات القاسية التي فرضتها الظروف الميدانية.
وتشير إلى أن الطلبة الذين تمكنوا من الحضور المنتظم أو متابعة الحصص المسجلة عبر الصفحات المخصصة أظهروا قدرة واضحة على مواكبة المواد، وهو ما انعكس على أدائهم في الامتحانات.
وتشدد العموري على أنها حرصت مع بداية فترة المراجعات على تهدئة الطلبة ودعمهم نفسيًا، مؤكدة لهم أن طبيعة الامتحان ستكون منسجمة مع نمط امتحانات الثانوية العامة، حتى لا يشعروا بالرهبة أو الضغط النفسي. وتشير العموري إلى أن هذا الأسلوب ساعد الطلبة على الدخول إلى الامتحانات بثقة أكبر.
وبعد صدور النتائج، تشير العموري إلى أنها تلقت عشرات رسائل الشكر والتقدير من الطلبة الذين عبّروا عن سعادتهم ورضاهم عن مستوى المساعدة التي قدمتها، مؤكدة في الوقت ذاته أن العديد من الطلبة لاحظ أن الأسئلة جاءت ضمن التوقعات التي تم شرحها مسبقًا.
وتلفت العموري إلى وجود بعض الملاحظات في صياغة عدد من الأسئلة أو الإجابات، إضافة إلى مشكلات الإنترنت التي واجهها الطلبة خلال تقديم الامتحانات إلكترونيًا.
وفي حديثها عن شعورها تجاه دورها في تمكين الطلبة من اجتياز امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، تؤكد العموري أنها تشعر بـ"فخر كبير ومسؤولية مزدوجة"، مشيرة إلى أن رؤية النتائج الإيجابية والرسائل التي تلقتها شكّلت تأكيدًا على أن الجهد المبذول لم يذهب سدى، وأن التعليم الافتراضي كان طوق نجاة حقيقيًا لطلبة غزة في واحدة من أصعب مراحلهم التعليمية.
التزام استثنائي وقدرة على متابعة الدروس
يؤكد المعلم أحمد أبو عمرة، أستاذ الجغرافيا وأحد المدرسين في المدارس الافتراضية، أن مستوى طلبة التعليم الإلكتروني في غزة جاء "مرتفعًا بشكل لافت" مقارنة بالظروف القاسية التي عاشوها خلال الحرب، مشيرًا إلى أنهم أظهروا التزامًا استثنائيًا وقدرة على متابعة الدروس رغم الانقطاع المتكرر للكهرباء وضعف الاتصال بالإنترنت.
وبحسب أبو عمرة، فإن أداء الطلبة في التفاعل والمهمات الدراسية عكس "جدية صريحة" ورغبة حقيقية في التعويض وتثبيت مستواهم الأكاديمي، موضحًا أن كثيرين منهم تجاوزوا التوقعات لأنهم تعاملوا مع التعليم الافتراضي باعتباره "مسارًا إنقاذيًا وليس بديلًا مؤقتًا".
وعن توجيهاته للطلبة قبل الامتحانات، يوضح أبو عمرة أنه حرص على رفع معنوياتهم وتثبيت ثقتهم بأنفسهم، مذكّرًا إياهم بأن الجهد الذي يبذلونه في هذه الظروف يعادل أضعاف الجهد الطبيعي، وأن الامتحانات ستراعي واقعهم القاسي.
ويشير أبو عمرة إلى أنه أكد للطلبة منذ البداية أن صمودهم سيكون نقطة مضيئة في حياتهم، وأن هذه المرحلة الصعبة ستتحول إلى ذكرى بينما يبقى الإنجاز علامة فارقة لا تُنسى.
ويلفت إلى أن ما عبّر عنه الطلبة بعد صدور النتائج كان مؤثرًا للغاية؛ إذ رأوا في نجاحهم أكثر من مجرد علامات، بل دليلاً على قدرتهم على تجاوز كل محاولات الانكسار. ويوضح أبو عمرة أن كثيرًا منهم اعتبر الدراسة وسط الحرب وسيلة للبقاء، وأن لحظة رؤية النتائج عززت شعورهم بأن تعبهم لم يذهب سدى، بل صنع لديهم ثقة أكبر بأنفسهم وقدرتهم على المواصلة.
ويصف أبو عمرة شعوره تجاه هذا الدور بأنه مزيج بين المسؤولية والالتزام، معتبرًا أن العمل مع طلبة يعيشون حربًا يومية كان تحديًا حقيقيًا، لكن رؤية نجاحهم منحت التجربة معناها الكامل.
ويشدد أبو عمرة على أن ما قدّمه لم يكن مجرد تعليم، بل دعم مباشر لاستمرار الطلبة وتمسكهم بمستقبلهم، مؤكدًا أن نجاحهم يثبت أن التعليم قادر على الصمود حتى في أقسى الظروف.
رسالة إنسانية ووطنية قبل أن تكون مهمة تعليمية
تؤكد المعلمة سمية فؤاد، وهي إحدى معلمات المدارس الافتراضية، أن تجربة التعليم الإلكتروني خلال الفترة الأخيرة كشفت عن مستوى "مميز ولافت" لطلبة غزة، الذين استطاعوا مواجهة ظروف شديدة القسوة دون أن يتراجعوا عن هدفهم في النجاح.
وبحسب المعلمة سمية فؤاد، فإن الطلبة أظهروا عزيمة عالية وقدرة كبيرة على التكيف، وكانوا يتابعون الدروس باهتمام ويطرحون الأسئلة ويجتهدون وكأنهم داخل قاعة صفية حقيقية، رغم الفارق الكبير بين الواقع الافتراضي والبيئة المدرسية التقليدية.
وتوضح فؤاد أنها قبيل الامتحانات ركزت على تعزيز ثقة الطلبة بأنفسهم، وحثّهم على استثمار كل دقيقة في المراجعة الهادئة، مؤكدة لهم أن الجهد الذي يبذلونه لن يضيع، وأن الظروف التي مرّوا بها ليست عادية، ولذلك فإن نجاحهم سيكون "استثنائيًا".
وتشير فؤاد إلى أنها كانت تخاطب الطلبة دائمًا بعبارة: "أنتم أقوى مما تظنون"، في محاولة لتخفيف الضغط النفسي عنهم وسط أحداث الحرب.
وبعد صدور النتائج، تشير المعلمة سمية فؤاد إلى أنها تلقت رسائل مليئة بالامتنان والفخر من الطلبة، الذين شاركوها فرحتهم واعتبروا أن إحساسهم بالإنجاز تجاوز فكرة العلامات، لأنهم أثبتوا قدرتهم على الصمود والوصول إلى مرحلة التفوق رغم كل العقبات.
وتلفت إلى أن كثيرًا من الطلبة أكّدوا أن الدعم المعنوي الذي قدمه فريق التعليم الافتراضي لعب دورًا أساسيًا في ثباتهم خلال فترة الامتحانات.
وتعبّر فؤاد عن شعورها تجاه هذه التجربة، واصفة إياه بأنه مزيج من الفخر والامتنان، معتبرة العمل مع طلبة غزة رسالة إنسانية ووطنية قبل أن يكون مهمة تعليمية، معربة عن سعادتها بأن تكون جزءًا من رحلة نجاح "طلبة تحدّوا المستحيل".
وتشدد فؤاد على أن كل إنجاز حققه الطلبة منحها يقينًا بأن الجهد المبذول لم يذهب سدى، وأن أثر المعلم في مثل هذه اللحظات يظل من أعمق ما يمكن أن يعيشه في حياته المهنية.
تفاعل الطلبة فاق التوقعات وكأنهم داخل صفوف حقيقية
يؤكد المعلم عماد زواهرة، معلم الرياضيات في المدارس الافتراضية، أن مستوى طلبة غزة كان "فوق الجيد جدًا"، مشيرًا إلى أن تفاعلهم خلال الحصص كان يفوق التوقعات، وكأنهم داخل صفوف حقيقية لا عبر شاشة.
وبحسب زواهرة، فإن الطلبة واجهوا ظروفهم القاسية بـ"تحدٍ وإصرار لافت"، وتمكنوا من التكيف مع التعليم عن بُعد بكفاءة عالية، رغم كل العوائق التقنية والميدانية.
ويوضح زواهرة أن الطلبة أظهروا رغبة صادقة في التعلم وقدرة واضحة على تعويض الفجوات التعليمية، مؤكدًا أن رسائل الدعم والتشجيع كانت حاضرة دائمًا خلال فترة التحضير للامتحانات.
ويشير زواهرة إلى أن الفريق التعليمي ركز على ثلاث رسائل أساسية للطلبة: الثقة بالنفس، وتنظيم الوقت، والمراجعة الذكية بالاعتماد على مصادر التعلم المتاحة دون قلق، مع التأكيد أن الامتحان هو اختبار للإرادة بقدر ما هو اختبار للمعرفة.
وبعد صدور النتائج، توافدت على زواهرة اتصالات ورسائل شكر وعرفان من الطلبة، وصلت إلى حد طلب بعضهم توقيعه على رسائل توصية شخصية، تعبيرًا عن تقديرهم للدور الذي قام به.
ويقول زواهرة: "إن الطلبة رأوا أن تجربة التعليم الافتراضي، رغم صعوبتها، أصبحت (نقطة قوة) صقلت مهاراتهم في الاعتماد على النفس والبحث الذاتي".
ويؤكد زواهرة أنه يشعر بـ"رضا تام وسعادة مطلقة" لمشاركته في تمكين الطلبة من إنجاز امتحانات الثانوية العامة في غزة، معتبرًا النجاح الذي حققوه "عرسًا وطنيًا" أثبت قدرتهم على الصمود وتجاوز المستحيل.
شهادة حيّة على قدرة طلبة قطاع غزة على التميز
يؤكد المعلم أنس بني عودة، أحد معلمي التربية الإسلامية في المدارس الافتراضية المخصّصة لطلبة غزة، أن تجربة التعليم الإلكتروني خلال العام الدراسي كانت "شهادة حيّة على قدرة طلبة قطاع غزة على التميز رغم أقسى الظروف الإنسانية والتقنية".
ويوضح بني عودة أن مستوى الطلبة كان لافتًا، وأن أداءهم تجاوز التوقعات في ظل بيئة تعليمية مليئة بالتحديات، أبرزها انقطاع الإنترنت وتعثر التواصل في كثير من الأوقات.
ويشير بني عودة إلى أن الطلبة أظهروا منذ البداية قدرًا كبيرًا من الانضباط والإصرار والمرونة، وتمكنوا من التأقلم مع نمط التعليم الافتراضي بسرعة لافتة، مستفيدين من الأدوات التقنية المتاحة إلى أقصى حد ممكن. وبحسب بني عودة، فإن مشاركة الطلبة النشطة واستعدادهم المستمر عكس رغبتهم الصادقة في النجاح وتحدي الواقع الصعب الذي يعيشونه.
وعن مرحلة ما قبل الامتحانات، يشير بني عودة إلى أن تركيزه كمعلم كان على تعزيز الثقة داخل الطلبة وطمأنتهم بأن جهودهم لن تذهب سدى، مؤكدًا لهم أن الامتحان فرصة لإبراز قدراتهم لا سببًا للخوف، كما تم تشجيعهم على إدارة الوقت، والمراجعة الذكية، والاعتماد على الله ثم على أنفسهم في مواجهة لحظة الاختبار.
أما بعد صدور النتائج، فيوضح بني عودة أن ردود الطلبة كانت عفوية ومفعمة بالامتنان والفخر، إذ عبّر كثير منهم عن سعادتهم بقدرتهم على إثبات أنفسهم رغم كل التحديات، وأكدوا أن الدعم الذي تلقوه عبر المنصات – من الوزارة وإدارة المدارس والدعم الفني والمعلمين – كان ركيزة أساسية في وصولهم إلى هذه النتائج.
ويشدد على أنه يشعر بفخر كبير لمساهمته في تمكين الطلبة من تحقيق حلم النجاح في التوجيهي، معتبرًا ذلك "من أسمى التجارب المهنية والإنسانية".
ويشير بني عودة إلى أن رؤية ثمار الجهد المشترك بين الطالب والمعلم والعائلة "لحظة لا تُنسى وشرف تربوي ووطني يستحق كل تعب وبذل".
المصدر:
القدس