في 11 من يوليو/تموز من كل عام، تحتفل دول العالم باليوم العالمي للسكان، وهو مناسبة تهدف إلى رفع مستوى الوعي بالتحديات والفرص التي يطرحها النمو السكاني المتسارع.
ومنذ أن أقرته الأمم المتحدة عام 1989، أصبح هذا اليوم مناسبة سنوية لتذكير العالم بحجم المسؤولية المشتركة في إدارة قضايا السكان وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ارتفع عدد سكان العالم من 1.6 مليار نسمة في عام 1900 إلى أكثر من 8 مليارات نسمة اليوم. هذا النمو الهائل يُمارس ضغطا متزايدا على الموارد الطبيعية الحيوية كالغذاء والماء والطاقة، ويثير تساؤلات جوهرية بشأن قدرة الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول، خاصة النامية منها، على استيعاب هذه الزيادة.
يأتي شعار الأمم المتحدة لهذا العام ليحمل عنوانا محوريا: "تمكين الشباب من بناء الأسر التي يطمحون إليها في عالم عادل ومفعم بالأمل"، في إشارة إلى أهمية توفير الفرص والموارد التي تسمح لهم بتأسيس مستقبل قائم على الكرامة والاستقلال.
ويبلغ عدد الشباب في العالم اليوم نحو 1.8 مليار شخص تتراوح أعمارهم بين 10 و24 عامًا، ما يجعلهم الجيل الأكبر في تاريخ البشرية. هذا الجيل يواجه تحديات مركبة تشمل انعدام الأمن الاقتصادي، والتفاوت بين الجنسين، وضعف أنظمة التعليم والصحة، بالإضافة إلى التأثيرات المتفاقمة لتغير المناخ والنزاعات المسلحة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
ويُشدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش ، على أهمية دور الشباب بقوله: "إنهم لا يشكلون مستقبلنا فحسب؛ بل يطالبون بمستقبل عادل وشامل ومستدام".
ورغم هذه الأهمية، فإن أبرز الحقوق المهدورة للشباب في كثير من المجتمعات تتمثل في غياب فرص العمل اللائقة، وهو ما يحرمهم من الاستقلال الاقتصادي، ويعوق قدرتهم على تأسيس أسر، ويدفع أعدادًا متزايدة منهم نحو الفقر والتهميش.
ووفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية ، بلغ عدد الشباب العاطلين عن العمل في العالم عام 2024 نحو 65 مليون شاب وشابة، بينما وصلت نسبة غير المنخرطين في العمل أو التدريب إلى 20.4%.
وقد بلغت البطالة ذروتها في عام 2020 خلال جائحة كورونا، حيث وصل عدد العاطلين إلى نحو 75 مليون شخص، بحسب منصة "ستاتيستا".
وتُظهر الأرقام تفاوتا صارخا بين الدول ذات الدخول المختلفة؛ ففي الدول مرتفعة الدخل، يعمل 80% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و29 عامًا، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 20% فقط في الدول منخفضة الدخل.
الأخطر من ذلك أن ما يقرب من ثلثي الشباب العاملين في الدول الفقيرة يشغلون وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم التعليمية، ما يشير إلى فجوة واضحة بين المهارات المكتسبة واحتياجات سوق العمل، كما جاء في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي .
الدول ذات الأداء الأسوأ:
وهي الدول التي تسجل أعلى نسب للشباب خارج دوائر التعليم والعمل والتدريب (نييت NEET). وتعود هذه المعدلات المرتفعة إلى ظروف متنوعة، من بينها النزاعات المسلحة كما في الصومال وأفغانستان، أو هجرة الكفاءات إلى الخارج كما هو الحال في دول جزر المحيط الهادي .
حيث سجلت هذه الدول أدنى معدلات بطالة بين الشباب، بفضل أنظمة تعليمية متقدمة، وتدريب مهني فعّال، وسياسات تعليمية متصلة بسوق العمل.
لكن حتى هذه الدول تواجه تحدياتها الخاصة، فاليابان على سبيل المثال، تشهد انكماشا سكانيا وشيخوخة متسارعة، مما يؤدي إلى انخفاض طبيعي في معدلات البطالة بين الشباب نتيجة تقلص حجم القوة العاملة، وهو ما يثير في المقابل قلقًا من نقص العمالة في المستقبل القريب.
في المنطقة العربية، حيث يمثل الشباب غالبية السكان، تبرز أزمة البطالة كإحدى أكثر الأزمات إلحاحا وتعقيدا. ورغم تعافي بعض الاقتصادات العربية نسبيا من آثار الجائحة، فإن أسواق العمل لا تزال تعاني من ضعف هيكلي في خلق فرص العمل، وهو ما يعكس فجوة بين النمو الاقتصادي النظري والنمو الحقيقي في فرص التشغيل.
وبحسب منظمة العمل الدولية، يُتوقع أن تبقى معدلات البطالة في المنطقة مرتفعة عند 9.8% خلال عام 2024، وهي نسبة أعلى من معدلات ما قبل الجائحة. وتُعزى هذه النسبة المرتفعة إلى عوامل مركبة تشمل عدم الاستقرار السياسي، والنزاعات المسلحة، والأزمات الاقتصادية، وضعف القطاع الخاص، والضغوط الديمغرافية المتصاعدة.
وقدّرت المنظمة أن 17.5 مليون شخص في العالم العربي يبحثون عن عمل، مما رفع معدل فجوة الوظائف في عام 2023 إلى نحو 23.7%.
ويشير تقرير "التشغيل والآفاق الاجتماعية في الدول العربية – اتجاهات 2024" إلى أن المشكلات لا تتعلق فقط بعدد الوظائف المتاحة، بل بجودتها أيضًا. فعدد كبير من الشباب يعمل في القطاع غير المنظم، دون حماية اجتماعية أو مزايا أساسية.
وفي عام 2023، عانى نحو 7.1 ملايين عامل في المنطقة من فقر العمل، أي ما يعادل 12.6% من إجمالي القوى العاملة.
وتُعزز هذه الأرقام المؤشرات على وجود خلل بنيوي في أنظمة التعليم وتنمية المهارات، حيث لا تزال المخرجات التعليمية غير متوافقة مع حاجات السوق. بل إن الشباب من خريجي الجامعات يواجهون معدلات بطالة مرتفعة نتيجة هذا التباين بين التأهيل والطلب.
وخلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات التي تهدف إلى تحويل النمو السكاني إلى فرصة اقتصادية، وأبرزها:
إن التحديات التي تطرحها الزيادة السكانية، خصوصًا في فئة الشباب، ليست أرقامًا مجردة، بل انعكاسات حية لواقع اجتماعي واقتصادي يواجه خطر الانفجار إن لم تُعالَج أسبابه البنيوية بجدية واستباق.
ولذلك، فإن الاستثمار في الشباب -عبر التعليم الجيد، وتطوير المهارات، وتوفير فرص العمل اللائق- لم يعد خيارا تنمويا فحسب، بل أصبح ضرورة إستراتيجية لضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
فمجتمعات لا توفر لأجيالها الشابة ما يكفل لها العيش بكرامة، لن تستطيع مواكبة التحولات العالمية، ولا بناء مستقبل مستدام.