منذ القديم، مثلت النجوم والحياة خارج الأرض وإمكانية وجود كائنات فضائية ألغازاً حيرت البشر. وقبل تطور العلوم وغزو الفضاء وظهور التليسكوب والأقمار الصناعية، عجز البشر عن فهم العديد من الظواهر الفلكية واتجهوا لتأويلها بطرق مختلفة.
فبينما اتجه رجال الدين للحديث عن ظواهر خارقة، اختلف العلماء حول مسألة فهم ما يحصل خارج كوكب الأرض.
ومثلت النيازك وأحجار النيازك أمراً أرق العلماء على مدار قرون طويلة حيث اختلف الجميع حول طبيعة هذه الأحجار وشككوا في قدومها من الفضاء الخارجي. وعام 1803، تغيرت المفاهيم حول النيازك وأحجارها عقب حدث فريد من نوعه وقع بمنطقة نورماندي (Normandy) الفرنسية.
أثناء فترة اهتزت خلالها البلاد على وقع أزمات تلت الثورة التي أطاحت بنظام لويس السادس عشر وانتهت بصعود نابليون بونابرت عقب انقلاب عام 1799 وبداية الحروب النابليونية، عاشت فرنسا سنة 1803 على وقع حدث علمي غير مسبوق.
فظهيرة 26 أبريل من ذلك العام، انهار وابل من الشظايا النيزكية، تكون مما يزيد عن 3 آلاف شظية، على قرية ليغل (L'Aigle)، أو النسر كما تترجم حرفياً للغة العربية، الواقعة بنورماندي السفلى التي أصبحت بيوم الحاضر جزء من منطقة نورماندي الإدارية.
وحال سماعها بهذا الحدث الفريد من نوعه، أرسلت أكاديمية العلوم الفرنسية على عين المكان العالم الشاب، المختص بمجالات الفيزياء والفلك والرياضيات، جان باتيست بيو (Jean-Baptiste Biot) للتحقيق بهذا الحدث وتفسير مصدر هذه الأحجار الغريبة التي نزلت من السماء.
عقب مجهودات كبيرة قام بها جان باتيست بيو عن طريق الحصول على شهادات السكان الذين شاهدوا الحادثة وتمعنه بالأحجار، خلص هذا العالم الفرنسي لقدوم هذه الأحجار من الفضاء.
ولتأكيد نظريته، تحدث عن ظهور عدد كبير من الأحجار المتشابهة بالسماء في آن واحد. كما أكد على تطابق شكل ونوع هذه الأحجار مع أحجار أخرى سقطت بمناطق مختلفة. فضلاً عن ذلك، اعتمد على شهادات السكان المحليين الذين شاهدوا ما حصل وتحدثوا عن أمطار من الأحجار التي ألقاها نيزك، لقب بنيزك ليغل نسبة للقرية، عقب اقترابه من سماء قرية ليغل.
كما لعبت الأوصاف التي قدمها للحادثة بقرية ليغل دوراً هاماً في التمهيد لظهور علم النيازك. فبتلك الفترة، شكل تقرير العالم الفرنسي حدثاً مفصلياً في فهم النيازك وأصولها بعد جدل استمر منذ بداية تاريخ البشرية. وقبل 1803، مال كثيرون لنظريات أرسطو التي أكدت على وجود أصول أرضية للنيازك كما عوملت جميع التقارير حول مشاهدة النيازك بريبة وشكوك من قبل العلماء الذين شككوا في صدق من تحدثوا عنها.