آخر الأخبار

فرض "السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية.. الأبعاد السياسية والقانونية وتداعياتها على السلطة الفلسطينية

شارك

خاص الحدث

صوّت الكنيست الإسرائيلي، في خطوة غير مسبوقة، على قانون فرض "السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية، ما يكرس واقعًا جديدًا من شأنه أن يعيد تشكيل الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي. هذه الخطوة ليست مجرد تغيير إداري، بل تمثل تحولًا جذريًا في طبيعة العلاقة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية. مع تصاعد النفوذ الديني القومي في "إسرائيل"، تتسارع هذه التحولات لتصبح جزءًا من السياسات الحكومية، ما يضع العالم أمام تحدٍ حقيقي في كيفية التعامل مع دولة تفرض وقائع أحادية على الأرض، مخالفًا بذلك قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

هذا القانون يُنظر إليه في الأوساط الإسرائيلية على أنه تحقيق لشعار "أرض إسرائيل الكاملة"، وهو مبدأ يلقى دعمًا واسعًا في صفوف اليمين الديني والقومي. كما أن هذه الخطوة لم تأتِ بمعزل عن تطورات إقليمية ودولية وفرت للحكومة الإسرائيلية هامشًا واسعًا للتحرك دون مواجهة عقوبات فورية، وهو ما يعكس استثمارًا من قبل تل أبيب في حالة الارتباك الجيوسياسي العالمي لتكريس مكاسب استراتيجية طويلة المدى.

تعريف السيادة الإسرائيلية وأثرها الفعلي
مفهوم فرض السيادة يشير إلى إخضاع مناطق محددة في الضفة الغربية للقوانين المدنية والإدارية الإسرائيلية، وإنهاء العمل بالأنظمة العسكرية التي فرضت على هذه المناطق منذ عام 1967. هذه الخطوة تمثل آلية لتوسيع الولاية القانونية لـ"إسرائيل" دون الحاجة إلى مفاوضات أو اتفاقيات، في حين أن الأثر الفعلي لهذه الخطوة هو تكريس السيطرة الإسرائيلية بشكل دائم. على الرغم من أن التسمية قد تبدو أقل حدة من "الضم"، إلا أن النتيجة واحدة، وهي تمكين "إسرائيل" من فرض واقع استيطاني لا يمكن التراجع عنه.
وأظهرت تجارب سابقة، مثل فرض القانون الإسرائيلي على شرق القدس وهضبة الجولان، أن هذه الإجراءات لا تُغير شيئًا في الموقف الدولي ولكنها تخلق واقعًا يصعب الرجوع عنه مستقبلاً. كما أن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية أوسع تُعرف بسياسة "تقطيع الأوصال"، حيث يتم التعامل مع الضفة الغربية كمجموعة من المناطق المنفصلة إداريًا، لتسهيل عملية إدماج المستوطنات ضمن المنظومة القانونية الإسرائيلية مع إبقاء التجمعات الفلسطينية في حالة عزل جغرافي وإداري متزايد.

من الناحية النظرية، يختلف فرض السيادة عن الضم في كونه لا يتطلب إعلانًا رسميًا أو اعترافًا دوليًا، بل يقتصر على توسيع صلاحيات "إسرائيل" في الضفة الغربية. ولكن الفرق بينهما يظل إجرائيًا أكثر منه جوهريًا؛ فالنتيجة في النهاية هي فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. هذه الصيغة توفر لـ"إسرائيل" مرونة أكبر أمام الضغوط الدولية، حيث يتم تسويق الخطوة على أنها "إجراء داخلي" غير مرتبط بمفاوضات أو تغييرات كبيرة في الوضع الدولي.

لكن في الحقيقة، فهي تجعل السيطرة الإسرائيلية أكثر رسوخًا على الأرض وتُضعف أي احتمالات للتوصل إلى تسوية مستقبلية. ويعكس هذا النهج وعيًا استراتيجيًا لدى صناع القرار الإسرائيليين بأهمية اللغة القانونية في امتصاص ردود الفعل الدولية، إذ يتم تقديم الخطوة كتحرك إداري بينما هي في جوهرها تعبير عن مشروع ضم زاحف يهدف لإعادة صياغة خريطة الصراع بالكامل.

تتضمن آليات فرض السيادة عدة خطوات قانونية وإدارية، أبرزها: تعديل القوانين المدنية لتشمل المناطق الفلسطينية الخاضعة للاحتلال، وتوسيع صلاحيات الحكومة الإسرائيلية على هذه المناطق لتشمل مجالات التخطيط العمراني، والاقتصاد، والتعليم، والبنية التحتية. هذه الإجراءات تعني بشكل غير مباشر تحويل المستوطنات الإسرائيلية إلى مناطق ذات سيادة قانونية مستقلة عن الفلسطينيين، مع استمرار استبعاد الفلسطينيين من أي مشاركات فاعلة في هذه العملية. عمليًا، هذه الخطوة تمنح "إسرائيل" مرونة أكبر في الاستمرار في توسيع المستوطنات وفرض قوانينها على الأراضي الفلسطينية، ما يعزز شرعية الاحتلال الاستيطاني ويمهد الطريق لدمج المستوطنات ضمن المنظومة الإدارية الإسرائيلية. كما أن هذه الآليات تتضمن استحداث مؤسسات محلية مرتبطة مباشرة بالوزارات الإسرائيلية، بما يضمن فك ارتباط المستوطنات بأي ترتيبات أمنية أو سياسية قد تعيد طرح فكرة المفاوضات في المستقبل.

التداعيات الاقتصادية والسياسية

من الجوانب الاقتصادية، يتيح فرض السيادة "الإسرائيلية" استخدام الأراضي الفلسطينية المستولى عليها في مشاريع استثمارية وتجارية جديدة، سواء عبر البنية التحتية أو التوسع الزراعي. هذه المشاريع تستهدف تعزيز سيطرة "إسرائيل" على الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، مما يفاقم من استغلال الأراضي الفلسطينية لأغراض استيطانية.

علاوة على ما سبق، فإن هذه الإجراءات ستفتح الباب أمام استثمارات إسرائيلية في الضفة، وتحويل المناطق المصنفة (ج) إلى امتداد اقتصادي طبيعي للسوق الإسرائيلي، وهو ما سيؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الفلسطيني وتبعيته المتزايدة للاقتصاد الإسرائيلي. كما يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل أنماط العمالة الفلسطينية، بحيث تصبح أكثر ارتباطًا بسوق العمل الإسرائيلي، ما يضعف من قدرة الفلسطينيين على بناء اقتصاد مستقل قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

في حال تم تنفيذ فرض السيادة الإسرائيلية بشكل كامل على الضفة الغربية، ستفقد السلطة الفلسطينية قدرتها على التحكم في العديد من المناطق، ما سيؤدي إلى تآكل دورها الإداري والأمني. هذا التحول قد يعني نهاية المرحلة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقيات أوسلو، وبالتالي فإن السلطة ستتحول إلى كيان بلا وظيفة حقيقية سوى إدارة الشؤون المدنية في المعازل السكانية الفلسطينية.

قد تتجه السلطة الفلسطينية نحو التفكك الطوعي في حال استمرار هذه السياسات، مما يعني أن المسؤولية الكاملة عن إدارة شؤون السكان ستعود إلى "إسرائيل". هذا التحول سيضع السلطة أمام خيارين؛ إما أن تصبح إدارة محلية بلا طابع سياسي، أو أن تتحول إلى أداة في يد الاحتلال لتنظيم شؤون السكان الفلسطينيين. في كلا الحالتين، سيتقلص دور السلطة كممثل للمشروع الفلسطيني نحو دولة مستقلة، مما يعزز الضغط الدولي نحو إيجاد أطر بديلة لتمثيل الفلسطينيين في المجتمع الدولي.

ويثير هذا التساؤلات حول مستقبل التنسيق الأمني، الذي قد يصبح أداة أكثر إثارة للجدل في ظل تحولات السيادة الجديدة. كذلك، فإن استمرار هذا الوضع قد يفتح الباب أمام قوى فلسطينية أخرى لتملأ الفراغ السياسي والأمني، وهو ما سيعيد تشكيل المشهد الداخلي الفلسطيني بصورة قد تخرج عن سيطرة الاحتلال نفسه.

فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية سيؤدي إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى على الفلسطينيين؛ فقد تجد السلطة الفلسطينية نفسها غير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية في مناطق واسعة من الضفة، حيث سيتم سحب الصلاحيات الاقتصادية المتعلقة بالتخطيط والبنية التحتية لصالح الحكومة الإسرائيلية. كما سيواجه الفلسطينيون صعوبة في إدارة شؤونهم اليومية، وستزداد البطالة ويتراجع مستوى الحياة بشكل عام. كما أن تراجع الاستثمارات الأجنبية في ظل هذا الواقع سيضاعف الأزمة الاقتصادية، فيما سيؤدي إحكام السيطرة الإسرائيلية على الموارد إلى تهميش الاقتصاد الفلسطيني بالكامل. هذا الوضع سيزيد من معدلات الفقر والهجرة الداخلية، ويدفع المجتمع الفلسطيني إلى حالة من الاعتماد شبه الكامل على المعونات الخارجية، وهو ما يقوّض أي إمكانية لبناء مؤسسات وطنية فاعلة أو تحقيق تنمية مستدامة.

التهديدات الأمنية المترتبة على فرض السيادة
من الناحية الأمنية، فإن فرض السيادة الإسرائيلية سيؤدي إلى تعميق الحواجز الأمنية والحد من حرية الحركة للفلسطينيين. كما ستزداد عمليات التفتيش على الحواجز، مما يخلق بيئة من التوترات والاحتكاك بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، وسيتحمل الفلسطينيون عبئًا ثقيلًا من الإجراءات الأمنية، وستظل المستوطنات الإسرائيلية هي المراكز الرئيسية في عمليات التأثير على الأمن المحلي، ما يجعل أي نوع من المقاومة الفلسطينية أكثر تعقيدًا.

إضافة إلى ذلك، فإن تعميق السيطرة الأمنية قد يدفع نحو تفجر موجات جديدة من المقاومة الشعبية والمسلحة، خصوصًا في ظل انسداد الأفق السياسي. كما أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى إعادة إنتاج أنماط من "العنف" الممنهج الذي يفاقم من تدهور الثقة بين الطرفين، ويزيد من احتمالات انزلاق المنطقة إلى مواجهات مفتوحة واسعة النطاق.

التحديات القانونية الدولية
يؤكد خبراء قانونيون، أن فرض "إسرائيل" للسيادة على أراضٍ فلسطينية يعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، حيث تُعد الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967 أراضي محتلة، وأي تغيير في وضعها القانوني يعد باطلاً. وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، فإن الضم الأحادي للأراضي المحتلة محظور، كما أكدت محكمة العدل الدولية في 2004 أن الضفة الغربية لا تزال تحت الاحتلال. هذا التحول في الوضع القانوني قد يؤدي إلى فرض عقوبات دولية ضد "إسرائيل"، ويزيد من عزلة "إسرائيل" على الساحة الدولية. كما أن هذه الخطوة ستوفر مادة جديدة للمنظمات الحقوقية الدولية لإعادة تفعيل قضايا الملاحقة القانونية لمسؤولي الاحتلال في المحاكم الدولية، وهو ما يفتح الباب أمام مواجهة دبلوماسية طويلة الأمد قد تُربك الحسابات الإسرائيلية.

على المستوى الإقليمي، يُنظر إلى فرض السيادة كتصعيد للصراع الديني في المنطقة، ما قد يعمّق الهوة بين "إسرائيل" وجيرانها العرب، ويؤدي إلى زيادة الاحتقان الديني. كما أن الأردن يخشى من تهديد الوضع الخاص للأماكن المقدسة في القدس، ما قد يؤدي إلى تفاقم المواجهات الدينية في المسجد الأقصى. ومن الناحية الدولية، سيضع هذا التحول "إسرائيل" أمام تحديات كبيرة تتعلق بحقوق الفلسطينيين، حيث سيتحول الصراع من نزاع إقليمي إلى قضية حقوق مدنية ضمن دولة واحدة، ما يعزز من الضغوط الدولية على "إسرائيل" لتغيير سياساتها. ويُتوقع أن تسعى قوى إقليمية إلى إعادة إحياء مسارات سياسية جديدة لمواجهة هذه الخطوة، سواء عبر الأمم المتحدة أو من خلال مبادرات دبلوماسية موازية، ما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
على الرغم من أن "إسرائيل" قد تجد نفسها أمام تحديات اقتصادية وسياسية بسبب هذه الخطوة، فإنها قد تجد دعمًا من بعض القوى الإقليمية والدولية التي تتبنى موقفًا داعمًا للهيمنة "الإسرائيلية" على الأراضي الفلسطينية. هذا الأمر يضع المجتمع الدولي في موقف محرج، حيث سيضطر للضغط على "إسرائيل" لتعديل سياساتها أو مواجهة تداعيات قانونية واقتصادية قد تعيق مصالحها على المدى الطويل. لكن من الواضح أن "إسرائيل" قد تكون مستعدة لتحمل هذه الضغوط في مقابل تعزيز سيطرتها على الأراضي التي تشكل جزءًا من مشروعها الاستيطاني الطويل الأمد. كما أن استمرار الحماية السياسية من بعض القوى الكبرى سيُعطي إسرائيل مزيدًا من الوقت لترسيخ سيطرتها، ما يجعل أي تدخل دولي لاحق أقل تأثيرًا على أرض الواقع.

ويمثل فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية تتويجًا لمشروع استيطاني طويل المدى يهدف إلى تقويض أسس أي تسوية سياسية عادلة، وتحويل الواقع الفلسطيني إلى حالة دائمة من التبعية والحرمان من الحقوق. وبينما تحاول "إسرائيل" تقديم هذه الخطوة كإجراء قانوني داخلي، فإن جوهرها يكشف عن سياسة ضم زاحف تُعيد تعريف العلاقة بين الاحتلال والفلسطينيين من جديد، ما يفرض على المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية؛ فالصمت لم يعد خيارًا، والحياد ليس إلا شكلًا آخر من أشكال التواطؤ.

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا