آخر الأخبار

ارتفاع أسعار المقابر في مصر: شراكة مرتقبة بين الحكومة والقطاع الخاص، فهل تُحل الأزمة؟

شارك
مصدر الصورة

"حلم حياتي أن أجد مقبرة أُدفن فيها".. بصوتٍ باكٍ وبكلمات متقطعة مختلطة بالدموع أشارت شيماء إلى أزمتها، إذ أنها لا تستطيع توفير مقبرة تُدفن فيها عند موتها، بالقرب من محل سكنها في القاهرة، حيث تعيش الآن.

بدأت شيماء أحمد وهي سيدة مصرية في أوسط عمرها، رحلة البحث عن مدفن منذ نحو ثلاث سنوات، مدفوعة بتجربتها الشخصية؛ حيث توفي والدها وهي في سن صغيرة، وجرى دفنه في مقابر العائلة الواقعة بمسقط رأسها بمحافظة الشرقية وهو ما جعلها غير قادرة على زيارته بسبب بُعد المسافة، الأمر الذي ترك أثرًا نفسيًا بالغًا لديها.

خلقت لديها هذه التجربة، رغبة قوية في أن تُدفن بالقرب من أبنائها، حتى يتمكنوا من زيارتها بعد وفاتها، معتبرة ذلك حلماً تسعى لتحقيقه، لكنها فوجئت بارتفاع أسعار المقابر بشكل كبير، موضحة أنها صُدمت عندما وجدت أسعارًا تصل إلى 600 ألف جنيه مصري (نحو 13 ألف دولار أمريكي)، وتقول متهكمة "كنت أبحث عن مدفن صغير وليس مسكناً للعيش".

مصدر الصورة

التسارع في زيادة الأسعار

في الفترة الأخيرة ارتفعت أسعار المقابر في مصر بشكل كبير ومتسارع، إذ تتراوح أسعار المقابر في بعض المناطق بالقاهرة، بين 500 ألف و1.5 مليون جنيه (أي ما يعادل ٣٠ آلف دولار) للمساحات المتوسطة والكبيرة، وفي بعض المناطق تصل إلى أكثر من مليوني ونصف المليون جنيه (حوالي 52600 دولار).

أحمد الجندي الصحفي المتخصص في الإسكان والمستشار الإعلامي لجمعية المطورين العقاريين، أفاد بأن أسعار المقابر ارتفعت بنسبة تصل إلى 100% في بعض المناطق خلال عام واحد في الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2025.

ويقول الجندي إن أسعار المقابر ارتفعت مثلما ارتفعت أسعار كل القطاعات في مصر كالعقارات السكنية وغيرها، موضحاً أن كل من يملك مقبرة يرفع سعرها ومن يشتري منه يرفع السعر أيضًا فتدخل في سلسلة من تصاعد السعر.

كيف يحصل الناس على مقبرة؟

وتعد الطروحات التي تعلن عنها الحكومة المصرية من آن لآخر، السبيل الأكثر مشروعية للحصول على مقبرة، عبر نظام الاقتراع الذي تنظمه وزارة الإسكان أو أجهزة المدن والمحليات، داخل المناطق المخصصة للجبانات، لكن الاشتراطات التي تفرضها الدولة، تتسبب في استبعاد الكثيرين من راغبي الحصول على مقبرة، كما يقول الجندي، ما يدفع البعض إلى الشراء من أشخاص أو جمعيات.

وتشترط السلطات تخصيص أرض من الوزارة مباشرة للمتقدم، لتُخصص له مقبرة، وهو ما يصعب عملية التقديم، بحسب الجندي الذي يرى بضرورة تخفيف الاشتراطات وتعديل قانون 1966 المنظم للمقابر.

ويقول المستشار الإعلامي لجمعية المطورين العقاريين، إن تلك الاشتراطات تحرم ما بين 60% إلى 70% من راغبي شراء المقابر وخاصة في المدن من الحصول على مدفن خاص، بالقرب من محل إقامتهم، في ظل قلة عدد المقابر المتوفرة، وزيادة عدد الوافدين إلى المدن، ويطالب بالتوسع في إنشاء المقابر لتغطية الطلب المتزايد.

ويقول الحسين حسان أستاذ التطوير الحضاري والتنمية المستدامة، إن الطروحات الحكومية تكون بأسعار مناسبة وبسعر التكلفة كما تكون هناك تسهيلات في السداد على فترات طويلة، موضحاً أن ثمة ممارسات تؤثر على هذه الطروحات وتمنع استفادة المواطنين منها، ومن هذه الممارسات أن بعض الأشخاص يقومون بشراء مساحات كبيرة بأسماء وهمية من الأراضي المخصصة للمقابر، ثم يقومون بيعها للمواطنين بأسعار باهظة، بحسب تعبيره.

ولا يسمح القانون المصري بتملك أراضي الدفن، إذ تُخصص هذه الأراضي من قبل السلطات الرسمية بنظام حق الانتفاع، وليس الملكية.

مصدر الصورة

سوق موازية وإعلانات غير موثوقة

خلال السنوات الأخيرة، ظهرت سوق موازية يقودها سماسرة وشركات خاصة يشترون أراضٍ ضمن مشروعات حكومية قائمة ويعيدون بيعها بعد تجهيزها، في ظل قلة المعروض من الطروحات وخاصة على أطراف المدن، وهو ما دفع الأسعار للارتفاع.

وراجت إعلانات بيع المقابر في المجتمع المصري، عبر منصات التواصل الاجتماعي أو المواقع المخصصة لبيع العقارات، وجاءت الإعلانات بأسعار صادمة للجمهور بزعم أنها قريبة من العمران، الخدمات العامة أو المجمعات التجارية، أو أنها ذات تصاميم ومساحات مغرية.

أحمد جاب الله مؤسس إحدى الشركات المتخصصة في خدمات الدفن، قال إن من خلال رصدهم للسوق في الفترة الماضية أصبحوا ينصحون المواطنين بعدم الإقدام على شراء مقابر في الوقت الحالي، بعد رصد العديد من المشكلات الخطيرة المرتبطة بهذا الملف.

وأشار جاب الله إلى أن من أبرز هذه المشكلات عدم سلامة الأوراق القانونية في كثير من الحالات، حيث تكون هذه المقابر بنظام حق الانتفاع فقط، مع عدم السماح بالتنازل عنها أو بيعها، وأن هناك حالات أخرى تتعلق بعمليات نصب، يتم خلالها بيع المقبرة الواحدة لأكثر من شخص، فضلاً عن المبالغة الشديدة في الأسعار، دون وجود قيمة حقيقية تتناسب مع ما يتم دفعه.

وتقول شيماء أحمد إن رحلتها في البحث استمرت من خلال تصفح صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تعلن عن بيع المقابر، ثم التواصل مع بعض المعلنين، حيث تلقت ردوداً بأسعار متفاوتة، لكنها لم تشعر بالثقة تجاه هذه الصفحات. وأضافت أنه بعد تواصلها مع أحد الوسطاء، تأكدت من أن الأسعار مبالغ فيها بشكل لافت.

وتتساءل شيماء كذلك حول وجود رقابة حكومية على هذه الإعلانات سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في الشوارع. كما أعربت عن قلقها بشأن مستوى الأمان في بعض هذه المقابر، في ظل ما يُتداول أحياناً عن تعرض الجثث للسرقة أو النهب.

ويطالب مواطنون الحكومة بالمزيد من الجهود لتوفير المقابر والتوسع في إنشاء مقابر جديدة، وضبط عمليات البيع للحد من تفاقم الأسعار، كما يطالبون وفرض رقابة صارمة على جميع المقابر لضمان الأمان والمصداقية.

مصدر الصورة

شراكة مع القطاع الخاص

ومؤخرا أشارت تقارير في صحف محلية إلى أن الدولة بصدد الدخول في شراكة مع القطاع الخاص، في إطار خطة تقدمت بها إحدًى الشركات المختصة بخدمات الدفن لتطوير المقابر ونقل المتهالك منها لخارج الحيز العمراني، وكذلك إنشاء مقابر جديدة.

ويقول أحمد جاب الله المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، إن العام الماضي شهد العديد من الاجتماعات والنقاشات مع الحكومة، في إطار الحديث عن شراكة استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تخفيف العبء عن الدولة في ملف المقابر. وأوضح أن هذه الشراكة تقوم على ثلاثة محاور رئيسية، تشمل إنشاء مقابر جديدة بمعايير حديثة، والتعامل مع المقابر القائمة من خلال تقييمها وإعادة تأهيل الصالح منها، إلى جانب توفير مقابر مخصصة للفئات غير القادرة.

وأضاف أنه جرى تقديم مشروع متكامل للحكومة يوضح تصور المقابر الجديدة، وآليات إدارتها، وكيفية توافقها مع احتياجات المواطنين، مع مراعاة الأبعاد الدينية والثقافية، والالتزام بالقوانين المنظمة.

وأشار إلى أن مساحة المقابر داخل الحيز العمراني في القاهرة الكبرى وحدها تتجاوز 2124 فدانًا، لافتًا إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه المقابر أصبح غير صالح للاستخدام نتيجة عدة عوامل، من بينها طبيعة التربة وارتفاع منسوب المياه الجوفية، وهو ما يجعل نقلها إلى خارج القاهرة أمراً ضرورياً.

مصدر الصورة

مخاوف من ارتفاعات جديدة

الحديث عن دخول الدولة في شراكة مع القطاع الخاص في ملف المقابر أثار مخاوف بعض المواطنين، الذين يرون أن هذا من شأنه أن يرفع الأسعار مثلما حدث في قطاع العقارات السكنية، لكن البعض الآخر يرى أنه يمكن أن يكون بارقة أمل.

يقول أحمد جاب الله، إن دخول القطاع الخاص سيؤدي إلى خفض الأسعار وليس العكس، مشيرًا إلى أن هناك فرق بين قطاعي السكن والمقابر إذ أن قطاع السكن اجتذب الكثير من المستثمرين أو العملاء الأجانب في الفترة الأخيرة ما ساهم في رفع الأسعار، ولكن ذلك لن يحدث في قطاع المقابر وأنه سيكون جاذبا للمصريين فقط.

كما يقول إن القطاع الخاص عادة ما يحاول فهم متطلبات الشرائح المختلفة من المجتمع لتلبية احتياجات كل فئة، كما أن ذلك سيزيد المعروض ويخلق تنافسية تصب في مصلحة المواطنين وتؤدي إلى تقليل الأسعار.

واعتبر الصحفي أحمد الجندي أن خطوة الشراكة مع القطاع الخاص هي خطوة جيدة ولابد منها، حيث يرى أن ذلك سيساهم في توفير مساحات أكبر من الأراضي للمدافن، كما أن المطور يستطيع تنفيذ إنشاء المقابر بشكل أسرع وبعيدًا عن البيروقراطية.

وستتطلب هذه الشراكة تعديلات تشريعية على القانون الحالي الذي لا يسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في إدارة المقابر.

ويراجع مجلس النواب تعديلات لقانون الجبانات رقم 5 لسنة 1966، الذي يُنظم إنشاء وإدارة المقابر والجبانات في مصر، وبحسب مصادر يُنتظر تعديله في أولى جلسات البرلمان في العام الجديد.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا