أمرت النيابة العامة في مصر، الاثنين، بحبس أربعة عاملين، بإحدى المدارس الدولية، على ذمة التحقيقات، لاتهامهم بخطف وهتك عرض خمسة أطفال داخل أروقة المدرسة، وذلك في أول بيان رسمي تصدره النيابة بشأن الواقعة، التي أثارت صدمة في الشارع المصري على مدار الأيام الماضية.
ووفق البيان الذي نقلته وسائل إعلام مصرية رسمية وخاصة، اعترف اثنان من المتهمين باستدراج الأطفال في مرحلة رياض الأطفال وهتك عرضهم بعيدًا عن الإشراف وآلات المراقبة داخل المدرسة الواقعة شرق القاهرة، وأشار البيان إلى أنهم دأبوا على ذلك منذ ما يزيد على عام، وبررا الأمر بـ "هوسهم الجنسي بالأطفال".
وقالت النيابة إنها مجموعة من الأدلة ومن بينها سكين في المكان الذي وقع فيه الحادث، كما حصلت على أدلة رقمية من هاتفين جوالين لمتهمين تؤكد شغف المتهمين "بتلك الانحرافات الجنسية"، وفق البيان.
وزارة التربية والتعليم المصرية، أحالت مسؤولي المدرسة المذكورة، ممن ثبت تورطهم في "التستر أو الإهمال الجسيم" إلى الشؤون القانونية، ووضعت المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري.
وشددت في بيان لاحق على ضرورة اتباع إجراءات جديدة لحفظ سلامة الطلاب في المدارس الخاصة والدولية، تتضمن إلزامها بتحديث أنظمة كاميرات المراقبة، والتأكد من تغطية كافة المساحات والفصول الدراسية دون استثناء.
كما نص القرار على تكليف أكثر من موظف لمتابعة الكاميرات طوال اليوم الدراسي، والإبلاغ الفوري عن أي مخالفات قد تهدد سلامة الطلاب، فضلا عن التحقق من هوية العاملين ومتابعة دخولهم وخروجهم، وتفعيل إجراءات الكشف الدوري عن تعاطى المخدرات للعاملين بالمدارس.
قالت والدة إحدى الضحايا الخمسة عبر وسائل إعلام محلية، إن من التقط الخيط في البداية كانت ولية أمر أحد التلاميذ في مرحلة رياض الأطفال، والتي لاحظت بالصدفة وجود تغيرات وإصابات في جسد نجلها، وبعد فترة من محاولات الفهم والاستفسار من الطفل، فوجئت بأنه قد تم الاعتداء عليه جنسيًا من قبل عمال في المدرسة.
ودأبت أم الطفل بالبحث عن الأشخاص المتورطين في إيذاء ابنها، بأن عرضت عليه صور مجموعة من الفعاليات في المدرسة التي تضم أغلب العاملين فيها، واستطاع الطفل التعرف على صور بعضهم بالفعل، ثم اصطحبت ابنها وذهبت في اليوم التالي إلى محيط المدرسة في ساعة مبكرة قبل بدء اليوم الدراسي، حتى يشاهد ابنها العاملين أثناء دخولهم للمدرسة ليتعرف عليهم على الطبيعة، وبالفعل تعرف على ثلاثة منهم ودخلت المدرسة فور فتح باب الدخول، وقامت على الفور بالاتصال بشرطة النجدة وعمل بلاغ إثبات حالة حتى لا يحدث أي تلاعب أو إخفاء لمعالم الواقعة من قبل المدرسة، ثم بعد ذلك اشترك آخرون في البلاغ ليصل عددهم إلى خمسة أطفال معتدى عليهم.
يقول المحامي عبد العزيز عز الدين، الذي يحضر التحقيقات مع أهالي الضحايا لـ بي بي سي، إنه يتوقع وجود متورطين آخرين إضافة إلى المتهمين الأربعة، يشكلون شبكة مكتملة ينطبق عليها وصف الجريمة المنظمة، موضحًا أنه ربما يكون هناك أطفال آخرون تم الاعتداء عليهم ولم يتقدم أولياء أمورهم بالإبلاغ.
وطالب عز الدين بتوجيه الاتهام إلى جميع المسؤولين، ووقف أي تحقيقات بواسطة لجان، وتحويل المشكو في حقهم إلى النيابة العامة، وهم: مديرة المدرسة، مدير إدارة أمن المدرسة، مراقب الكاميرات، مشرفو مرحلة رياض الأطفال، والعاملة التي تساعد الأطفال لقضاء حاجتهم ومرافقتهم في أي شيء خارج الفصول الدراسية.
وأوضح أنه بحسب ما ذكر في التحقيقات، أن الاعتداءات على الأطفال من المتهمين لم تكن لفترة قصيرة وإنما امتدت لأكثر من عام، وأنه كان هناك مكان يتم فيه الاعتداء على الأطفال خلال العام الماضي، ثم تغير هذا المكان العام الحالي.
وذكر عز الدين أيضًا، أن أحد الأطفال تم الاعتداء عليه في مكان مفتوح مثل شُرفة أو شيء من هذا القبيل، وأيضًا أشار الضحايا إلى مكان آخر مظلم حدث فيه الاعتداء، وأن المتهمين كانوا يضعون السكين على رقابهم ويكممون أفواههم، حتى لا يخبروا أحدًا بما يحدث لهم.
وأشار مصدر قريب من التحقيقات إلى أن هناك بالفعل 5 أطفال آخرين على الأقل تم الاعتداء عليهم جنسيًا في نفس الواقعة، ومن قبل نفس المتهمين، ولكن لم يقم ذووهم بتقديم بلاغ رسمي، موضحًا أن هناك حديثاً عن عدد أكبر، وأن الجهات المعنية بصدد البحث عن كافة الضحايا.
وأثارت تلك الواقعة انتقادات لأوضاع التعليم في مصر، ومخاوف بشأن سلامة الأطفال في المدارس، خاصة بعد تكرار وقوع اعتداءات شبيهة خلال الآونة الأخيرة.
ومن بين الوقائع المشار إليها، ما عُرف إعلاميا بقضية "طفل دمنهور" الذي ارتدى في جلسة محاكمة مغتصبه زي "سبايدر مان"، وقد تعرض الطفل الذي لم يتجاوز السادسة من عمره للاغتصاب لفترة طويلة من قبل أحد العاملين في مدرسة خاصة بمحافظة البحيرة شمال القاهرة.
وعن الإجراءات التي أقرتها وزارة التربية والتعليم لمحاولة حماية الطلاب من حالات التحرش أو العنف الجسدي، ترى الدكتورة رحاب العوضي أستاذة علم النفس السلوكي في حديث ل بي بي سي، أن هذه الإجراءات ليست كافية، وأنه من الصعب الاعتماد على الكاميرات فقط لضبط الأمن وحفظ سلامة الطلاب داخل المدارس، وأنه حتى لو استطاعت بعض المدارس الخاصة تغطية المساحات كلها بالكاميرات، فماذا سيكون الحال في المدارس الحكومية ذات القدرة المالية الزهيدة والكثافة العددية المرتفعة جدًا للطلاب، مطالبة بمحاسبة المسؤولين وإقالتهم، بدءًا من كبار المسؤولين في وزارة التربية والتعليم ومدير المدرسة إلى المشرفين في المدرسة، على حد قولها.
وتقول العوضي إن هناك إجراءات أخرى لابد من اتباعها لتأمين سلامة الطلاب ومنع تعرضهم لمثل هذه الحوادث، أبرزها تغيير آليات اختيار العاملين مع عقد اختبارات للتأكد من سلامتهم العقلية والنفسية وملاءمتهم للوظائف المتقدمين لها، وكذلك آليات متابعة ومراقبة بعد تعيينهم لضمان التعامل الجيد والمناسب مع الأطفال.
وتشدد أستاذة علم النفس السلوكي على ضرورة تغليظ العقوبات الخاصة بالتحرش بالأطفال أو هتك عرضهم، وضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بذلك وتغييرها لتكون أكثر ردعًا لكل من يحاول الاقتراب من أي طفل.
وعن آليات حماية الأطفال من قبل ذويهم حتى لا يتعرضوا لهذه الحالات المتواصلة من التحرش والاعتداء، تؤكد العوضي أن الأمر يبدأ من الأسرة، ويتوجب على الأب والأم أن يقوموا بتوعية أطفالهم بشكل متواصل بشأن جسدهم والحدود التي ينبغي عليهم الحفاظ عليها، وألا يقترب منه الآخرون.
كما يجب عليهما أن يبنيا علاقة مع الطفل تقوم على الصداقة وكسر الحواجز النفسية وأن يعتاد الطفل على إخبار أبويه عن أموره كلها دون خوف، لكي يحكي لهما إذا تعرض لأي شكل من أشكال التحرش، حتى لا يقع فريسة لمثل هؤلاء الجناة الذين قاموا باغتصاب الأطفال لفترة طويلة دون أن يعرف الأهل.
تقول أستاذة علم النفس السلوكي رحاب العوضي، إن تعرض الأطفال للتحرش أو الاغتصاب قد يكون له آثار سلبية ممتدة خطيرة على المستوى النفسي، ومنها انعزالهم عن المجتمع بسبب تعرضهم لصدمة نفسية قوية، وشعورهم بعدم الثقة والوصم، وقد يصبح الطفل في المستقبل هو نفسه الجاني حتى ينتقم لنفسه مما حدث له وهو صغير، أو يمكن أن يعتاد الأمر فيطلبه هو بنفسه فيما بعد، خاصة إذا تعرض للتحرش لفترة طويلة ومرات متكررة، على حد قولها.
وتضيف العوضي أن المجتمع المحيط بالطفل قد يتعامل معه على أنه طفل موصوم، وقد يمنع الكثير من أولياء الأمور أبناءهم من التعامل مع هذا الطفل حتى لا يتأثروا بما قد يحكيه لهم عن الواقعة، مشيرة إلى أن هذا أيضًا قد يمنع الكثير من أولياء الأمور من الإبلاغ عن حالات التحرش بأبنائهم خشية وصمه وانعزاله عن المجتمع.
وعن كيفية علاج الطفل ودعمه نفسيًا إذا تعرض للتحرش، تقول أستاذة علم النفس السلوكي ل بي بي سي، إنه لابد في البداية من تغيير المجتمع المحيط بالطفل، وإبعاده عن الدوائر المعتادة خاصة التي وقعت فيها حالات التحرش كالمدرسة على سبيل المثال. كما ترى أنه على الوالدين محاولة تعزيز ثقة الطفل بنفسه، عن طريق شغله بالعديد من الأنشطة، والحديث عن مميزاته ومكانته وسط عائلته وأقرانه، وعدم الحديث عن الواقعة، لأن الطفل قد ينسى هذه التفاصيل خاصة إذا كان في سن صغيرة، وفق تعبيرها.
تشير سحر السنباطي رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة لـ بي بي سي، إلى أن المجلس يعمل على إعداد الكود الوطني المصري لحماية الأطفال في المدارس والحضانات، والمؤسسات الدينية ومراكز الرعاية البديلة والأندية، ويتضمن معايير السلوك المهني، وضوابط التعامل مع الأطفال، وتركيب كاميرات المراقبة، ومنع وجود أماكن مهجورة، وتوفير مشرفين بعدد كافٍ، وآليات للإبلاغ الداخلي.
وذكرت السنباطي أن تطبيق الكود سيتم من خلال اشتراطات الترخيص، والتفتيش المشترك، وإدماجه في معايير الجودة.
وأشارت إلى أهمية التعديلات التي أجريت على قانون العقوبات والمواد الخاصة بالطفل فيه في عام 2021، لكنها أوضحت أنها تحتاج إلى تعزيز، مثل تغليظ عقوبات الاستغلال الجنسي، وسد ما وصفتها بـ "ثغرات الرضا"، وتشديد عقوبات الجرائم الإلكترونية، وضمان حماية الطفل الشاهد من الوصم.
من جهتها، توضح المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة ل بي بي سي، أنه حسب القانون المصري فإن من هتك عرض أنثى دون رضاها يعاقب بمدة تصل إلى السجن المؤبد، خاصة إذا كان من القائمين على أمور تخص هذه الأنثى، دون تحديد عمرها.
وتضيف لبي بي سي، أن القانون أيضًا ينص على أن من يهتك عرض إنسان (ذكر أو أنثى) يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى سبع سنوات، وإذا كان من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ 16 عامًا، يجوز إيصال مده العقوبة إلى الحد الأقصى، وهو السجن المشدد، وإذا اجتمع هذان الشرطان معاً، يحكم عليه بالسجن المؤبد.
تشير الإحصاءات الصادرة عن المجلس القومي للأمومة والطفولة في مصر، إلى ارتفاع بلاغات التحرش بالأطفال بنسبة 35% في العامين الماضيين.
وتقول رئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، إن المجلس رصد خلال الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في البلاغات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية والتحرش بالأطفال، خاصة عبر خط نجدة الطفل، مؤكدة أن هذه الزيادة ترتبط بارتفاع الوعي وشجاعة الأسر في الإبلاغ، وتوسع حملات التوعية، وتحسن آليات الرصد، وليس بالضرورة بارتفاع معدل الجريمة.
وتوضح السنباطي أن بعض الوقائع داخل المدارس ترجع إلى قصور في أنظمة الحماية، مثل غياب الرقابة أو وجود غرف مغلقة غير مؤمنة أو عدم تفعيل سياسات الحماية بشكل فعال.
وأكدت أنه لا توجد مؤشرات رقمية مثبتة حول انتشار ما يسمى بـ "اضطراب البيدوفيليا" في مصر، لكن بعض الجناة يكشفون خلال التحقيقات عن ميول منحرفة، غالبًا مرتبطة بمحتوى رقمي عالمي خطير، مؤكدة أن أي اعتداء جنسي على طفل هو جريمة كاملة الأركان.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة