الحدث الإسرائيلي
أثارت تسريبات نُشرت في يديعوت أحرونوت مخاوف جدّية داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بعد أن رُسمت صورة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بوصفه مستعداً لتقديم تنازلات خطيرة قد تمسّ بالأمن القومي، فقط كي يتجنّب أي التزام علني بحل الدولتين. وبحسب الصحيفة، فإن النقاشات الأخيرة داخل المؤسسة العسكرية انشغلت بالاتفاق الذي تعمل عليه السعودية والولايات المتحدة، والذي يتضمن بنوداً غير مسبوقة في مجال التسليح. وتشير الصحيفة إلى أن مسؤولين كباراً في جيش الاحتلال ووزارة جيش الاحتلال عبّروا خلال الأسابيع الماضية عن قلق بالغ من معلومات وصلت إلى تل أبيب، تفيد باستعداد واشنطن لبيع الرياض عدداً ضخماً من مقاتلات F-35 المتطورة. وخلال اجتماع عُقد لمناقشة الملف، اتفق المشاركون على أن تلك الصفقة تشكّل “خطراً واضحاً وفورياً على التفوّق النوعي لسلاح الجو الإسرائيلي”، وأنه لو كان القرار بيدهم لكان ينبغي رفضها من الأساس. وتضيف يديعوت أحرونوت أن خبراء قانونيين تابعين لوزارة جيش الاحتلال أبدوا شكوكاً في أن الصفقة قد تنتهك ما يُعرف بحزمة القوانين الأميركية الخاصة بحماية “التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل”، والتي تُلزم واشنطن بالتشاور مع تل أبيب وتزويدها بقدرات رديفة أو مطوّرة تحافظ على الفارق التكنولوجي لصالحها.
ومع ذلك، توضح المعلومات التي وصلت إلى أجهزة الأمن أن الحكومة الإسرائيلية مستعدة للتنازل عن اعتراضها، مقابل تنازل سعودي في الملف الفلسطيني، وهو الشرط الذي حال حتى اليوم دون إتمام الاتفاق وبناء علاقات دبلوماسية بين البلدين. وبحسب أحد المسؤولين الذين تحدثوا للصحيفة، فإن نتنياهو “مستعد الآن للتخلّي عن جزء جوهري من التفوّق الجوي للجيش، شرط أن يضمن التطبيع دون الحاجة إلى قول كلمة واحدة عن حل الدولتين”. مسؤول عسكري بارز أضاف أن “ما يجري هو مسّ خطير بالجيش، تماماً كما جرى في ملف الأسرى، حين كانت الحكومة مستعدة للتخلي عن أوراق تفاوضية بالغة الأهمية فقط حتى لا تدخل السلطة الفلسطينية إلى الصورة. المهم ألا يُغضب نتنياهو قاعدته الرافضة لأي حديث عن دولة فلسطينية”.
وتكشف يديعوت أحرونوت أن أوائل المؤشرات ظهرت قبل نحو شهرين، من خلال محادثات مع مسؤولين أميركيين ورجال أعمال مطّلعين على ما يجري في الرياض، تفيد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتزم المصادقة على “صفقة سلاح تاريخية” بين واشنطن والسعودية، تتضمن أيضاً النسخة الأحدث والأكثر تطوراً من طائرات F-35. وأثار هذا التطور نقاشات متتابعة داخل سلاح الجو ووزارة جيش الاحتلال، وسط تحذيرات من أن امتلاك السعودية لهذه المنظومة قد يهدد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في أجواء المنطقة إذا وصلت المنظومة إلى أيدٍ معادية مستقبلاً.
وترى الصحيفة أن الولايات المتحدة معنية بالصفقة لأنها تساعد في تمويل مشروع F-35 الباهظ والمثير للجدل، بينما تسعى السعودية للحصول على اتفاق دفاعي مع واشنطن وتراخيص لمشروع نووي مدني، وهو ملف تقول الصحيفة إن نتنياهو مستعد أيضاً للتغاضي عن اعتراض إسرائيل عليه. أما تل أبيب، فترى في التطبيع مع السعودية إنجازاً تاريخياً لنتنياهو، “وربما المركبة التي سيستغلها في طريقه إلى الانتخابات المقبلة”، على حد وصف أحد مصادر الصحيفة. لكن السبب الذي حال دون إتمام الاتفاق حتى اليوم كان الرفض الإسرائيلي لأي تقدّم في الملف الفلسطيني.
فحتى 7 أكتوبر، كانت الرياض تطالب بخطوات ملموسة دون اشتراط جدول زمني لإقامة دولة فلسطينية، لكن بعد الحرب على غزة، رفعت السعودية سقف مطالبها واشترطت التزاماً إسرائيلياً كاملاً بحل الدولتين ضمن جدول واضح وثابت. وتقول يديعوت أحرونوت إن ترامب يحاول الآن هندسة اتفاق يمنح كل طرف ما يريده: للسعوديين اتفاق دفاعي ومقاتلات متقدمة، ولإسرائيل تطبيعاً دون أي التزام سياسي تجاه الفلسطينيين. غير أن نتنياهو، الذي “يمسك أوراقه قريباً من صدره” وفق تعبير الصحيفة، لا يطلع المؤسسة العسكرية على تفاصيل ما يجري.
ورغم ذلك، تستند التقديرات داخل الجيش ووزارة جيش الاحتلال إلى أن نتنياهو مستعد للموافقة على بيع 50 مقاتلة F-35 للسعودية، وربما 100 طائرة، مقابل تخفيف أو إسقاط المطالب السعودية المتعلقة بحل الدولتين. كما تشير الصحيفة إلى أن نتنياهو يطلب التزاماً سعودياً بالتنسيق مع إسرائيل في ملف غزة، وتخلي الرياض عن مواقفها المتعلقة بمرحلة “اليوم التالي للحرب”، بما يتناسب مع مواقف حكومته.
وفي تعليق لافت، حذّر مسؤول أمني كبير للصحيفة من أن الخطر لا يكمن في التطبيع نفسه، بل في مستقبل النظام السعودي: “اليوم ليس هناك احتمال أن تعلن السعودية الحرب على إسرائيل، لكن ماذا لو تغيّر النظام؟ ماذا لو وصلت هذه الأسلحة إلى أيدٍ مختلفة؟”. ويرى المصدر أن ما يحدث ليس حدثاً منفصلاً، بل “تجسيد جديد للهيمنة الأميركية الكاملة على الأمن القومي الإسرائيلي”، موضحاً أن إسرائيل أصبحت “رهينة لمزاج واشنطن، سواء قررت أن تقاتل أو لا تقاتل، وأن نتنياهو لا يملك قول شيء أمام صفقات سلاح تضر مباشرة بأمن إسرائيل… المهم لديه أنه تلقّى رسالة من ترامب يطلب فيها العفو”.
المصدر:
الحدث