أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن دعوى قضائية رُفعت ضدها هي ووزيرين في حكومتها أمام المحكمة الجنائية الدولية تتهمهم بالتواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية في غزة تزامناً مع الهجوم الإسرائيلي على القطاع.
وفي مقابلة مع شبكة "راي" الإيطالية الحكومية، أوضحت ميلوني أن الدعوى تستهدف أيضاً وزير الدفاع جويدو كروزيتو ووزير الخارجية أنطونيو تاياني، مشيرة إلى اعتقادها بأن رئيس مجموعة ليوناردو الدفاعية روبرتو سينجولاني سيواجه محاكمة هو الآخر.
وشهدت إيطاليا مظاهرات واسعة خلال الأسبوع الماضي، خرج فيها مئات الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على الحرب في غزة وسط انتقادات حادة لميلوني من قبل المتظاهرين.
ورغم أن حكومتها اليمينية تُعد من أشد المؤيدين لإسرائيل، فإن ميلوني وصفت الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة بأنه "غير متناسب"، لكنها لم تقم بقطع أي علاقات تجارية أو دبلوماسية مع إسرائيل، ولم تعترف بالدولة الفلسطينية.
وجاء الهجوم الإسرائيلي على غزة بعد عملية نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أسفرت بحسب الإحصاءات الإسرائيلية عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة. وفي المقابل، أفادت وزارة الصحة في غزة أن الحرب الإسرائيلية أودت بحياة أكثر من 67 ألف شخص حتى الآن.
وتنفي إسرائيل الاتهامات المتعلقة بالإبادة الجماعية، فيما عبّرت ميلوني عن "دهشتها" من اتهامها بالتواطؤ، مؤكدة أن إيطاليا لم توافق على توريد أسلحة جديدة لإسرائيل بعد تاريخ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفي رد على تصريحاتها، قال متحدث باسم شركة ليوناردو إن سينجولاني سبق أن عبّر عن موقف الشركة في مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الشهر الماضي، واصفاً الاتهامات بأنها "تلفيق خطير للغاية".
على مدار 40 عاماً، باعت آنا ماريا تورتورا الطماطم الناضجة والخيار الطازج لزبائنها المخلصين في كشكها في أحد أسواق روما، ولم تكن تدرك أنه من المحتمل لتلك الفتاة الصغيرة التي كانت تصطف في طابور وتمسك بيد جدها أن تصبح اليوم رئيسة وزراء إيطاليا.
عن تلك الفتاة الصغيرة، جيورجيا ميلوني، التي قادت حزبها إلى المركز الأول في الانتخابات العامة الإيطالية وتولت منصب رئيس وزراء البلاد، تتفاخر آنا ماريا وهي تقول لبي بي سي مزهوة: "لقد ربيتها على حبوب الفاصولياء! لقد أكلت جيداً، ونمت جيداً".
يقع السوق في غارباتيللا، وهو حي جنوبي تقطنه الطبقة العاملة في روما ويعد تقليدياً معقلاً لليسار. ولا يبدو الحي مكاناً مناسباً لجذور سياسية لتلك الفتاة التي أصبحت أول رئيسة وزراء يمينية متشددة في إيطاليا منذ بينيتو موسوليني.
تقول مارتا، وهي متسوقة تدفع عربتها عبر أكشاك الخضار: "إنها لا تمثل هذه المنطقة، التي كانت حمراء (رمز اليسار) تاريخياً". أما والدتها المسنة، لوسيانا، فتقول: "أنا مناهضة بشدة للفاشية".
لكن جورجيا ميلوني ترفض بشكل قطعي أن تُنعت بالفاشية، وفي مقطع فيديو نشر عقب فوز حزبها بالانتخابات العامة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تحدثت جورجيا بالإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وأصرت على أن الفاشية هي أيديولوجيا من الماضي ولم تعد صالحة في هذا العصر.
لكن الماضي والتاريخ جزء من المشكلة في بلد لم يتبع نهج ألمانيا في عملية التطهير من النازية بعد الحرب، مما سمح للأحزاب الفاشية بإعادة تشكيل نفسها.
وتأسس حزب إخوان إيطاليا في عام 2012، ولدى الحزب جذور سياسية في الحركة الاجتماعية الإيطالية (MSI)، التي نشأت على أنقاض فاشية موسوليني.
وشعار الحزب مماثل لشعار أحزاب اليمين المتشدد في فترة ما بعد الحرب: اللهب ثلاثي الألوان، الذي يُنظر إليه غالباً على أنه النار المشتعلة في قبر موسوليني.
يقول جيانلوكا باساريلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابينزا في روما لبي بي سي: "لا تريد جورجيا ميلوني إسقاط الرمز لأنها الهوية التي لا تستطيع الهروب منها؛ إنها تمثل شبابها".
وأضاف: "حزبها ليس فاشياً... الفاشية تعني الاستئثار بالسلطة وتدمير النظام. هي لن تفعل ذلك وليس بمقدورها فعل ذلك. لكن هناك أجنحة في الحزب مرتبطة بالحركة الفاشية الجديدة... وجورجيا بطريقة أو بأخرى كانت دائما في الوسط".
إن مرحلة شباب جورجيا متجذرة في اليمين المتشدد، ضمن البدايات المتواضعة: الأمران اللذان يشكلان صورتها باعتبارها امرأة تنتمي للشعب وتمثله.
ولدت في روما، وكانت تبلغ من العمر عاماً واحداً فقط عندما غادر والدها فرانشيسكو العائلة وانتقل إلى جزر الكناري. كان فرانشيسكو يسارياً، أما والدتها آنا فقد كانت يمينية الهوى، مما أثار التكهنات بأن مسارها السياسي كان مدفوعاً جزئيا بالرغبة في الانتقام من والدها الغائب.
وانتقلت العائلة إلى غارباتيللا، لتصبح جورجيا قريبة من جديها. هناك وحين كانت تبلغ من العمر 15 سنة، انضمت إلى جبهة الشباب، وهو جناح اليافعين في الحركة الاجتماعية الإيطالية MSI الفاشية الجديدة، وأصبحت فيما بعد رئيسة الفرع الطلابي لخليفة الحركة، التحالف الوطني.
كان ماركو مارسيليو يعقد اجتماعاً في مكتب الحركة في غارباتيللا عندما طرقت جورجيا بابها في عام 1992. ورغم أنه كان رئيسها لعشر سنوات أصبح صديقاً مقرباً وحليفاً سياسياً، وشغل أيضاً منصب رئيس منطقة أبروتزو Abruzzo.
وقال لبي بي سي: "كانت تلك فتاة النحيلة، لكنها جادة للغاية وتمتع بروح تصميم عالية...لا مجال أن لا يلحظها المرء لأنها في اجتماعات الطلاب، كانت تمنع أي شخص آخر من الاستحواذ على المايكروفون".
على مر السنين، كان مارسيليو وجورجيا يتشاركان العطلات العائلية والمناقشات والتجمعات الاجتماعية، وقد راقبها وهي تنضج وتعزز ثقتها بنفسها، يقول مارسيليو: "كانت لديها مخاوفها وهواجسها في ذلك الوقت، لكن ربما كانت هذه نقطة قوة لأنها جعلتها تقرأ أي ملف يوضع بين يديها بشكل دقيق ومكثف، قبل معالجة أي قضية".
وفي 2008 عندما كانت تبلغ من العمر 31 سنة، أصبحت جورجيا ميلوني أصغر وزيرة في إيطاليا على الإطلاق، إذ تم تعيينها وزيرة لحقيبة الشباب والرياضة من قبل سيلفيو بيرلسكوني.
وبعد تشكيل حزبها الخاص في عام 2012، فازت بنسبة 4 في المئة فقط من الأصوات في الانتخابات الأخيرة في عام 2018.
وسعت ميلوني في أكثر من مناسبة إلى طمأنة حلفاء إيطاليا الغربيين، عبر دعمها بقوة للخط المؤيد لأوكرانيا في حكومة دراغي على سبيل المثال، رغم ذلك، فإن سياساتها الاجتماعية المحافظة المتشددة تثير قلق الكثيرين.
إذ أدلت رئيسة الوزراء الإيطالية بتصريحات مثيرة للانزعاج في هذا الشأن عندما قالت: "نعم للعائلة الطبيعية، لا لجماعات مجتمع الميم!"، وهي التصريحات التي جاءت صادمة للغرب. كما دعت إلى فرض حصار بحري على ليبيا لوقف قوارب المهاجرين.
وقال باساريلي، الذي يضعها في نفس قالب القادة الوطنيين المتشددين في المجر وفرنسا: "لا تشكل ميلوني خطراُ على الديمقراطية، لكنها تشكل خطراُ على الاتحاد الأوروبي".
ويمضي للقول: "إنها تقف في نفس الجانب الذي تقف فيه مارين لوبان في فرنسا أو فيكتور أوربان في المجر فهي تريد - أوروبا مؤلفة من أمم - بدلاً من الاتحاد، أي أن تكون كل أمة قائمة بذاتها... لذلك يمكن أن تصبح إيطاليا بمثابة حصان طروادة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتقويض الاتحاد الأوروبي، إذ ستمكّنه من مواصلة إضعافه".
ويعتقد باساريلي: "المهيمن في الأسرة الإيطالية هي" الأم ".. إنها الشخصية المسيطرة التي تتحكم في المطبخ..وميلوني تستخدم ذلك بذكاء لأنه يصب في صميم نظامنا".
وبالنسبة لحلفائها، تمثل جورجيا، ذات ال45 سنة، التحول السياسي الجذري الذي تحتاجه إيطاليا، نظرا للركود الاقتصادي الطويل الذي تعاني منه والمجتمع الذي يُنظر إليه على أنه يُحكم من قبل العجائز.
وقال ماركو مارسيليو بعد فوزها بالانتخابات في 2022: "لدي شعور عظيم، يماثل شعور الأب الذي يتأبط ذراع ابنته إلى مذبح الكنيسة يوم زفافها..لم نكن لنؤسس الحزب لولا إيماننا الراسخ بقدرتها على الوصول إلى هذا المكان".