آخر الأخبار

التصعيد بالضفة.. كُتّاب ومحللون ينتقدون الصمت الدولي إزاء جرائم المستوطنين

شارك

جهاد حرب: واشنطن والعواصم الغربية تتدخل غالبًا لحماية إسرائيل من ارتدادات سلوكها على الرأي العام الدولي

نهاد أبو غوش: هناك قصور داخلي لمواجهة ما يجري والحل يبدأ بتوحيد الموقف الفلسطيني تجاه القضايا الجادة

سليمان بشارات: واشنطن تمنح إسرائيل نافذة زمنية مفتوحة لفرض "مستقبل الدولة اليهودية" قبل أي تحولات دولية أو إقليمية

عدنان الصباح: تصريحات مسؤولين أمريكيين حول الضم لا تعني الرفض الدائم بل تترك هامشاً لإسرائيل لفرض الوقائع

نعمان توفيق العابد: حكومة الاحتلال تمنح المستوطنين الضوء الأخضر لفرض وقائع على الأرض لتقليل الأمل في حل الدولتين

سامر عنبتاوي: الحديث الدولي عن السلام والاعترافات بالدولة دون إجراءات توقف الوقائع الإسرائيلية يُعدّان ضمن دائرة التجميل السياسي



تتسارع التطورات في الضفة الغربية في ظل موقف دولي يتسم باللامبالاة تجاه سياسات الاحتلال، إذ تُمنح إسرائيل هامشًا واسعًا لمواصلة التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وتهجير السكان، بينما يقتصر التدخل الغربي على الاحتواء الإعلامي والشعبي فقط دون فرض عقوبات أو قيود فعلية.

ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن التغييرات الميدانية التي يجري تنفيذها من قبل إسرائيل تهدف إلى إعادة تشكيل الضفة جغرافياً وسياسياً، مع فصل التجمعات الفلسطينية وفرض معازل واستحواذ على الأراضي الاستراتيجية، ما يجعل أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافياً أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.

وفي مواجهة هذا الواقع، يرى الكتاب والمحللون والمختصون أن الحل يبدأ داخليًا عبر توحيد الموقف الفلسطيني، وتصعيد الضغط الشعبي والسياسي، وإعادة بناء استراتيجية وطنية شاملة، إذ إن أي انتظار لتدخل خارجي أو موقف دولي فعال يبقى محدود الأثر وغير قادر على وقف تسارع المشاريع الإسرائيلية الاستيطانية.


الموقفان الأمريكي والدولي المتسمان باللامبالاة


يؤكد مدير مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي، الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب، أن الموقفين الأمريكي والدولي المتسم باللامبالاة تجاه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية "ليس جديدًا"، بل يمثل سلوكًا متكررًا يقوم على التسامح الضمني مع سياسات الاحتلال، سواء تلك التي تمارسها قوات الجيش أو المستوطنون، طالما لم تتجاوز سقف الأحداث التي تثير رأياً عاماً عارمًا أو تنديدًا جماهيريًا واسعًا.

ويوضح حرب أنه لوحظ أن ردود الفعل الدولية لا تتحرك إلا عند "إراقة دم فلسطيني على نطاق واسع" أو عند صدور قرارات رسمية عن الحكومة الإسرائيلية أو الكنيست، لافتًا إلى أن غياب الضغط الفعلي على إسرائيل، وامتناع القوى الغربية عن فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات ملزمة، يعكس شبه موافقة على السلوك الإسرائيلي القائم على الأرض.

ويشير إلى أن التجربة الميدانية، وتحديدًا في قطاع غزة، أثبتت أن التدخل الغربي لا يحدث إلا بعد ارتفاع غير مسبوق في أعداد الضحايا، أو عند لجوء إسرائيل إلى أدوات حرب فجة مثل التجويع واسع النطاق والقتل الكثيف.

ويلفت حرب إلى أن المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية لا ينظران بعد إلى ما يحدث في الضفة الغربية بوصفه "خطرًا داهمًا"، ما يمنح الاحتلال هامشًا مفتوحًا لمواصلة سياساته "الصامتة" التي تشمل التوسع الاستيطاني، ومصادرة الأرض، والاعتداءات اليومية، وإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والجغرافي دون كوابح.

ويعتبر حرب أن واشنطن والعواصم الغربية تتدخل غالبًا ليس لردع إسرائيل، بل لحمايتها من ارتدادات سلوكها على الرأي العام الدولي، وخاصة حين يتحرك الشارع أو تتصاعد الحملات الشعبية الضاغطة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.


مفتاح التأثير الحقيقي في ضغط الشارع


ويؤكد حرب أن هذا النمط من السلوك يجب أن يكون واضحًا للفلسطينيين، إذ إن مفاتيح التأثير الحقيقية في الموقف الغربي تكمن في ضغط الشارع وقوة الاحتجاجات، وليس في المواقف الرسمية للحكومات.

ويبيّن حرب أن اللامبالاة الحالية تعني عمليًا منح إسرائيل "وقتًا مجانيًا" لإحداث تغييرات لا يمكن التراجع عنها لاحقًا، وبناء وقائع ميدانية تجعل أي عملية تفاوض مستقبلية بلا جدوى.

ويرى حرب أن الفلسطينيين اليوم "لا يمتلكون أدوات القوة الكافية لفرض تفاوض ملزم أو تنفيذ اتفاقات لاحقة"، في ظل التضخم المتسارع في أعداد المستوطنين، والانتشار العميق للمستوطنات، والهيمنة المتزايدة على الأرض، ما يجعل من الضفة الغربية مساحة يجري إعادة هندستها سياسيًا وجغرافيًا خارج أي أفق تفاوضي حقيقي.



الدعم الأمريكي أتاح تنفيذ مخططات الاستيطان


يؤكد الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش أن السياسات الأميركية الداعمة لإسرائيل، والتي ترافقت مع صمت دولي شبه كامل، منحت الحكومة الإسرائيلية الحالية الحرية الكاملة لتنفيذ مخططات استيطانية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وفرض واقع جديد في الضفة الغربية.

ويوضح أبو غوش أن أبرز هذه التحولات ظهرت خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث شملت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية، والتراجع عن اعتبار الاستيطان عقبة أمام السلام، وتبني صفقة القرن التي قلصت حقوق الفلسطينيين السياسية إلى حد الحقوق الإنسانية والمعيشية، وأتاحت لإسرائيل ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية عملياً. ويؤكد أبو غوش أن هذه السياسات ترافقت مع وقف الدعم عن الفلسطينيين ومحاولات تصفية قضية اللاجئين، فضلاً عن إبرام اتفاقيات السلام الإبراهيمية التي أعطت الأولوية للسلام الإقليمي، بينما تركت الشأن الفلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية وكأنه شأن داخلي إسرائيلي.

ويشير أبو غوش إلى أن الإدارة الأميركية، عبر تعيين السفير مايك هاكابي لدى إسرائيل والذي يتبنى مواقف صهيونية متطرفة، ورفع العقوبات عن مستوطنين متهمين بالتحريض على جرائم الحرب، أعطت ضوءاً أخضر عملياً لاستمرار عمليات الضم الفعلي، ومصادرة الأراضي، وتهجير المخيمات الفلسطينية، واستلاب صلاحيات السلطة الفلسطينية في مناطق واسعة من الضفة الغربية.

ويبيّن أبو غوش أن تصريحات المسؤولين الأميركيين، مثل مايك جونسون، التي اعتبرت المستوطنات جزءاً من "أرض الشعب اليهودي"، تؤكد التواطؤ الفعلي مع السياسات الإسرائيلية.

ويلفت أبو غوش إلى أن حالة اللامبالاة الدولية تعود إلى فظائع حرب الإبادة في غزة التي سيطرت على الاهتمام الإعلامي والدولي، وإلى العجز العربي نتيجة الانقسامات الداخلية والأزمات الاقتصادية والسياسية.

ويشير أبو غوش إلى قصور فلسطيني داخلي لمواجهة ما يجري يتمثل في ضعف العمل الوطني الجماعي، وانقسام الفصائل، وعدم وجود فعالية جماهيرية حقيقية لمواجهة الاستيطان والاعتداءات، موضحاً أن أي احتجاج فلسطيني داخلي لا يضاهي أصغر فعالية نظمها فلسطينيون في العواصم الأوروبية ضد حرب الإبادة.

ويؤكد أبو غوش أن الحل يبدأ بتوحيد الموقف الفلسطيني تجاه القضايا الجادة، بما في ذلك خطة ترامب والمشروع الأميركي في مجلس الأمن حول فرض قوة دولية في قطاع غزة بصلاحيات واسعة، واستثمار مخرجات اجتماعات الأمناء العامين، والبناء على موافقة حركة حماس على اتباع مجلس إدارة غزة للسلطة الفلسطينية، لإيجاد صياغة وطنية جامعة تمنع استمرار مخاطر الانقسام وتعزز القدرة على مواجهة السياسات الإسرائيلية على الأرض.


الضفة تدخل مرحلة غير مسبوقة


يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن الضفة الغربية تدخل مرحلة سياسية وميدانية غير مسبوقة، تقوم على معادلة جديدة تمنح إسرائيل حرية شبه مطلقة في فرض الوقائع، مدفوعة بإسناد أمريكي يقود الموقف الغربي، في مقابل تقليص ممنهج لمساحة الحياة الفلسطينية، بما يتعارض مع القوانين الدولية والإنسانية التي تكفل الحقوق المدنية الأساسية.

ويوضح أن المواقف الغربية التي كانت في العقود السابقة تطالب أحيانًا بلجم السياسات الإسرائيلية، تغيّرت اليوم إلى تسليم كامل بالواقع الذي تفرضه إسرائيل، لافتًا إلى أن السلوك الميداني للاحتلال ليس رد فعل ظرفيًا، بل هو خطة استراتيجية متسارعة لإعادة تشكيل الضفة وفق رؤية إسرائيلية شاملة، دون سقوف أو كوابح سياسية.


أربع دلالات رئيسية


ويحدد بشارات أربع دلالات رئيسية لهذا التحول: أولاها أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، لم يعد ينظر إلى الضفة الغربية كمساحة قابلة لإنتاج كيان سياسي فلسطيني، كما سُوِّق سابقًا ضمن حل الدولتين.

ثانية الدلالات وفق بشارات، أن واشنطن تمنح إسرائيل نافذة زمنية مفتوحة لفرض "مستقبل الدولة اليهودية" قبل أي تحولات دولية أو إقليمية يمكن أن تحدّ من قدرتها على الفعل، وكأن الرسالة الضمنية: افعلي الآن قبل أن تتغيّر موازين الضغط العالمية.

ويشير بشارات إلى أن ثالثة تلك الدلالات أن هناك انسجامًا أيديولوجيًا كاملاً بين اليمين الصهيوني الديني في إسرائيل واليمين الشعبوي المسيحي في الولايات المتحدة، ما يوفّر غطاءً للمشاريع الاستيطانية، حتى لو تعارض ذلك مع التصريحات الشكلية لبعض القادة الأمريكيين الذين أعلنوا سابقًا رفضهم للضم.

وبحسب بشارات، فإن رابعة تلك الدلالات أن إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر 2023، باتت تسوّق كل سياساتها كجزء من معادلة أمنية تستند إلى منع تكرار سيناريو غزة في الضفة الغربية، وتستخدم هذه الرواية لاستقطاب الدعم الدولي، وتحفيز المستوطنين لتسريع فرض الوقائع، وصولًا إلى ما يشبه "نقطة الحسم النهائي" لمستقبل الضفة وفق الرؤية الإسرائيلية.

من جانب آخر، يشدد بشارات على أن مواجهة هذا المشروع تبدأ داخليًا من خلال إعادة بناء الثقة بين الشعب والقيادة الفلسطينية، في ظل "ضعف غير مسبوق" في التنسيق والرؤية الموحدة، وتآكل الثقة الناتج عن أزمات الرواتب، والاقتصاد، والصحة، والتعليم، إلى جانب الانقسام السياسي وغياب الاستراتيجية الوطنية.

ويشير بشارات إلى أن الفلسطينيين أخفقوا في إدراك أن سياسة الاحتلال لا تستهدف محافظة أو منطقة بعينها، بل تستهدف الكل الوطني والجغرافي، مستشهدًا بتباين التفاعل مع عدوان الاحتلال على جنين وطولكرم مقارنة بمحافظات أخرى، ما يعكس خطر تفكك الإدراك الجمعي لوحدة الجغرافيا داخل الضفة نفسها.

ويؤكد بشارات أن استعادة المبادرة تبدأ بخطوات داخلية: وحدة الخطاب، وإعادة الثقة، وبلورة برنامج وطني شامل، وإدراك جماعي بأن الاستهداف شامل، ومن ثم الانتقال إلى تعظيم الضغط عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، لأن "العالم لن يرى خطورة ما يجري إن لم يدركها الفلسطينيون أولًا ويتصرفوا على أساسها".


ما يجري على الأرض يُعدُّ "ضمّاً فعلياً"


يشدد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح على أن ما يجري على الأرض في الضفة الغربية يُعدُّ "ضمّاً فعلياً" رغم التصريحات الأمريكية الرسمية الرافضة للضمّ العلني، مشيراً إلى أن السياسات الإسرائيلية الحالية تسعى إلى تحويل الواقع في الضفة الغربية إلى معازل وجيوب تفكك النسيج الفلسطيني وتقطع أوصاله الجغرافية والسياسية.

ويلفت الصباح إلى أن الإجراءات الميدانية الإسرائيلية تتضمن سيطرة واسعة على الأغوار ومسافر يطا، ونهب مناطق (ج) وتفريغها من سكانها، وفرض حواجز وبوابات تمنع التواصل التجاري والزراعي عبر الحدود الأردنية، إضافة إلى عمليات مصادرة أراض وتأسيس مشاريع استيطانية ووضع مناطق مثل بيت لحم وسلفيت وما تسمى "حديقة السامرة الوطنية" ضمن مخططات تهويدية تقضي على الترابط الجغرافي بين المحافظات.

ويبيّن أن مقترح مشروع الاستيطان في منطقة E1 يشكل نموذجاً واضحاً لفصل الضفة الغربية إلى شطرين، ما يجعل قيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافياً أمراً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.

ويلفت الصباح إلى أنه رغم أن بعض المسؤولين الأمريكيين صرحوا بأنهم "لا يستطيعون دعم الضم الآن"، فإن هذه الصيغة لا تعني الرفض الدائم، بل تترك هامشاً زمنياً لإسرائيل كي تفرض الوقائع قبل وضع "خطوط حمراء" حقيقية.

في حين، يؤكد الصباح أن السماح للمستوطنين بالتحرك وارتكاب اعتداءات ضد الفلسطينيين مع حماية عملية من سلطات الاحتلال، يمثل تحوّلاً خطيراً في طبيعة السيطرة على الضفة ويفتح المجال أمام تفاقم الانتهاكات والممارسات التي تفضي عملياً إلى التهجير والتفتيت.

ويرى الصباح أن اللامبالاة الدولية وتشتت الانتباه العالمي -خصوصاً بعد الانشغال الكبير بقضية الإبادة الجماعية في قطاع غزة وقضايا إقليمية أخرى- أعطت الحكومة الإسرائيلية "مساحة تنفيذ" لمشروعاتها دون محاسبة فعلية، ما أدى إلى فقدان الأمل لدى الكثيرين في جدوى حل الدولتين بالصيغة التقليدية.


خيار بديل وجذري


ويدعو الصباح إلى خيار بديل وجذري يرى أنه "السلاح الحقيقي" الذي لم تستخدمه الفصائل الفلسطينية بفعالية: الوحدة الوطنية.

ويؤكد الصباح أن الاستمرار في التفرّق الداخلي والتعامل مع الذات ككيانات متعددة سيوصل القضية إلى كارثة لا تعالجها الاتفاقيات الشكلية أو المفاوضات الجزئية.

ويقترح الصباح شعاراً قائماً على "فلسطين واحدة- دولة واحدة وديمقراطية" مستوحى من تجارب تحررية سابقة مثل جنوب أفريقيا، بوصفه الإطار الواقعي والعملي الوحيد القادر على كسب تعاطف دولي واسع وتحقيق حقوق الفلسطينيين المشروعة.

ويشدد الصباح على أن الطريق إلى الاستقلال لا يمر عبر التشرذم أو انتظار مواقف خارجية، بل عبر بناء مشروع سياسي فلسطيني موحّد قادر على الدفاع عن الوجود والحقوق وإعادة ترتيب الأولويات بما يتلاءم مع وقائع اليوم.



مساعٍ لتصفية القضية الفلسطينية


يؤكد الكاتب والباحث السياسي والمختص في العلاقات الدولية نعمان توفيق العابد أن حكومة الاحتلال الحالية "العنصرية"، تعمل على تصفية القضية الفلسطينية عبر الاستيلاء على الأرض وفرض واقع الاحتلال، معتمدة على تغيير الرواية الدولية وفرض انطباع عالمي بأن الاحتلال راسخ وغير قابل للانفكاك.

ويوضح العابد أن تركيز المجتمع الدولي على الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، سمح لحكومة بنيامين نتنياهو بالاستفادة من الانشغال الدولي لتعزيز مخططاتها في الضفة الغربية، من خلال زيادة الاستيلاء على الأراضي، ونزوح المواطنين الفلسطينيين، خصوصًا في المناطق البدوية والرعوية وفي مناطق "ج" بالأغوار.

ويؤكد العابد أن مشروع الاستيطان في منطقة E1، الذي يهدف إلى فصل الضفة الغربية إلى شطرين شمالي وجنوبي، سيجعل إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً شبه مستحيلة، ويزيد الضغط على السكان المحليين، فيما يتيح للمستوطنين ممارسة اعتداءاتهم على الفلسطينيين مع حماية كاملة من الحكومة الإسرائيلية.

ويشير العابد إلى أن هذه الإجراءات أدت إلى استشهاد العديد من الفلسطينيين، مؤكداً أن الحكومة الإسرائيلية تمنح المستوطنين الضوء الأخضر لانتهاك القوانين الدولية وفرض وقائع جديدة على الأرض، لتقليل أمل الفلسطينيين في حل الدولتين وتحقيق تقرير المصير.


تجاهل صريح للقوانين والقرارات الدولية


ويوضح العابد أن هذا الوضع يعكس تجاهلًا صريحًا للقوانين والقرارات الدولية، مدعومًا بالدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية، وبتغاضي المجتمع الدولي عن الاعتداءات في الضفة بينما ينصب اهتمامه على غزة.

ويلفت إلى أن مخاطر ما يجري في الضفة سياسية واستراتيجية، وقد تتجاوز أو توازي ما حدث في غزة، لأن الاحتلال يسعى لتقسيم الأرض، وإخضاع السكان، وفرض واقع جديد يصعب تغييره سياسيًا مستقبلاً.

ويؤكد العابد أن الحكومة الإسرائيلية كانت واضحة منذ تشكيلها بشأن أهدافها، إلا أن الجانب الفلسطيني الرسمي لم يكن جاهزًا لمواجهتها حتى إعلاميا، واكتفى بردود فعل محدودة، ما سمح للاحتلال والمستوطنين بالتحرك بحرية.

ويشدد على أن أي محاولة لإقناع المجتمع الدولي بخطورة ما يجري تتطلب أولاً تغييرات داخلية، تشمل إعادة بناء القيادة الفلسطينية، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتطوير خطاب فلسطيني موحد تجاه الاحتلال، مع تصعيد الضغط السياسي والدبلوماسي على المستوى الإقليمي والدولي.


استراتيجية شاملة لمواجهة السياسات الإسرائيلية


ويؤكد العابد أن هذه التغييرات يجب أن تتضمن استراتيجية شاملة لمواجهة السياسات الإسرائيلية على الأرض، وإعادة ترتيب أولويات الخطاب الرسمي والإعلامي الفلسطيني لتسليط الضوء على الانتهاكات الاستيطانية والاعتداءات العسكرية.

ويشير العابد إلى أن الأوضاع القادمة قد تكون أكثر قتامة وسوداوية، خاصة أن التصدي للسياسات الإسرائيلية يحتاج إلى تضافر جهود فلسطينية داخلية وخارجية، مع معالجة الانقسام السياسي وإعادة الثقة بين الشعب وقيادته، لضمان قدرة الفلسطينيين على مواجهة المخططات الإسرائيلية وفرض حقوقهم الوطنية بشكل فعال.



موافقة ضمنية على مشروع الضم والتهويد


يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أن الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها جزء كبير من المجتمع الدولي، لا تكتفي بالصمت حيال ما يجري في الضفة الغربية، بل تُظهر موافقة ضمنية على مشروع الضم والتهويد، رغم بعض التصريحات التي تبدو معارضة شكلياً، لكنها "مُجرّد ذر للرماد في العيون وتغطية على الواقع الحقيقي".

ويوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس تهويداً ممنهجاً واستيلاءً منظّماً على الأراضي والمقدرات الفلسطينية، عبر التوسع الاستيطاني، والمصادرة، وتغيير الطابع الديموغرافي والجغرافي، بينما يواصل العالم مراقبة المشهد دون اتخاذ خطوات رادعة.

ويشدّد عنبتاوي على أن الحديث الدولي عن السلام أو حل الدولتين، أو حتى الاعترافات الرمزية بدولة فلسطينية لا تقترن بإجراءات عملية توقف إسرائيل عن فرض الوقائع على الأرض، ما يجعل هذه المواقف ضمن دائرة التجميل السياسي لا أكثر.

ويبيّن عنبتاوي أن قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين يكثفون اعتداءاتهم على أرض الواقع بشكل ممنهج لتقويض أي فرصة لقيام دولة فلسطينية، في تحدٍ للقانون الدولي علناً، لإعادة تشكيل الضفة جغرافياً لصالح المشروع الاستيطاني.

ويعتبر عنبتاوي أن تركيز المجتمع الدولي على العدوان على غزة، رغم الكارثة هناك، "يصب عملياً في صالح مخطط فصل القطاع عن الضفة، ورفض وجود سلطة فلسطينية جامعة على الأرض".

ويعتبر عنبتاوي أن المشكلة البنيوية في الموقف الغربي، خاصة الأميركي، تقوم على افتراض أن إسرائيل "دولة صغيرة" تحتاج للتوسع للسيطرة الأمنية من البحر إلى النهر، وهو افتراض يتناغم بشكل كامل مع العقل الاستعماري الصهيوني ولا يتعارض معه أبداً. ويؤكد عنبتاوي أن التعامل مع الاستيطان كـ"أمر واقع" أو كظاهرة طبيعية، مع وصول عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى نحو مليون مستوطن، يبرهن على قبول دولي بالتغيير القسري للضفة، تمهيداً لفرض حلول تقوم على كانتونات وحُكم ذاتي منزوع السيادة، والتعامل مع الفلسطينيين كأقليات، وتشجيع الهجرة القسرية عبر التضييق المعيشي.

ويحذّر عنبتاوي من أن وجود وزراء إسرائيليين مثل سموتريتش وبن غفير داخل حكومة يمينية متطرفة، يؤكد أن الهدف لم يعد أمنياً بل استراتيجي وجودي يتمثل بالسيطرة الكاملة على الضفة، واعتبارها المهمة الكبرى التي يسعى الاحتلال لحسمها نهائياً.

ويؤكد عنبتاوي أنه دون تحرّك أميركي حقيقي ملزم وقادر على كبح إسرائيل، فإن واشنطن ليست وسيطاً بل شريكاً في المشروع ذاته، معتبراً أن كل المؤشرات تؤكد انتقال المشهد من إدارة الصراع إلى تصفية فعلية لإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا