آخر الأخبار

غارديان: السودانيات تُركن وحيدات على الكفاف بمخيمات صحراء تشاد

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

مع استمرار الحرب في السودان ودفعها مزيدا من الناس إلى عبور الحدود، تتزايد معدلات سوء التغذية في المخيمات النائية في تشاد ، إذ تشكل النساء والأطفال 86% من اللاجئين.

هذا ما تضمنه تقرير لمراسل صحيفة غارديان كامل أحمد من بلدة متشي على الحدود السودانية التشادية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 واشنطن تايمز: هكذا تستغل روسيا الهجرة للضغط على الغرب
* list 2 of 2 مناحيم كلاين: الخطاب الإسرائيلي يدور في حلقة مفرغة منذ 7 أكتوبر 2023 end of list

وفي تقريره الطويل عن أوضاع اللاجئين السودانيين، وغالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، يقول أحمد: لساعات طويلة كانت مكة إبراهيم محمد، البالغة من العمر 18 عاما، تتشبث بمقعدها وهي تهتز في سيارة الإسعاف التي تشق طريقها الموحل نحو المستشفى. كانت في حالة مخاض، تعاني من ألم مبرح بعدما تمزق رحمها، لكنها الآن تُقذف بين الحفر والمنخفضات على الطريق الممتد عبر صحراء تشاد.

أغلب اللاجئين السودانيين، الذين فروا إلى تشاد منذ عام 2023، يعيشون في هذا المشهد القاسي على الكفاف، ومعظمهم من النساء.

مسافات قد تكون قاتلة

يقيم هؤلاء اللاجئون في مخيمات معزولة وسط الصحراء، حيث الماء والغذاء محدودان، ولا فرص عمل، والمساعدة الطبية تبعد مسافات طويلة قد تكون قاتلة.

وكان المستشفى الذي تحتاج إليه مكة، وتديره منظمة أطباء بلا حدود يقع في متشي، وهو أحد المخيمات العديدة شرق تشاد، يبعد أكثر من ساعتين بالسيارة.

تقول مكة: "كنت أُصاب بالتهابات متكررة أثناء الحمل واضطررت لزيارة العيادة سبع مرات. وفي إحدى الزيارات بدأ المخاض، لكني لم أستطع الولادة طبيعيا لأن الرحم انهار. انتظرت ساعتين حتى وصلت سيارة الإسعاف، وكل ما أتذكره هو الألم… كان فظيعا لدرجة أنني فقدت وعيي".

كانت والدتها عائشة خميس عبد الله (40 عاما) تخشى أن تفقد ابنتها وحفيدها معا. لكن مكة نُقلت فور وصولها إلى المستشفى إلى غرفة العمليات، حيث أُجريت لها عملية قيصرية طارئة أنقذت حياتها وحياة طفلها مُوَيس.

تفاقم الخطر

قبل تدفق اللاجئين الحالي، كانت تشاد تمتلك ثاني أعلى معدل وفيات للأمهات في العالم، إلا أن ظروف اللاجئات السودانيات فاقمت الخطر.

إعلان

في مستشفى أطباء بلا حدود في متشي، حيث تم توليد 824 طفلا هذا العام معظمهم في حالات طارئة، يتمكن الأطباء من إنقاذ الكثير، لكنهم يشعرون بقلق شديد تجاه النساء اللواتي لا يصلن إلى المستشفى في الوقت المناسب.

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان قبل عامين، شكّلت النساء والأطفال 86% من اللاجئين الذين وصلوا إلى تشاد. ويُقدّر عدد السودانيين الذين تستضيفهم المناطق الشرقية من البلاد بنحو 1.2 مليون شخص، من بينهم 400 ألف فرّوا من الصراع السابق في دارفور .

وكثير من الرجال بقوا في السودان لحماية منازلهم وأراضيهم، وآخرون قُتلوا أو أُسروا أو أُجبروا على القتال. أما القادرون على العمل، فيغادرون بسرعة مخيمات اللاجئين القاحلة في تشاد للبحث عن فرص في العاصمة إنجامينا أو في ليبيا المجاورة.

النساء وحيدات

ويعني ذلك أن النساء يُتركن وحيدات من دون وسيلة لإطعام الأطفال أو المسنين الذين تحت رعايتهن. ولتجنّب الاكتظاظ قرب الحدود، نقلت الحكومة التشادية اللاجئين إلى مخيمات أصغر مثل متشي، يضم كل منها نحو 50 ألف شخص، لكنها تقع في مناطق نائية تفتقر إلى الخدمات والفرص.

وفي متشي، أنشأت منظمة أطباء بلا حدود مستشفى بدأ بخيام قليلة ثم توسع ليضم غرفة عمليات، لكن لا شيء غير ذلك تقريبا.

لا توجد وظائف، والعائلات تمشي لساعات لجمع الحطب، ويعيش كل فرد على نحو 9 لترات من الماء يوميا فقط، أي أقل بكثير من الحد الأدنى الموصى به عالميا وهو 20 لترا.

هذا العزل الجغرافي يعني أن المستشفيات تستقبل النساء الحوامل في مراحل خطيرة ومتأخرة. هناك سيارة إسعاف واحدة فقط تغطي المسافة بين مستشفى متشي والعيادة القريبة من مخيم العَلَشة، حيث تعيش مكة ضمن نحو 50 ألف لاجئ.

وقد وثّق فريق أطباء بلا حدود حالات انتظرت فيها نساء يعانين من آلام مبرحة طوال الليل حتى وصول سيارة الإسعاف بعد عبورها طرقا وعرة ووديانا تغمرها السيول خلال موسم الأمطار، ما يقطع الطرق تماما.

حالات الولادة كلها طارئة

تقول الجراحة أليخاندرا كريبوفيتش، من مستشفى أطباء بلا حدود في متشي: "كل حالة نراها هي طارئة تقريبا. بعض النساء يقطعن رحلات طويلة سيرا على الأقدام أو على ظهر حمار للوصول إلى المستشفى. تخيّل أن تكوني في الشهر التاسع من الحمل، في حالة مخاض، وتضطرين للسفر ساعات في عربة يجرها حمار. التأخير هو أخطر عامل، لكن هذه المعاناة بحد ذاتها تؤثر أيضا على الولادة".

كما أن سوء التغذية المتزايد يزيد من خطر المضاعفات أثناء الحمل، بما في ذلك تمزق الرحم، وهي حالة باتت مألوفة لفِرق أطباء بلا حدود.

وبعد عمليتها القيصرية، بقيت مكة في المستشفى لمدة شهرين. كانت تعاني من سوء تغذية أدى إلى إصابة بالعدوى، في حين يخضع طفلها للمراقبة الدقيقة. زوجها غادر إلى مدن أخرى بحثا عن عمل، فباتت مكة تعتمد كليا على والدتها.

الأطفال وسوء التغذية

توسّعت وحدة علاج سوء التغذية لتضم 6 خيام، وبدأت تستقبل أعدادا تفوق طاقتها. الأطفال يرقدون تحت شبكات البعوض في حر خانق وصمت تام تقريبا، بينما يعمل الطاقم الطبي على تحضير العلاجات ووزن الأطفال باستخدام ميزان بدائي مصنوع من دلو وحبل.

إعلان

في الحالات الخفيفة، يحصل الأطفال على أكياس بها معجون فول سوداني، وهو غنيّ بالعناصر الغذائية، أما الحالات الشديدة فتُعالج بحليب مقوّى يُعطى بانتظام. طفل مكة يُغذّى عبر حقنة.

أما صهيبة عبد الله أبو بكر، فابنها سفيان سليمان، البالغ 11 شهرا، يُغذّى عبر أنبوب أنفي. الطفل كان مريضا طوال عام، لكن الأطباء كانوا يعطونه مسكنات فقط من دون تشخيص، حتى قامت الأم بالرحلة الصعبة من العَلَشة إلى متشي.

تقول صهيبة: "كل يوم أرى مزيدا من الأطفال ينضمون إلينا في هذه الخيمة. الطعام الذي نحصل عليه رديء، لا يكفي، ولا يحتوي على أي قيمة غذائية".

لو كنا في بيوتنا لتمكّنا من التأقلم. يمكنك زراعة المحاصيل أو العمل لتكسب مالا، لكن هنا نحن نعتمد على ما يُعطى لنا فقط".

وما يُقدَّم لهم هو كمية قليلة من الذرة الرفيعة والزيت والملح، تُوزَّع كل شهرين. غذاء فقير يفتقر إلى العناصر الضرورية، والقليل من النقود التي تُمنح لهم لا تكفي لشراء شيء من السوق الأسبوعي، حيث الأسعار مرتفعة بشكل مبالغ فيه.

هاجمها الدعم السريع بالجنينة

وصلت صهيبة أبو بكر إلى تشاد في 2023 بعد أن فرت من مدينة الجنينة حين هاجمتها قوات الدعم السريع في يونيو/حزيران من ذلك العام. ولعدم توفر العمل في تشاد، غادر زوجها إلى ليبيا على أمل جمع المال كي تتمكن العائلة من اللحاق به. تعيش صهيبة أبو بكر الآن مع أقارب زوجها، يتقاسمون ما يتاح من الطعام.

خفض المساعدات الدولية

تقول إنها لاحظت بالفعل انخفاضا في كميات الغذاء الموزعة، وتخشى أن تؤدي الاقتطاعات المفاجئة في ميزانيات المساعدات الدولية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى إلى تفاقم الوضع.

فرغم أن حرب السودان خلقت أسوأ كارثة إنسانية في القرن الـ21، لم تتلق وكالات الأمم المتحدة في تشاد عام 2024 سوى 69% من التمويل المطلوب لتلبية الاحتياجات.

وحذّر برنامج الأغذية العالمي في يونيو/حزيران الماضي من أنه قد يضطر إلى تقليص المساعدات الغذائية أكثر إذا لم يُقدَّم تمويل إضافي.

لكل منهن قصة مع الألم

في متشي، تجتمع مجموعة من النساء السودانيات تحت شجرة. من بينهن عزّة دحية عثمان (65 عاما)، تنسج أوراق النخيل الجافة لتصنع منها منتجات بسيطة تبيعها في السوق. أخريات يبعن أكياسا صغيرة من الفول السوداني أو يعملن لدى مزارعين محليين لا يدفعون أحيانا أجورهن.

لكل واحدة منهن قصتها مع الألم. إحداهن فقدت جنينها بعد أن رفضت العيادات استقبالها رغم معاناتها من آلام المخاض.

تقول عثمان، التي تعاني من ارتفاع ضغط الدم، إن علاج الأمراض المزمنة في المخيمات غير متوفر إلا بعد أن تصل الحالة إلى مرحلة حرجة: "هل عليّ أن أموت حتى أحصل على علاج؟ لقد بحثت وبحثت عن المساعدة، ولم أستطع حتى الحصول على الدواء الذي أحتاجه".

قلق على الفاشر

غادرت عثمان السودان قبل عامين هربا من هجوم قوات الدعم السريع على الجنينة، أول مدينة في دارفور سقطت بأيديهم. واليوم، يعيش الناس في متشي على وقع القلق من أن تستولي هذه القوات على الفاشر، آخر مدينة في دارفور ما زالت تقاومهم.

وتزعم قوات الدعم السريع أنها تحارب حكومة سودانية تتكوّن من نخب تجاهلت المهمّشين لعقود، لكن عثمان تردّ بمرارة: "إنهم كاذبون. هم من قتلونا، ولا يمكن أن نعيش تحت حكمهم".

سيطرة قوات الدعم السريع على دارفور، وإنشاؤها إدارة موازية هناك، تعني أن اللاجئين في تشاد لا طريق أمامهم للعودة. والآفاق قاتمة: لا عمل للشباب سوى في مصانع الطوب المحلية أو مناجم الذهب في شمال تشاد، لذلك يهاجر معظمهم بحثا عن فرصة أفضل في أماكن أبعد.

كانت عفاف عبد المالك (21 عاما) تعيش حياة مريحة وتعمل في وظيفة حكومية في الفاشر قبل أن يُقتل شقيق زوجها أمام عائلته خلال محاولة قوات الدعم السريع الأولى الفاشلة لاحتلال المدينة عام 2023.

مجهولو المصير

ما يزال شقيقها الأكبر وأختها هناك، لكنها لم تسمع عنهما منذ ذلك الحين ولا تعرف إن كانا على قيد الحياة. حياتها الآن تدور حول البقاء اليومي مع والدتها المسنّة وأختها وابنة أختها الصغيرة، في البحث عن الماء والحطب.

إعلان

لا توجد مدارس للفتاة الصغيرة التي ما زالت تعاني من صدمة مقتل والدها أمام عينيها. وقد حذّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن تقليص المساعدات الدولية يهدد برامج التعليم الثانوي، وقد يؤدي إلى حرمان 155 ألف طفل من الدراسة العام المقبل.

الفتاة التي شهدت مقتل والدها على يد مقاتلي الدعم السريع ما زالت ترتعد خوفا كلما رأت رجلا يركب دراجة نارية.

الفتاة التي شهدت مقتل والدها على يد مقاتلي الدعم السريع ما زالت ترتعد خوفا كلما رأت رجلا يركب دراجة نارية، وهو المشهد الذي أعاد إلى ذاكرتها الغارات المفاجئة التي كانت تقتل وتخطف الناس في حيّهم.

تقول عفاف: "لا يمكننا نسيان ما رأيناه هناك. ابنة أختي ما زالت تتجمد في مكانها إذا رأت رجلا على دراجة نارية".

يحاولون استعادة الماضي

ورغم كل هذا الألم، تحاول عفاف أن تزرع شيئا من الفرح. فمسكن عائلتها محاط بحديقة صغيرة فيها نباتات وخضروات وبعض الأزهار التي تذكّرهم بـ"سودانٍ كان مزدهرا" بأشجار الليمون والرمان.

ولم تتمكن عفاف من شراء البذور، فكانت تأخذ قصاصات نباتية من الطرقات وتعيد زراعتها في بيتها، تنتظر موسم الأمطار لترى خضرتها تنبض بالحياة.

تقول: "أحيانا في الصباح أحتسي كوب شاي وأنا واقفة في الحديقة. يمنحني ذلك شيئا من السعادة، يعيدني إلى الحياة قبل الحرب ويجعلني أنسى كل ما حدث. أشعر للحظة بأن كل شيء ربما يكون بخير ذات يوم".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا