آخر الأخبار

حراك متجدد في مصر لإقرار قانون موحّد لمناهضة العنف ضد المرأة

شارك
مشاركون يناقشون مسودة قانون من أجل مناهضة العنف ضد المرأة خلال حلقة نقاشية بالقاهرة صورة من: R. Elsayed/DW

لا يوجد في مصر مظلة قانونية شاملة لمواجهة العنف ضد النساء في مصر إنما حزمة من التشريعات المختلفة والتي تركز على تغليظ العقوبات لمرتكبي العنف دون معالجة أسبابه ونتائجه، وهو ما حاولت مجموعة من المؤسسات التنموية والحقوقية معالجته وهما: مؤسسة قضايا المرأة ومؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي ومؤسسة القاهرة للتنمية والقانون ومبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، عبر إعداد مشروع قانون للعنف يتضمن شق قانوني ونفسي واجتماعي مع دمج الجناة والضحايا مرة أخرى في المجتمع ، حيث قامت تلك المؤسسات خلال الفترة القليلة الماضية بإعداد مسودة للمشروع ونظمت عدة حلقات نقاشية مع الخبراء والمختصين في هذا الاطار وآخرها ورشة للعنف النفسي نظمت في ٢٣ يونيو الجاري.

وتُعد هذه المحاولة امتدادًا لمبادرات سابقة، إذ سبق للمنظمات ذاتها أن قدّمت مسودة أولى لمشروع قانون مشابه عام 2017، نجحت في إيصالها إلى البرلمان عبر النائبة نادية هنري عام 2018، ثم لاحقًا عبر النائبة نشوى الديب في عام 2022، إلا أن المشروع لم يُطرح للنقاش البرلماني في الحالتين.

وفي عام 2025، أعادت تلك المؤسسات صياغة المسودة بما يتلاءم مع المستجدات القانونية والمجتمعية، على أمل أن يُدرج ضمن جدول أعمال البرلمان قريبًا، ويُناقَش تمهيدًا لإقراره، باعتباره خطوة ضرورية نحو توفير مظلة تشريعية متكاملة لحماية النساء في مصر من جميع أشكال العنف.

يسعى مشروع القانون إلى تقديم إطار قانوني موحّد يعالج العنف ضد المرأة في مختلف صوره، بما يشمل الأبعاد القانونية والنفسية والاجتماعية.صورة من: R. Elsayed/DW

مشروع قانون شامل لمكافحة العنف

نورا محمد، مديرة برنامج مناهضة العنف في مؤسسة قضايا المرأة المصرية، أشارت في حوارها مع DW عربية أن توقيت إعادة النقاش حول مشروع القانون الذي سبق وأن طرح عام ٢٠١٧ يأتي في توقيت مجتمعي أكثر حرجاً. وفسًرت ذلك بان " الثقافة الحالية مؤيدة للعنف أكثر ضد النساء وهذا العنف نتاج عادات وثقافات نشأنا عليها لدرجة أن العنف للجناة بات حق مكتسب للطرف الآخر، وكذلك السياق الاقتصادي". وأشارت إلى أن مشروع القانون منقسم إلى عدة أبواب؛ العنف الأسري ، والعنف الرقمي وهذا العنف أصبح متزايد مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والعنف في المجال العام في أماكن العمل أو الجامعات، وباب خاص بالحماية والوقاية من العنف، حسب نورا.

وتعوًل على الاهتمام الذي أبدته أعضاء مجلس النواب لنسخة المشروع لإعادة فتح الحوار داخل مجلس النواب مرة أخرى". وأكدت على أن هذا المشروع سيمنع التشتت في القوانين الأخرى، خاصة وأنه قائم على فلسفة التأهيل والعقوبات البديلة المادية لمرتكبي العنف وخضوعهم لخدمة مدنية ومجتمعية، ويتضمن بند خاص بتأسيس صندوق خاص بجبر ضرر الضحايا لتمكينهم اقتصادياً، مع تشكيل وحدات داخل أقسام شرطة بها اخصائيين نفسيين واجتماعيين.

من جانبها، أكدت النائبة نشوى الديب، التي تبنّت مشروع القانون الموحّد لمناهضة العنف ضد المرأة في عام 2022، أنها نجحت آنذاك في جمع توقيعات 60 نائبًا لدعم طرح المشروع داخل البرلمان، إلا أنه لم يُدرج على جدول النقاش.

وأوضحت الديب في حديثها لـ DW عربية أن "البرلمان كان يشهد في تلك الفترة تزاحمًا في التشريعات، وكانت هناك قوانين أخرى تعتبرها هيئة المكتب أكثر إلحاحًا، وفي مقدمتها قانون الإيجار القديم الذي استحوذ على جزء كبير من الوقت والاهتمام، ما حال دون مناقشة أي مشروعات قوانين أخرى".

ورغم ذلك، شددت الديب على أنها لا تزال ملتزمة بدعم المشروع، مضيفة: "سأسعى لإعادة طرحه من جديد داخل المجلس، خاصة في ظل الحاجة الملحة إلى قانون شامل يعالج مختلف صور العنف الموجّه ضد النساء".

تصاعد غير مسبوق لمعدلات العنف

ارتفعت وتيرة العنف ضد المرأة، وفقا لإحصاءات عام 2023، حيث تتعرض ما يقرب من 8 ملايين امرأة وفتاة للعنف سنويا في مصر. ووثقت مؤسسة "إدراك للتنمية والمساواة" 1195 جريمة عنف ضد الفتيات خلال العام الماضي، وجاءت جرائم القتل أعلى معدلات العنف بواقع 363 واقعة، منها 261 جريمة قتل نتيجة لعنف أسري.

آلاء عامر (اسم مستعار لسيدة)، في الثلاثينات من عمرها تعرضت للعنف أكثر من مرة من زوجها والذي قام بتهديدها بالقتل بدافع الغيرة من زملائها في العمل. وتحكي "لم أكن أتخيل ان يتم رفع السكين علي، شعرت بالخوف والقلق وتخيلت أنها ستكون اللحظة الأخيرة من عمري، ولكنني عندما توجهت للشرطة للإبلاغ عنه، توسًلت عائلته لعدم تقديم بلاغ ضده مقابل مساعدتي على الطلاق منه. وأضافت" رغم الانفصال عنه، ولكنني لم أتعاف من هذه التجربة السيئة لدرجة أنني لا أفكر في الزواج مرة أخرى حتى لا أعيش مرارة التجربة".

منى عزت، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة النون لرعاية الأسرة، أكدت في حوارها مع DW عربية على أن إصدار قانون موحًد سيلزم الدولة بمخرجاته والاعتراف به، وسيساعد على حل هذه المشكلة بشكل نهائي بشرط فعالية تنفيذه وتطبيقه وتحويله إلى سياسات عملية. وفسًرت عدم مناقشة البرلمان لمناقشة المشروع حتى الآن، قائلة "هناك فجوة في الرؤية بين المنظمات النسوية والدولة، إذ تتضمن رؤية المنظمات في تبني إجراءات لتغيير شامل لثقافة المجتمع ومواجهة الأفكار المحافظة وهو خطاب نسوي ليس محل قبول داخل المجتمع الذكوري والأبوي من قبل البرلمان والحكومة، رغم اهتمام الحكومة بتغليظ العقوبات".

شدد المؤسسات النسوية على أن تمرير القانون لا يحتاج فقط إلى توافق سياسي، بل إلى معركة مجتمعية لتغيير الثقافة السائدة تجاه العنف.صورة من: R. Elsayed/DW

الدعم النفسي للضحايا

أصبح هنالك قناعة لدى المنظمات النسوية أن الحل لا يكمن فقط في تغليظ العقوبات، بل بمعالجة الآثار النفسية للضحايا فعلى سبيل المثال رغم تطبيق القانون وإعدام قاتل الفتاة نيرة أشرف طالبة الجامعة أمام مرأى الجميع إلا أن هذه الحادثة قد تكررت مع أكثر من فتاة. لذلك، تضمن المشروع باب الحماية الذي نص على إنشاء صندوق مساعدة ضحايا جرائم العنف ضد النساء والفتيات، وتقديم الدعم الاجتماعي والنفسي لهن، يُمول من ميزانية الدولة.

ركزت الدكتورة مني أبو طيره أستاذ علم النفس جامعة عين شمس على العنف النفسي في حوارها مع DW عربية إذ أشارت إلى أنه يمارس من أجل إقصاء حقها في الميراث أو بسبب الاختلاف في الدين فكتير من الازواج يزعم بمرض زوجته نفسياً لحجزها بشكل قسري في المصحة النفسية، و طالبت بمراجعة قوانين الفتيات في المصحة النفسية. وأكدت أن هنالك تقدم في الوعي لدى النساء وأصبحن أكثر شجاعة في الإبلاغ.

وترى أن المطلوب للتوعية بالعنف النفسي هو تنظيم مستمر للندوات للحديث عن أنواع العنف وأشكاله والآثار الناتجة عنه والتوعية عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ووجود قانون داعم مع جدية الشرطة في التعامل مع شكاوى العنف وليس التعامل معه كنزاع أسري، وأخيراً محاسبة ودعم نفسي لكل الضحايا.

ويتفق غالبية ممثلي المؤسسات النسوية على أن جهود الدولة في التعامل مع ظاهرة العنف ضد المرأة قد شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى الخطاب الرسمي أو بعض التدخلات التشريعية والتنفيذية.

لكنهم في الوقت ذاته يرون أن هذه الجهود ما تزال غير كافية، خاصة في ظل عدم إدراج مشروع القانون الموحّد حتى الآن على جدول أعمال البرلمان، وهو ما يعكس، بحسبهم، أن الملف لا يحظى بالأولوية المطلوبة في الأجندة السياسية الراهنة.

ويشير بعض العاملين في هذا المجال إلى أن المشروع قد يصطدم بعوائق ثقافية واجتماعية، خصوصًا أنه يتضمن مواد قد تثير جدلًا في الأوساط المجتمعية، مثل المادة المتعلقة بتجريم الاغتصاب الزوجي، وهي من القضايا التي ما زالت محاطة بسوء فهم واسع في الخطاب العام.

ويؤكد هؤلاء أن إقرار مثل هذا القانون يتطلب معركة وعي شاملة، تهدف إلى تفكيك الصور النمطية المرتبطة بالعنف الأسري، وتوسيع الإدراك العام حول ماهية العنف وحدوده، بما في ذلك تلك الأشكال التي تُمارس داخل الحياة الزوجية وتُبرَّر ثقافيًا أو تُبرَّر دينيًا بشكل خاطئ.

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار